كأني بهتلر يتململ في قبره، بعد أن أعلنت فنانة سابقة، أن مثل عبد الفتاح السيسي كمثل هتلر، وأن الشعب المصري بحاجة إلى هتلر ليحكمه!
لغير المصريين، نحن في موسم “الشحتفة”، وبين “وصلة شحتفة” و “وصلة شحتفة”، يجري امتاعنا بفاصل من “الشحتفة”، ولغير المصريين أيضاً فإن من يريد أن يقف علي معنى “الشحتفة” فليستمع إلى الفنانة الراحلة أمينة رزق، التي كانت التعبير الرسمي للشحتفة، وهي التي تخرج الكلمات من فمها مرتجفة باكية وهي سعيدة، وهي حزينة أيضاً!
في فاصل قصير، خرجت علينا سهير البابلي، من بين الأنقاض لتعلن أن السيسي هو هتلر، وأن المصريين لا يصلح معهم سوى حكم هتلر، وكانت هذه مناسبة طيبة لنقف من خلالها على أن البابلي لا تزال علي قيد الحياة، وكنت أظنها أنها رقدت على رجاء القيامة، مع المسيح، وقد ذكرت فريدة الشوباشي، في فاصل آخر من “الشحتفة” أن السيسي هو المسيح عيسي ابن مريم، فاتها أن مثل المسيح كمثل آدم خلقه الله من طين.
يحمل أنصار الانقلاب السيسي فوق رؤوسهم بحثاً عن شخصية تاريخية يتم تشبيهه بها، لأنه رجل بلا خلفية سياسية، وبلا تاريخ، فلا هو خاض حرباً وانتصر فيها، ولا هو كان صاحب موقف في حياته، يمكن أن يمثل “سي في” يمكنه من التقدم لحكم البلاد، لذا فقد تقرر صناعة تاريخ له، بحمله على زعماء، وأنبياء، ومصلحين!
فتقول قائلة إنه المسيح، فتشغلنا بمحاولة الوقوف على طبيعته، وهل كان يوسف النجار خاله، أم أبوه كما تدعي بعض المذاهب المسيحية، ويقولون إنه عبد الناصر، فيتم النظر إليه على أنه صاحب الإنجازات الكبرى في المرحلة الناصرية، وبالطبع يتم خصم الهزائم منه كهزيمة 67، وترفع صوره بجانب صور السادات، فيصبح هو الذي انتصر في حرب أكتوبر 1973، مع أنه كان حينئذ في المهد طالباً.
وعندما يعلن أديب كعلاء الأسواني، أن السيسي أعظم قائد عسكري بعد آيزنهاور، يتم النظر إليه على أنه من قاد قوات الحلفاء وجلب لهم النصر!
حسني مبارك عندما تولي الحكم، سئل عما إذا كان جمال عبد الناصر، أم أنور السادات؟ أجاب: اسمي حسني مبارك. لأنه -على ضحالته سياسياً- فقد كان لديه جزء من الشرعية الشخصية يمكن أن يعتمد عليه، فهو من القيادات العسكرية في حرب أكتوبر، فضلاً عن أن السادات اختاره نائباً، فتعامل على أن توليه منصب رئيس الجمهورية يدخل في باب الترقي الوظيفي الطبيعي.
السيسي، ليس مبارك، ولهذا كان طبيعياً أن نعيش في وجوده بمرحلة “الشحن والتفريغ”.. يتم شحنه بأنه عبد الناصر، وآيزنهاور، وديجول، وأخيرا جورج واشنطن، وهتلر، ويتم تفريغه بتقديمه على أنه الشاب الوسيم، حتى وإن لم يكن شاباً ولم يكن وسيماً!
وقد أدهشني ونحن في مرحلة “التفريغ”، أن تعيدنا سهير البابلي، إلى مرحلة “الشحن”، فتأتي سيادتها من الوضع السابق، من بين “الأنقاض” لتؤكد على أن السيسي كهتلر!
ليس لدي مانع في أن يكون السيسي هو هتلر، وأن نحييه بـ “هاي هتلر”، لكن هذا من شأنه أن يغضب جماعة الخير في تل أبيب، وهم من أعلنوا أن التلاحم الأمني بين مصر وبينهم هو الأكثر من أيام مبارك الذي كان يمثل كنزاً استراتيجياً للإسرائيليين، والذين يتقرب السيسي إليهم بالنوافل، وبتشويه المقاومة الفلسطينية، وحصار أهلنا في غزة، ليقربوه إلى البيت الأبيض زلفى.
في تقديري أن المذكورة بما قالت، لا تنكر المحرقة، ربما لأنها نظرت إلى المحرقة التي جرت للمعتصمين في ميداني رابعة والنهضة، فاعتبرت أن هذا من ذاك، ولهذا شبهت السيسي بهتلر، بيد أن الأزمة هنا أنها ترى المحرقة دليل شجاعة، ولهذا فان السيسي هنا هو كهتلر، وهي على يقين من أنها لن تؤذيه بما فعلت فهي من المحبين، وقد قالت ولم يقل!
الأخوة الناصريون في مصر، يعيشون في مرحلة الهزائم الكبرى، فلم ينجح لهم نواب عن طريق الانتخابات، إلا بتنسيق أمني مفضوح، تمكن خلاله “غريب” من النجاح في دائرة انتخابية لا يعرف حدودها، ودخل آخر بالتعيين البرلمان، وبتنسيق أمني أيضاً، حدث هذا قبل الثورة، وبعدها فإن من دخل من الناصريين البرلمان كان بعد أن حملهم الإخوان على قوائمهم، لأجل هذا عندما رأوا نجم السيسي بازغاً هتف هاتفهم: هذا ربي هذا أكبر!
الناصريون ليسوا في أزمة مع الحكم العسكري، فزعيمهم أسس بنيان الدولة العسكرية في مصر، والسيسي عندهم أعلى رتبة من عبد الناصر، ولهذا قالوا إنه ناصر الجديد، وصديقنا عبد الله السناوي، بعد أن تجاوزت الدعاية موضوع عبد الناصر، كتب في “الشروق” في الأسبوع الماضي أن عبد الفتاح السيسي مشغول بأن يكون عبد الناصر، مع أنه لم يقف ليسأل نفسه كيف لمن ينحاز لمشروع عبد الناصر أن يجد تأييدا من “الرجعية العربية”، على حد وصف عبد الناصر!
في تقديري أن صاحبهم السيسي محظوظ بهم، وهم يقومون بتشبيهه بشخصيات تاريخية دون أن يدعي هو ذلك، واللافت أنه لم يقل في أي خطاب له ماذا يمثل له عبد الناصر؟.. ولم يعلن ولو على سبيل الخطأ أنه منحاز لمشروعه، والمدهش أن ناصر الجديد في منامه حلم بالسادات ولم ير عبد الناصر!
لن تغضب إسرائيل عليه، لأن هناك في فاصل من “الشحتفة” رأت فيه سهير البابلي أنه هتلر، ولن يغضب عليه حكام الرياض مخافة أن يكون فعلاً عبد الناصر الجديد، فهو لم يقل ولكنهم قالوا.
ما علينا، فالقول بأن الشعب المصري يريد هتلر ليحكمه، يمثل إهانة لهذا الشعب لأن البعض يرى أن شعبنا الكريم لا يصلح معه إلا الحكم بالحديد والنور، والبعض ارتقى بالسيسي لهذا، بأنه القوي الأمين، تشبيهاً له بسيدنا موسى عليه السلام، ولا نعرف إزاء تشبيه فريدة الشوباشي بأنه المسيح، من أين نستقي تعاليم السيد السيسي؟.. بقراءة العهد القديم؟.. أم بقراءة العهد الجديد؟!
كلام الفنانة المتقاعدة، سهير البابلي، يأتي اتساقاً مع حملة تشويه الرئيس محمد مرسي بأنه الرئيس الضعيف..
حسناً، وما هي انجازات هتلر على الأرض؟!.. فالفوضى الأمنية زادت حدتها، بشكل لم تشهده مصر في عهد الرئيس مرسي، على الرغم من تواطؤ الأجهزة الأمنية ضده وباعتراف وزير الداخلية “بعظمة لسانه”. والانفلات الأمني، وصل إلى حد أن يتجرأ بلطجية على الدولة المصرية ويجردوا ضابط شرطة من ملابسه، ودفعه للمشي في الشوارع عارياً، وصار اللصوص يمارسون عملهم في حرية، وبالشكوى لأجهزة الأمن تكون النصيحة بالتفاوض مع هؤلاء اللصوص ودفع ما يطلبونه مقابل رد المسروقات!
فإذا انتقلنا إلى القوة في التعامل مع المتظاهرين السلميين، فإنها قوة لم تنتج أثراً، يكفي أنه رغم القتل، والحرق، والاعتقال، فان حالة التحدي لا تزال تزداد رسوخاً ومن تلاميذ صغار.
دعكم من حديث القوة وهتلر، فاعتبارات الوسامة تكسب، ولغة القس الذي يذوب عشقا في السيسي هي ما ينفع في حالته ويمكث في الارض، فاذا جاء متعسف مثلي وقال إنه ليس وسيماً و “لا يحزنون” أمكن الرد عليه بأن المسألة وجهات نظر، ولا يمكن أن تكون هناك من تعلن استعدادها أن تكون جارية في بلاط حبه، ولا يكون وسيما، وقد جاء في التراث التونسي: خدوا عيني شوفوا بها!
أرجوكم لا تهينوا هتلر أكثر من ذلك، احتراما لحرمة الموتى، ولا تزعجوه في قبره بتشبيه السيسي به، فصاحبنا ليس أكثر من وسيم، وليس هناك إجماع منعقد على أنه كذلك.