لم تختلف النتائج المعلنة عما توقعته استطلاعات الرأي في الأسابيع الماضية، حيث تأهل المرشحان إيمانويل ماكرون ومارين لوبن للدور الثاني من الانتخابات الرئاسية الفرنسية المزمع إجراؤها في الـ7 من مايو المقبل، إثر فوزهما في الدور الأول، أمس الأحد.
ماكرون ولوبن جنبًا إلى جنب نحو الدور الثاني
للمرة الأولى في تاريخ الانتخابات الفرنسية، لم يتأهل مرشحا التيارين التقليديين، اليمين واليسار، للدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، حيث تمّ إقصاء مرشحي كلا التيارين من الدور الأول للانتخابات التي تنافس فيها 11 مرشحًا حصل ثلاثة منهم على أقل من 1%.
بلغت نسبة المشاركة 77% مع انتهاء التصويت
في ساعة متقدمة من صباح اليوم، أعلن وزير الداخلية الفرنسي حصول المرشح المستقل وزعيم حركة “إلى الأمام”، إيمانويل ماكرون (39 سنة)، على المركز الأول بحصوله على نسبة 23.75% تليه مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان، التي حصلت بدورها على نسبة 21.53%، وتصاعدت نسبة المشاركة إلى 77% مع انتهاء التصويت، ودعي نحو 47 مليون فرنسي للمشاركة في هذه الجولة التي كان معدل الإقبال فيها قريبًا من المعدل الذي سجل في انتخابات 2012.
وجاء في المرتبة الثالثة، حسب النتائج الجزئية، مرشح اليمين فرانسوا فيون، وفي المرتبة الرابعة، مرشح أقصى اليسار جون لوك ميلونشون، لكن الفارق بينهما ضئيل جدًا، حيث حصل الأول على 19.91% والثاني على 19.64 % من الأصوات، وتمثل نتيجة انتخابات، أمس، هزيمة ثقيلة ليمين الوسط وليسار الوسط اللذين سيطرا على الساحة السياسية الفرنسية لنحو 60 عامًا.
دعم داخلي وخارجي لماكرون
مباشرة إثر إعلان المؤشرات الأولية لهذه الانتخابات، أعلن العديد من السياسيين الفرنسيين من ضمنهم مرشحين رئاسيين دعمهم الكامل لرجل الاقتصاد إيمانويل ماكرون في مواجهة مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان، التي يقولون إن سياساتها المناهضة للهجرة ولأوروبا تمثل كارثة على فرنسا.
أولى رسائل الدعم كانت من المرشح المحافظ فرانسوا فيون، حيث دعا الناخبين إلى تأييد إيمانويل ماكرون قائلاً إن مارين لوبان مرشحة اليمين المتطرف ستجعل فرنسا تفلس إذا فازت في الانتخابات، متهمًا إياها بالتطرف وعدم التسامح، وقال فيون لأنصاره بعد بدء ظهور النتائج: “ليس هناك خيار آخر سوى التصويت ضد اليمين المتطرف سأصوت لإيمانويل ماكرون”.
ماكرون يعتبر مرشح الليبيراليين
من جهته دعا مرشح الحزب الاشتراكي بونوا هامون الذي لم ينل سوى 6.8% حسب هذه التقديرات إلى التصويت لماكرون، واصفًا في الأثناء هزيمته بأنها عقاب للحزب الاشتراكي، بدوره، دعا رئيس الوزراء برنار كازنوف ووزير الخارجية جان مارك آيرولت إلى التصويت لماكرون في الجولة الثانية.
وقالت الرئاسة الفرنسية مساء اليوم إن الرئيس فرانسوا هولاند هنأ مرشح حركة “إلى الأمام” بفوزه في الدور الأول، وقبل ذلك قال آلان جوبيه رئيس الوزراء السابق، إنه سيمنح صوته بلا تردد لماكرون، وقال رئيس الوزراء السابق جان بيير رافاران عضو حزب الجمهوريين الذي ينتمي له المرشح المهزوم فرانسوا فيون: “بلا تردد فيما يتعلق بي يجب أن نساند إيمانويل ماكرون.”
رحب مارتن شولتس مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي لمنصب مستشار ألمانيا، بنجاح ماكرون ووصف هذا النجاح بأنه نجاح لأوروبا الموحدة
خارجيًا، رحب شتيفن زايبرت المتحدث باسم المستشارة الألمانية آنجيلا ميركل بانتقال ماكرون للدور الثاني للانتخابات الرئاسية الفرنسية، وقال زايبرت في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي تويتر: “جيد أن إيمانويل ماكرون وبرنامجه الداعي إلى أوروبا قوية واقتصاد السوق الاجتماعي، انتصر، بالتوفيق في الأسبوعين القادمين”، كما هنأ رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، ماكرون، وأشاد في بيان نشره على موقع تويتر بالنتيجة التي حققها ماكرون في الدورة الأولى وتمنى له “التوفيق لاحقًا” في الدورة الثانية عندما سيتواجه مع مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن.
بدوره رحب مارتن شولتس مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي لمنصب مستشار ألمانيا، بنجاح ماكرون في الجولة الأولى من الانتخابات الفرنسية ووصف هذا النجاح بأنه نجاح لأوروبا الموحدة، وقال شولتس إنه بعد الهولندي خيرت فيلدرز المنتمي لليمين الشعبوي، تعاني الهزيمة الآن لوبن “العنصرية الصريحة والمناوئة لأوروبا”، مشيرًا إلى أن هذا خبر سار لفرنسا ولألمانيا ولأوروبا، ورأى منافس المستشارة آنجيلا ميركل في الانتخابات المقبلة، أن على كل الفرنسيين الراغبين في أوروبا متسامحة وحدود مفتوحة، أن يحتشدوا في الجولة الثانية خلف ماكرون.
ترحيب أوروبي كبير بصعود ماكرون للدور الثاني
بدوره رحب وزير الخارجية الألماني زيغمار غابرييل، بنجاح ماكرون، وقال غابرييل في فيديو نشره موقع وزارة الخارجية الألمانية على تويتر: “أنا متأكد أن ماكرون سيكون الرئيس الفرنسي الجديد”، وتابع نائب المستشارة آنجيلا ميركل قائلاً: “ماكرون هو المرشح الوحيد المؤيد لأوروبا والذي لم يكن يختبئ وراء أحكام مسبقة تجاه أوروبا.”
استطلاعات الرأي ترجح ماكرون
مع انتهاء التصويت في الجولة الأولى، أشار استطلاعان للرأي أجريا أمس الأحد إلى أنه من المتوقع أن يفوز المرشح المستقل إيمانويل ماكرون بالجولة الثانية من انتخابات الرئاسة الفرنسية في الـ7 من مايو المقبل وأوضح استطلاع أجرته مؤسسة هاريس إنتر أكتيف لحساب محطة إم 6 التليفزيونية أن 64% ممن استطلعت آراؤهم سيصوتون لوزير الاقتصاد السابق، بينما يتوقع أن يعطي 36% أصواتهم لليمينية المتطرفة مارين لوبان.
في الوقت نفسه توقع استطلاع أجرته مؤسسة إبسوس سوبرا ستيريا لحساب تليفزيون فرنسا فوز ماكرون بنسبة 62% من الأصوات مقابل حصول لوبن على 38%.
ماكرون.. صوت الأمل “لبلاده ولأوروبا”
رغم حداثة سنه في عالم السياسة، فقد تمكن إيمانويل ماكرون من أخذ خطوة كبيرة له نحو رئاسة فرنسا ليكون الرئيس الثامن لفرنسا، وفي خطاب النصر قال ماكرون لأنصاره أمام مقر حملته الانتخابية: “غيرنا في سنة واحدة وجه السياسة الفرنسية”، ومضى يقول إنه سيأتي بوجوه جديدة لتغيير النظام السياسي القديم إذا اختاره الناخبون، مؤكدًا أنه سيحمل صوت الأمل لبلاده ولأوروبا.
يعرض ماكرون – ذو الخلفية الاقتصادية والتجربة المهنية في عالم المال والأعمال – رؤية مخالفة لما هو موجود في فرنسا
وطالب ماكرون الذي لم يمض على تأسيس حزبه “إلى الأمام” سوى عام واحد ولم يشارك مطلقًا في أي انتخابات برلمانية، جميع “الوطنيين” بالاحتشاد خلفه ضد تهديد من وصفهم “بالقوميين”، وقال: “أريد أن أصبح رئيسًا لكل الشعب والوطنيين، ضد القوميين وتهديداتهم، رئيسًا يحمي، رئيسًا يبني ويسمح للجميع بالعمل والبناء، رئيسًا يساعد من لديه الأقل والمستضعفون من خلال المدرسة الصحة والعمل والتضامن”، مؤكدًا أنه سيعمل اعتبارُا من اليوم على بناء أغلبية برلمانية لكي يتمكن من الحكم بعد الانتخابات التشريعية في يونيو المقبل، سعيًا لتحرير العمل وضمان أمن فرنسا وتجديد التعليم والبناء الأوروبي.
ويعرض ماكرون – ذو الخلفية الاقتصادية والتجربة المهنية في عالم المال والأعمال – رؤية مخالفة لما هو موجود في فرنسا، إذ يقدم نموذجًا اقتصاديًا ينبني على الليبرالية الاجتماعية ويشابه حالة الدول الإسكندنافية، ويشدد على ضرورة الانفتاح وتشجيع القطاع الخاص وريادة الأعمال مع الحفاظ على الحماية الاجتماعية.
لوبن تتعهد بالدفاع عن فرنسا ضد “العولمة المتوحشة”
مباشرة إثر صعودها إلى الدور الثاني، إلى جانب ماكرون، تعهدت الزعيمة اليمينية المتطرفة مارين لوبان، التي تراهن على الموجة الشعبوية التي حملت دونالد ترامب إلى البيت الأبيض ودفعت بريطانيا إلى اختيار الخروج من الاتحاد الأوروبي، للفوز في الانتخابات، بالدفاع عن فرنسا ضد “العولمة المتوحشة”، وقالت لوبن أمام أنصارها: “النتيجة تاريخية، إنها تضع على عاتقي مسؤولية كبيرة للدفاع عن الأمة الفرنسية، عن وحدتها وأمنها وثقافتها ورخائها واستقلالها.”
مارين لوبن تدعو للخروج من الاتحاد الأوروبي
وتابعت قائلة: “الشيء الأساسي على المحك في هذه الانتخابات هو العولمة المتوحشة التي تهدد حضارتنا”، وحثت الناخبين الفرنسيين على التخلص من قيود “النخبة المتغطرسة”، والتصويت لها، مشيرة إلى أنه على الفرنسيين الاختيار بين الأمن أو “وريث فرنسوا أولاند.”
وأوضحت أنه على الفرنسيين استغلال هذه الفرصة، حيث بات أمامهم خياران إما انعدام الضوابط والهجرة والإرهاب والمال كملك، أو اختيار “هويتنا وأمننا والتغيير والتداول الكبير الذي يضع وجوهًا جديدة في السلطة”، مؤكدة أن هذا لن يحدث مع “وريث فرنسوا أولاند” في إشارة إلى إيمانويل ماكرون.
وتلقت لوبان التي تتزعم المتشككين في جدوى البقاء في الاتحاد الأوروبي بالصيغة الحالية، تهاني من رئيس لجنة الشوؤن الخارجية في الغرفة السفلى للبرلمان الروسي، كونستانتين كوساتشيف، الذي قال: “مارين لوبان هي الأمل الوحيد في التغيير”، وترغب لوبن في سحب بلادها من اليورو ومن نظام التنقل الحر في فضاء شنغن الأوروبي.
تدعو لوبن في برنامجها الانتخابي إلى السيادة الفرنسية ومناهضة العولمة، وتجهر بمعاداة الهجرة والفرنسيين ذوي الأصول العربية
وتعتبر نتيجة اليمين المتطرف، الثانية من نوعها، إذ حقق هذا التيار سنة 2002 مفاجأة كبرى بوصوله إلى الدور الثاني من الانتخابات الفرنسية عام 2002 عندما تقابل لوبان الأب مع جاك شيراك، فتهيأت فرنسا لمواجهة اليمين المتطرف ونجح شيراك إبانها بأغلبية ساحقة ناهزت 82%.
وتدعو لوبن في برنامجها الانتخابي إلى السيادة الفرنسية ومناهضة العولمة، وتجهر بمعاداة الهجرة والفرنسيين ذوي الأصول العربية، وبمحاربة مظاهر التدين وبتشديد الممارسات الأمنية، وتقييد عمل المهاجرين عبر زيادة الضرائب على المؤسسات الفرنسية التي توظف أجانب، وبزيادة ساعات العمل وتوطين العديد من القطاعات الاقتصادية التي تهتم بالتصنيع، وتقدم خطابًا شعبويًا يتعهد بتنظيم استفتاء للخروج من الاتحاد الأوروبي شبيه بـ”البريكسيت”، وبمراجعة اتفاقيات التبادل الحر مع العديد من دول العالم.