منذ بيان 3 يوليو 2013، والذي عُزل على إثره الرئيس الأسبق محمد مرسي، ومصر تعيش أجواء عنف غير مسبوقة، لا يكاد يمر أسبوع على المصريين دون وقوع ضحايا على يد الدولة من جانب أو التنظيمات المسلحة من جانب آخر.
وصل هذا العنف المتبادل إلى ذروته خلال العشرة أيام الماضية، والتي شهدت 3 أحداث خطيرة، بدأت في 9 من أبريل عندما استيقظ المصريون على حدث مروع اعتاد عليه المسيحيون خلال الفترة الأخيرة، وهو تفجير كنيستي مارجرجس بطنطا والمرقسية بالإسكندرية، وتبنى تنظيم “داعش” التفجيرين، لم يمر سوى يومين حتى بث التنظيم ذاته في 11 من أبريل فيديو تسجيليًا أطلق عليه “صاعقات القلوب” يتضمن عدة لقطات لقنص جنود وضباط مصريين في سيناء، وفي 20 من أبريل بثت قناة “مكملين” فيديو كارثيًا يظهر فيه أشخاص بزي عسكري رسمي وهم يُصفون عدة أفراد، بينهم طفل، سبق وأن نشر المتحدث العسكري صورهم في 6 من ديسمبر 2016، وقال إنهم سقطوا خلال مداهمات “قوات إنفاذ القانون” لجيوب الإرهاب في شمال سيناء.
“عشرية أبريل السوداء” أعادت إلى الأذهان مشاهد “عشرية الجزائر السوداء” التي اندلعت أحداثها في يناير 1992
“عشرية أبريل السوداء” أعادت إلى الأذهان مشاهد “عشرية الجزائر السوداء” التي اندلعت أحداثها في يناير 1992 بعد إلغاء الجيش لنتائج الانتخابات البرلمانية التي شهدت صعود الجبهة الإسلامية للإنقاذ، لتدخل البلاد في دوامة عنف لم يُكتب الفصل الأخير فيها إلا عام 2002، وسقط في هذه الحرب، بحسب عدة منظمات حقوقية، ما يقارب 200 ألف إنسان، بخلاف الخسائر المادية الضخمة.
“الحرب القذرة” هو عنوان كتاب أصدره، عام 2003، حبيب سويدية، ضابط سابق في القوات الخاصة بالجيش الجزائري، عايش تفاصيل الحرب الدموية، وقدم فيه شهادة مرعبة لما رآه بعينيه من مشاهد التعذيب والإعدامات العرفية، وما أسماه “عمليات الجنرالات القذرة” ضد المدنيين، وغسيل المخ الذي تعرض له الجنود، والدور المضلل للإعلام في هذه الحرب.
فماذا حدث في الجزائر قبل 25 عامًا ويطل برعبه في مصر هذه الأيام؟
في البدء.. 26 من ديسمبر
في 26 من ديسمبر 1991، توجه الجزائريون إلى مقرات الاقتراع للتصويت في الانتخابات التشريعية، يقول سويدية إن الإسلاميين كانوا يحثون الناس على التصويت لصالحهم قائلين “ستذهبون إلى الجنة، صوتوا للجبهة الإسلامية للإنقاذ”، في مساء ذلك اليوم أظهرت النتائج الأولية فوزًا كبيرًا للحزب الإسلامي بأكثر من 47% من الأصوات، متقدمًا على جبهة التحرير الوطني وجبهة القوى الاشتراكية.
9 من فبراير أُعلنت حالة الطوارئ وفُتحت معسكرات اعتقال في “رقان” و”وادي الناموس” جنوب الجزائر
في مساء هذه الليلة اجتمع الجنرالات خالد نزار، عبدالملك قنايزية، محمد مدين، محمد العماري، محمد طواطي، عبد المجيد تغريرت، خليفة رحيم، طيب دراجي، بن عباس غزيل، برؤساء المناطق والمسؤولين العسكريين الرئيسيين وبعض رجالات النظام القدماء، يقول سويدية إن ضباط الجيش فهموا من هذا الاجتماع أن استلام الجبهة الإسلامية للإنقاذ للسلطة أمر مستحيل، وبالفعل كان مستحيلًا، فبعد 10 أيام أُجبر الشاذلي بن جديد، الرئيس الجزائري آنذاك، على الاستقالة، وفي 12 من يناير أُعلن تشكيل “المجلس الأعلى للدولة”، برئاسة محمد بوضياف، أحد قادة حركة التحرر الوطنية.
يتابع سويدية: “ظللنا نحن في حالة تأهب قصوى لقمع أي تمرد على الإجراءات الجديدة، كنا نعتقد فعلاً أن الجيش الوطني الشعبي سينقذ الجمهورية من الإسلاميين”.
وفي 9 من فبراير أُعلنت حالة الطوارئ وفُتحت معسكرات اعتقال في “رقان” و”وادي الناموس” جنوب الجزائر، سِيق إليها آلاف الإسلاميين، وداخل الجيش قام الجنرالات بحملة تطهير عبر إيقاف العديد من الضباط لمجرد قرابتهم لإسلاميين، وأشاعت السلطة الجديدة فيما بعد أنهم معتقلون نتيجة انضمامهم للإرهابيين.
شاهد على المأساة.. والخديعة
“رأيت زملاءً لي يحرقون طفلًا في الخامسة عشر من عمره حيًا، رأيت عسكريين يذبحون مدنيين وينسبون هذه الجرائم إلى الإرهابيين، رأيت عقداء يقتلون أشخاصًا بدم بارد لمجرد الشبهة، رأيت ضباطًا يعذبون إسلاميين حتى الموت”.
يقر الضابط الجزائري السابق بأن جنرالات الجزائر اتبعوا سياسة تصفية للمعارضة الإسلامية منذ 1992، يقر أيضًا بأن الإسلاميين ارتكبوا فظائع وجرائم لا يمكنه تبرئتهم منها
مشاهد رعب سردها سويدية عن الحرب التي قال إنها لم تكن مجرد صراع بين العسكريين الطيبين الذين جاؤوا لإنقاذ الديمقراطية والإرهابيين الأشرار المصممين على تحطيمها، مضيفًا: “لو كان الأمر كذلك لحاربت الإرهابيين حتى آخرهم”.
وكما يقر الضابط الجزائري السابق بأن جنرالات الجزائر اتبعوا سياسة تصفية للمعارضة الإسلامية منذ 1992، يقر أيضًا بأن الإسلاميين ارتكبوا فظائع وجرائم لا يمكنه تبرئتهم منها.
هاجم سويدية منطق جنرالات الجيش الجزائري في تلك الحرب، واعتبر أن شعار “تصفية الإرهاب” الذي رفعوه كان مجرد ستار كاذب لهدفهم الحقيقي، وهو استئصال المعارضة الإسلامية الراديكالية التي لم تقبل التحالف معهم والتي تهدد سلطتهم، ومن أجل هذا الهدف وتحت ذلك الشعار قُتل عشرات الآلاف من المدنيين في حرب أحاطها هؤلاء الجنرالات بتشوش مخطط ومقصود اعتمد على رجال مقاومة مزيفين، بث سموم الكراهية، اختراق الجماعات الإسلامية المسلحة والتلاعب بها، بضعة آلاف من رجال البوليس والقوات الخاصة بالجيش، ليتشكل ستار من الدخان حصّنهم من العقاب رغم أفعالهم الوحشية.
لا نريد أسرى.. أريد قتلى!
يقول سويدية إن التعليمات الموجهة إلى الجنود والضباط كانت واضحة: “الإسلاميون يريدون الذهاب إلى الجنة، فلنأخذهم إليها، وبسرعة، لا أريد أسرى، أريد قتلى” خرجت هذه الجملة من فم الجنرال محمد العماري، خلال اجتماع في قيادة القوات البرية بالجزائر أبريل 1993 يضم كبار الضباط المجندين في الحرب كافة، في تعبير صريح عن ذهنية قمة الهرم العسكري في ذلك التوقيت.
ومن أجل ذلك، والكلام على لسان سويدية، قام مسؤولو الجيش بحملة توعية ضخمة للجنود والشبان المطلوبين للخدمة، كانوا يحشون الأدمغة بالأكاذيب، يمرون بجميع ثكنات الجزائر لتعبئة الضباط والجنود عقائديًا “نحن نواجه ظرفًا خطيرًا، يجب إنقاذ الجمهورية من المشروع الظلامي الذي يتربص بنا، يجب تصفية الخونة”، هذا ما كان يُعاد على أسماع الجنود باستمرار طول ساعات النهار.
خلال اجتماع أعقب مذبحة الزعترية، صرح الجنرال فوضيل شريف أمام عدد من الضباط بأن الجزائر لا تحارب الإرهابيين فقط، بل جميع الإسلاميين
وروى ضابط القوات الخاصة السابق في كتابه تفاصيل عشرات المذابح التي دبرها الجنرالات، نتوقف عند المذبحة التي كشفت له حقيقة ما يحدث، فيقول: “في إحدى ليالي مارس 1993، واجهت الحرب القذرة مواجهة مباشرة، عندما اتصل بي رئيسي وطلب مني أن أذهب إليه في الحال، ففعلت، ليأمرني بمهمة خاصة، رفقة عشرين صف ضابط من الصاعقة ويرافقهم رجال من الاستخبارات مزودين بخناجر وقنابل يدوية، إلى “دوار الزعترية”، وقال لنا إن سكانها من مؤيدي الجبهة الإسلامية، وتمت المذبحة، في الصباح أعلنت الصحف الجزائرية “هجوم إرهابي على قرية الزعترية، كانت المرة الأولى التي أشعر فيها بأنني شريك في جريمة، هكذا كان حال جزائر التسعينيات، الجنرالات يقومون بالمذابح ليلًا وينسبونها للإرهابيين صباحًا”.
وخلال اجتماع أعقب مذبحة الزعترية، صرح الجنرال فوضيل شريف أمام عدد من الضباط بأن الجزائر لا تحارب الإرهابيين فقط، بل جميع الإسلاميين، جميع من صوتوا للجبهة الإسلامية، هنا شعر سويدية بالكارثة، لقد كان يظن أنه يحارب الشر، وأنه يقف في الجانب الآخر، الآن أصبح مطلوب إبادة 3 مليون جزائري!
حرب ضد المدنيين
اختار سويدية تعبير “حرب ضد المدنيين” لتوصيف المأساة الجزائرية، ويقول إنه أدق من أي توصيف آخر، فالفقراء وحدهم من دفعوا الثمن، أما مالكو السلطة الحقيقية وأسرهم فلم يكن هناك ما يخشونه سواء من الإرهابيين أو الفقر، ففي أثناء الأشهر الأولى من 1992، وُجه معظم القمع ضد المدنيين، لا الجماعات المسلحة، فتصرف رجال الشرطة بلا رحمة في العاصمة، حيث تقع كثير من الأحياء الشعبية تحت سيطرة الجبهة الإسلامية، فتم القبض على آلاف الشبان، ومعظمهم لا علاقة لهم بالإسلاميين، وتم تعذيبهم وإرسالهم إلى معتقلات الجنوب.
إن الأمن كان يطلق سراح مقاتلين إرهابيين وهو يعلم أنهم سينفذون عمليات عنف لإشعال الوضع المتأزم أصلًا، لتتحول الجزائر إلى قطعة من لهب، هجوم على كمائن، وتفجير مطارات، واغتيالات سياسية، إلخ
يقول سويدية إن آلة صنع الإرهابيين بدأت تعمل، فلم يكن هناك خيار لدى الناجين من الاعتقالات سوى الانضمام إلى الجماعات المسلحة، وكثير من الذين أُفرج عنهم بعد ذلك حملوا السلاح نتيجة غضبهم من الظلم والانتهاكات التي تعرضوا لها.
وعلى الجانب الآخر، وقعت العديد من الحوادث الإرهابية، التي راح ضحيتها عدد من رجال الشرطة والجيش، وهنا يسجل سويدية شهادة خطيرة فيقول إن الأمن كان يطلق سراح مقاتلين إرهابيين وهو يعلم أنهم سينفذون عمليات عنف لإشعال الوضع المتأزم أصلًا، لتتحول الجزائر إلى قطعة من لهب، هجوم على كمائن، وتفجير مطارات، واغتيالات سياسية، إلخ.
الشركة الوطنية لتكوين الإرهابيين
“نحن الذين وقع علينا عبء تنفيذ الجانب القذر من العمل، نحن الذين أجبرنا الجنرالات على القيام بحربهم القذرة، وكل ذلك من أجل المال، من أجل استمرار سيطرة المافيا السياسية والعسكرية على النفط والاقتصاد الجزائري”.
بهذه الكلمات، تحسر سويدية على ما حدث، ويقول كنا نشعر أننا كلما حاربنا الإرهابيين أكثر عددهم يزداد، ففي البداية تحدث القادة عن 2000 رجل ثم 5000 ثم 10000 وهكذا كلما نقتل ازداد عدد الإرهابيين.
أطلق سويدية على الجيش اسم “الشركة الوطنية لتكوين الإرهابيين”، ويقول إن هذه الشركة كانت المعتمد الرئيسي في توليد الإرهابيين، فسلوك القتال الذي فرضه الجنرالات على القوات الخاصة أحدث فجوة بين السكان والجيش، لأن المستهدف لم يكن الإرهابيين فقط، فاضطر كثير من الشبان الجزائريين إلى حمل السلاح دفاعًا عن أسرهم، وأخذ الانطباع يكبر لديه كضابط أن الجيش يدفعهم عمدًا إلى صفوف المقاتلين.
المرسوم التشريعي الخطير الذي سنّه الجنرال محمد العماري، سبتمبر 1992، ففي إطار مكافحة الإرهاب حدد هذا المرسوم سِن المسؤولية الجزائية عن جرائم الإرهاب بست عشرة سنة بدلًا من ثماني عشرة، كما أقام 3 محاكم خاصة لمحاكمة الجرائم ذات الطبيعة الإرهابية
ويحكي سويدية عن المرسوم التشريعي الخطير الذي سنّه الجنرال محمد العماري، سبتمبر 1992، ففي إطار مكافحة الإرهاب حدد هذا المرسوم سِن المسؤولية الجزائية عن جرائم الإرهاب بست عشرة سنة بدلًا من ثماني عشرة، كما أقام 3 محاكم خاصة لمحاكمة الجرائم ذات الطبيعة الإرهابية، وتقرر من ضمن مواده اعتبار “عدم التبليغ عن منظمة إرهابية خيانة”، في السنوات التالية تبين أن هذا الإجراء كان سببًا مباشرًا في سجن آلاف الأبرياء، وملاحقة المدنيين وحتى العسكريين إذا كانت لهم صلة بإسلامي من أي نوع “صلة قرابة – صداقة طفولة – جِوار) صدرت ضدهم أحكام قاسية وهم أبرياء.
يقول سويدية إن هذا القانون أمدّ الجماعات المسلحة بالعنصر البشري، فهؤلاء المهددون أو الذين تعرضوا للتعذيب انضموا لها، وقاموا فيما بعد بعمليات ضد الشرطة والجيش.
كما يحكي عن مزيد من العمليات القذرة، حيث يتنكر عساكر في هيئة إسلاميين للقيام بعمليات إرهابية تُنسب فيما بعد إلى الإسلاميين، كما يندس عناصر من الأمن بين الجماعات المسلحة للتحريض ضد السلطة، ويقول: “رأيت بعيني كيف كانت تسيل دماء الجنود في هجمات إرهابية على الكمائن، ويأمرنا الجنرالات بعدم التدخل بحجة عدم تعريض حياتنا للخطر”!
مركز قيادة العمليات
عبارة عن وحدة خاصة تضم رجالًا من عدة هيئات أبرزها (قيادة الدرك – شرطة مديرية الاستخبارات الأمنية – مجموعة التدخل السريع – الإدارة المركزية لأمن الجيش)، أنشأها الجنرال إسماعيل العماري في 1992، يقول إن هدف المركز كان جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات عن الجماعات المسلحة وتدميرها بمساعدة القوات الخاصة، وفي سبيل ذلك تم خطف مدنيين وعسكريين وتعرضوا لتعذيب وقتل، وأغلبهم لم يكن لديهم فعلًا معلومات.
وضع الجنرالات تحت تصرف الوحدة سيارات أُزيلت عنها شاراتها المميزة، كانوا يتجولون بها ليلًا بحثًا عن المال، يتجهون للصاغة أو التجار الميسورين المتهمين بأن لهم صلة بالجماعات الإرهابية، ويبتزونهم بمبالغ كبيرة من المال
يسرد سويدية تفاصيل مرعبة عن المركز، فيقول: “وضع الجنرالات تحت تصرف الوحدة سيارات أُزيلت عنها شاراتها المميزة، كانوا يتجولون بها ليلًا بحثًا عن المال، يتجهون للصاغة أو التجار الميسورين المتهمين بأن لهم صلة بالجماعات الإرهابية، ويبتزونهم بمبالغ كبيرة من المال، ومن يرفض يُقتل في مكانه أو يتم القبض عليه ويُعذب حتى الموت”.
“كان واضحًا أن ليس لديهم أي احترام للمؤسسة العسكرية، لم يكن يحركهم سوى المال والمتعة والسلطة”، هكذا وصف سويدية رجال العماري، وقال إنهم توسعوا في الانحطاط إلى حد أنهم كانوا يشبعون حاجاتهم الجنسية باغتصاب فتيات المدن الجامعية، وتجنيدهن بعد ذلك كعميلات لمديرية الاستخبارات الأمنية، فكانوا يعرفون منهن أحوال الجامعات.
الإعلام وتبييض الحرب الوحشية
“وأنا أقرأ الكتاب، اكتشفت الفارق الشاسع بين الواقع الجزائري والطريقة التي قدمته بها وسائل الإعلام، فعمليات القتل اليومية بحق مواطنين عُزل ونساء وأطفال هي بالنسبة لغالبية الأوروبيين من عمل إرهابيين إسلاميين متعصبين ودمويين، رواية سويدية هزت العديد من القناعات حِيال ذلك، خصوصًا بعد أن فضح عمل الجهاز العسكري ومنظمات الأمن الجزائرية من الداخل في أثناء الحرب، وسلط الضوء كذلك على طبيعة الإرهاب الذي مارسته الجماعات الإسلامية التي لم يكن التعصب الديني دافعها الأول لحمل السلاح بقدر ما كان مسؤولاً عن ذلك عوامل سياسة واجتماعية وسلطة مستبدة”. فرديناندو أمبوزيماتو، سيناتور إيطالي سابق ومتخصص في قضايا الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان.
الأضواء الإعلامية سُلطت على جرائم الإرهابيين في حق الشعب، وتمت إدانتها دوليًا، في حين قللت من شأن جرائم الجانب الثاني (الجيش، الشرطة، المليشيا)، حيث وقف المجتمع الدولي إزاءها صامتًا
يقول سويدية إن الأضواء الإعلامية سُلطت على جرائم الإرهابيين في حق الشعب، وتمت إدانتها دوليًا، في حين قللت من شأن جرائم الجانب الثاني (الجيش، الشرطة، المليشيا)، حيث وقف المجتمع الدولي إزاءها صامتًا، باستثناء بعض المفكرين وبعض مسؤولي المنظمات غير الحكومية.
ويهاجم الصحافة التي ساعدت العسكريين كثيرًا بتكرار الكذب والتبشير بالنهاية الوشيكة للإرهاب، فيقول “كلما نسمع هذه الأخبار، كنا نعرف أن حجم العنف سيزداد، وأن عودة السلام السريعة التي كان يبشر الإعلام بها لن تجيء”.
في ختام شهادته عن عشرية الجزائر السوداء، يقول سويدية من واقع معايشته لكواليس الحرب: “جزائر التسعينيات لم تر إلا عدالة تدين الأبرياء، وجيش يقمع المدنيين، ومسؤولون يجعلون من الكذب طريقة في إدارة البلاد، فضلًا عن سوء استخدام السلطة، والفساد الواسع النطاق، هؤلاء الجنرالات لم يريدوا أبدًا الدفاع عن الجمهورية، لقد أعلنوا الحرب على الشعب الجزائري كله وليس على الإسلاميين، وهي حرب مصالح قذرة دفاعًا عن سلطانهم ومالهم، مال النفط الذي يسرقونه منذ سنين من الجزائريين، ويريدون توريثه لأبنائهم”.