في المقال الأول من هذه السلسلة التي أحاول أن أقدم فيها قراءة استشرافية لواقع ومستقبل الحركة الإسلامية في المغرب والتي تتميز عن نظيراتها في العالم العربي بالواقعية والمراجعات الدائمة وبُعد النظر والقدرة الكبيرة على الخروج من الأزمات أكثر قوة وتماسكًا، تعرضت لنشأة الشبيبة الإسلامية التي أسسها الشيخ عبد الكريم مطيع في ستينيات القرن الماضي ولعبت دورًا مهمًا في مواجهة المد اليساري والقومي المنتشر آنذاك، لكن حادثة “بن جلون” والتي اتهم فيها أفراد من الشبيبة الإسلامية تسببت في القضاء على البذرة الأولى لأول تنظيم حركي إسلامي في المغرب الحديث .
عبد الإله بنكيران ومحمد يتيم قاما بإنشاء الجماعة الإسلامية والتي اعتبرها عبد الكريم مطيع آنذاك مجموعة من المارقين والخوارج، متهمًا إياهم بالعمالة للنظام
بعد سفر عبد الكريم مطيع توترت علاقته مع النظام وصار يهاجمه من خلال بعض المنابر الإعلامية، ولكن بعض رفاقه اختاروا مسارًا آخر وهو مسار المصالحة والاندماج والعمل من داخل مؤسسات الدولة، فكانت أول تجربة لهذه المجموعة التي تزعمها عبد الإله بنكيران ومحمد يتيم إنشاء الجماعة الإسلامية والتي اعتبرها عبد الكريم مطيع آنذاك مجموعة من المارقين والخوارج، متهمًا إياهم بالعمالة للنظام.
الجماعة الإسلامية 1981-1992
تم إنشاء الجماعة الإسلامية سنة 1981 من طرف قيادات الشبيبة الإسلامية المنشقين عن عبد الكريم مطيع وكان من أبرزهم )محمد يتيم – عبد الإله بنكيران– سعد الدين العثماني – عبد الله باها(، واستطاعت الجماعة أن تضم إلى صفوفها أبرز الشباب الذين كانوا ينتمون للشبيبة الإسلامية .
قامت الجماعة الإسلامية بعدة مراجعات من أهمها التخلي عن العمل السري الذي اتسمت به فترة الشبيبة الإسلامية
قامت الجماعة الإسلامية بعدة مراجعات من أهمها التخلي عن العمل السري الذي اتسمت به فترة الشبيبة الإسلامية وحرصت الجماعة الإسلامية على التركيز على العمل الثقافي والدعوي والاجتماعي والابتعاد عن مطبات العمل السياسي .
وكان أول أمين عام للجماعة الإسلامية في إطارها التنظيمي هو محمد يتيم “وزير الشغل المغربي الحالي “حيث استمر على رأس الجماعة الإسلامية منذ تأسيسها إلى غاية 1985.
ثم تولى الأستاذ عبد الإله بنكيران – رئيس الحكومة السابق – الإمام والداعية آنذاك زمام قيادة الجماعة الإسلامية وكان همه الأكبر الانخراط في نسيج الدولة والمشاركة الفاعلة في بناء مجتمع متصالح مع مبادئه وقيمه الإسلامية، إضافة إلى إبراز نموذج إسلامي سياسي دعوي ينطلق من الخصوصية المغربية وينسجم مع الثوابت الوطنية .
اتسمت هذه الفترة ببروز حركات إسلامية أخرى موازية لمسار الجماعة الإسلامية ومنشقة عن الشبيبة الإسلامية، ومن أبرزها حركة الخيار الإسلامي التي أنشأها مصطفى المرواني ومحمد المعتصم، ورغم مرجعيتها الإسلامية فإنها تأثرت كثيرًا بالثورة الإيرانية، مما أدى إلى عدم انتشارها داخل صفوف الشباب المغاربة وكذلك إلى عدم استمراريتها .
حركة الإصلاح والتجديد 1992 -1996
في بداية عقد التسعينيات ومع الانفتاح الديمقراطي الذي عاشته معظم الدول الإفريقية التي كانت تخضع للاستعمار أو الوصاية الفرنسية، قرر الإسلاميون في المغرب الدخول في تجربة جديدة نجحت في استقطاب عشرات الآلاف من الشباب المغاربة وذلك بمنهجها الديني والدعوي الذي وإن تقاطع مع بعض المدارس الإسلامية في المشرق إلا أن الخصوصية المغربية ظلت هي الطاغية في فكر حركة الإصلاح والتجديد .
في أواخر سنة 1996 اتفقت حركة الإصلاح والتجديد بقيادة عبد الإله بنكيران ورابطة المستقبل الإسلامي بقيادة الدكتور أحمد الريسوني على الاندماج والعمل معًا، فكان ثمرة هذا الاتفاق حركة التوحيد والإصلاح الجناح الدعوي لحزب العدالة والتنمية الحاكم في المغرب
عملت حركة التجديد والإصلاح على مواصلة المراجعات التي تمت في فترة الجماعة الإسلامية وتمكن قادتها من استقطاب الكثير من المنتسبين، وتصالحوا مع النظام ووضعوا الأسس الأولى لإنشاء حزب سياسي سيكون له أثره في تاريخ المغرب الحديث .
في أواخر سنة 1996 اتفقت حركة الإصلاح والتجديد بقيادة عبد الإله بنكيران ورابطة المستقبل الإسلامي بقيادة الدكتور أحمد الريسوني على الاندماج والعمل معًا، فكان ثمرة هذا الاتفاق حركة التوحيد والإصلاح الجناح الدعوي لحزب العدالة والتنمية الحاكم في المغرب .
في المقال الثالث من هذه السلسلة سأستعرض مع قراء موقع “نون بوست” التجربة الدعوية لحركة التوحيد والإصلاح والأزمات التي تعرض لها الإسلاميون في المغرب منذ دخولهم عالم السياسة في بلد يعتبر استثناءً في محيطه العربي والإفريقي .