يتجه الرئيس الأمريكي ترامب لعقد اتفاق تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي كما أوردت صحيفة التايمز البريطانية وأضافت في تقريرها أن بريطانيا ستأتي بعد الاتحاد الأوروبي بعد خروجها منه في 2019، فهل نسي ترامب وعوده الحمائية ضد أوروبا والعالم أم ماذا؟
ميركل أقنعت ترامب
حسبما جاء في الصحيفة فإن المستشارة الألمانية ميركل أثناء زيارتها إلى الولايات المتحدة تمكنت من إقناع ترامب بأن المحادثات إزاء أي صفقة تجارية بين الولايات المتحدة وأوروبا أيسر مما يعتقد، ونقلت الصحيفة عن سياسي ألماني بارز قوله “إن ترامب سأل المستشارة الألمانية ميركل عشر مرات عمّا إذا كان بإمكانه التفاوض بشأن صفقة تجارية مع ألمانيا”.
إدارة ترامب صار لديها “إدارك” بإبرام صفقة تجارية مع الاتحاد الأوروبي، تسمح بتبادل السلع والخدمات دون تعريفة جمركية
وأضاف السياسي “في كل مرة كانت ترد بلا وإنه يستطيع التفاوض فقط مع الاتحاد الأوروبي”. وقال “في المرة رقم 11 فهم ترامب أخيرًا الرسالة وقال حسنا سنبرم إذن اتفاقًا.
ونقلا عن وكالة رويترز ذكرت الصحيفة بأن إدارة ترامب صار لديها “إدارك” بإبرام صفقة تجارية مع الاتحاد الأوروبي، تسمح بتبادل السلع والخدمات دون تعريفة جمركية، هو أكثر أهمية بالنسبة لمصالح الولايات المتحدة مقارنة بإبرام الصفقة مع بريطانيا، إذ لن يكون بمقدور بريطانيا الاتفاق على صفقات تجارية جديدة حتى تغادر الاتحاد الأوروبي في عام 2019.
توجه ترامب هذا يتنافى مع وعوده وإعلاناته السابقة لعدم عقد أي اتفاقية تجارية مع أي بلد إلا وفقًا لمصالح الولايات المتحدة، والتي تقتضي برأيه معاقبة أي بلد لديه عجز تجاري مع الولايات المتحدة، وفي مقدمتها ألمانيا التي خرجت ميركل نفسها بعد الاجتماع مع ترامب تقول إن الاجتماع لم يتسم بالدفء، حيث تشير أرقام مكتب الإحصاءات الألماني أن الشركات الألمانية صدرت ما قيمته 115 مليار دولار إلى الولايات المتحدة خلال العام الماضي، وهو ضعف ما استوردته ألمانيا من الولايات المتحدة، فالميزان التجاري مائل لصالح ألمانيا.
ولكن بعد هذا حصل تغير دارماتيكي في سياسة ترامب التجارية، ففي أثناء زيارة الرئيس الصيني إلى الولايات المتحدة، تخطى ترامب كل تصريحاته وتهديداته لبكين وبالأخص تصحيح الميزان التجاري بين البلدين. وكان ترامب غرد قبل مجيء الرئيس الصيني “إن الولايات المتحدة لم تعد تتحمل العجز التجاري الهائل مع الصين وخسارة الوظائف وإن اجتماعه مع الرئيس الصيني سيكون “صعبًا للغاية”.
إذ اتفق كل من الزعيمين على خطة جديدة مدتها 100 يوم لإجراء مباحثات تجارة ستفضي إلى تعزيز الصادرات الأمريكية وتقليص العجز التجاري لأمريكا مع الصين والذي يقدر بنحو 374 مليار دولار لصالح بكين، وأكدت مصادر أمريكية أن الرئيس الصيني وافق على تلك الخطة، بعد ضغط من قبل ترامب فيما يخص العجز التجاري الأمريكي مع الصين.
تغيّر سياسة ترامب
التغير في عقلية ترامب يوحي أن هدفه الكبير هو تصحيح الميزان التجاري لبلاده مع الدول الأخرى بأي وسيلة كانت، فاتخذ معها التهديد والوعيد، ولكن يبدو أن كل هذا عبارة عن استراتيجية ليخرج بموقف أقوى تجاريًا ويأخذ منها ما لم تأخذه الإدارات الأمريكية السابقة. إذا صح هذا الكلام فإن ترامب يكون قد خالف كل وعوده التي أطلقها حول نيته فرض سياسات حمائية مع الدول الأخرى لتصحيح الميزان التجاري معها.
في حال ذهبت أوروبا لعقد اتفاقيات تجارية مع ترامب ستضطر تقديم تنازلات وحوافر لترامب للقبول بالصفقة كما حصل مع الصين
ولكن بنفس الوقت ترامب يتفاوض من مبدأ قوي ومتحكم، إذ أرعبت تصريحاته العالم أجمع وصرح خبراء أن سياسات ترامب تمثل تهديد للاقتصاد العالمي واستقراره، وقالت صحيفة دير شبيغل الألمانية أن سياسة ترامب تعد أكبر مهدد للاقتصاد العالمي منذ أزمة المال العالمية في 2007، وحتى يثبت للعالم قدرته وسطوته على الاقتصاد العالمي، تخلى وزراء مالية مجموعة العشرين في اجتماعهم الأخير قبل يومين عن التعهد بمكافحة السياسات الحماية التجارية وسط خلاف بشأن السياسة التجارية، وهي إشارة من واشنطن صاحبة السيطرة الكبيرة على الصندوق. رسالة يريد ترامب توجيهها للعالم إما أن تعطوني ما أريد أو أن أطبق وعودي الحمائية ضدكم وتتضرر اقتصادانكم بشكل كبير.
وفي حال ذهبت أوروبا لعقد اتفاقيات تجارية مع ترامب ستكون صفقة ترامب معها مشابهة للتي أخذها مع الصين التي لم يذهب زعيمها للقاء ترامب إلا وفي جعبته مجموعة من التنازلات لإرضائه كعروض استثمارية لها دور كبير في زيادة فرص العمل في أمريكا، وهي أداة مهمة يعرف الرئيس الصيني كم يحتاجها الرئيس الأمريكي الآن، في ظل الظروف الصعبة التي واجهها خلال أول شهور حكمه، تسهم بتخفيض معدل البطالة هناك وخلق المزيد من الوظائف لتعزيز الاقتصاد الأمريكي ورفع سعر الفائدة وانتعاش الاقصاد أكثر، فضلا عن العمل على تصحيح الميزان التجاري معها. ومن العروض الاستثمارية التي يعتقد خبراء أن الرئيس الصيني قدمها لترامب هي استثمارات في مجال البنية التحتية في أمريكا بما يعادل ترليون دولار.
ترامب قبل أن يكون رئيسًا فهو رجل أعمال لا يتصرف إلا وفقًا مصالحه التجارية
والخلاصة أن ترامب قبل أن يكون رئيسًا فهو رجل أعمال لا يتصرف إلا وفقًا مصالحه التجارية ولا يبتعد عن هذا المنطق، وعلى الرغم أن استطلاعات الرأي أشارت أن أغلبية الأميركيين 53% لا يؤيدون أداء الرئيس ترمب تزامنًا مع اقتراب مرور 100 يوم له في السلطة، إلا أنه يسعى وباستراتيجية تجارية واضحة نحو انتزاع مصالح أمريكا من العالم. وأغلب الظن أنه سينجح في هذا لإن الدول لا تزال تحتاج أمريكا ولا يوجد أي دولة في العالم تلعب دورها اقتصاديًا كان أم سياسيًا.