انحصر التنافس في المرحلة المقبلة من الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي جرت جولتها الأولى في الـ23 من أبريل الحاليّ بين مرشح الوسط إيمانويل ماكرون الذي حل في المركز الأول بحصوله على نسبة 23.7 %ومرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان التي حلت ثانية بنسبة 21.7%، وحظيت هذه الجولة الأولى من الانتخابات الفرنسية التي شهدت إقبالًا قياسيًا، بمتابعة تونسية كبيرة في انتظار اسم الرئيس الحادي عشر للجمهورية الخامسة.
ماكرون في الصدارة
رغم انعدام استطلاعات الرأي عن النوايا التصويتية للعرب والمسلمين في انتخابات 2017، بسبب حظر الإحصاءات المرتكزة على العرق والإثنية واللون، يتوقع عديد من الخبراء ألا يختلف المشهد عما جرى في انتخابات 2012 التي نال هولاند فيها ما بين 86% إلى 93% من أصوات الفرنسيين العرب والمسلمين، وفقًا للتقديرات المستقاة من صناديق الاقتراع، ويتوقع هؤلاء الخبراء أن تذهب هذه النسبة إلى المرشح المستقل إيمانويل ماكرون الذي دعا الرئيس المنتهية ولايته فرانسوا هولاند إلى التصويت له.
في ظل غياب التزام سياسي حقيقي بحزب أو حركة سياسية واحدة، يميل التونسيون إلى الاهتمام بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية
ومن المتوقع ألا يحيد التونسيون أصحاب الجنسيات المزدوجة، وإن لم تكن أصواتهم مجمعة على تأييد مرشح بعينه خلال المرحلة الأولى، عن باقي العرب والمسلمين في نواياهم التصويتية في الجولة القادمة للانتخابات الفرنسية المقرر إنجازها يوم الـ7 من مايو المقبل، فقد أصبحوا أمام خيارين لا ثالث لهما، أحدهما معروف بموافقه المعادية للمهاجرين والمسلمين.
ففي ظل غياب التزام سياسي حقيقي بحزب أو حركة سياسية واحدة، يميل التونسيون إلى الاهتمام بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية، كفرص العمل أو الميزات الاجتماعية والتمييز العنصري، وتأتي قضايا الشغل والسكن والصحة والتعليم في مقدمة أولويات التونسيين المقيمين في فرنسا.
إيمانويل ماكرون
ومع انتهاء التصويت في الجولة الأولى، أشار استطلاعان للرأي أجريا، الأحد، إلى أنه من المتوقع أن يفوز المرشح المستقل إيمانويل ماكرون بالجولة الثانية من انتخابات الرئاسة الفرنسية في الـ7 من مايو المقبل وأوضح استطلاع أجرته مؤسسة هاريس إنتر أكتيف لحساب محطة إم 6 التليفزيونية أن 64% ممن استطلعت آراؤهم سيصوتون لوزير الاقتصاد السابق، بينما يتوقع أن يعطي 36% أصواتهم لليمينية المتطرفة مارين لوبان ،في الوقت نفسه توقع استطلاع أجرته مؤسسة إبسوس سوبرا ستيريا لحساب تليفزيون فرنسا فوز ماكرون بنسبة 62% من الأصوات مقابل حصول لوبن على 38%.
ماكرون يغازل التونسيين
قبل تقديمه مطلب ترشحه إلى منصب رئاسة فرنسا، حل إيمانويل ماكرون في تونس، بصفته وزير اقتصاد سابق، في زيارة أكد خلالها في تصريح إذاعي، أنه في حال فوزه بالانتخابات الفرنسية، فسيعمل على جلب كبار الصناعيين إلى تونس لإنعاش اقتصادها، وقال “سأبذل جهدي لتحويل ديون تونس لدى فرنسا إلى مشاريع تنموية.”
يعيش في فرنسا أكثر من 700 ألف تونسي من مجوع مليون و223 تونسي في الخارج
وسبق لفرنسا التي تعد أكبر دائن لتونس، أن تعهدت في أثناء زيارة للرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي إلى باريس في الـ17 من يوليو 2012، بتحويل ديونها المستحقة على تونس إلى مشاريع تنموية في المناطق المهمشة والمساعدة على استعادة الأموال التونسية المهربة والنهوض بالاستثمار والسياحة، وتبلغ قيمة الدين التونسي لفرنسا 1.3 مليار يورو بالقيمة الأسمية، ومثلت فرنسا 50% من الديون الثنائية التونسية.
تطور المعاملات التجارية بين تونس وفرنسا في السنوات الأخيرة
ويعيش في فرنسا أكثر من 700 ألف تونسي من مجوع مليون و223 تونسي في الخارج، وتعتبر فرنسا الشريك الاقتصادي الأول لتونس، فهي أول مزود بنسبة 16.3% من إجمالي الواردات التونسية، فيما تستقبل فرنسا 28.7% من الصادرات التونسية، وبلغ حجم المبادلات التجارية بين البلدين 7.6 مليارات يورو (9.4 مليارات دولار)، سنة 2015، بحسب أرقام نشرتها السفارة الفرنسية عام 2015، وتنشط في تونس قرابة 1300 شركة فرنسية توفر نحو 127 ألف موطن شغل.
المسلمون والمهاجرون
يتخذ المرشح الوسطي المستقل ماكرون موقفًا بعيدًا عن التشدد حيال المسلمين والمهاجرين، حيث قال في تصريح صحفي في أكتوبر 2016: “فرنسا ارتكبت أخطاء في بعض الأحيان باستهدافها المسلمين بشكل غير عادل”، مشيرًا إلى أن البلد يمكن أن يكون أقل صرامة في تطبيق قواعده بشأن العلمانية، وخلال زيارته للجزائر، في فبراير 2017، قال ماكرون إن تاريخ فرنسا في الجزائر كان “جريمة ضد الإنسانية”، وتابع قائلًا: “كان الأمر وحشيًا حقًا، وهو جزء من الماضي يجب أن نواجهه حتى نعتذر أيضًا لمن تضرروا.”
ويرفض ماكرون أن يكون أي دين مشكلة في فرنسا، وقال في وقت سابق: “إذا كان ينبغي أن تكون الدولة محايدة، وهو ما يأتي في صلب العلمانية، فعلينا واجب ترك كل شخص يمارس دينه بكرامة“، ويقول أيضًا إن فرنسا لا بد أن تُظهر تضامنها مع اللاجئين، ودعا إلى “تبني سياسة فعالة وواضحة، تُنفذ بالتعاون مع شركائنا الأوروبيين، تجاه الهجرة واللاجئين.”
قطع الطريق أمام مرشحة اليمين المتطرف
يرجع دعم التونسيين للمرشح المستقل وصاحب حزب “إلى الأمام” مانويل ماكرون، أيضًا، إلى رغبتهم في قطع الطريق أمام وصول مرشحة اليمين المتطرف زعيمة حزب الجبهة الوطنية الفرنسية مارين لوبان (48 سنة)، إلى قصر الإليزيه.
ومعروف عن لوبن نقدها الشديد للسياسات التي اتبعتها الحكومات الفرنسية السابقة المتعلقة بالهجرة واللجوء، حيث دعت خلال حديثها عن برنامجها الانتخابي، إلى تشديد سياسة الهجرة في فرنسا وإعادة إقامة الحدود الوطنية والحد من عدد المهاجرين، وأكدت أنه في حال تم انتخابها رئيسةً لبلادها ستحد من الهجرة الشرعية حيث ستجعل عدد المهاجرين الشرعيين الوافدين لفرنسا لا يتخطى العشرة آلاف مهاجر سنويًا.
طالبت مارين، مؤخرًا، بإلزام جميع الفرنسيين مزدوجي الجنسية من الدول غير الأوروبية بأن يتخلوا عن جنسيتهم الفرنسية
وتدعو لوبان إلى محاربة “أسلمة المجتمع الفرنسي” من خلال الدفاع عن الثقافة الفرنسية، كما تدعو لإغلاق المساجد، ونددت في مرات سابقة بصلاة المسلمين في الشوارع، التي على الأرجح تكون في أيام الجمعة أو المناسبات التي تحمل طابعًا دينيًا، وتعهدت بأنها حال ترشحها سوف تصدر قانونًا يحظر تلك الممارسات، وأن عقاب المخالفين سيكون شديدًا وغليظًا للغاية.
مارين لوبن
وطالبت مارين، مؤخرًا، بإلزام جميع الفرنسيين مزدوجي الجنسية من الدول غير الأوروبية بأن يتخلوا عن جنسيتهم الفرنسية أو جنسيتهم الأخرى، وتقترح في برنامجها الانتخابي طرد كل أجنبي يرتكب جرمًا في فرنسا وسحب الجنسية من كل من يعتبر متطرفًا ويشكل خطرًا على المجتمع، إضافة إلى جعل عقوبة السجن أكثر صرامة.