لا تزال فلسفة توظيف الروبوتات في العالم مختلفًا عليها ولم يتم حسم الأمر بشأنها، فبين من يقول إن الروبوتات تزيد من معدل البطالة يرى اقتصاديون أن هذا هو التطور الطبيعي للتقنية والعلم واستكمال الثورة الرقمية يقتضي هذا الأمر.
أثر الروبوتات على العمالة
أكدت دراسة حديثة لمؤسسة ماكينزي للاستشارات أجريت على 46 بلدًا حول العالم بينها بلدان عربية أنها لن تسلم من توظيف الروبوتات في الأسواق، وخلصت الدراسة أن المغرب ومصر تتأثران بدخول الروبوتات على فرص العمل بنسبة 50.5% و48.7% على التوالي، وتوقعت الدراسة أيضًا أن تزحف الروبوتات على 52% من فرص العمل في قطر و47.3% بالإمارات، و46.8% بعُمان، و46.1% بالبحرين، و46% في السعودية.
علمًا أن نسب البطالة تعد مرتفعة في معظم البلدان العربية، فهناك أكثر من 20 مليون عاطل عن العمل منتشرين في البلاد العربية أغلبهم من خريجي الجامعات حسب دراسات حديثة.
خلصت دراسة ماكينزي أن المغرب ومصر تتأثران بدخول الروبوتات على فرص العمل بنسب 50.5% و48.7% على التوالي
الدافع وراء استعمال الروبوتات والاستغناء عن اليد العاملة هو رفع الإنتاجية والتنافسية والجودة وهي عوامل مهمة لتحفيز النمو الاقتصادي، إلا أن استعمال الروبوت يكون على حساب إقصاء اليد العاملة في البلاد العربية دون تعويضها بأعمال أخرى.
بينما في بلدان العالم المتقدم تتيح الروبوتات الحفاظ على امتيازاتها الصناعية والاقتصادية خاصة في البلدان التي تعاني من شيخوخة مثل ألمانيا واليابان ودول أخرى، فالبلدان هناك تعاني من عجز سكاني سببه ارتفاع معدل الوفيات عن الولادات والناجم عن انخفاض الخصوبة، إذ أدى ذلك إلى هبوط في فئة الشباب القادرة على العمل وارتفاع معدل الشيخوخة.
وعلى إثر ذلك تستقبل تلك الدول مهاجرين من دول أخرى لتعويض العجز، على عكس الدول العربية التي لا تعاني من عجز سكاني ولديها وفرة في اليد العاملة، لذا فإن المقارنة بين بلد عربي وبلد أجنبي من هذا الباب تعد مجحفة وغير صحيحة.
فالبلد الأجنبي استشعر بخطر تناقص عدد السكان وانخفاض القوة العاملة والتي بالمحصلة سيضرب معدل النمو الاقتصادي ويلحق أضرارًا بالاقتصاد العام، لذا فاستخدام الروبوت هناك سيحافظ على مستوى تقدم اقتصادات تلك الدول.
وهناك أمر آخر أن الدول المتقدمة اضطرت لاستخدام الروبوت للتعويض عن نقص الموارد الطبيعية، فاليابان التي تفتقر للمساحات الصالحة للزراعة في العام 2016، تخطط شركة يابانية للإنتاج النباتي (Spread) للبدء ببناء مصنع للخس في كيوتو، ينتج 30000 رأس من الخس يوميًا، أو 10 مليون رأس سنويًا، وذلك باستخدام تقنية مؤتمتة بالكامل تقريبًا، فمن المراحل الستة التي يتم خلالها زراعة الخس، والتي هي البذر، الإنبات، نقل الشتلات إلى حوض أكبر، إنماء الخضار إلى الحجم الكامل، الحصاد، تخطط شركة (Spread) لجعل جميع تلك المراحل مؤتمتة ما عدا عمليات الإنبات والبذر.
الدافع وراء استعمال الروبوتات والاستغناء عن اليد العاملة هو رفع الإنتاجية والتنافسية والجودة
ويجدر التنويه هنا أن استخدام الروبوت لا يزال مقتصرًا على بعض الصناعات المعينة دون أخرى، وبشكل كثيف في صناعة السيارات والطائرات التي تعتمد أساسًا على الآلات الحديثة، إذ لم يستخدم بعد في إطار الخدمات كالإعلام، وبديلاً عن النادل والطباخ في المطاعم، وفي أماكن أخرى كثيرة تستخدم يد عاملة بشرية بشكل كبير.
أما في العالم العربي فالوضع مختلف تمامًا عن الدول الأجنبية المتقدمة، فالدول العربية لا تعاني من عجز سكاني واقتصاداتها غير متقدمة بالدرجة الأولى، وثانيًا الصناعات المعقدة والمتطورة غير موجودة بل يتم استيرادها من الخارج، في حين يتم اسخدام الروبوت بشكل محدود في صناعات معينة تتمثل في كلفة الحلول المعلوماتية والقدرة على أداء الوظائف على مدار اليوم الكامل وإتقان أداء المهام، واستخدام الربوت في هذا المجال مهم لإراحة البشر في أعمال لا يمكنهم القيام بها طول الوقت.
البلدان العربية مليئة بالموارد الطبيعية ويحتوي كل بلد على تنوع هائل من الموارد قادرة من خلال استغلالها على خلق ثروة كبيرة ومتنوعة، أما بالنسبة للبطالة المنتشرة في العالم العربي فهي أساسًا موجودة قبل استخدام الروبوت لأسباب تتعلق بأزمات ومشاكل هيكلية في الاقتصادات العربية وهي ركونها إلى الموارد الطبيعية وتمويل الميزانية من خلال إيرادات تلك الموارد وترك العمل في القطاعات الاقتصادية المختلفة الكفيلة بخلق فرص العمل، لذا من غير المنطقي إرجاع مسألة البطالة في العالم العربي إلى مسألة استخدام الروبوت بحدود ضيقة.
البطالة المنتشرة في العالم العربي أساسًا موجودة قبل استخدام الروبوت لأسباب تتعلق بأزمات ومشاكل هيكلية
والأولى بالدول العربية العمل بشكل أعمق على الزراعة والصناعة والخدمات لتنويع مصادر الدخل وخلق فرص عمل للمواطنين لتخفيض نسب البطالة، وإذا كان لا بد من استخدام الروبوت فيكون في أمور تقنية معقدة لا يستطيع الإنسان القيام بها، وتقليد الدول المتقدمة في استخدام الروبوت لا يعد حكيمًا فالفرق كبير بين ما وصلت إليه تلك الدول وما وصلت إليه الدول العربية.
استخدام الروبوت في بلدان العالم المتقدم جعل هناك من ينادي بضرورة احتساب ضريبة على الروبوت، وكان مؤسس مايكروسوفت بيل غيتس، اعتبر في فبراير/ شباط الماضي أنه إذا كانت الروبوتات ستحل محل البشر فيفترض بها أن تؤدي الضرائب، ويتصور غيتس أن تعويض الروبوتات للبشر يعني وظائف أقل وضرائب أقل تحصلها الدولة، مما يعني في نظره مساهمة الروبوتات في المجهود الجبائي للدولة.
إذا كانت الربوتات ستحل محل البشر فيفترض بها أن تؤدي الضرائب
وتوقعت مؤسسة فروست أند سوليفان أن ينتقل عدد الروبوتات المصنعة في العالم إلى 25.4 مليون في عام 2020 مقابل ملايين في 2012. وذهبت شركة “آي دي سي” إلى أن الإنفاق العالمي على الروبوتات سيصل إلى 135 مليار دولار في أفق 2019، إذ ستستحوذ الربوتات على 30% من الوظائف البريطانية حتى العام 2030 و7.5 ملايين وظيفية في قيادة السيارات والأعمال الإنشائية في الولايات المتحدة.
الثورة الصناعية الرابعة
يُقصد بـ”الثورة الصناعية الرابعة” البدء باستخدام أجهزة الربوتات بشكل أوسع في كل المجالات مثل طائرات دون طيار، وسيارات ذاتية القيادة، وخطوط الإنتاج الذكية، وتقنيات النانو، وسلسلة البلوكات وغيرها من الاكتشافات والابتكارات العلمية التي يزخر العالم بها هذه الأيام.
ألمانيا كانت مبادرة في إطلاق هذه الثورة بعد استخدامها نظام الأتمتة الصناعية والتقليل من عدد الأيدي العاملة بحيث يقتصر الدور البشري في الصناعة على المراقبة والتدقيق فقط. إيجابيات هذه الثورة أنها ستوفر فرصًا واسعة للمجتمعات البشرية كي تحقق معدلات عالية من التنمية الاقتصادية بتخفيضها لتكاليف الإنتاج إلى أقل مستوى ممكن، وتأمين خدمات نقل واتصالات تجمع بين التقنية العالية والتكلفة الأكثر انخفاضًا.
أما فيما يخص السلبيات فأخطرها انتشار البطالة، حيث تؤكد تقديرات لخبراء اقتصاد أن أتمتة الصناعة من شأنها أن تقلص فرص العمل إلى حدود 50%، تضر بالدرجة الأولى الفئات المتوسطة والدنيا من الأيدي العاملة التي لا تحتاج إلى خبرات علمية وتقنية عالية، وثاني سلبية هي أن تؤدي الثورة الصناعية الرابعة إلى اضمحلال دور الشركات المتوسطة والصغيرة الحجم لتحل محلها الشركات الكبرى.
إيجابيات الثورة الرابعة أنها ستوفر فرصًا واسعة للمجتمعات البشرية كي تحقق معدلات عالية من التنمية الاقتصادية بتخفيضها لتكاليف الإنتاج إلى أقل مستوى ممكن
قبيل مؤتمر دافوس 2015 دعا كلاوس شفاب الرئيس المؤسِس للمنتدى الاقتصادي العالمي، قادة العالم إلى إعادة النظر في السياسات الاقتصادية الراهنة بغية استيعاب التبدلات المُقبلة، “نحن لسنا مُهيأين بما يكفي للتعامل مع هذه الثورة الصناعية الرابعة وما ستُحدثه من تغييرات في جميع نواحي الحياة، ستجتاح كل المجتمعات كالتسونامي، وتُغِّير أنظمة بأكملها” كما قال، وأضاف: “أخشى أننا إذا لم نكن مُستعدين كما ينبغي، فإننا سنخلق عالمًا تُجَمَّد فيه الطبقة الوسطى على وجه الخصوص، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى ظهور مشكلة إقصاء اجتماعي جديدة، وهو ما يجب علينا تفاديه قطعًا”.
في المقابل يرى مراقبون أنه من شأن “الثورة الصناعية الرابعة” خلق مزيد من فرص العمل ولكنها قد تكون من نوع آخر، حيث ستحتاج الأجهزة الذكية الذاتية الحركة لمن يصممها ويبرمجها وينتجها ويصلحها إذا تعطلت، كما أنه ستكون هناك قاعدة بيانات كبيرة تتطلب احترافية من قبل بني البشر لبرمجتها وتحليلها لكي تكون صالحة للاستخدام.
والواقع أن هناك الكثير من المصانع والشركات في بلدان مثل سويسرا وألمانيا كانت بالفعل قد استبدلت العمال المدربين على عملية التجميع اليدوي لتسيير هذه العمليات آليًا، وأن عملية “الأتمتة” أو “المكننة” ليست جديدة، فقد اختفت مواقع إنتاج في مدن صناعية في زيورخ في سويسرا منذ مدة طويلة، لكن مستويات العمالة ظلت قوية حيث سجل معدل البطالة في تلك المناطق عام 2015 نسبة 3.3%.
الحالة الطبيعية للتطور والعمران تقتضي أنه ما دام عقل الإنسان يفكر ويبتكر سيبقى يطور من طريقة الإنتاج ليوفر تكلفة ووقت وجهد
بالنسبة لهذه الثورة فالحالة الطبيعية للتطور والعمران تقتضي أنه ما دام عقل الإنسان يفكر ويبتكر سيبقى يطور من طريقة الإنتاج ليوفر تكلفة ووقت وجهد، فضلاً أنه لا يمكن الإنكار أنها تساعد في التخلص من العديد من الأمراض المستعصية المنتشرة في العالم باستخدام اكتشافات وابتكارات جديدة في مجال النانو.
في النهاية بالنسبة للعالم العربي فإن الثورة الرابعة التي تتضمن استخدام الروبوتات بدلا عن اليد العاملة غير مهمة، إذ لا يمكنه القفز إلى مرحلة البلدان المتقدمة بشكل اعتباطي، فلا يزال أمام الدول العربية الكثير لتفعلها، فالتقدم عبارة عن سلسلة متواصلة من الإجراءات تبدأ بالتعليم وتنتهي في أسواق العمل.