فرضت الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقبلة والمقرر لها التاسع عشر من مايو المقبل نفسها على بورصة اهتمام الجميع، إيرانيين وغير إيرانيين، لما تحمله من أهمية محورية في رسم خارطة إيران المستقبلية سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي وذلك في ضوء المناخ السياسي والأمني – الإقليمي والدولي – الذي تشهده المنطقة.
وتكتسب الانتخابات المقبلة أهميتها كونها أول انتخابات تأتي بعد الاتفاق النووي الموقع في 2015 بالتزامن مع تصاعد حدة التوتر مع إدارة البيت الأبيض الجديدة، فضلاً عن التهديدات التي تواجه المد الإيراني في الشرق الأوسط، لا سيما على المستويين السوري واليمني.
ورغم انحسار قائمة المرشحين الست على منافسات الدورة الثانية عشر من الانتخابات في التيارين الإصلاحي والمحافظ وكلاهما ينتمي للمذهب الشيعي، فإن هناك تيار آخر يلعب بما لديه من كتلة تصويتية ليست بالقليلة دورًا محوريًا في تحديد اسم الرئيس الإيراني القادم، ألا وهو التيار السني داخل إيران، ليبقى السؤال قائمًا: لمن يصوت سنة إيران في الانتخابات القادمة؟
تضارب في الأعداد
نظرًا لعدم وجود إحصاء سكاني على أساس الطائفة والعرق فليس هناك رقم رسمي محدد عن أعداد السنة في إيران، لذا تتضارب المعلومات بشأن حجم التعداد الحقيقي للسنة، حيث تقول الإحصاءات الرسمية إنهم يشكلون 10% من إجمالي عدد السكان، بينما تشير مصادر سنية لتؤكد أنهم يشكلون الثلث تقريبًا، ومصادر مستقلة تلمح إلى أن العدد الحقيقي يتراوح بين 15-20% من سكان إيران البالغ عددهم 79 مليون حسب إحصاء 2015.
ينقسم سنة إيران إلى ثلاثة عرقيات رئيسية: الأكراد، البلوش، التركمان، إضافة إلى العرب المقيمين في إقليم خوزستان، ومن الملاحظ أن سنة إيران يسكنون بالقرب من الحدود التي تفصل بين إيران والدول المجاورة مثل باكستان وأفغانستان والعراق.
وينتمي معظم سنة إيران إلى المذهبين الحنفي والشافعي، فالأكراد وهم الغالبية العظمى من السنة في إيران يتبعون المذهب الشافعي، بينما يتبع البلوش والتركمان المذهب الحنفي، أما العرب وبعض الأذدريين فيتبعون المذهب الحنفي النقشبندي
مصادر مستقلة تلمح إلى أن العدد الحقيقي للسنة يتراوح بين 15-20% من سكان إيران البالغ عددهم 79 مليون حسب إحصاء 2015
ورغم تراوح أعداد السنة في إيران ما بين 15 – 20 % فإن هناك قلق واضح لدى شيعة إيران من تنامي تلك الأعداد، وهو ما أعرب عنه الدكتور ناصر رفيعي العضو البارز في “الهيئة العلمية لجامعة المصطفى العالمية”، وأحد المتخصصين في الشؤون المذهبية في إيران، بقوله: “علماء ومراجع التقليد الشيعية قلقون جدًا من انخفاض عدد الشيعة وازدياد أهل السنة في إيران”.
رفيعي في تصريحات سابقة له، نشرها “نون بوست” في مقال سابق، أشار إلى أن “عدد تلاميذ المرحلة الابتدائية من أبناء السنة يعادل 50% من كل التلاميذ في إيران، lما يعني أن عددهم أصبح يعادل الشيعة” مضيفًا: “في إحدى المدن في محافظة أذربيجان الإيرانية يفوق عدد أهل السنة عدد الشيعة، حيث أصبحت نسبة السنة 70%، والشيعة 30%، وهذا خطير جدًا”.
تراجع التمثيل السياسي
ليس شرطًا أن يكون تمثيلك العددي هو عنوان لتمثيلك السياسي داخل الدولة، وهذا هو واقع السنة في إيران، ففي الوقت الذي تتراوح فيه نسبتهم العددية ما بين 15-20% من عدد سكان إيران إلا أن تمثيلهم داخل مجلس الشورى “البرلمان” لا يتناسب مطلقًا مع هذه النسبة، إذ لا يتعدى عدد النواب عن السنة نحو 20 نائبًا من إجمالي 280 بما لا يتجاوز 7%.
الأمر لا يتوقف فقط على البرلمان، فالمواطن السني محروم وبحسب الدستور من تولي المناصب العليا في الدولة، كرئاسة الجمهورية أو البرلمان، مهما كان متمتعًا بالمؤهلات التي تساعده على ذلك.
فطبقًا للمادة 115 من الدستور الإيراني لا بد أن يكون المرشح لرئاسة الجمهورية من الشخصيات الدينية والسياسية، ومؤمنًا بالمبادئ الأساسية لجمهورية إيران الإسلامية والمذهب الرسمي للبلاد (المذهب الجعفري الإثنا عشري وفق المادة 12).
إضافة إلى ذلك لا توجد مؤسسة رسمية واحدة في الدولة معنية بقضايا أهل السنة رغم كونهم الأقلية الأكبر في البلاد والتيار الثاني بعد الشيعة، كما أن اختيار بعض الأسماء من السنة للتمثيل في مؤسسات الحكومة لا يكون إلا من بين الأسماء الموالية لها وليست المعبرة عن مطالب جموع السنة كما يتهم البعض.
هذا بجانب الاتهامات التي توجه للنظام الإيراني بشأن الانتهاكات المتواصلة ضد السنة سواء على المستوى الديني من خلال هدم مساجدهم ومنع بناء أخرى والحيلولة دون ممارسة شعائرهم الدينية أو على المستوى السياسي عبر عرقلة ممارستهم لأي حقوق سواء عن طريق القانون أو الممارسات الأخرى التي تضيق الخناق عليهم بصورة تحول بينهم وبين مباشرة تلك الحقوق، فضلاً عما يثار بشأن حملات الإعدام الجماعي ضد السنة والتنكيل بهم.
استنادًا إلى المادة 115 من الدستور الإيراني لا بد أن يكون المرشح لرئاسة الجمهورية من الشخصيات المؤمنة بالمبادئ الأساسية لجمهورية إيران الإسلامية والمذهب الشيعي
20 نائبًا سنيًا فقط من بين 290 عضوًا بمجلس الشورى الإيراني
مطالب بالتغيير
هذا التضييق القانوني والتنفيذي الممارس على سنة إيران دفعهم إلى المطالبة أكثر من مرة ببعض من حقوقهم المهدرة، والدعوة إلى إعادة النظر في القوانين المعرقلة لمباشرة حقوقهم الإنسانية وعلى رأسها الحقوق السياسية.
ففي كلمة له قبل يومين طالب العالم السني عبد الحميد إسماعيل زهي بضرورة تغيير مواد الدستور التي تمنع السنة من الترشح للانتخابات الرئاسية في إيران، حيث قال: “مواد الدستور ليست أوامر إلهية، بل وضعت من قبل العباد، ويجب أن يعاد النظر في المادة التي تمنع السنة من الترشح للانتخابات الرئاسية”، في إشارة منه للمادة الـ115 من الدستور سالفة الذكر، داعيًا إلى إفساح المجال أمام السنة الأكفاء لتولي المناصب القيادية والعامة طالما كانوا مستوفيين للشروط المطلوبة.
وفي أكتوبر الماضي، طالبت كتلة نواب السنة في مجلس الشورى الإيراني، الرئيس حسن روحاني، بتخصيص مقاعد وزارية لها داخل الحكومة وذلك في أعقاب استقالة وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي، علي جنتي، والشباب والرياضة، محمود جودرزي، والتربية والتعليم، على أصغر فاني، من مناصبهم.
وفي بيان أصدرته الكتلة، ألقاه النائب منصور مرادي، دعا فيه روحاني إلى تعيين وزراء سنة في التشكيل الحكومي الجديد، قائلاً: “نطالب من الحكومة، تفعيل توصية المرشد (آية الله علي خامنئي)، وإعادة النظر في إعطاء فرصة بتعيين النخبة من السنة في البرلمان”، وتابع “الشعب والمجتمع السني يطالب منكم تعيين النخبة السنة لهذه المواقع”
العالم السني عبد الحميد إسماعيل: مواد الدستور ليست أوامر إلهية، بل وضعت من قبل العباد، ويجب أن يعاد النظر في المادة التي تمنع السنة من الترشح للانتخابات الرئاسية
ماذا يريد السنة من الرئيس القادم؟
مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والمقرر لها 19 من مايو القادم وبدء كل مرشح في الترويج لبرنامجه الانتخابي تتصاعد مطالب أهل السنة ودعواتها بإعادة النظر في واقعهم السياسي والمجتمعي والديني، وتنحصر أبرز مطالب السنة من الرئيس الجديد والذي على أساسها سيتم التفاضل بين المرشحين في:
– وقف التمييز الطائفي ضد السنة من قبل الشيعة والحكومة والنظام.
– إصلاح المنظومة السياسية والاقتصادية والمجتمعية المتدهورة لسكان المناطق الحدودية ذات الأكثرية السنية.
– التنفيذ العادل للقوانين المنصوص عليها دستوريًا وتضمين معاني المساواة والعدالة في بنودها.
– مشاركة جميع فئات المجتمع ومنهم أهل السنة في إدارة مؤسسات الدولة وعدم حرمانهم من الوظائف القيادية طالما توفرت الشروط اللازمة.
– إزالة جميع المعوقات التي تحول دون ممارسة السنة لشعائرهم الدينية وفي مقدمتها التصريح ببناء المساجد وعدم هدم الموجود وعدم التضييق عليهم في أداء طقوسهم السنية.
الوقف الفوري لكل أشكال التمييز الطائفي ضد السنة من قبل الشيعة والحكومة والنظام أبرز مطالب السنة من الرئيس القادم
مرشح التيار المحافظ والمقرب من المرشد الإيراني إبراهيم رئيسي
ما بين روحاني ورئيسي
رغم عدم إفصاح المرشحين الست الذين سيخوضون الانتخابات الرئاسية القادمة عن مواقفهم الرسمية حيال الأقليات الدينية في إيران فإن الخيارات الأبرز أمام الكتلة التصويتية السنية – حال مشاركتها – تتمحور في الرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني الممثل للتيار الإصلاحي، وإبراهيم رئيسي مرشح تيار المحافظين، لما لهما من مواقف سابقة تتعلق بواقع السنة ومستقبلهم السياسي والمجتمعي.
حسن روحاني.. يعد الرئيس الإيراني حسن روحاني أحد أبرز الإصلاحيين الداعمين لفكرة المشاركة السياسية للأقليات الدينية والعرقية في المناصب القيادية للدولة، حيث سبق وأن وعد خلال حملته للانتخابات الرئاسية السابقة في 2013، بأنه “سيمنح الأقليات العرقية والدينية والمذهبية في البلاد، مناصب مرموقة في الدولة، حال حصل على دعمهم في الانتخابات”.
لذا فالسنة يعولون عليه في تولي بعض منهم حقائب وزارية في الحكومة الجديدة مذكرين إياه بوعده السابق في الانتخابات السابقة كما تم ذكره سابقًا.
مرشح التيار المحافظ إبراهيم رئيسي: نظرتنا لأهل السنة أنهم مواطنون إيرانيون متساوون معنا وهم أبناؤنا
إبراهيم رئيسي.. وفي المقابل وقبل أقل من شهر على انطلاق الماراثون الانتخابي، بعث مرشح التيار المحافظ إبراهيم رئيسي، برسائل غزل لأهل السنة من المواطنين في البلاد، لاستقطاب أصواتهم.
رئيسي في كلمة له أمام أعضاء حملته الانتخابية قال: “أهل السنة في البلاد مواطنون إيرانيون وهم أبناؤنا”، مضيفًا: “أهل السنة واقع قائم في إيران، ونظرتنا لأهل السنة أنهم مواطنون إيرانيون متساوون معنا وهم أبناؤنا، وأهالي محافظة سيستان وبلوتشستان (شرق إيران) سنة وشيعة يعيشون في وئام منذ نحو 1000 عام، وأما من يثير الفتنة فهو ليس بسني ولا شيعي”.
وواصل رئيسي مغازلته لأهل السنة حين وصفهم بأنهم “مواطنون أعزاء وأصحاب كرامة”، قائلاً: “في إحدى المرات قلت لإخواني من أهل السنة: نحن ندافع عن فلسطين وهل هم شيعة؟ وإننا لو نتراجع عن القضية الفلسطينية، فإن الغرب سيفتح أمامنا كل الأبواب، إلا أننا في هذه القضية ملتزمون بمبادئنا”.
وهكذا فإن السنة في إيران وإن تراجع مستوى تمثيلهم السياسي داخل الدولة إلا أن كتلتهم التصويتية والتي تتراوح بحسب الإحصائيات بين 10-20% من إجمالي الأصوات من الممكن أن ترجح كفة مرشح دون الآخر، ويبقى نسبة تحقيق كل مرشح من المرشحين الست لمطالب السنة هي الفيصل في تحديد بوصلة أصواتهم في الانتخابات القادمة