ترجمة وتحرير: نون بوست
توصل العلماء في أنتاركتيكا (القطب الجنوبي المتجمد) إلى اكتشاف يثير الرعب والقلق بشكل ملحوظ. في الواقع، وجد الباحثون في معهد “الأرض” في جامعة كولومبيا أن ذوبان الجليد يحدث بوتيرة أسرع بكثير مما كان نعتقد، ومن المرجح أن يزداد سوءا خلال الفترة القادمة.
وذكرت النتائج التي نشرت في مجلة “نيتشر” أن هناك كمية كبيرة من المياه الذائبة تتدفق إلى أجزاء من القارة القطبية الجنوبية، على عكس ما هو متوقّع. علاوة على ذلك، نشر معهد الأرض أيضا مقطع فيديو يظهر شلال يبلغ علوّه حوالي 400 قدما. ويتدفق النهر إلى أسفل الجرف الجليدي الذي يُدعى “نانسن” ومن ثم إلى المحيط.
وتجدر الإشارة إلى أن طول الجرف الجليدي “نايسن” يبلغ حوالي 30 ميلا حين يصل عرضه إلى 10 أميال. وتشير الأبحاث إلى أننا سنشهد الآثار الناجمة عن هذه المشكلة خلال السنوات القليلة القادمة خاصة وأنه من المرجح أن تزداد الأوضاع سوءًا مع استمرار ارتفاع درجات الحرارة فضلا عن تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري.
هناك كمية كبيرة من المياه الذائبة تتدفق إلى أجزاء من القارة القطبية الجنوبية، على عكس ما هو متوقّع
وفيما يلي نص البيان:
في أول دراسة أجريت في القارة، عثر العلماء على مجار واسعة من مياه الذوبان التي تتدفق إلى أجزاء من جليد أنتاركتيكا خلال فصل الصيف. وكان الباحثون يعرفون بالفعل وجود مثل هذه المجاري، ولكنهم افترضوا أنها كانت تقتصر أساسا على المناطق التي ترتفع فيها درجات الحرارة في أنتاركتيكا، والتي غالبا ما يوجد معظمها في الشمال.
في الواقع، لا تعد عمليات التصريف التي تم تعيينها حديثا بالأمر الجديد، ولكن حقيقة وجودها يعتبر أمرا مثيرا للاهتمام. ويبدو أن هذه الظاهرة في تفاقم مستمر نظرا للارتفاع الطفيف في درجات الحرارة. وبالتالي، من المرجح أن يكون للارتفاع في نسبة الاحتباس الحراري خلال هذا القرن تأثير على مستوى سطح البحر.
يبدو أن هذه الظاهرة في تفاقم مستمر نظرا للارتفاع الطفيف في درجات الحرارة
من جانب آخر، تناولت إحدى الدراسات المصاحبة كيفية تأثير مثل هذا النظام على الجروف الجليدية العظيمة التي تجتاح القارة، والتي يخشى بعض الباحثين من أن تنهار، مما سيؤدي إلى ارتفاع مستوى سطح البحر بشكل كارثي. وتجدر الإشارة إلى أن كلتا الدراستين ستنشران الأسبوع المقبل في المجلة العلمية الرائدة “نيتشر”.
في الحقيقة، وثّق المستكشفون والعلماء وجود سيلان مياه ناجم عن ذوبان أنتاركتيكا في أوائل القرن العشرين. ولكن لم يتوصل أي منهم إلى معرفة مدى انتشار هذه الظاهرة. ومن خلال تصنيف الباحثين بشكل منهجي للصور المأخوذة من كل من الطائرات العسكرية منذ سنة 1947 إلى حد الآن، وصور الأقمار الصناعية لسنة 1973، توصلوا إلى أن حوالي 700 بركة مترابطة ومجاري مائية متشابكة تهدد القارة من جميع الجوانب.
والجدير بالذكر أن طول بعض هذه المجاري المائية يبلغ حوالي 75 ميلا أما البرك، فيصل طولها إلى عدة أميال، إذ توجد بالقرب من القطب الجنوبي بمسافة تقدر بحوالي 375 ميلا، وعلى ارتفاع 4300 قدم فوق مستوى سطح البحر، وهو ما يعتبر أمرا نادر الحدوث.
وفي شأن ذي صلة، قال المؤلف الرئيسي للدراسة، جوناثان كينغسليك، عالم الجليد في مرصد “لامونتدو هيرتي” بجامعة كولومبيا إن “هذا الأمر يحصل منذ عقود. وأعتقد أن معظم العلماء في القطب اعتبروا أن المياه التي تتحرك عبر سطح القارة القطبية الجنوبية نادر للغاية. لكننا وجدنا الكثير منها، على امتداد مساحات واسعة جدا”.
في الواقع، لا يملك العديد من الباحثين بيانات كافية لمعرفة ما إذا كان حجم أو عدد المصارف قد ارتفع على مدى العقود السبعة التي أجريت حولها هذه الدراسة. لذلك، صرح كينغسليك قائلا: “ليس هناك أي سبب يجعلنا نفكر في أن لديهم البيانات اللازمة، ولكن لا يمكننا أن نجزم حول هذه الأزمة من دون إجراء دراسات أخرى. وسيكون من المهم حقا تحديد كيفية تغير منسوب المياه نظرا للاحتباس الحراري، وكيف سيؤثر ذلك على الصفائح الجليدية”.
تتمّ عمليات التصريف التي عُيّنت حديثا إما بالقرب من الجبال التي تتدفق عبرها الأنهار الجليدية، أو في المناطق التي جرفت فيها الرياح القوية الثلوج بسبب الجليد الأزرق. وبالتالي، تعتبر هذه المعالم الجغرافية أشد عتمة من الصفيحات الجليدية التي تغطيها الثلوج مما يدفعها إلى امتصاص طاقة شمسية أكبر.
من جهة أخرى، تؤدي هذه العملية بدورها إلى ذوبان الثلوج مما يجعل الماء الذائب يمر من المنحدرات عبر الثلوج المغمورة. وفي حال ارتفعت حرارة القارة هذا القرن أكثر، فإن هذه العملية ستتكرر على نطاق أوسع بكثير وهو ما أكده الباحث المشارك في الدراسة، روبن بيل، من خلال قوله “تخبرنا هذه الدراسة أن هناك بالفعل ذوبان أكثر بكثير مما كنا نظن. وستتفاقم هذه الظاهرة مع ارتفاع درجات الحرارة”.
وعلى الرغم من أن القارة القطبية الجنوبية بصدد فقدان كميات من الجليد، إلا أنه لم يعر أحد أي اهتمام بالآثار التي من شأنها أن تنجر عن عملية المياه الذائبة، والتي عادة ما تتجمد في فصل الشتاء. في المقابل، يعدّ قلق علماء الجليد ناجما عن التغيرات التي ستطرأ في المستقبل. في الواقع، يذوب الجليد في الوقت الراهن بالقرب من الحواف، حيث تآكلت الجروف الجليدية العائمة الملاصقة للأرض نظرا لشدّة حرارة التيار المحيطي.
كلما انخفضت الكتلة الجليدية، كلما وجدت الأنهار الجليدية طريقها نحو البحر
فضلا عن ذلك، تساعد الجروف الجليدية، التي تسد ثلاثة أرباع القارة القطبية الجنوبية، على ردع الأنهار الجليدية التي تقف وراءها. وبالتالي، كلما انخفضت الكتلة الجليدية، كلما وجدت الأنهار الجليدية طريقها نحو البحر. وعلى سبيل المثال، ارتفع متوسط درجات الحرارة إلى سبع درجات فهرنهايت خلال السنوات الخمسين الماضية في شبه الجزيرة القطبية الجنوبية، الذي يقع على شمال الصفيحة الجليدية الرئيسية. وخلال الفترة الممتدة بين سنتي 1995 و2002، ذابت أجزاء كبيرة من الجرف الجليدي لشبه جزيرة لارسين في غضون أيام.
من ناحية أخرى، يشك العلماء الآن في أن المياه المجمعة ناتجة عن المياه التي كان من المرجح أن تسيل للأسفل، فضلا عن تحطم الجليد إما بسبب ارتفاع درجات الحرارة أو الضغط، أو كليهما، حتى يتم التوصل إلى نقطة التهشيم.
في الوقت الراهن، من المتوقع أن تندثر قطعة أخرى عملاقة من شبه جزيرة لارسن. أما في الجنوب، فقد ظلت درجات الحرارة مستقرة نوعا ما، ولكن سيلان المياه الذي تم رصده حديثا إما شق طريقه نحو الجروف الجليدية، وأصبح هو بذاته جرفا. وهو ما يثير الشكوك حول إمكانية أن تحدث مثل هذه الانهيارات على نطاق أوسع بكثير في بعض مناطق أنتاركتيكا هذا القرن. كما أشار كينغسليك إلى أن الاحتباس الحراري آخذ في الارتفاع كما هو متوقع.
من ناحية أخرى، وجدت دراسة مصاحبة أجريت بقيادة بيل أن سيلان المياه لفترة طويلة على الجرف الجليدي نانسن غرب أنتاركتيكا قد يساعد في الواقع على الحفاظ على تماسك الجرف. وقد لوحظ نظام شبيه بالنهر على الجرف الذي يبلغ طوله 30 ميلا في سنة 1909، من قبل فريق من البعثة بقيادة المستكشف البريطاني، إرنست شاكلتون. ومنذ ذلك الحين، أظهرت الصور الجوية أن هذا النظام ظل مستقرا ولم يرتفع منسوب المياه بشكل ملحوظ. والجدير بالذكر أنه يتم استنزاف مياه الذوبان خلال فصل الصيف من خلال وجود تجويفات عميقة فضلا عن شلال هائل يبلغ طوله 400 قدما الذي يصب في المحيط.
كشفت دراسة أخرى أجريت من قبل فريق مستقل ونُشرت في كانون الثاني/يناير، أن منطقة روي- بودوان في شرق أنتاركتيكا في شرق القارة القطبية الجنوبية تحمل في جوفها مياها سائلة غير مرئية تحت الثلج
وفي هذا الشأن، قال بيل إنه “من المرجح أن تتطور هذه العملية في أماكن أخرى، أو أن تنتقل إلى البرك العملاقة. وعلى الرغم من أن الجليد يتميز ببنية متغيرة ومعقدة، إلا أنه لا تتوفر لدينا إلى حد الآن أية بيانات تُذكر حول هذا الأمر”.
تعد التيارات الموسمية لمياه الذوبان والبرك أكثر شيوعا على صفيحة غرينلاند الجليدية التي تعرف بارتفاع معدل الاحتباس الحراري. في السنوات الأخيرة، شهد ما يصل إلى 90 بالمائة من سطح صفيحة غرينلاند الجليدية ارتفاعا في معدل نسبة الذوبان الموسمي. بالإضافة إلى ذلك، غالبا ما يبقى الماء راكدا بالقرب منه مما يعني أنه سيتجمد مرة أخرى في فصل الشتاء.
في المقابل، يندفع الماء في بعض المناطق عبر الفجوات العميقة في الصخور التحتية، ومن ثم تنزلق الصفيحات الجليدية إلى البحر. وفي حالات أخرى، قد تتجمد المياه من جديد بالقرب من السطح لتصبح صفائح صلبة وتشق طريقها في المواسم القادمة إلى البحر بسهولة.
وحتى وقت قريب، كانت الجبال الجليدية المنفصلة من الأنهار الجليدية هي المساهم الرئيسي في ارتفاع مستوى سطح البحر في غرينلاند. بيد أنه بين سنتي 2011 و2014، تمّ إثبات أن 70 في المائة من 269 مليون طن من الجليد والثلوج في غرينلاند التي صبت في المحيط مباشرة، كانت من المياه الذائبة، وليست من الجبال الجليدية.
في الحقيقة، يمكن أن تكون مجاري القارة القطبية الجنوبية المرئية جزءا من الجليد. كما كشفت دراسة أخرى أجريت من قبل فريق مستقل ونُشرت في كانون الثاني/يناير، أن منطقة روي- بودوان في شرق أنتاركتيكا في شرق القارة القطبية الجنوبية تحمل في جوفها مياها سائلة غير مرئية تحت الثلج. وقد اكتشف الفريق، بقيادة عالم الجليد في جامعة أوتريخت، جان لينايرتس، ذلك باستخدام صور الرادار. ومن جهتهم، يشكّ هؤلاء الباحثين في أن مثل هذه الخصائص من شأنها أن توجد في العديد من الأماكن الأخرى.
“لا أحد كان مهتما في ذوبان الجليد”
وعلى عكس سيلان المياه على السطح نظرا لأن هذه التيارات معزولة، فهي تبقى سائلة على مدار السنة. وفي هذا الصدد، قالت هيلين فريكر، وهي عالمة الجليد في معهد سكريبس لعلوم المحيطات الذي لم يشارك في الدراسات الجديدة، عن الدراسة التي أجريت على نطاق القارة “كنا نعرف أن هناك مناطق أخرى [تذوب]، لكننا لم نكن نعرف بالضبط مدى انتشارها”.
في المقابل، صرّحت دوغلاس ماكيال، عالمة الجليد في جامعة شيكاغو التي لم تشارك أيضا في الدراسات، حتى وقت قريب، “لا أحد كان مهتما في ذوبان الجليد”، لأن معظم العلماء يعتقدون أنه كان أمرا نادرا نسبيا. ونحن نعمل جاهدين لمعرفة ما إذا كانت هذه الأشياء ذات صلة بتنبؤات تغير مستوى سطح البحر”.
في الواقع، قام ثلّة من خيرة الباحثين بهاتين الدراستين وهي بتمويل من قبل الناسا ومؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية، ومؤسسة يورك القديمة، ووزارة المحيطات والمصايد الكورية. يمكن أن تجد الدراستين في مجلة “نيتشر”.
المصدر: بي آي بي