تعد الأحزاب من المفردات المهمة للحياة السياسية الحديثة، فضلا على أنها حجر الزاوية بالمبادئ الديموقراطية، في الوقت الذي تلعب فيه دورا كبيرا في تقويم السلطة، وكشف عيوبها وتقويمها بالإتجاه الصحيح.
وتعتبر الأحزاب مكونا دستوريا لا غنى عنه في الدول المعاصرة، الأمر الذي تساعد من خلاله في تكوين الإرادة السياسية للشعب، في حين تنهض بمهمة علنية يضمنها لها القانون الأساسي.
في حين تعد الأحزاب ذات أهمية كبيرة استنادا إلى طبيعة دورها، الذي يتمثل في كونها آلية للمشاركة السياسية، إضافة إلى مساهمتها في العمل على تداول السلطة وإنتاج النخبة السياسية.
وتمثل الأحزاب مجموعة من ﺍﻷﻓﺭﺍﺩ يلتقون عند ﺃﻫﺩﺍﻑ ﻭﺃﻓﻜﺎﺭ محددة، ﻭيرتبطون ﻓﻴﻤﺎ بينهم بنظام يخضعون ﻟﻪ ﻟﻠﻭﺼﻭل إلى الحكم، من خلال وسائل مشروعة ضمن حدود ﺍﻟﻘﺎنون، ﻭﺫﻟﻙ من أجل تحقيق ﺃﻫﺩﺍﻓﻬﻡ ﻭبرامجهم
وحسب الناطق الإعلامي لوزارة التنمية السياسية محمد الملكاوي، فإن عدد الأحزاب المرخصة بلغ 49 حزبا، إضافة إلى 22 حزباً تحت التأسيس.
“بالرغم من التشريعات والقوانين التي تسمح وتشجع على العمل الحزبي، إلا أن العمل الحزبي ضعيف بشكل كبير جدا”
وحول أعداد المواطنين الذين شاركوا في تأسيس الأحزاب، فقد وصلت إلى نحو 30 ألف مواطن، وفقا لتصريح وزير الشؤون السياسية والبرلمانية الدكتور موسى المعايطة.
عند الاطلاع على هذا الرقم، يتبادر إلى الذهن أن المنتسبين للأحزاب هم قلة قليلة في المجتمع ، وأنه بالرغم من التشريعات والقوانين التي تسمح وتشجع على العمل الحزبي، إلا أن العمل الحزبي ضعيف بشكل كبير جدا، وأن ظاهرة العزوف والإحجام عن الانتساب للأحزاب في تزايد وارتفاع.
أبو علبة: الحكومة تحارب الأحزاب
وفي الوقوف عند أسباب قلة المنضمين للأحزاب، علاوة على ضعف العمل الحزبي وتراجعه، رأت الأمين الأول لحزب الشعب الديمقراطي الدكتورة عبلة أبو علبة أن ما صرح به الوزير لا يدلل على حجم المنتسبين للأحزاب، بل يشير إلى الذين شاركوا في تأسيس الحزب فقط، موضحة أن عدد منتسبي حزب الشعب الديمقراطي يبلغ نحو 5 آلاف منتسب.
لكن النائب السابق أبو علبة استدركت في حديث لـ”أردن الإخبارية” بالقول “بالرغم من ذلك، فإنه مما لا شك فيه أن عدد المنتسبين للأحزاب قليل، إضافة إلى ضعف العمل الحزبي بشكل عام”.
أبو علبة: “لماذا ترفض الأجهزة الأمنية توظيف المواطن في وظيفة حكومية، إذا كانت تربطه علاقة قرابة بناشط حزبي؟”
واعتبرت أبو علبة أن “محدودية العمل الحزبي وضعف الإقبال على الانتساب للأحزاب، لا تتحمله الأحزاب وحدها، بل يقع على عاتق الحكومة مسؤولية كبيرة في ذلك”.
ورأت القيادية الحزبية أن “الحكومة تعمل على محاربة الأحزاب بالرغم من التشريعات والقوانين التي كفلها الدستور بالعمل الحزبي دون مضايقات”.
وتساءلت أبو علبة “لماذا ترفض الأجهزة الأمنية توظيف المواطن في وظيفة حكومية، إذا كانت تربطه علاقة قرابة بناشط حزبي، ولماذا تشترط على طلبة المكارم التوقيع على تعهد يقضي بعدم الانتساب لأي حزب داخل الجامعات أو خارجها”، منوهة إلى أن “ذلك من المعوقات أمام نجاح العمل الحزبي”.
ذبحتونا: إجبار طلبة المكرمات على توقيع تعهد بعدم الانتماء للأحزاب
وبما أن العمل الحزبي من المفترض أن ينشط كثيرا في الجامعات، وفي ظل التضييق الحكومي على النشاط السياسي الحزبي في الجامعات، استنكرت لجنة المتابعة للحملة الوطنية من أجل حقوق الطلبة “ذبحتونا”، إجبار طلبة مكرمة الأقل حظاً على توقيع تعهد بعدم الانتماء للأحزاب، وعدم المشاركة في أية نشاطات سياسية أو اعتصامات أو مسيرات داخل الجامعة.
وقالت الحملة في بيان صدر عنها إن “إجبار الطلبة التوقيع على هكذا تعهد، يعد مخالفة دستورية صريحة للمادة 16 من القانون،وهو مخالف أيضاً للمادة 4/أ من قانون الأحزاب”.
واعتبرت الحملة أن هذا يدل على أن “الحكومات المتعاقبة مازالت تتعامل مع الأحزاب السياسية كشر لابد منه، وليس على قاعدة الشريك في بناء الوطن”.
ذبحتونا: “منع الطلبة من الانتساب للأحزاب، ما هو إلا محاولة لضرب العمل الحزبي، إضافة إلى أنها استغلال رخيص لحاجة الطلبة للمقعد الدراسي”
وأبدت الحملة استغرابها من “ازدواجية الحكومة في التعاطي مع الأحزاب، فمن جهة تقيم ورش العمل والندوات واللقاءات، وتتغنى بمشاركة الأحزاب وأهميتهم في عملية الإصلاح السياسي، ومن جهة أخرى تقوم بالتضييق عليهم وملاحقة أعضائها ومنع الطلبة من الانتساب للأحزاب”.
ورأت الحملة أن “منع الطلبة من الانتساب للأحزاب، ما هو إلا محاولة لضرب العمل الحزبي، إضافة إلى أنها استغلال رخيص لحاجة الطلبة للمقعد الدراسي، كما أنها تعمل على تعزيز المفهوم السلبي للعمل الحزبي لدى الطلبة”.
وطالبت “ذبحتونا” الحكومة “بوقف وإلغاء هذه التعهدات غير الدستورية وغير القانونية، وإعادة التأكيد عبر تصريح رسمي بأن الانتساب للأحزاب هو حق لكل مواطن أردني وذلك وفقاً للمادة 4/أ، التي تنص على أن “للأردنيين الحق في تأليف الأحزاب السياسية، والانتساب الطوعي إليها وفقا لأحكام القانون”.
العمل الإسلامي: ضعف التواصل لدى الأحزاب أحد أسباب
من ناحيته، ووفقا للنائب الثاني للأمين العام في حزب جبهة العمل الإسلامي المهندس نعيم الخصاونة، فإن من أسباب ضعف العمل الحزبي من جهة، هو شيطنة الحكومة لهذا العمل ووضع المعوقات أمام نجاحه واتساعه، وأسباب أخرى ذاتية تعود على الأحزاب من جهة ثانية.
وقال الخصاونة لـ”أردن الإخبارية” إن “مما لا شك فيه أن هناك ضعف في التواصل مع مفردات المجتمع من قبل الأحزاب، ويتمثل ذلك في عدم وضع خطط وحلول واقعية لكثير من المشاكل والأمراض في المجتمع”.
كما أن هناك عوامل حكومية تعمل على تأخير تقدم الأحزاب وفعاليتها، مثل قصور قانوني الأحزاب والانتخابات، فضلا على تجاوز الأحزاب في المشاركة بالقرار الحكومي أو على الأقل المشاورة والاستئناس بالرأي، حسب الخصاونة.
الخصاونة: “هناك حالة من الخوف والرهبة من الانتساب للأحزاب السياسية في أوساط الشباب خوفا على مستقبلهم الوظيفي نتيجة الملاحقات والعقوبات الأمنية”
وأكد الخصاونة على أن “الأحزاب تعمل جاهدة على استقطاب الشباب ضمن برامج تنموية اجتماعية وثقافية وسياسية”، مشيرا إلى “وجود حالة من الخوف والرهبة من الانتساب للأحزاب السياسية في أوساط الشباب خوفا على مستقبلهم الوظيفي نتيجة الملاحقات والعقوبات الأمنية”.
وفي معرفة أسباب عزوف المواطنين عن الانتماء للأحزاب، التقت “أردن الإخبارية” بالمواطن جمال أبو شيخة، الذي أبدى رفضه للانضمام لأي حزب سياسي بسبب التناحر والتنافس غير الشريف بينها، فضلا على أنها لا تعمل ضمن رؤية برامجية، وإنما في غطار دوافع ومصالح شخصية، وفق قوله.
وقال أبو شيخة الذي يعمل مهندسا الكترونيا أنا “غير مقتنع بالعمل الحزبي، لأنه مليئ بالنفاق والمؤامرات، كما أن الحزبيين لا يكنون الخير لبعضهم البعض، فهم في خلاف دائم على المناصب والكراسي”، على حد قوله.
أما يوسف الرنتيسي الذي له تجربة حزبية سابقة، فقد رأى أن العمل الحزبي غير مجد ولا فائدة منه، لأن الحكومات تحاربه وتقف في وجه نجاحه بل وتضع العراقيل أمامه.
وقال الرنتيسي الذي يعمل ممرضا: “كنت منتميا لأحد الأحزاب السياسية، وكنا نلتقي ونناقش الأوضاع على جميع الأصعدة، وكنا نعمل من أجل التغيير وإرساء قواعد العمل الحزبي، لكن الحكومات والأجهزة الأمنية كانت تطاردنا وتعتقلنا وتضيق علينا، إلى أن وصلنا لقناعة أن لا جدوى من العمل الحزبي فتركته”.
“العمل الحزبي غير مجد ولا فائدة منه، لأن الحكومات تحاربه وتقف في وجه نجاحه بل وتضع العراقيل أمامه”
في حين كان لممدوح عز الدين رأي مخالف لمن سبقوه، معتبرا أن لا بد من عوائق ومنغصات أمام العمل الحزبي، معتبرا أن العمل الحزبي عمل وطني كفله القانون والدستور.
وقال الطالب الجامعي عز الدين “للأسف ما تزال ثقافة الخوف لدى غالبية الشباب، سواء من العواقب الأمنية أو على المستقبل الوظيفي، العامل الأبرز وراء إحجامهم عن الانتساب إلى الأحزاب”، منوها إلى أن “ترسبات الماضي أبرز ما يؤدي إلى عزوف الشباب عن الالتحاق بالأحزاب”.
المعايطة: الأحزاب ليست فاعلا أساسيا في الشارع
من جهته، كان وزير الشؤون السياسية والبرلمانية المهندس موسى المعايطة، رفض في تصريحات صحفية الاعتراف بوجود شيطنة للعمل الحزبي.
وقال المعايطة “علينا الاعتراف بأن الأحزاب ليست فاعلا أساسيا في الشارع ، رغم تعديل قوانين الانتخاب والأحزاب”، متمنياً أن “يصبح العمل البرلماني قائما على أساس حزبي”، منوها إلى أن “العمل الحزبي بحاجة إلى وقفة تأمل لمراجعة مسيرة العمل الحزبي”.
المصدر: أردن الإخبارية