ليس حلم أو خيال، بل هو واقع، لتفاجئنا الأمم المتحدة من جديد باختيار السعودية لتولي القيام بأمور لجنة المرأة، وهي اللجنة المسؤولة عن تعزيز حقوق المرأة، وتعزيز المساواة بين الجنسين، لتكون السعودية محل اختيار الكثير من الدول من خلال اقتراع سري، كانت نتيجته تولي السعودية بزمام أمور اللجنة لمدة أربعة سنوات بداية من عام 2018.
على الرغم من أن الأمر برمته يبدو متناقضًا، إلا أن ردود الأفعال كانت أكثر تناقضًا من اختيار السعودية نفسها، فكان من المتوقع استهجان عالمي ومحلي من النساء أنفسهن على هذا الخيار، فكان رأي المدير التنفيذي في منظمة مراقبة الأمم المتحدة (UN Watch) “هيليل نوير” على سبيل المثال بأن هذا الاختيار بمثابة “تعيين مسبب الحرائق رئيسًا للإطفائية”.
كما تابع “نوير” في تقرير صحيفة الإنديبيندنت بأن “الاختيار كان سخيفًا، ذلك لأن السعودية نفسها تُصنف من أكثر الدول التي يكاد ينعدم فيها المساواة بين الرجل والمرأة، حيث تحتل المرتبة 141 من أصل 144 دولة”.
هذا الاختيار بمثابة “تعيين مسبب الحرائق رئيسًا للإطفائية”
كان التناقض في ردة فعل الأمم المتحدة نفسها، والتي أقرّت بأن السلطات في السعودية تعمل على تعزيز حقوق المرأة أكثر من ذي قبل، ويكون اختيارها لترأس لجنة المرأة في الأمم المتحدة بمثابة داعم قوي لذلك، خصوصًا بعد التغيّرات التي طرأت على المجتمع السعودي من مشاركة المرأة في الانتخابات لأول مرة منذ سنتين، وطرح مسألة قيادة المرأة للسيارة في الخطط المستقبلية في السعودية.
السعودية لا تسمح للمرأة بقيادة السيارة، وتفرض نظام “ولاية الرجل” على المرأة السعودية في كل أمور حياتها من الولادة وحتى الممات، بداية من قرارتها الأساسية في التعليم والزواج والسفر، إلى تحكمه في أمورها القانونية والبيع والشراء، كما يتحكم أيضًا في أمورها القضائية، وبإمكانه إبقاء المرأة في السجن حتى و إن انتهت مدة العقوبة.
كانت نهاية عام 2016 وبداية هذا العام بمثابة تمهيد لثورة متمردة متوقعة من قبل النساء السعوديات، بعد أن اجتاحت حملاتهن القوية جميع وسائل التواصل الاجتماعي، ووصلت ببرقيات تطالب الملك بالتوقيع عليها، كان منها “أنا ولية أمري”، و”سعوديات نطالب بإسقاط الولاية” و”الحرية لفتيات دار الرعاية”.
المرأة أسيرة ولاية الرجل في السعودية
لم يكن مصطلح “أنا ولية أمري” غريبًا على مواقع التواصل الاجتماعي فترة طويلة، إذ كان شعارًا قويًا من قبل نساء المملكة في التعبير بصوت عالٍ عن مطالبهن في التحرر من ولاية الرجل التي تقيد المرأة من حقوقها الأساسية كمواطنة سعودية، والتي تجلعها مواطن من الدرجة الثانية في المملكة العربية السعودية.
“المرأة أسيرة نظام ولاية الرجل في السعودية” من أهم التقارير المنشورة بخصوص حقوق المرأة المهضومة في المملكة
يبدو أن الأمم المتحدة تجاهلت كل ما سبق، بل وتجاهل كل من صوّت على اختيار السعودية أيضًا التقارير الصادرة من منظمات حقوق الإنسان المعتمدة والموثوق بها، مثل “هيومان رايتس واتش” على سبيل المثال، فكان تقرير “”المرأة أسيرة نظام ولاية الرجل في السعودية” من أهم التقارير المنشورة بخصوص حقوق المرأة المهضومة في المملكة، بل كان بمثابة عاملًا حفازًا لثورة تمرد السعوديات، والذي أكد على أن الإصلاحات التي تزعم بالتغيير، لم تحقق شيئًا مختلفًا، فمازلت وصاية الرجل أكبر حاجز يقف أمام حرية المرأة السعودية.
ان اكون مواطنة كاملة الاهليه ولست تابعه ملك لذكر#سعوديات_نطالب_باسقاط_الولاية
— هنــــا (@HanaNora__39) January 2, 2017
كان للسعوديات ردًا واضحًا وجريئًا على ذلك، فاشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بحملات مهاجمة، كما كان لهم دورًا إيجابيًا في كشف كل الانتهاكات التي تُمارس ضدهن عن طريق تصويرها ونشرها على مختلف مواقع التواصل، كما كانت ردة الفعل متمردة بعض الأحيان، مثل خروجهن كاشفات لوجههن وأحيانًا شعرهن في الشوارع العامة، أو عن طريق قيادة السيارات على الطرق السريعة.
فكانت “برقية #الولاية للملك 25 سبتمبر” من أجرأ الخطوات التي اتخذتها السعوديات في ذلك السياق
لحظة إعلان الأمم المتحدة اختيار السعودية في لجنة حقوق المرأة
بالإضافة إلى ما سبق، لم تهدأ السعوديات قبل أن يصل صوتهن للملك، فكانت “برقية #الولاية للملك 25 سبتمبر” من أجرأ الخطوات التي اتخذتها السعوديات في ذلك السياق، والتي وصلت مكتب الملك سلمان، طالبت فيها السعوديات بإسقاط وصاية الرجل على المرأة، بعدما وقعت عليها ما يقرب من 15 ألف امرأة سعودية.
كان رد المجتمع السعودي ومعه السلطات الحاكمة بالإضافة إلى الشرطة الدينية أو “هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” منافيًا لأي ادعاءات بالتغيير، فكان السجن حلًا لما سبق من حملات، وكانت ردة الفعل المجتمعية لا تشير إلى أي شيء إلا أن المشكلة في السعودية تعود للعادات القبلية والتأويل الديني المتشدد من المؤسسات الدينية.
ماذا عن ردة الفعل العالمي؟
السعودية تتغير، ولكن بشكل بطيء
It's important to support those in the country who are working for change for women. Things are changing, but slowly.
— Helen Clark (@HelenClarkNZ) April 24, 2017
كان هذا رأي “هلين كلارك” رئيسة الوزراء السابقة لنيوزلندا، والتي كانت مرشحة لخلافة بان كي مون في الأمانة العامة بأنها تؤيد اختيار السعودية في لجنة حقوق المرأة، فهذا يدعم عملية التغيير في السعودية، فالسعودية تتغير، ولكن بشكل بطيئ.
https://twitter.com/khuludAu/status/856088732893564929?ref_src=twsrc%5Etfw&ref_url=http%3A%2F%2Fwww.dw.com%2Far%2F%25D8%25A7%25D9%2586%25D8%25AA%25D9%2582%25D8%25A7%25D8%25AF%25D8%25A7%25D8%25AA-%25D9%2584%25D8%25A7%25D8%25AE%25D8%25AA%25D9%258A%25D8%25A7%25D8%25B1-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25B3%25D8%25B9%25D9%2588%25D8%25AF%25D9%258A%25D8%25A9-%25D9%2581%25D9%258A-%25D9%2584%25D8%25AC%25D9%2586%25D8%25A9-%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2585%25D8%25B1%25D8%25A3%25D8%25A9-%25D9%2581%25D9%258A-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25A3%25D9%2585%25D9%2585-%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2585%25D8%25AA%25D8%25AD%25D8%25AF%25D8%25A9%2Fa-38571903
“لا أجد كلمات للتعبير عما أشعر به الآن، أنا سعودية، وأشعر بالخيانة”
https://twitter.com/gamaleid/status/856508936060628992?ref_src=twsrc%5Etfw&ref_url=http%3A%2F%2Fwww.dw.com%2Far%2F%25D8%25A7%25D9%2586%25D8%25AA%25D9%2582%25D8%25A7%25D8%25AF%25D8%25A7%25D8%25AA-%25D9%2584%25D8%25A7%25D8%25AE%25D8%25AA%25D9%258A%25D8%25A7%25D8%25B1-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25B3%25D8%25B9%25D9%2588%25D8%25AF%25D9%258A%25D8%25A9-%25D9%2581%25D9%258A-%25D9%2584%25D8%25AC%25D9%2586%25D8%25A9-%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2585%25D8%25B1%25D8%25A3%25D8%25A9-%25D9%2581%25D9%258A-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25A3%25D9%2585%25D9%2585-%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2585%25D8%25AA%25D8%25AD%25D8%25AF%25D8%25A9%2Fa-38571903
الامم المتحدة تسمح للسعودية بقيادة لجنة حقوق المرأة
السعودية لا تسمح للمرأة بقيادة السيارة.
مليون سنة قبل الميلاد ، ليس فيلم ، بل واقع !!
— Gamal Eid (@gamaleid) April 24, 2017
If only it were a joke: Despite Saudi Arabia's gender repression, world governments elect it to UN women's council. https://t.co/hRYi0SwSru
— Kenneth Roth (@KenRoth) April 25, 2017
“أتمنى لو كانت تلك مزحة، فعلى الرغم من اضطهاد السعودية للمرأة، العالم يختارها في لجنة حقوق المرأة في الأمم المتحدة”
“اختيار السعودية في لجنة الأمم المتحدة،، إنها فقط البداية”
The dictatorship of Saudi Arabia has been elected to the @UN women's rights commission. https://t.co/DzXmziVa1a
— Human Rights Foundation (@HRF) April 24, 2017
المنظمة الأمريكية “منظمة حقوق الإنسان” تصف المملكة السعودية بالديكتاتوية المسؤولة عن لجنة حقوق المرأة
لن تكون السعودية مسؤولة عن الأحوال الإقليمية فحسب، فبكون السعودية هي المسؤولة عن لجنة المرأة في الأمم المتحدة، سيمكنها هذا من التحكم في القوانين التي تعزز حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين في مختلف أنحاء العالم ولمدة أربع سنوات، هذه ليست المرة الأولى التي تفاجئنا فيها المنظمات العالمية التي تتخد إعلاء راية حقوق الإنسان هدفًا ساميًا لها، ولكن إن لم تستطع السعودية التحكم في ذلك إقليميًا، فكيف يمكنها أن تفعل ذلك دوليًا؟