مع اقتراب فصل الربيع يعود الحديث عن أمم تقدس هذا الفصل وتقيم خلاله المراسم للاحتفال بقدومه، من ذلك عيد شم النسيم لدى المصريين القدامى والذي مازال المصريون يحتفلون به إلى اليوم، وعيد النوروز لدى الفرس والأكراد، وعيد ثافسوث لدى الأمازيغ، ومهرجان الألوان “هولي” لدى الهندوس، وعيد “هانامي” لدى اليابانيين، وعيد الفصح لدى المسيح. وهناك أقلية أخرى تحتفل بقدوم الربيع ويطلقون على عيدهم اسم “جاثني جلا لوش”؛ إنهم الكالاش أو ما يعرفون بأحفاد الاسكندر المقدوني.
الرحلة إلى وادي الكالاش الذي يقع بين سلسلة جبال هندوكش الجليدية بشمال باكستان، هي رحلة إلى الماضي البعيد، ماضي موغل في القدم يعود إلى زمن الاسكندر الأكبر
شيترال، باكستان – يعتبر طريق الوصول إلى الحدود التي تقع بين باكستان وأفغنستان في أقصى الشمال، طريقا محفوفا بالمخاطر. الرحلة إلى وادي الكالاش الذي يقع بين سلسلة جبال هندوكش الجليدية بشمال باكستان، ويتكون من ثلاث أودية هي “رامبور” و”بمبوريت” و”برير”، هي رحلة إلى الماضي البعيد، ماضي موغل في القدم يعود إلى زمن الاسكندر الأكبر.
وفي وادي الكالاش تعيش أقلية وثنية، مهدّدةٍ بالانقراض في باكستان. يقطن شعب الكالاش على ضفاف الأنهار ويعتمد أفراده على الزراعة والرعي. يختلف الكالاش في ملامحهم وملابس نسائهم وطريقة عيشهم عن باقي المجتمعات المحيطية بهم، بالإضافة إلى اختلاف لغتهم وطقوسهم الدينية ما فتح أبواب التأويل حول أصلهم ومن أين يجاؤوا وكيف وصلوا إلى هذه المناطق.
ويعتقد الكالاش أن جذورهم تعود إلى جنود جيش الإسكندر المقدوني، الذين ظلوا طريقهم وتاهوا في جبال “هندوكش” التي تقع شمال غربي باكستان، بعد وفاته في طريق عودته من أفغانستان إلى الصين، أثناء حملته لفتح آسيا، وكان ذلك في القرن الثاني قبل الميلاد. في حين يتحدث أخرون أنهم أحفاد الجنود الذين تخلى عنهم الاسكندر بإرادته لأنهم كانوا مصابين ويعيقون حركته. أما أبحاث الحمض النووي فتؤكد أن الكالاش ينحدرون من نسل السكان الأصليين للمنطقة، وأنهم خليطٌ من الجنس الهندو- آري.
للمرأة مكانة مهمة في مجتمع الكالاش
للمرأة الكلاشية مكانة تثير الاستغراب، ويكمن منبع الاستغراب في أن الكالاش مجتمع يعيش في باكستان البلد المسلم المحافظ والذي يرزح تحت وطأة المتشددين الذين يرفضون الاعتراف بأبسط حقوق المرأة.
ويرى أغلب المتابعين أن المرأة الكالاشية مستقلة ولديها كثير من الحقوق، ويعتبرونها القلب النابض للمجتمع ومركز ثقله، حيث أنها تمتلك كامل الحرية فيما يتعلق بالزواج والطلاق.
توكل إلى المرأة الكالاشية مهمة العمل في الحقول، ورغم تأثيرها في العائلة والمجتمع، إلا أن لها مرتبة أدنى من مرتبة الرجل
وتوكل إلى المرأة الكالاشية مهمة العمل في الحقول، ورغم تأثيرها في العائلة والمجتمع، إلا أن لها مرتبة أدنى مرتبة الرجل، حيث يتم عزلها في منزل يقع خارج المجتمع الكالاشي على ضفاف الوادي يعرف باسم “بالاشي”، في أوقات العادة الشهرية وأثناء الولادة، إذ ينظر إليهن كنجسات في تلك الأوقات.
وتعتبر المرأة الكلاشية سر الحفاظ على المعتقدات التقليدية، واللغة، واللباس، والدين، وأشكال الفن، وغيرها من عناصر تراث الكالاش، حيث أن نساء الكالاش يشعرن بالاعتزاز والفخر بمجتمعهن، عكس الرجال الذين يتحولون إلى الإسلام بمجرد مغادرتهم لوادي الكالاش للدراسة أو العمل في أحد المدن الباكستانية.
وفي المجتمع الكالاشي تختلط النساء بالرجال دون قيود، ويمكن للنساء أن يبدلنا أزواجهن، شريطة أن يدفع الزوج الجديد للزوج السابق ضعف المهر الذي دفعه عند زواجه. ويمكن للمرأة أن تغيير زوجها متى شاءت لمرات متعددة وطيلة حياتها. وعلى عكس باقي المجتمعات التي تعيش في باكستان، يحق للمرأة الكالاشية اختيار زوجها، وتطليقه إذ أن العصمة بيدها.
الكالاش في زمن التكنولوجيا
تتحكم التكنولوجيا في عالمنا اليوم، وتدخل في كل تفاصيل حياتنا، ويسعى المرء بشكل لا ينتهي للحصول على المزيد من التقنيات الحديثة التي من شأنها أن تجعل حياته أكثر يسرا، حيث أنه من الصعب على الإنسان الحديث العيش بدون هاتف نقال، وبدون حساب على فيسبوك وتويتر وإنستغرام.
وأصبحت شبكات التواصل الاجتماعي من دعائم الاقتصادية لبعض المجتمعات، على سبيل المثال الشركات المتمركزة في وادي السيليكون. لكن ما بين وادي السيلكون ووادي الكالاش، مسافة زمنية قد يبلغ مداها عدة قرون. على هذه الأرض ما تزال هناك مجموعات من الأشخاص تعيش حياة مرتبطة بالطبيعة، تماما كما كانت الحياة منذ قرون. فالكالش لا يعيرون أي اهتماما بالتكنولوجيا.
ولا يرتبط مجتمع الكالاش بالتقنيات الحديثة حيث لا وجود لمواقع ويب أو صفحات أو حسابات على شبكات التواصل الاجتماعي للترويج لثقافتهم، أو عاداتهم أو احتفالاتهم. وقد بقيت المعلومات شحيحة حول هذه الأقلية الوثينة التي تقطن في بلد مسلم محافظ، إلا ما يتبادر إلى ذهن المتابع من خلال بعض الأفلام الوثائقية، أو المقالات الصحفية. ومع ذلك يسعى بعض المختصين إلى تصنيف تراث الكالاش ضمن التراث الإنساني في منظمة اليونسيكو.
ولكن شباب الجيل الجديد من مجتمع الكالاش يسعون إلى اتباع الحياة العصرية، والبحث عن وظائف من أجل التخلص من الشعور بالنقص الذي يطاردهم، حيث ينظر إليهم في المجتمع الباكستان على أنهم من الكفار، ويطلق الباكستانيون على المناطق التي يعيش بها الكالاش اسم “كافرستان” أي بلاد الكفار.
وتفيد المخرجة البرازيلية من أصل كوري، إيارا لي، التي أنتجت فيلماً وثائقيا يحمل عنوان “الكالاش والهلال”، والتي تشرف على ممشروع “شبكة ثقافة المقاومة” أن “شباب الكالاش يشعرون بأنهم منبوذون، في حين عليهم أن يشعروا بالفخر والاعتزاز بثقافتهم المتفردة في العالم”.
التحديات التي تواجه الكالاش
يواجه مجتمع الكالاش جملة من التحديات منها الاقتصادي، والثقافي والأمني على الصعيد الاقتصادي يعتبر الفقر أكبر المعوقات أمام شباب الكالاش. تفيد المخرجة إيارا لي أن “الفقر يعد أحد التحديات في مجتمع الكالاش، لذلك من الواجب دعمهم ماديا ومعنويا وتعزيز شعور الفخر بتقاليدهم العريقة. واعتقد أن البداية تكون في نظام تعليمي يعزز الثقافة الكالاشية بين صفوف الأجيال الجديدة، ما يسهم في حمايتها من الاندثار”.
ويكسب الكلاش مصدر رزقهم من رعي الماعز والزراعة، وهم يصنعون منازلهم من الخشب ولكن قاعدتها المتينة من الحجر. تعتبر حياتهم قاسية وصعبة جدا خاصة مع تفشي مرض الكوليرا في هذه المنطقة النائية من البلاد.
لا تلعب السياحة دورا رئيسيا في اقتصادهم رغم توافد جيرانهم الباكستانيين من المدن الكبرى لزيارة ما يعرف عندهم بـ “الريف الملون”
ولا تلعب السياحة دورا رئيسيا في اقتصادهم رغم توافد جيرانهم الباكستانيين من المدن الكبرى لزيارة ما يعرف عندهم بـ “الريف الملون”، كما أنهم أصبحوا في السنوات الأخيرة نقطة جذب لمنتجي الأفلام على اعتبار يمكن أن يكونوا من أبطال الأفلام المحبذين، لكونهم من أصحاب البشرة البيضاء والعيون الخضر.
ويتكون مجتمع الكالاش الآن من حوالي 4 آلاف فرد. ويضطر الكالاشيون إلى تلقي التعليم في المدارس الباكستانية التي تدرس الإسلام بشكل إلزامي. وقد يشكّل ذلك نوعا من الاضطهاد بما أن الكالاش لا يتبعون أي دين بعينه، ورغم أن ليس لهم أنبياء ولا كتب سماوية، ولديهم تقاليد لا تنسجم مع أي ديانة سماوية، إلا أنهم مجتمع خالي من الجريمة.
ويعاني الكالاش من نقص الوظائف، وغياب المؤسسات التعليمية، ما يدفعهم إلى النزوح إلى المدن الباكستانية. وعند اقترابهم من المسلمين يتحول الكثير منهم إلى الإسلام ويتخلوا عن ديانتهم الوثنية طوعا، وهو ما يهدد بانقراض الكالاش. إلا جانب ذلك، يواجه الكالاش تهديدات من المتشددين الذين يحاولن إدخالهم إلى الإسلام عنوة.
في العام الماضي هدد متمردو حركة طالبان في باكستان بإبادة قبيلة كالاش، إن لم تعتنق الإسلام وذلك عبر فيديو تم نشره على الإنترنت
وفي العام الماضي هدد متمردو حركة طالبان في باكستان بإبادة قبيلة كالاش، إن لم تعتنق الإسلام وذلك عبر فيديو تم نشره على الإنترنت. ودعت حركة طالبان باكستان في التسجيل إلى “الكفاح المسلح” في منطقة شيترال، التي تقع قرب الحدود الأفغانية والمناطق القبلية الباكستانية، التي تعتبر المعقل الرئيسي لحركة طالبان الباكستانية.
تاريخيا كانت منطقة شيترال كانت تحوي أغلبية من طائفة الشيعة الإسماعيلية. لكن حركة الهجرة خلال العقود الفائتة أدت إلى تغيير التركيبة السكانية في الوادي حيث باتت الأكثرية فيه للمسلمين السنة، الذين شنوا عدة هجمات ضد قوى الأمن في السنوات الأخيرة. وأصبحوا يمثلون العائق الأكبر أمام استمرار الكالاش كمجتمع له خصائص ثقافية ودينية متفردة.