وصف الكيان الإسرائيلي تبني 120 دولة في الأمم المتحدة لقرار إرساء وقف إطلاق نار إنساني في قطاع غزة بـ”الدناءة”، فيما استنكر وزير خارجيته إيلي كوهين – عبر منصة إكس – قرار الأمم المتحدة الذي يدعو إلى هدنة إنسانية فورية وثابتة ومستدامة، ووصفه بأنه “مخز”.
وأكد كوهين رفض الاحتلال الإسرائيلي رفضًا قاطعًا أي دعوة إلى وقف إطلاق النار في غزة، مضيفًا أنهم يعتزمون القضاء على حركة المقاومة الإسلامية “حماس” تمامًا، كما تعامل العالم مع النازيين وتنظيم الدولة، على حد تعبيره.
تصريحات كوهين، تفضح -من جديد- همجية دولة الإسرائيلي ووحشيته، فضلًا عن عدم انصياعه للقانون الدولي، ولا مبالاته بالقيم والحقوق الإنسانية، مع ذلك يكتفي القادة العرب إلى حدّ الآن بالتنديد والاستنكار فقط، لا نعرف ماذا ينتظرون حتى يتحركوا ويفعلوا نقاط قوتهم الكثيرة لوقف المجازر الإسرائيلية بحق الفلسطينيين.
جرائم إسرائيلية متواصلة
تزامنت تصريحات كوهين مع قطع الكيان الإسرائيلي جميع الاتصالات عن قطاع غزة، وقال المركز الفلسطيني للإعلام، ليلة أمس الجمعة، إن خدمات الاتصالات والإنترنت انقطعت بشكل كامل عن القطاع، من جانبها أفادت شركة “جوال” الفلسطينية على صفحتها على فيسبوك، بأن خدمات الهاتف المحمول والإنترنت في القطاع انقطعت بصورة كاملة بسبب القصف الشديد.
بالتوازي مع ذلك، كثف جيش الاحتلال قصفه لمناطق عدة في القطاع الذي كان يغرق في ظلام دامس وشن سلسلة من الغارات هي الأعنف على الإطلاق منذ بدء الحرب على القطاع يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الحاليّ، بإسناد كبير من جانب البر والبحر.
وشمل القصف الإسرائيلي العنيف محيط المستشفى الإندونيسي شمالي القطاع، وأظهرت صور وفيديوهات متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي انفجارات ودخانًا يتصاعد في سماء غزة جراء القصف الإسرائيلي.
رغم القوة العسكرية التي يتمتع بها الجيش المصري، فإنه لم يتحرك
بالتزامن مع ذلك أعلن الاحتلال الإسرائيلي توسيع عملياته البرية، إلا أن المقاومة الفلسطينية تصدت لمحاولة التوغل البري، إذ قالت كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، إنها تصدت لتوغل بري إسرائيلي في بيت حانون وشرق البريج، واستخدمت كتائب القسام صواريخ “كورنيت” في التصدي لدبابات ومدرعات الاحتلال.
و”كورنيت” هي منظومة صواريخ محمولة مضادة للدروع والدبابات، روسية الصنع موجهه ومصوبة بأشعة ليزر، يتراوح مداها بين 150 مترًا و10 كيلومترات، وهي ذات رؤوس مزدوجة جوفاء تخترق هياكل المدرعات التي يتراوح سمكها ما بين 110 و130 سنتيمترًا.
نتيجة القصف الإسرائيلي الهمجي ليلة أمس الجمعة، ارتفع عدد الشهداء الفلسطينيين إلى 7703 شهداء، بينهم 3595 طفلًا، وفقًا لبيانات وزارة الصحة في غزة، وإلى الآن تصل الجثث والجرحى للمستشفيات العاجزة عن مواجهة الوضع المأساوي، فيما تحاول قوات الدفاع المدني البحث عن ناجين، وتقول الوزارة إن الاحتلال ارتكب 825 مجزرةً بحق عائلات في غزة منذ بدء العدوان، منهم 53 مجزرةً ليلة أمس فقط.
وأعلن جهاز الدفاع المدني في قطاع غزة، أن الضربات التي نفذها كيان الاحتلال ليلة السبت، دمرت مئات المباني كليًا في القطاع، وبين أن “الغارات الإسرائيلية استهدفت مباني حكومية ومنازل مدنية وأراضي فارغة”، ولفت إلى أن “القصف تركز في محيط مستشفى الشفاء وأيضًا المستشفى الإندونيسي وسط القطاع، مستخدمًا القنابل الفوسفورية الحارقة”.
“هذا مؤشر واضح على الإبادة الجماعية”.. الأستاذ الجامعي في جامعة أدنبرة نيكولا بيورجيني يؤكد أن قصف الاحتلال الإسرائيلي المدنيين في غزة وسط الظلام وقطع الاتصالات دليل إضافي على
نيته في الإبادة الجماعية.@PeruginiNic#غزه_تحت_القصف_ pic.twitter.com/p2rCcyRyrj
— نون بوست (@NoonPost) October 27, 2023
بدورها، قالت منظمة الصحة العالمية إنها فقدت الاتصال بموظفيها في غزة وبالمرافق الصحية وبكل شركائها بالمجال الإنساني في القطاع، فيما حذرت منظمة العفو الدولية، اليوم السبت، من أن المدنيين في قطاع غزة يتعرضون لخطر غير مسبوق مع قطع “إسرائيل” وسائل الاتصال وتوسع الهجمات البرية، وأكدت المنظمة أنها فقدت الاتصال بموظفيها في غزة.
من جهته، أعلن برنامج الأغذية العالمي والمجلس النرويجي للاجئين فقدان الاتصال بأعضائه العاملين في غزة، فيما حذّرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية، من أن انقطاع الاتصالات في قطاع غزة “يهدد بإخفاء فظائع جماعية”، وإلى الآن لم يتبين حجم الجرائم والدمار الذي خلّفه القصف الإسرائيلي المتواصل طيلة ليلة أمس.
صمت القبور
يواصل كيان الاحتلال الإسرائيلي جرائمه البشعة ضد المدنيين الفلسطينيين على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي، وأعلنت الدول الغربية مساندتها للكيان وهذا متوقع، لكن غير المتوقع هو الصمت العربي المخزي إلى الآن.
اكتفى قادة العرب حتى اليوم بالتنديد والاستنكار، وأفضل ما قاموا به هو تمكنهم من إقناع أعضاء الأمم المتحدة بتبني مشروع قرار تقدمت به المملكة الأردنية الهاشمية باسم المجموعة العربية، يطالب بـ”هدنة إنسانية” في غزة، وذلك بعد فشل مجلس الأمن الدولي في التوصل إلى توافق بشأن الأزمة.
وصوتت لصالح القرار 120 دولة عضوة في الأمم المتحدة ورفضته 14 وامتنعت عن التصويت 45 دولة، وأظهر مندوبو الدول العربية في الأمم المتحدة فرحًا كبيرًا بذلك وصوّروا الأمر على أنه نصر كبير، رغم أن هذا القرار يساوي بين المعتدي والمعتدى عليه.
تمتلك الأنظمة العربية نقاط قوة كثيرة إن فعّلوا بعضها ستنتهي الحرب بسرعة وتتوقف الاعتداءات الإسرائيلية الهمجية
يُشاهد القادة والزعماء العرب حجم الجرائم الإسرائيلية في حق الفلسطينيين المدنيين، ويمكن أنهم سمعوا أيضًا بكاء الأطفال وصراخ الشيوخ والنساء، وحيرة الطواقم الطبية العاجزة عن تقديم الإسعافات الأولية للجرحى، مع ذلك لم يحركوا ساكنًا.
لم يشاهدوا وجع الفلسطينيين فقط، وإنما شاهدوا دولة عربية أخرى تُقصف، فقد سقطت مقذوفان في مدينتي طابا ونويبع المصريتين على البحر الأحمر، أمس الجمعة، ما أسفر عن إصابة 6 مدنيين، وقبل ذلك أطلقت دبابة إسرائيلية قذيفة على موقع مصري في منطقة كرم أبو سالم، ما أسفر عن إصابة بعض عناصر المراقبة الحدودية.
مشاهد خاصة بشبكة #الجزيرة تظهر قصفا عنيفا ومكثفا لقوات الاحتلال بقنابل الفوسفور الحارقة على قطاع #غزة#حرب_غزة pic.twitter.com/cTBdY3X4nR
— قناة الجزيرة (@AJArabic) October 28, 2023
مع ذلك، تقبلت مصر هذا الأمر، واكتفت بعض الصفحات والمنابر الإعلامية المحسوبة على السلطة بالحديث عن أقوى جيش عربي لهذه السنة وفق موقع غلوبال فايرباور (Global Firepower) المتخصص في الشؤون العسكرية.
وفي عام 2023، أصبح الجيش المصري يحتل المرتبة الـ14 بين أضخم 145 جيشًا في العالم، بينما يحتل الجيش الإسرائيلي المرتبة رقم 18 عالميًا، حسبما تشير إحصائيات موقع “غلوبال فاير بور” الأمريكي، ويحتل الأسطول الحربي المصري المرتبة رقم 12 عالميًا بينما يصنف الأسطول الحربي الإسرائيلي في المرتبة رقم 40 في العالم.
متى يتحرك العرب؟
رغم القوة العسكرية التي يتمتع بها الجيش المصري، فإنه لم يتحرك، لم نطالبه أن يتدخل عسكريًا، لسنا واهمين!، لكن على الأقل يدافع عن نفسه ولا يسمح للإسرائيليين بقصف مواقعه والتحجج بعد ذلك بوجود خطأ تقني.
لم نطالب مصر بدعم المقاومة بالسلاح، لكن على الأقل أن تفتح معبر رفح وتسمح بدخول المساعدات الإنسانية المتكوّمة على الطرف المصري من المعبر بانتظار فتح الأبواب للوصول للمنكوبين.
المسألة لا تقتصر على النظام المصري فقط، فكل الأنظمة العربية اختارت الصمت وفي أقصى الحالات التنديد والاستنكار فقط، رغم هول المشاهد القادمة من قطاع غزة وبشاعة الجرائم الإسرائيلية المرتكبة بحق المدنيين العزل في كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
السلطات الأردنية تعتقل المتظاهرين دعماً لفلسطين وتفرّق الاحتجاجات بالغاز المسيل للدموع#طوفان_القدس pic.twitter.com/jpFI6HkeVu
— نون بوست (@NoonPost) October 27, 2023
تمتلك الأنظمة العربية نقاط قوة كثيرة إن فعّلوا بعضها فيمكنهم فرض وقف الاعتداءات الإسرائيلية الهمجية، فلديهم النفط والغاز والعلاقات الدبلوماسية الكبيرة مع أغلب الدول في الأمم المتحدة، ولهم سلاح المقاطعة ووقف التنسيق مع الدول الداعمة للكيان الإسرائيلي.
للعرب أوراق ضغط قادرة على تغيير موازين القوى إن فعّلوها وأحسنوا استغلالها، لكن يبدو أنه لا يوجد لديهم نية لذلك، فالمهم عندهم كراسي الحكم وغير ذلك لا مكان له في تفكيرهم، وأقصى ما يمكن لهم أن يفعلوه السماح للشعوب بالتظاهر، وحتى هذا الأمر يمكن أن يمنعوه إن أحسوا في ذلك خطر أو تهديد على حكمهم.
سيتحرك العرب فقط يوم يُهدد كرسي حكمهم، حينها سيوجهون بنادق جيشهم نحو الشعوب ولنا أمثلة كثيرة على ذلك، وقد رأينا كيف تحركت جيوش دول الخليج نحو البحرين ثم اليمن خوفًا من أن تصل الثورات العربية إليهم.