ثلاثة عقود مرت دون أن تجري حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، على ميثاقها الأول أي تعديلات جوهرية، لكن المياه الكثيرة التي جرت في نهر الحركة على الصعيد الداخلي والإقليمي والدولي، جعلتها تقدم وثيقة سياسية جديدة تتجاوز الرياح التي تعصف بمركبها من كل جانب.
تتجه كل المؤشرات نحو إسماعيل هنية لتولي المنصب الجديد
فأيام قليلة وتُسدل حركة “حماس”، الستار عن الأحدث الأبرز في تاريخها والذي ينتظره القريب والبعيد والعدو قبل الصديق، بالإعلان الرسمي عن وثيقتها السياسية الجديدة، التي أحاط بها الكثير من الشك والغموض والتساؤلات حول تحول فكرها السياسي الجديد طوال فترة إعداد الوثيقة.
في الـ30 من شهر أبريل/نيسان الجاري، ومن دولة قطر، ستكون حركة “حماس” على موعد الإعلان عن وثيقتها السياسية، كخطوة أولى نحو الإعلان الرسمي عن رئيس مكتبها السياسي الجديد، الذي سيخلف خالد مشعل، والتي تتجه كل المؤشرات نحو إسماعيل هنية ليتولى المنصب الجديد.
رؤية سياسية جديدة لحماس
طوال فترة إعداد حركة “حماس” لوثيقتها الجديدة، والتي ستكون “مفاجئة للجميع” بحسب مراقبين، خرجت عدة تسريبات عن الوثيقة، خاصة فيما يتعلق بتوجه الحركة الجديد في الانسلاخ عن التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، والاعتراف بحدود الدولة الفلسطينية لعام1967، والتفريق بين اليهودي والإسرائيلي في الصراع مع الاحتلال.
إسماعيل هنية يتجهز الان لمغادرة قطاع غزة، للإقامة في دولة قطر، وأن هناك اتصالات أمنية ولوجوستيه مع الجانب المصري لإتمام مغادرته غزة، خلال أيام قليلة
قيادي بارز في حركة “حماس”، كشف أن إعلان الوثيقة في الـ30 من الشهر الجاري، سيمهد كذلك الخطوة الأخرى في إعلان رئيس مكتبها السياسي الجديد، خلفاً للرئيس الحالي خالد مشعل.
وبحسب القيادي الحمساوي، فإن وثيقة الحركة الجديدة ستقدم رؤية الحركة السياسية للمرحلة المقبلة في ظل التغيرات المحلية والعربية والدولية، خاصة فيما يتعلق بالصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، وحدود الدولة الفلسطينية، والمجتمع الدولي.
ويوضح هنا الدكتور يوسف رزقة، القيادي في حركة “حماس” في قطاع غزة، أن الوثيقة التي تعتزم حركته نشرها، ستنطوي على مرونة أكثر و” أقل تأثرا في الجوانب العاطفية” من الوثيقة السابقة، مشيرا أن التطورات على الساحة الفلسطينية والإقليمية تتطلب ذلك.
الكاتب السعودي خالد الدخيل ذكر أنه التقى خالد مشعل، الأسبوع الماضي، بالعاصمة القطرية، مبيناً أن مشعل أعلن اقتراب تركه منصبه
ويضيف رزقه، أن الوثيقة السابقة كتبت في حقبة بعيدة من الزمن، وهناك ظروف تبدلت وتغيرت، لذلك رأت “حماس” أنه من الضروري مراجعة مواقفها السياسية من بعض القضايا، التي ذكرت بالميثاق وغيره.
وكان الكاتب السعودي خالد الدخيل ذكر أنه التقى خالد مشعل، الأسبوع الماضي، بالعاصمة القطرية، مبيناً أن مشعل أعلن اقتراب تركه منصبه، وأوضح الدخيل، في مقال له بصحيفة “الحياة” اللندنية الأحد: “في نهاية الحديث، أعلن مشعل أنه بعد أسبوعين سيَصدر البرنامج السياسي الجديد لحماس، وأن تركه منصبه في الحركة، الذي سبق إعلانه من قبلُ، سيتزامن مع ذلك”.
هذا وعلم “نون بوست”، نقلاً عن مصادر قيادية في حركة “حماس”، أن إسماعيل هنية يتجهز الان لمغادرة قطاع غزة، للإقامة في دولة قطر، وأن هناك اتصالات أمنية ولوجوستيه مع الجانب المصري لإتمام مغادرته غزة، خلال أيام قليلة.
وتأخذ بعض الأطراف العربية والدولية على حركة “حماس” احتواء ميثاقها الذي أصدرته عام 1988، بعد شهور قليلة من تأسيسها في 14 ديسمبر/كانون الأول 1987، تأكيدات أنها جزء من جماعة الإخوان المسلمين، بالإضافة إلى حديثها عن “اليهود” بشكل عمومي، دون تحديد.
ويقول الميثاق في بابه الأول إن حركة حماس هي “جناح من أجنحة جماعة الإخوان المسلمين بفلسطين”.
لا تعترف حركة “حماس” بوجود “إسرائيل”، وتطالب بإزالتها وإقامة دولة فلسطينية على كامل الأراضي الفلسطينية، وتتبنى كذلك مبدأ المقاومة المسلّحة، وتعتبره الطريق الوحيد لتحرير فلسطين
كما ورد في الميثاق في عدة بنود أن “حماس” تحارب “اليهود”، دون تحديد “الاحتلال الإسرائيلي”، حيث يقول في مقدمته: “فمعركتنا مع اليهود جد كبيرة وخطيرة، وتحتاج إلى جميع الجهود المخلصة، وهي خطوة لا بد من أن تتبعها خطوات”.
ولا تعترف حركة “حماس” بوجود “إسرائيل”، وتطالب بإزالتها وإقامة دولة فلسطينية على كامل الأراضي الفلسطينية، وتتبنى كذلك مبدأ المقاومة المسلّحة، وتعتبره الطريق الوحيد لتحرير فلسطين.
كما لا تقبل حركة “حماس” بشروط اللجنة الرباعية الدولية للسلام (الولايات المتحدة، وروسيا، والاتحاد الأوربي، والأمم المتحدة)، والتي تطالبها بالاعتراف بإسرائيل، كما ترفض الحركة مبدأ التفاوض مع “إسرائيل، وتنسيق أجهزة السلطة الأمني مع السلطات الإسرائيلية.
والآن تتجهز “حماس” للإعلان بشكل نهائي عن رئيس مكتبها السياسي الجديد، خلفاً لمشعل، بعد الإعلان مؤخراً عن نتائج انتخابات أعضاء مكتبها السياسي، الذي ظفر برئاسته في غزة يحيى السنوار.
وشغل مشعل منصب رئيس المكتب السياسي للحركة منذ عام 1996، وتعزز دوره كقائد للحركة عقب اغتيال الشيخ المؤسس أحمد ياسين، عام 2004.
تنتخب “حماس” قيادتها السياسية على مستوى غزة والضفة والخارج والسجون كل أربعة أعوام، بدءاً من قواعدها التنظيمية، لتنتهي برئيس مكتبها السياسي؛ أبرز صفة في هيكلها التنظيمي
وتنتخب “حماس” قيادتها السياسية على مستوى غزة والضفة والخارج والسجون كل أربعة أعوام، بدءاً من قواعدها التنظيمية، لتنتهي برئيس مكتبها السياسي؛ أبرز صفة في هيكلها التنظيمي المتوقع أن يُعلن خلال أسابيع قليلة.
ورغم المؤشرات التي تؤكد أن إسماعيل هنية (نائب رئيس المكتب السياسي للحركة الحالي)، هو المرشح الأوفر حظاً للجلوس على كرسي رئاسة المكتب السياسي، فإن حماس حتى اللحظة، تفضل أن تغلف المرحلة الأخيرة من انتخاباتها الداخلية بالسرية التامة.
تغييرات هامة والثوابت خط أحمر
الكاتب والمحلل السياسي، حسام الدجني، يرى أنه من الطبيعي أن يكون هناك تحول في الفكر السياسي لحركة حماس فيما يتصل بالملفات المهمة في المنطقة، والصراع مع الاحتلال الإسرائيلي.
وقال الدجني إنه :” من الظلم محاسبة حماس على ميثاق بلغ عمره أكثر من 28 عاماً، وإنه يجب أن يكون هناك بناء على أفكار جديدة تنسجم مع طبيعة الواقع، وطبيعة البُنية التنظيمية للحركة؛ باعتبار أنها تتقدم الفصائل الفلسطينية اليوم، وتقود شعباً في قطاع غزة”.
ورأى أن الضرورة السياسية تفرض إعادة قراءة لميثاق حماس بما يتوافق مع الوزن السياسي الكبير لها في المنطقة العربية اليوم، وبحكم تطور علاقاتها العربية والإقليمية، باعتبارها فاعلاً سياسياً مؤثراً.
أبو شنب: “الوثيقة الجديدة ليست الأولى من نوعها التي تتطرق وتمس بسياسة حماس إذ سبقتها العديد من الرؤى والمواقف مثل: رؤية مؤسس الحركة الشيخ أحمد ياسين عندما طرح هدنة طويلة الأمد مقابل وقف العمليات المسلحة، وهدنة طويلة الأمد مقابل الانسحاب من غزة والضفة
وأضاف: أن الوثيقة الجديدة لا تعتبر انقلاباً على ميثاق الحركة بقدر ما هي استدراك له بما ينسجم مع المتطلبات الإقليمية الحاضرة، مؤكداً أن حماس باتت اليوم حركة فاعلة في المشهد الإقليمي والدولي، “وهذا يفرض أن تترجم هذا الدور إلى رؤية تتفق مع الواقعية السياسية”.
في حين أكد المحلل السياسي، حمزة أبو شنب “أن الوثيقة الجديدة ليست الأولى من نوعها التي تتطرق وتمس بسياسة حماس إذ سبقتها العديد من الرؤى والمواقف مثل: رؤية مؤسس الحركة الشيخ أحمد ياسين عندما طرح هدنة طويلة الأمد مقابل وقف العمليات المسلحة، وهدنة طويلة الأمد مقابل الانسحاب من غزة والضفة، وتبعها برنامج حماس السياسي الانتخابي في عام 2006، وتبعها وثيقة الأسرى التي وافقت عليها حماس.
أبو شنب: لن يأتي تغيير جوهري وكبير على علاقة حماس بمصر بعد الوثيقة
ويرى المحلل أبو شنب أن الوثيقة الجديدة لن تضيف شيئاً جوهرياً في القضايا السياسية الكبيرة، مثل: مبدأ المقاومة، عدم الاعتراف بإسرائيل، التمسك بكل فلسطين، مشيراً إلى أن تلك الثوابت لدى الحركة لا يمكن تغييرها.
يعتقد أبو شنب أن النقاط التي يمكن أن تتطرق لها الوثيقة الجديدة، هي: موقف حماس من الإخوان المسلمين، وقد تأتي على ذكر أن “حماس” حركة تحرر وطني فلسطيني، وموقف “حماس” من دول الطوق لبنان، وسوريا، ومصر، والأردن
ويعتقد المحلل السياسي أبو شنب أن النقاط التي يمكن أن تتطرق لها الوثيقة الجديدة، هي: موقف حماس من الإخوان المسلمين، وقد تأتي على ذكر أن “حماس” حركة تحرر وطني فلسطيني، وموقف “حماس” من دول الطوق لبنان، وسوريا، ومصر، والأردن، وأن يتم استبدال بعض المصطلحات الموجودة في ميثاق عام 1988 مثل مصطلح “محاربة اليهود” واستبداله بـ “محاربة الاحتلال”.
وقلل أبو شنب من إمكانية أن تفتح الوثيقة الجديدة علاقات أكبر لحركة “حماس” مع المجتمع الدولي والعربي مثل مصر، قائلاً “علاقة حماس مع مصر لا ترتبط بمواقفها السياسية، وما يربط مصر مع ” حماس” إنما هو علاقة الجوار والأمن القومي، لذلك أعتقد أنه لن يأتي تغيير جوهري وكبير على علاقة حماس بمصر بعد الوثيقة، مع التأكيد أن الأخيرة ستكون سعيدة فيما يتعلق بإعلان حماس عن نفسها أنها حركة تحرر فلسطيني بعيداً عن أي انتماء”.