بدأت لجنة التشريع العام بالبرلمان التونسي، اليوم الأربعاء، مناقشة مشروع قانون المصالحة في المجال الاقتصادي والمالي في مرحلة أولى، ليتم إدخال التعديلات الضرورية عليه قبل أن يحال إلى جلسة عامة للمصادقة عليه، قريبا. وأثار عودة الحديث عن مشروع هذا القانون جدلا كبيرا بين مؤيديه الذي يؤكدون ضرورة المصادقة عليه لتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي لبلادهم والرافضين له باعتباره مشروع قانون يشرّع للإفلات من المحاسبة والتطبيع مع الفاسدين.
الرئاسة تدعم بقوة وتصرّ على تمريره
“حان الوقت لتجاوز حقبة الماضي، ولا بد من مصالحة وطنية”.. هكذا قال “السبسي” تمهيداً وتبريراً لقانون المصالحة الاقتصادية، الذي يهدف إلى طي صفحة الماضي، وإغلاق الملفات المرتبطة بالانتهاكات المتعلقة بالفساد المالي والاعتداء على المال العام، حسب المؤيدين لمشروع هذا القانون.
وتعتبر الرئاسة التونسية أن الوضع الاقتصادي الذي يزداد صعوبة يحتّم عقد مصالحة مع رجال الأعمال، لبعث مشاريع تساهم في إنعاش التنمية. وصادقت الحكومة التونسية في 14 يوليو 2015، على مشروع هذا القانون، بعد أن اقترحه الرئيس الباجي قائد السبسي، وتوقفت مناقشته في البرلمان منذ أشهر بسبب عدم بلوغه الأغلبية المطلوبة، وطلب رئاسة الجمهورية مراجعة فصوله، وإحداث تعديلات عليه وأعادت تقديمه للبرلمان الأسبوع الماضي بعد تنقيحه.
تنص الوثيقة، التي تم إعدادها خلال اجتماع الديوان الرئاسي في 29 مارس الماضي، على وضع خطة متكاملة للدفع مجدداً بقانون المصالحة، عبر برنامج تكفل به عشرة من أعضاء الديوان الرئاسي
وكان موقع “نواة”، قد نشر وثيقة مسرّبة قال إنها صادرة عن الرئاسة التونسية وتهدف لوضع خطة عمل لتمرير نسخة جديدة من قانون “المصالحة الاقتصادية” الذي اقترحه الرئيس الباجي قائد السبسي، وتنص الوثيقة، التي تم إعدادها خلال اجتماع الديوان الرئاسي في 29 مارس الماضي، على وضع خطة متكاملة للدفع مجدداً بقانون المصالحة، عبر برنامج تكفل به عشرة من أعضاء الديوان الرئاسي، تتوزع مهامهم بين عقد لقاءات مع شخصيات حزبية وأخرى ناشطة في المجتمع المدني، إضافة إلى الاتصال بعدد من خبراء القانون والاقتصاد، كما تشير الوثيقة إلى وجود خطة إعلامية للدعاية لقانون المصالحة في صيغته الجديدة، يجري خلالها عقد لقاءات مع عدد من مالكي وسائل الاعلام وبعض الشخصيات الإعلامية المؤثرة في الرأي العام.
العفو عن 400 رجل أعمال تورطوا في قضايا فساد
يقرّ مشروع هذا القانون، العفو على قرابة 400 رجل أعمال تورطوا في قضايا فساد، والعفو عن الموظفين العموميين، وأشباههم بخصوص الأفعال المتعلقة بالفساد المالي، والاعتداء على المال العام، ما لم تكن تهدف إلى تحقيق منفعة شخصية. وتستثنى الرشوة والاستيلاء على الأموال العمومية، خلال فترة حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي (1987 – 2011)، من الانتفاع بهذه الأحكام.
يعاني الاقتصاد التونسي من أزمة كبيرة نتيجة تراجع الانتاج والاستثمار إلى جانب العامل الخارجي
وينص مشروع القانون الجديد التي تسعى الرئاسة التونسية إلى الحصول على تأييد داخل مجلس نواب الشعب لتمريره، على إحداث لجنة مختصة للإسراع في إجراءات الصلح مع رجال الأعمال وموظفي الدولة. ويبرّر داعمو المشروع، هذا التوجّه، إلى أن المصالحة مع رجال الأعمال المتهمين في قضايا الفساد سيحقق أرباحا كثيرة لاقتصاد بلادهم المتعثّر، وسيحسّن مناخ الأعمال ويشجع على الاستثمار وتعبئة موارد الدولة.
رفض حزبي وشعبي
قابل اصرار الرئاسة التونسية على تمرير مشروع هذا القانون، رفض شعبية وحزبي كبير له، وتطالب أحزاب سياسية (الجبهة الشعبية، والتيار الديمقراطي، والحزب الجمهوري، وحراك تونس الإرادة، حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي والتحالف الديمقراطي، وحزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات)، ومنظمات المجتمع المدني، رئاسة الجمهورية بسحب مشروع قانون المصالحة الاقتصادية والمالية، لأنه يتنافى مع مسار العدالة الانتقالية.
هدّد القيادي بحزب التيار الديمقراطي المعارض، محمد عبو، بالعصيان المدني للحيلولة دون تفعيل المصالحة
ودعت هذه الأحزاب والمنظمات، في بيان لها، رئاسة الجمهورية إلى السحب الفوري لمشروع قانون المصالحة الاقتصادية والمالية ضمانا للسلم الاجتماعي، واستنكرت هذه الأحزاب والجمعيات، إصرار رئاسة الجمهورية على إعادة عرض مشروع هذا القانون أمام مجلس نواب الشعب حيث فشلت في تمريره في مناسبتين بعد أن تصدت له القوى الديمقراطية والشبابية، داعية نواب الشعب والقوى السياسية التقدمية والمجتمع المدني والشخصيات الوطنية للتصدي لتمرير هذا المشروع.
فعاليات كثيرة لاسقاط مشروع القانون
وهدّد القيادي بحزب التيار الديمقراطي المعارض، محمد عبو، بالعصيان المدني للحيلولة دون تفعيل المصالحة، ودعا في تصريحات سابقة الشعب التونسي إلى النزول للشارع وإعلان العصيان المدني في صورة تمرير قانون المصالحة، لأنه “يتنافى مع الدستور”. وأضاف “عندما يخرج الرئيس عن الدستور يحق للشعب الخروج سلميا عن الضوابط الدستورية للتصدي للفاسدين وعودة منظومة الفساد”.
ضرب للعدالة الانتقالية
من جانبه، أصدر الحراك الشبابي “مانيش مسامح” (لن أسامح) بياناً جدّد فيه “رفضه القطعي لقانون المصالحة لما يمثله من خرق للدستور وقانون العدالة الانتقالية ومنظومة كشف الحقيقة التي تقتضي فضح منظومة الفساد والاستبداد والتفريط في مصالح البلاد، وكشف خيوطها كاملة ومحاسبة المتورطين فيها بهدف منع تكرارها ومنع أي محاولة للإفلات من العقاب وتأسيسا للمنظومة الديمقراطية المنشودة التي تقتضي المحاسبة والاعتذار قبل المصالحة والتجاوز. وأكّد الحراك، “استعداده للنضال من أجل إسقاط هذا القانون في صيغته الجديدة”، داعياً “الشعب التونسي أن يكون يقظاً وينخرط في معركة إسقاط القانون دفاعا عن ثورته ودستوره وحاضره ومستقبله”.
تواصل منظومة فساد النظام السابق هي السبب في معاناة الشعب التونسي من تهميش وتفقير
وأكد القائمون على “مانيش مسامح” أنّ “تواصل منظومة فساد النظام السابق وخياراته السياسية والاقتصادية الفاشلة، ومحاولة الالتفاف على المحاسبة كحلقة رئيسية ضمن مسار العدالة الانتقالية هي السبب في معاناة الشعب التونسي من تهميش وتفقير، ولما يشهده الاقتصاد الوطني من انكماش يهدد بأزمة خانقة في الأفق القريب إن تواصلت هذه السياسات الفاشلة وإن تواصل مناخ التشجيع على الفساد بمثل هذه المشاريع القانونية وغيرها”.