تظاهر العشرات من عائلات الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة أمام منزل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في تل أبيب، رافعين شعارات تطالب بالعمل من أجل الإفراج عن ذويهم بأي ثمن، بما في ذلك القبول بتسوية سياسية مع حركة المقاومة الإسلامية “حماس” وفق سردية “الكل بالكل”.
وقد نظم الأهالي وقفة أمس تزامنًا مع بدء العملية البرية التي حاولت قوات الاحتلال تنفيذها في غزة مساء الجمعة 27/10/2023، حذروا فيها من تداعيات العملية على حياة الأسرى، مشددين على ضرورة أن تبذل الحكومة قدر المستطاع لإنقاذ أبنائهم.
وجاء في بيان مشترك لهم تعليقًا على بدء التوغل البري “كانت ليلة طويلة، هي الأفظع على الإطلاق، مررنا خلالها بقلق شديد مع عدم اليقين بشأن مصير المختطفين المحتجزين هناك لذين يتعرضون أيضًا للقصف العنيف”.
وكان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري أعلن في مؤتمر صحفي أنهم أبلغوا عائلات 229 إسرائيليًا بأنهم مختطفون في غزة، لافتًا إلى أن هذا الرقم ليس نهائيًا وأنه يتغير ويجري تحديثه باستمرار، مؤكدًا أن الجيش يضع ملف الأسرى على قائمة الأولويات… فإلى أي مدى يمكن أن يشكل ذلك ضغطًا على نتنياهو وحكومة الحرب لا سيما بعدما أعلنت حماس استعدادها لقبول صفقة لتبادل الأسرى؟
ملف الاسرى.. ضغوط كبيرة
تمارس أسر وعائلات الأسرى والرهائن بقبضة المقاومة الفلسطينية ضغوطًا كبيرةً على حكومة الحرب الإسرائيلية، مستخدمين في ذلك خطاب إعلامي واجتماعي قوي، تجاوز حاجز المناشدة إلى انتقاد الإستراتيجية التي استندت إليها قوات الاحتلال في حربها ضد غزة.
وقد نقلت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن والدة إحدى المحتجزات قولها: “لا أفهم الإستراتيجية، أنا أفهم الأمومة، وأشعر أن هذه الحرب التي نخوضها قد خسرناها بالفعل، كيف يمكنكم التأكد من عودة ابنتي والمختطفين الآخرين أحياء؟”.
عشرات التساؤلات طرحها الأهالي على الحكومة، حيث أفردت لهم وسائل الإعلام العبرية مساحات كبيرة للتعبير عن غضبهم وقلقهم إزاء مصير ذويهم، وهو ما دفع نتنياهو ووزير دفاعه، يواف غالانت، بجانب أعضاء آخرين في مجلس الكابينت للاجتماع بالعائلات ومحاولة طمأنتهم، لكن دون جدوى.
فكل المؤشرات الأخيرة تذهب باتجاه فشل الحكومة في تحرير الأسرى، فبعد 23 يومًا لم تنجح قوات الاحتلال في التقدم خطوة باتجاه القطاع، بخلاف حالة الرعب التي تحياها مستوطنات الاحتلال ومدنه الرئيسية جراء الرشقات الصاروخية التي تطلقها المقاومة ولا تتوقف على مدار الساعة، وهنا التساؤل الأبرز الذي يدور على ألسنة الشارع الإسرائيلي: إن كان الجيش عاجزًا عن التقدم مترًا واحدًا داخل غزة رغم القصف الجنوني جويًا فكيف له أن يقتحم الأنفاق والمخابئ ويحرر الأسرى؟
وتتسق تلك السردية مع الفشل الكبير الذي منيت به قوات الاحتلال في محاولة الاجتياح البري للقطاع مساء الجمعة، رغم مخطط عزل غزة عن العالم بقطع الاتصالات والإنترنت، فضلًا عن الفشل الذي لحق بها عند محاولة التسلل البري في خان يونس وجنين قبل أيام.
الضغط على حكومة الاحتلال لا يتوقف عند حاجز أهالي الأسرى وفقط، حيث تصاعدات أصوات من النخبة السياسية والشخصيات العامة والمحللين التي تطالب بأن يكون ملف الأسرى هو الأهم في الوقت الراهن حتى لو كان الثمن تأجيل العملية البرية أو إلغائها.
من جانبه يرى لاعب الكرة السابق والإعلامي الإسرائيلي الحاليّ إيال بركوفيتش أن”الدخول إلى غزة غير ضروري الآن، واستعادة الأسرى مقدم على كل شيء”، فيما يرى رئيس شعبة الاستخبارات السابق الجنرال عاموس مالكا أن شن عملية برية في القطاع خطوة مهمة لكنها تأتي بعد إتمام صفقة تبادل للأسرى.
التوجه ذاته عبرت عنه الباحثة بمعهد الأمن القومي الإسرائيلي، عيديت جيلتمن، بالإشارة إلى أنه يتوجب على “إسرائيل” مناقشة العملية البرية من منظور قيمي، مشددة على ضرورة أن يركز السؤال حاليًّا على الشيء الأكثر أهمية بهذا الوقت، ما الهدف الأعلى؟ وما الأولويات؟
منوهة أن تأخير العملية البرية هو الأفضل وإعطاء المزيد من الوقت لتحرير الأسرى، وأضافت “نحن لا نتحدث عن واحد أو اثنين وعلينا أن نتذكر كم دفعنا من أجل استعادة أسير واحد كل مرة”، واختتمت حديثها بالتأكيد على أهمية التأجيل “حتى لو منح هذا التأخير لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) نصرًا إعلاميًا أو معنويًا”.
ما بجعبة المقاومة
مارست المقاومة الفلسطينية هي الأخرى ضغوطًا على حكومة الحرب الإسرائيلية، ووضعتها في مأزق حقيقي أمام الشارع الإسرائيلي بصفة عامة وعائلات الضحايا من الأسرى والرهائن بصفة خاصة، وذلك من خلال مسارين:
الأول: إعلان حماس استعدادها لتبادل الأسرى الفوري مع الاحتلال كما جاء على لسان رئيس الحركة في القطاع يحيى السنوار، الذي قال في بيان له: “نحن مستعدون لعقد اتفاق فوري لتبادل الأسرى يتضمن إطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية مقابل جميع الأسرى المحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية”.
يتزامن ذلك مع ما قاله الناطق العسكري باسم كتائب القسام، الجناح العسكري لحماس، أبو عبيدة، في كلمته المتلفزة مساء السبت، حين أشار إلى أن العدد الكبير من الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة ثمنه “تبييض كل سجونه من كافة الأسرى الفلسطينيين”.
أبو عبيدة أحرج حكومة الاحتلال حين أشار إلى أن اتصالات عديدة أجريت في ملف تبادل الأسرى وكانت هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق “لكن العدو ماطل ولم يبدِ جدية حقيقية لإنهاء معاناة أسراه، وقتل نحو 50 منهم في قصفه على غزة”.
وواصل الناطق باسم القسام من وتيرة إحراجه لنتنياهو ومجلسه حين قدم عروضًا وخيارات للحكومة بشأن تبادل الأسرى، حين قال “إذا أراد العدو أن ينهي هذا الملف مرة واحدة فنحن مستعدون لذلك وإذا أراد مسارًا لتجزئة الملف فنحن جاهزون لذلك أيضًا، وعليه أن يدفع الأثمان التي يعرفها”.
أما المسار الثاني لممارسة الضغط على حكومة الاحتلال وتأزيم موقفها أمام عائلات الأسرى، فيتعلق بالتحذير والوعيد حال اجتياح قوات الاحتلال للقطاع بريًا، حيث قال أبو عبيدة: “زمن أسطورة الجيش الذي لا يقهر قد ولّى وأن المعركة الحالية ستكون فاصلة في تاريخ الأمة”.
ووجه خطابه مباشرة للاحتلال قائلًا “إننا بعد 22 يومًا من معركة طوفان الأقصى نقول للعدو إننا ما زلنا في انتظاره لنذيقه أصنافًا جديدةً من الموت ونعلمه ونعلم العالم معنى البطولة والفداء، ونذيقه هزيمة أكبر مما يتوقع أو يتخوف”، مشيرًا إلى أن “زمن بيع الوهم للعالم حول أكذوبة الجيش الذي لا يقهر والميركافا الخارقة والاستخبارات المتفوقة، كل هذا انتهى زمنه وقد كسرناه وحطمناه أمام العالم في غلاف غزة وفي كل فلسطين”.
هل يرضخ نتنياهو؟
حديث أبو عبيدة ورسائله المتعددة لا شك أنها شكلت حربًا نفسيةً مؤثرةً على أهالي الأسرى الإسرائيليين، ما دفعهم بدعم إعلامي وجماهيري لممارسة المزيد من الضغوط على نتنياهو الذي يعلم يقينًا أن الاستجابة لتلك الضغوط ووقف إطلاق النار يعني باختصار إعلان فشله ونهاية مستقبله السياسي للأبد.
يحاول رئيس حكومة الاحتلال تسويف الأمر والمماطلة لكسب المزيد من الوقت على أمل أن يحقق انتصارًا ينقذه من تنفيذ حكم الإعدام السياسي الصادر بحقه منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الحاليّ، وعليه فهو يسابق الزمن عبر محاولات للتوغل البري بالقطاع وتعزيز نشاطه الاستخباراتي لعله ينجح في تحرير الأسرى قبل الرضوخ للضغوط الممارسة عليه.
إلا أن اعترافه خلال حديثه بالأمس بأن الحرب ضد حماس في غزة ستكون “طويلة وصعبة”، ربما يكشف الكثير من المخفي عنه في تلك المواجهة، لذا حاول طمأنة الأهالي بالإشارة إلى أنه بحث في مجلس الحرب مقترحًا للإفراج عن السجناء الفلسطينيين مقابل إطلاق سراح الأسرى في القطاع، دون تفاصيل.
لم يقنع الخطاب السياسي لنتنياهو عائلات الضحايا، كما لم تحقق رسائل الطمأنة أهدافها، فالفشل المتواصل في الاقتحام البري بعد 23 يومًا من الحرب، والدهاء السياسي الدبلوماسي الذي تمارسه حماس بالإعلان عن نيتها إبرام اتفاق تبادل أسرى واستخدام خطاب المنتصر ميدانيًا وسياسيًا، كل ذلك يزيد قلق أسر الرهائن والأسرى، ومع كل ساعة تمر دون إنجاز هذا الملف، يقترب نتنياهو أكثر من كتب شهادة وفاته سياسيًا.
ليس هناك من شك في أن نتنياهو لا يعينه هذا الملف بالصورة المتوقعة، فهو على استعداد للتضحية بالأسرى لأجل تحقيق انتصار ينقذ سمعته وتاريخه السياسي بعد ضربة السابع من أكتوبر الموجعة، لكن العدد الكبير وغير المسبوق لهؤلاء الأسرى أحدث زخمًا كبيرًا لدى الأوساط الإسرائيلية، وبات يشكل ضغطًا لا يمكن تجاوزه بأي صورة من الصور، وهو ما لم يكن في حسابات نتنياهو ولا حكومته.
وفي المقابل فإن هذا المستجد يكشف بشكل كبير النضج السياسي الاستخباراتي العسكري للمقاومة، التي بات واضحًا أن أسرها لهذا الرقم الكبير لم يكن أمرًا عشوائيًا ولا اعتباطيًا، إذ كانت تعلم يقينًا أنه سيكون فرس رهان يمكن اللعب عليه في وقت من الأوقات عند الجلوس على مائدة المفاوضات.
مأزق سياسي كبير يواجه حكومة الحرب الإسرائيلية، بين الاستمرار في المواجهة والمقامرة بالتوغل رغم الخسائر التي تتكبدها في صفوفها والمتوقعة حال القيام بتلك الخطوة وتداعيات ذلك على مستقبل الكيان برمته، والرضوخ لضغوط عائلات الأسرى والانصياع لورقة المقاومة بما يمنحها نصرًا معنويًا وسياسيًا على دولة الاحتلال.. فإلى أي الخيارين يذهب نتنياهو؟