الدكتور أحمد الطيب هو الثالث والأربعون في قائمة مشايخ الأزهر الشريف، تولى المنصب بأمر من الرئيس المخلوع حسني مبارك في 19 من مارس/ أذار من عام 2010م، بعد أيام من وفاة سلفه الراحل محمد سيد طنطاوي في السعودية ودفنه هناك، وأشهر على ثورة يناير/ كانون الثاني أتمّها الله!
والشيخ الطيب ابن مدينة الأقصر الجنوبية المعروفة بطيبة أهلها، بالإضافة إلى كونه عضوًا في لجنة السياسات التي كان يقودها جمال مبارك تمهيدًا لتوليه الحكم خلف أبيه، وكان الطيب قد رفض الاستقالة من لجنة السياسات في الحزب الوطني عقب تولي المشيخة مدعيًا ألّا تعارض بين الأمرين، متناسيًا هيبة شيوخ الأزهر الذين سبقوه فأبوا أن ينحازوا إلى سلطة أو يستجيبوا لحاكم، من الراحلين الشيخ خضر حسين، الدكتور عبد الحليم محمود، الشيخ عبد الحق علي جاد الحق الذي طلب منه المخلوع مبارك فتوى تجيز تحديد النسل فصرخ في وجهه: “وهل الإسلام قماشة أفصلها لك على مقاسك لأخرج منه الفتوى التي تريد، للإسلام حكم في تحديد النسل لا يستطيع عالم دين مخلص تغييره لك”.
ولم تنقص كلمات الشيخ جاد الحق من هيبته بل زادتها لدى مبارك، كما لم تقلل لا من عمره ولا من رزقه، ولم تقلل الكلمة نفسها من عمر وأرزاق شيوخ آخرين، رحمهم الله.
ووافق مبارك على تقديم الشيخ الطيب لاستقالته فقدمها بعد الموافقة خوفًا من غضب السلطان الذي عينه، وفي يناير/ كانون الثاني لما قامت الثورة المصرية، أو محاولتها، قال الشيخ إن على السلطات الاستجابة إلى المُتظاهرين، كما أن على الجماهير ألا تفسد في المنشآت والمؤسسات العامة، وهو الرأي الذي انقلب رأسًا على عقب بعد خطاب المخلوع الثاني، فقال الطيب إن المظاهرات بهذا الشكل حرام، ثم لم يلبث بعد بيان الراحل عمر سليمان في 11 من فبراير/ شباط 2012م أن قال إن استمرار المظاهرات بعد رحيل مبارك حرام شرعًا ولا معنى لها.
وروى لي أحد علماء الدين من رؤساء هيئة علماء المسلمين في دولة أوروبية الآن، نقلًا عن مُقرب من الشيخ، أنه لما قامت الثورة أتى الأخير بصورة كبيرة لمبارك وجعلها خلف مكتبه وقال لِمَنْ حوله:
ـ غذًا يتمالك الرئيس أمره، وسترون ماذا سيفعل في هؤلاء “العيال”!
وخسر الشيخ الطيب رهانًا آخر بعد رهان مبارك لما انقلب عليه تمامًا السيسي
ولم يفهم الشيخ الطيب من درس انحيازه إلى مبارك أنه بانحيازه إلى السيسي والانقلاب يهدر دماء آلاف من أحد فصائل الوطن وأكثرها انتشارًا والتنكيل بعشرات الآلاف ومطاردة أضعاف أضعافهم، والانحياز إلى الانقلابيين وادعاء أنه اختار أخف الضررين، أي أن انحيازه إلى العسكر أخف ما يمكن ارتكابه في رأيه.
ويروي صديق كان مقربًا من الشيخ الدكتور حسن الشافعي، رئيس مجمع اللغة العربية الحالي، قبل أن يضطر الصديق إلى مغادرة مصر بعد الانقلاب، وقت تولي الدكتور الشافعي إدارة مكتب الطيب أن طائرة هليكوبتر عسكرية هبطت فوق سطح العمارة التي يُقيم الشيخ فيها وأخذته ليقابل السيسي ليتفقا على الأمر قبل الانقلاب ثم لحضور بيان 3 من يوليو/ تموز، وعقب حضوره وجد الشيخ المعاملة تغيرت والاهتمام أقل، ولم تكن مضتْ على الانقلاب أيام فقال له الدكتور الشافعي: “وهل تشورني بعد أن ذهبتَ وحضرتَ” وآثر الأخير تقديم استقالته.
لم يفهم الشيخ الذي كان عمره يوم تولى المشيخة 66 عامًا، أن الخونة والغادرين لا خُلقَ لهما ولن يحفظوا جميله، وهم الذين لم يحفظوا جميلًا لوطنهم
لم يفهم الشيخ الطيب أن السيسي والمجلس العسكري الذين غدروا بالرئيس محمد مرسي، وقد كانوا يدعون الطيبة والبراءة في حضوره، لم يفهم الشيخ الذي كان عمره يوم تولى المشيخة 66 عامًا، أن الخونة والغادرين لا خُلقَ لهما ولن يحفظوا جميله، وهم الذين لم يحفظوا جميلًا لوطنهم أو لأهلهم وقلبوا الحقائق وخدعوا الملايين وأمعنوا في شق صف الوطن، ثم أدانوا المجني عليهم مُدعين أنهم الجناة في إساءة أخرى أكبر للشرف العسكري ولأنفسهم، ولم يكتفوا بذلك وإنما أطلقوا يد إسرائيل في سيناء تقتل وتعربد وتعترف بصداقة السيسي وتراه أفضل حالًا مما لو حكم أحد أبنائها مصر.
وخسر الشيخ الطيب رهانًا آخر بعد رهان مبارك لما انقلب عليه تمامًا السيسي وقال بعدم جواز الطلاق الشفهي، ثم وجه كلامه للشيخ قائلًا بأسلوبه الماكر الخبيث الذي ينضح شرًا وهدوءًا في خطاب عام:
ـ مش كده يا فضيلة الإمام.. تعبتني حضرتك يا أفندم!
وانطلقت برامج التوك شو التي طالما نالتْ من الإخوان والرئيس مرسي وقلبت الحقائق تنهش في الأزهر وشيخه، ثم بعد التفجيرين الأخيرين في مصر انفلت الزمام أكثر، فاتُهمَ الأزهر برعاية الإرهاب والتطرف وتم إنشاء مجلس أعلى لمحاربة التطرف في إيذان بأن دور الأزهر ينتهي.
ومؤخرًا كرر الشيخ كلمات قالها عند اشتداد الخلاف الأول إن مهاجميّ الأزهر إما إعلاميين من ذوي المصالح أو مدفوعين من الخارج، ونسي فضيلة الإمام أن هؤلاء وهؤلاء مِمنْ ذكر هم الذين أضاعوا مصر كلها أو أوشكوا من أصحاب المصالح والقابضين من الخارج، أم أن الإمام عرف مرارة كأس الانقلاب لما ثقل على شفتيه، ولم يضع نفسه لثانية مكان المصريين المخلصين الشرفاء، وإلا لفهم مبكرًا ونأى بنفسه عن المشاركة في بركان الدماء فضلًا عن موقفه المرير اليوم!