وأنا أكتب لبنات سلسلة مهمة أردت عنونتها “كرونولوجية الرباط والارتباط” أسرد فيها سردًا تراكميًا لجملة من الأحداث التاريخية التي أبانت عن ارتباط عظيم للشعب الجزائري بأرضه الطيبة المباركة أرض الأنبياء والصالحين فلسطين عبر التاريخ المعاصر الذي نكمل أيامه، مع تحليل للظاهرة التاريخية نية تحقيق جملة من الأهداف كنت قد خصصت لها مقالاً خاصًا كان مقال المقدمة، أردته مدخلاً يشرح الأبعاد المتعددة والمبررات النفسية والدوافع العقدية والاجتماعية والتاريخية الحضارية لهذا التفاعل المقدس وعتبة للتهيئة الحضارية النفسية الشبابية لدخول التاريخ.
ونحن نرسم الطريق نشرح فيه حزمة مكونات كيمياء الارتباط، أردت أن أفرد المقال الثاني من هذه السلسلة لندرس ظاهرة نفسية اجتماعية يختص بها الشعب الجزائري عن غيره من الشعوب الأخرى ونستخدم أدوات علم الاجتماع التاريخي الذي تظهر لنا تطور سيكولوجية وسوسيولجية مجتمع ما عبر تاريخ نتاج تفاعله مع الجغرافيا التي هي قدر الله على الإنسان، ومن خلال جملة الأحداث التاريخية التي رسمها الإنسان بيده التي حدثت في ظروف خاصة وتركت لمسات تظهر لنا الآن في المجتمع المتشكل منها.
لا يخفى على متتبعي الدراسات الهائلة التي يوقف لها مفكري الصهاينة وقادة دباباتهم الفكرية أفضل أوقاتهم وجميل أيامهم وجليل جهدهم ليل نهار لفك شفرتها، هذه الظاهرة الغريبة لديهم، المبررة عندنا، من خلال الدراسات المكثفة التي أكاد أرى أن الصهاينة تفرغوا لها في الأونة الأخيرة خاصة،هذه الظاهرة تضاف للأبعاد الخمس لارتباط الجزائريين بفلسطين وعملهم المتفاني غير المشروط لتحرير فلسطين من العنجهية الصهيونية الجاثمة على قلب الأمة.
وأنا أعمل في موضوع قد سبقني إليه جملة من رجالات الفكر والتاريخ، إلا أني أظن أن شيئًا ما يخص ضمن هذه الدراسات -وهذا ما أكده أحد الرجالات العارفين الذي وجهني للبحث والتقصي بل للكتابة في هذا الموضوع لأهميته البالغة على المستوى النفسي- يدفع بالفرد الجزائري الجديد الذي ننشد بناءه تاريخ الخيانة الذي تركه الصهاينة في أثناء تفاعلهم مع هذه الأرض الطيبة وشعبها، وندفع على المستوى الاجتماعي العام بالمجتمع الجزائري لمعرفة الملامح النفسية للصهاينة المجبولة على الخيانة والفساد وغرس مبررات ودوافع نفسية وفق تركيبة فكرية واجتماعية لرفض أي فكرة أو جماعة تريد ربط الصلة مع هذا الكيان المسخ.
لقد اكتسب المجتمع الجزائري مناعة فكرية وتاريخية يريد الصهاينة وفق مشروعهم الثقافي والفكري نشر فيروسات لهدم هذا الجسد المنيع القوي الذي وصل لمعرفة عميقة بالتركيبة النفسية اليهودية
لقد اكتسب المجتمع الجزائري مناعة فكرية وتاريخية يريد الصهاينة وفق مشروعهم الثقافي والفكري نشر فيروسات لهدم هذا الجسد المنيع القوي الذي وصل لمعرفة عميقة بالتركيبة النفسية اليهودية والمخططات الاجتماعية والسياسية لليهود اتجاه وطنه الإسلامي وقطره الحبيب الجزائر قديمًا وحديثًا.
إن هذه المعرفة العميقة التي نتجت عبر المعايشة اليومية الطويلة مع هذا التركيب الغامض هي التي أفشلت كل مخططات التطبيع مع الكيان الصهيوني بكل أشكاله السياسية والثقافية وحتى الرياضية التي يعمل الصهاينة عليها لدحر قيمة المقاومة المعروفة عند العنصر الجزائري وقتل الاستجابة الصحيحة على هذا التحدي الذي سيصنع من المسلمين أئمة العالم بعدها.
نؤمن إيمانًا عميقًا أن التهيئة الفكرية للمجتمع هو الذي يدفع إلى بناء المجتمع القوي العامل للتحرير، كما أن التطبيع يزرع الخضوع والانقياد والركون للراحة والترف وهي من أهم العوامل القاسمة لمجمل العلاقات الاجتماعية الرامية بأي مجتمع نحو للشيخوخة الحضارية.
مقدمة
لقد عاش اليهود بين المجتمع الجزائري كضيف ثقيل الظل يكفر العشير ويعض اليد الممدة له بالرزق خاصة في فترة الخلافة العثمانية وبقدوم بعدها الاحتلال الفرنسي المقيت، ولعل الصورة التاريخية هي أقسى وأقتم مما سنسرده من الأحداث التي كان فيها اليهود أعداءً للأمة الجزائرية المسلمة بالرغم مقابلة الجزائريين هذه التعاملات المشينة بسماحة اجتماعية والتي تشربها الجزائريون من قيم الإسلام السمح.
لقد عملنا في هذه الدراسة على تسليط الضوء على مجموعة من الأحداث التي أثرت على مسارات التاريخ الوسيط والحديث والمعاصر للجزائر نتاج الخيانات المتكررة من قيادات يهودية معروفة أو جملة الجالية اليهودية، مع مرور على الأحداث ذات التأثير المباشر على الجزائريين فردٍ ومجتمعٍ، من حملات الإذلال والكراهية والقتل والسخرية التي عرفتها الفترة الكولونيالية الفرنسية.
ليعلم القارئ أن المجتمع الجزائري رغم الطعنات المتتالية، إلا أن ذلك لم يدفعه إلى مقابلة السيئة بالسيئة وإنما كان التسامح شيمته وبه كانت بداية الوجود اليهودي في الجزائر بعد استقبال الجزائريين وحمايتهم ليهود السفرديم والميغورشيم والمارنو الذي نزحوا من الأندلس بسقوط الدولة الإسلامية في آخر معاقلها في غرناطة سنة 1492.
لقد كان المجتمع الجزائري الإطار الحامي الذي عاش في كنفه اليهود بكامل حقوقهم المدنية والاجتماعية والدينية العقدية، لكن ذلك لم يشفع للجزائريين ولو قليلاً أمام النفسية اليهودية المجبولة على العلو والفساد
لقد كان المجتمع الجزائري الإطار الحامي الذي عاش في كنفه اليهود بكامل حقوقهم المدنية والاجتماعية والدينية العقدية، لكن ذلك لم يشفع للجزائريين ولو قليلاً أمام النفسية اليهودية المجبولة على العلو والفساد.
إن العلو الكبير والفساد المتراكم لليهود عبر الأزمنة المتعاقبة لوجودهم وتعايشهم في المجتمع الجزائري ولّد كرهًا أبديًا تراكم في النفسية الجزائرية والمخيال الاجتماعي الجزائري فهم من خلاله الشعب الجزائري حجم الحقد الدفين الذي يكنه اليهود لأمة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدق الوصف القرآني لهؤلاء.
إن الشعب الجزائري كما أنه يحس حجم المعاناة التي يمكن أن يعيشها شعب محتل نتاج تجربته المريرة مع الاستعمار الفرنسي، ويدرك أيضًا إدراكًا تامًا عظم الكره الصهيوني للإسلام والمسلمين شعبًا ومقدسات، فكرًا ومعتقدات. ويعلم كمية الفساد الذي يخصصه اليهود للقضاء على المسلمين في فلسطين وأثر مخططاتهم الجهنمية.
هذا الكره الجزائري للصهاينة، كان بعد أن عض اليهود يدًا تمدهم بالعيش الكريم وبقيت تمدهم بذلك إلى أن هاجروا إلى ما يزعمون أنها أرضهم المباركة، هذا الكره طفا عندما كان اليهود سببًا في الظلم الذي سقط على الشعب الجزائري، هذا الحقد تجلّى يوم خطط اليهود للقضاء على الإسلام في أرض الإسلام.
دعونا نعرف ماهية المخططات التي عمل عليها اليهود في المجتمع الجزائري عبر التاريخ لنفهم سبب الكره، ونفقه بطريقة غير مباشرة ارتباط الشعب الجزائري بالعمل لتحرير فلسطين.
مخطط تمنطيط وثورة الشيخ المغيلي
توافد إلى إقليم توات في صحراء الجزائر، اليهود عبر هجرات متعددة من الحجاز والعراق ومصر في أزمنة متفاوتة، فشيدوا فيها قصورًا كبيرةً منها قصر أولاد همال، ناهيك عن دور للعبادة كان أهمها متمركزًا في الواحة المعروفة بتمنطيط.
لقد كانت الهجرة اليهودية ممنهجة لهذا الإقليم ذي المكانة الاقتصادية والسياسية والفكرية المهمة بهدف تشكيل قوة سياسية لليهود في قلب الصحراء الجزائرية على مربط تجاري مهم يجمع دول الساحل الإفريقي وهو ما وصلوا إليه في القرن السابع ميلادي بعد أن أسسوا قصر تامسخت سنة 660 ميلادية، وأحكموا السيطرة السياسية على الإقليم.
لقد كان العلو السياسي من خلال تشكيل كيان سياسي مستقل والفساد الاقتصادي المتمثل تجاريًا في السيطرة التامة على الطريق التجارية الجامعة بين برقة الليبية ونواكشوط الموريتانية وتمبكتو المالية وفاس المغربية، وزراعيًا من خلال احتكار الثروة المائية الضرورية للحياة الزراعية واليومية للإنسان الصحراوي صاحب الأرض وسلطان الدار.
لقد تعدى العنفوان اليهودي حدوده بعد ازدياد ثروته البشرية بالتحاق اليهود الإسبان للإقليم من بعد سقوط الأندلس، تبلورت بعد هذا القدوم جملة من المخططات الاجتماعية لليهود ضد المسلمين في منطقة تمنطيط الواحة العظيمة.
لا زالت الأبحاث الصهيونية تدرس شخصية الشيخ المغيلي وتُدّرسها لتلاميذها في المدارس العبرية منفصلة عن الإطار الزمني والمبررات التاريخية للحدث
لقد عرفت المرحلة وجود شخصية كريزماتية قويمة تمثلت في الشيخ الإمام العارف محمد بن عبد الكريم المغيلي الرجل ذو الحنكة السياسية والفقه الديني المقاصدي الذي نظم ثورة الشعب الجزائري المسلم الثائر ضد الهيمنة اليهودية المتغولة، فكانت نتاج الثورة بعد الاستشارة الفقهية الواسعة التي التجأ إليها الشيخ المغيلي، إجلاء اليهود من المنطقة وتتبير العلو اليهودي في منطقة توات تتبيرا.
ولا تزال الذاكرة الاجتماعية في المنطقة تحكي أثر الفساد الأخلاقي والاجتماعي والاقتصادي الذي تركه اليهود، كما أنها لن تنسى التجارب النووية التي قامت بها السلطة الاستعمارية الفرنسية بإيعاز من اليهود أنفسهم كثأر من إخراجهم من أرض يزعمون أنها أحد كنوز اليهود في العالم، ولا زالت الأبحاث الصهيونية تدرس شخصية الشيخ المغيلي وتُدّرسها لتلاميذها في المدارس العبرية منفصلة عن الإطار الزمني والمبررات التاريخية للحدث، لترسيخ قيم الكراهية والبغض كآلية شوفينية مغيرة للحقائق وصانعة للأوهام في عقول النشء الصهيوني الجاهل للتاريخ.
احتلال الإسبان لمدينة وهران وخيانة سطورة
كانت الجزائر إبان دولة المرابطين حامية للأندلس من المخططات الصليبية التي أخرجت المسلمين واليهود معًا من الأندلس من بعد أن عرفوا الهناء والنماء في واحة الإسلام الذهبية، بل كانت أيضًا محافظة على سيادته من خلال الحملات الثلاثة التي قادها يوسف بن تاشفين بعد معركة الزلاقة وحصار لبيط وسقوط بلنسية.
تأسست بعد ذلك الدولة الزيانية وعاصمتها تلمسان وكانت منطقة الازدهار اليهودي في شمال إفريقيا حتى سميت أورشليم إفريقيا ولا زالت على هذه التسمية حتى اليوم، وكان هذا نتاج التسامح الديني العظيم الذي استقاه ملوك الدولة الزيانية من قيم الإسلام السمحى حتى وصل بهم المقام إلى إعطاء اليهود تمثيلية ضمن مناصب الدولة العليا.
لقد كان بن زواوة سطورة أو بنيامين شطورة أحد رجالات اليهود الذين تقلدوا مناصب سيادية في الدولة الزيانية ضمن الجهاز المالي ومؤسسة المكوس والضرائب حتى أصبح يلقب بسطورة المكاس.
لم يكن سطورة المكاس إلا أحد حلقات خيانة اليهود للجزائر الوطن الحامي يوم تكالبت عليهم الذئاب بسقوط قلعة الإسلام الأخيرة غرناطة، لقد وقف اليهود مع جلاد الأمس.
كأفأ الكردينال كزيمنيس المحتل، اليهوديين سطورة وبن زهوة وأبقاهما مكاسين على أسواق المدينة وأوكل لهما مهمة استخلاص الغرامات من السكان
لقد خان سطورة رغيف الحياة الذي أعطته له الدولة الزيانية يوم مكّن للإسبان أن يغزوا المرسى الكبير، إذ يذكر الدكتور يحي بوغزيز في كتابه مدينة وهران أن الإسبان استعانوا بسطورة أو شطورة المكاس اليهودي الإشبيلي الماكر وبعض أعوانه من الخونة أمثال عيسى العربي يوم أن فتحوا لهم أبواب المدينة غدرًا وخيانة، مما سهل اقتحام القوات الإسبانية بسهولة أنتجت وحشية كان نتاجها 4 آلاف رجل حتى إنه يقال احمرت مياه البحر الأبيض المتوسط.
كأفأ الكردينال كزيمنيس المحتل، اليهوديين سطورة وبن زهوة وأبقاهما مكاسين على أسواق المدينة وأوكل لهما مهمة استخلاص الغرامات من السكان، لقد كانت حملة الكاردنال كزيمنيس على وهران منطلقًا آخر للحروب الصليبية على أرض الإسلام، توسع فيها الإسبان على كل الساحل الغربي للجزائر إلى جيجل لولا أن قيض الله لهذا الوطن رجالاً عظماءً أمثال خير الدين بروبروس.
لقد كان بذلك اليهود نقطة سوداء في تاريخ الوطن، تاريخ ارتبط بالوقوف مع الغريب ضد أهل الدار ومصافحة الاحتلال وطعن ظهر الجزائر، لقد خلد التاريخ لهذا العار من خلال بناء الإسبان برج على أحد الرؤوس الصخرية البحرية وخصصوا له تسمية الخائن سطورة فأصبح يعرف ببرج سطورة أو برج مونة.
يهود ليفورن وتجارة العبيد إبان فترة الجزائر العثمانية
بعد سيطرة الإسبان على سواحل الجزائر بمساعدة يهودية، لم ينتظر اليهود أن يعاملوا معاملة المسلمين من طرف الإسبان الذين لطالما رأوا فيهم صورة العدو المترقب وهذا ما جعل حاكم وهران ماركيز دوس لوس فيليز يهجر كل يهود السفرديم إلى مدينة ليفورن الإيطالية التي أعطى حاكمها ميناء توسكانا لليهود لتنشيط التجارة وأعطاهم معها كل الحقوق الدينية.
لقد كانت مدينة ليفورن ملجأ يهود المارنو أو المرنيم الذين أبطنوا اليهودية وأعلنوا المسيحية مخافة محاكم التفتيش التي نصبها الإسبان الصليبيون عشية إسقاط غرناطة.
بعد استرجاع الجزائر لسواحلها بثورة داخلية مدعومة من القائد المسلم العثماني خير الدين بربروس أصبحت الجزائر بعدها إيالة عثمانية تابعة للخليفة العثماني، لقد كانت تلك فرصة ذهبية لعودة العديد من العائلات اليهودية إلى وطن الحماية الأول وعش الأمن الديني الذي وفره لهم الجزائريون.
قد كانت تجارة العبيد تجارة اقتصادية عالمية مربحة سيطر عليها اليهود، حتى إنهم شكلوا إمبراطورية راسخة بأسمائهم أمثال: ديفيس فرانك في أمريكا وبرنارد ليفي في جامايكا وعائلة جراديس في بوردو التي كانت تشتغل في المستعمرات الفرنسية في العالم وخاصة في إفريقيا.
لكن ولأن اليهود جبلوا على الفساد والخيانة وتعلموا من قيم دينهم أن الأمي أو الغوييم مهما قدم فسيظل حلال الدم والعرض، نزحت عائلات أخرى من يهود ليفورن إلى الجزائر لأهداف متعددة، لعل أبرزها استغلال الحرية التجارية الممنوحة في الجزائر لتطوير رؤوس أموال اليهود والاستثمار في التجارة والحرف المتعددة التي تتقنها العائلات اليهودية.
لكن لم يكن أحد من الأهالي الجزائريين أو القيادات العثمانية للجزائر وقتها ينتظر أن يكون اليهود حملة لتجارة من نوع خاص انتشرت بفظاعة في ذلك الوقت ألا وهي تجارة العبيد.
لقد كانت تجارة العبيد تجارة اقتصادية عالمية مربحة سيطر عليها اليهود، حتى إنهم شكلوا إمبراطورية راسخة بأسمائهم أمثال: ديفيس فرانك في أمريكا وبرنارد ليفي في جامايكا وعائلة جراديس في بوردو التي كانت تشتغل في المستعمرات الفرنسية في العالم وخاصة في إفريقيا.
لقد كان يهود الجزائر امتدادًا طبيعيًا ليهود العالم من الناحية الفكرية والعملية، فلم تمنعهم رؤية الجزائريين المحرمة لهذه التجارة بحكم تحريم الّرق الاستعباد في الإسلام وبحكم التركيبة النفسية الجزائرية الرافضة للظلم من إدخالها إلى الجزائر التي كانت لها فيها أسواق كان كما يروي الأسير الأمريكي جيمس كاترات أن أسواق الجزائر من جامع كتشاوة إلى باب دزيرة تحولت إلى أسواق للعبيد.
بالإضافة للمردودية الاقتصادية لتجارة العبيد كانت لها الأهمية السياسية البالغة، إذ كان اليهود يتقربون للكنيسة ويحاولون إقناع الأمم المسيحية بأنهم ليسوا سوى وسطاء خير همهم عتق الأسرى المسيحيين.
لعبت العائلات اليهودية الحاكمة بهذه السياسة على حبلين، فكانوا يبلغون عن كل السفن البحرية التي تعبر البحر المتوسط بل حفزوا حكام الجزائر للاستيلاء عليها لما تحتويه من حمولات وبضائع تتحول إلى غنائم يعيد اليهود بيعها بأثمان باهضة، وفي نفس الوقت أخبروا عن السفن الجزائرية لدى أوروبا للسيطرة عليها من طرف الأمم المسيحية، لقد ساهمت ازدواجية اليهود في إذكاء الصراع الأوروبي الجزائري حتى عشية احتلال الجزائر.
لقد كانت تكملة المشهد بأن تنصل اليهود من هذه التجارة وألصقوها بما أسموها “القرصنة الجزائرية” وهذا ما كان له من الآثار الاجتماعية والسياسية التي مهدت لاحتلال الجزائر بعدها، على المستوى الاجتماعي أصبح الجزائريون فزاعة للأطفال في قصة قبل النوم في حكايا العجائز في أوروبا، أما سياسيًا كانت هذه النقطة ورقة ضغط أوروبية لشرعنة مخططها الإمبريالي المستقبلي على الجزائر ابتداءً من مؤتمر فيينا سنة 1816 الذي أدخل المسألة الجزائرية ضمن جدول أعماله وقائمة مخططاته ووصولاً للإنذار الذي قدمه مؤتمر إكس لاشابيل 3 سنوات بعدها للجزائر بقيادة الداي حسين.
دورعائلتي بكري وبوشناق اليهوديتين في احتلال فرنسا للجزائر
لقد أكمل يهود ليفورن حملتهم على الجزائر من خلال عائلتي بكري وبوشناق. حيث أن ميشيل كوشين بكري المعروف باسمه المستعرب ابن زاهوت الذي قدم للجزائر سنة 1770م وانطلق في تجارته من محل للخردوات في باب عزون في أعالي العاصمة قبل أن يؤسس شركة كبيرة رفقة صهره نفتالي بوشناق المعروف باسمه المستعرب بوجناح الذي كان أيضًا من أسرة لها تجارة في الخارج وقدمت إلى مدينة الجزائر سنة 1723م، وبدأت بداية متواضعة وصنعت إمبراطوريتها على أنقاض الرشوة وكذلك حماية بعض البشوات لنفوذها.
كان لليهود في نهاية الفترة العثمانية نفوذ سياسي عالٍ ومكانة اقتصادية راقية من خلال سيطرة شركة بكري بوشناق على تجارة القمح كشركة تجارية جزائرية خاصة، كانت تجارة القمح وقتئذ تمثل أغلبية صادرات الجزائر العثمانية في عهد الداي حسين، فيكون بذلك تشكيل إمبراطورية القمح إحكام السيطرة على التجارة الخارجية للجزائر.
تسلق بوشناق شجرة السلطان في الدولة الجزائرية حتى أصبح يستقبل القناصل الأجانب ويفاوض الدول باسم الجزائر كما كان بالنسبة للمفاوضات مع البرتغال، وهذا ما جعل المصادر التاريخية تلقبهما بملوك الجزائر
لقد وصل اليهودي بوشناق إلى هذه المكانة السياسية نتاج استثمار في فساد أحد البايات المدعو مصطفى الوزناجي الذي عين بايًا على قسنطينة وجعل بعدها من نفتالي بوشناق أحد مستشاريه السياسيين المقربين كرد جميل لإنقاذه تارة من حكم الإعدام وتارة أخرى في أثناء مساعدته لتقديم هدية لزوجة الباشا خلال مراسيم الدنوش السنوية التي يقدم فيها بايات الجزائر مجتمعين الولاء للباشا الداي، كانت علاقة الثقة المزيفة التي بناها بوشناق طريقًا لسيطرته على تصدير القمح من ميناء عنابة.
بينما كان بوشناق يشق طريق بناء إمبراطورية القمح عين بكري رئيسًا للطائفة اليهودية في الجزائر، تسلق بوشناق شجرة السلطان في الدولة الجزائرية حتى أصبح يستقبل القناصل الأجانب ويفاوض الدول باسم الجزائر كما كان بالنسبة للمفاوضات مع البرتغال، وهذا ما جعل المصادر التاريخية تلقبهما بملوك الجزائر.
لقد كان شركة بوشناق – بكري تحت دين 300 ألف فرنك للحكومة الجزائرية، وفي نفس الوقت كانت قد قدمت ديونًا عديدة للحكومة الفرنسية لعدة مرات خاصة في وقت الثورة الفرنسية بهدف التوطين للشركة في فرنسا، وفي نفس المرحلة كانت الجزائر قد قدمت قرضًا دون فائدة لفرنسا في أثناء حكومة المؤتمر قدرت بـ2 مليون فرنك على أن تستخدمها فرنسا لشراء القمح من الجزائر.
لقد جر اليهود الجزائر لقضية الدين الذي يدينون به لفرنسا، فكتب الباي مصطفى إلى الوزير الفرنسي تاريللند لكي تدفع فرنسا دينها لرعاياه الجزائريين مقابل أن يدفع اليهود ديونهم للحكومة الجزائرية.
في سنة 1819 م شكلت فرنسا بعد ضغط الجزائر المتتالي لجنة رباعية لدراسة قضية الدين الذي قدرته بـ42 مليون فرنك، لكنه انخفض تدريجيًا حتى أصبح 7 ملايين فرنك نتاج مطالبة العديد من الأطراف الأوروبية بديونها على عائلة بكري – بوشناق.
وقع ملك فرنسا عريضة في 28 من أكتوبر 1819م تدعو لتقديم الديون لعائلة بكري بوشناق كورقة لعودة العلاقات الودية بين الجزائر وفرنسا، على أنه لن تقدم فرنسا الدين حتى يتنازل الباشا بتسليم المبلغ لعائلة بكري – بوشناق مباشرة عوض تقديمه للحكومة الجزائرية، التي تدين لفرنسا بـ2 مليون فرنك علاوة على دين رعاياها الذين رافعت من أجلهم، لكن رد الباشا بالقبول عبر إعلان خاص يوم 12 من أبريل 1820م.
لقد صادق البرلمان الفرنسي في 27 من يوليو 1820 م على قرار قانون لتقديم الدين لبكري بوشناق، إلا أن القانون كما سوقت له فرنسا عرف موجة رفض كبيرة عن طريق المحاكم من الأطراف المدينة للشركة اليهودية، مما أدى إلى تجميد القرار الذي يعني في نفس الوقت عدم تقديم شركة بوشناق – بكري للديون الملقاة على رقبتها للدولة الجزائرية.
لا زلت الدراسات اليهودية خاصة الفرنسية منها تفتخر بكون قضية الدين التي كان سببها اليهوديان بوشناق – بكري سببًا لاحتلال الجزائر، وهذا ما تأكدت منه شخصيًا عبر وثيقة اعتمدت عليها خلال بحثي بهدف التجرد التاريخي والموضوعية العلمية
لقد كانت هذه الديون ومسرحية المروحة السبب الرئيس للحملة العسكرية الفرنسية التي انطلقت سنة1827م على الجزائر خاصة بعد تحطم القوة البحرية الجزائرية في معركة نافارين سنة1827م وانتهت باحتلال فرنسا لأرض الإسلام الجزائر.
لا زلت الدراسات اليهودية خاصة الفرنسية منها تفتخر بكون قضية الدين التي كان سببها اليهوديان بوشناق – بكري سببًا لاحتلال الجزائر، وهذا ما تأكدت منه شخصيًا عبر وثيقة اعتمدت عليها خلال بحثي بهدف التجرد التاريخي والموضوعية العلمية لسرد جملة الأحداث من نظرات متعددة وكانت هذه نظرة عائلة بكري – بوشناق والباحثين اليهود الذين ذكروا الحادثة مفتخرين مظهرين ولائهم لجنسيتهم الفرنسية ولشعب فرنسا في أثناء حملته الاستعمارية للجزائر.
ولعل أهم من ذكر القضية رولاند بكري في كتبة ملوك الجزائر الذي نشر سنة 1988، بالإضافة للكتاب الفرنسيين من خلال أهم كتابين هما: في كتاب تاريخ شمال إفريقية الفرنسية لجملة من الكتاب هم ألبرتيني، ماركياس يفز، بريجان، كتاب J.M. Bourget, L’Algérie jusqu’à la pénétration saharienne, IIIème للكاتب بورجيي.
مرسوم كريميو وفرنسة اليهود
في 4 من سبتمبر 1870م سقط حكم نابليون الثالث بعد سجنه من طرف البروسيين، في اليوم نفسه سيطر على الحكم جملة من النواب والمحامين الفرنسيين وشكلوا ما أسموه حكومة الدفاع الوطني التي عملت على تغيير السياسة الفرنسية وتوسيع السيطرة الباريسية على كل فرنسا ومستعمراتها بداية من الجزائر التي تم فيها إلغاء الحكم العسكري وبداية الحياة المدنية من خلال 9 مراسيم كان أهمها مرسوم أدولف كريميو ابن التاجر اليهودي في 24 من أكتوبر 1870 الذي أعطى الجنسية الفرنسية لـ37 ألف يهودي وجعل من المسلمين مواطنين من الدرجة الثانية بما أصبح يعرف بقانون الأهالي.
لقد كان هذا المرسوم طلاق بينونة كاملة بين اليهود والجزائر بإدارة ظهورهم للوطن للجزائر وشعبها المستعمر بأن اختاروا عن طيب خاطر التجنَس بجنسية المستعمر.
لم يجعل الجزائريون من حادثة قبول اليهود بجنسية المستعمر كسبب للقطيعة مع اليهود، إذ رفضوا قانون الأهالي لكن لم يرفضوا خيار اليهود بالتجنس وهذا ما يبرز سعة الصدر العظيمة للشعب الجزائري
كانت هذه الحادثة نقطة انعطاف مهمة في تاريخ الخيانة للوطن والجزائريين بحيث كانت الجنسية الفرنسية ارتداءً لزي المستعمر بأن أصبح بعد ذلك اليهود يسومون المسلمين سوء العذاب نتاج الطبقية الفاحشة التي أسفره القانون الجائر.
مع كل ذلك لم يجعل الجزائريون من حادثة قبول اليهود بجنسية المستعمر كسبب للقطيعة مع اليهود، إذ رفضوا قانون الأهالي لكن لم يرفضوا خيار اليهود بالتجنس وهذا ما يبرز سعة الصدر العظيمة للشعب الجزائري أمام من خان الوطن والتاريخ.
موقف اليهود وثورة 1 نوفمبر التحريرية
لا ينكر التاريخ جهود بعض القلة القليلة من اليهود من خلال التطوع الفردي في الثورة الجزائرية أمثال الطبيب سيكسو جون علوش، أندري عكون، بيير عطال وآخرون وهذا من الشاذ الذي يكتبه التاريخ لأصحابه بأحرف من ذهب لكنه من الشاذ الذي لا يقاس عليه ولا يعمم خاصة إن كان للعام أحداث مرسخة تاريخًا تبرز عكس ذلك.
لقد أكد بيان نوفمبر الراسم لسياسة الثورة وفلسفتها -الوثيقة التي تشكل دعامة ركيزة لطبيعة الحكم في الدولة الجزائرية المستقلة الفتية – بحرية المعتقد وحقوق الأقليات، لم تطلب جبهة التحرير الوطني من اليهود بادئ الأمر الانضمام للثورة ليقينهم بتشرب اليهود بثقافة المستعمر الفرنسي وتجند اليهود في الجيش الفرنسي جنودًا وقادة، فكان الطلب بالحياد وعدم الوقوف في وجه الثورة من خلال إطالة عمر الاحتلال.
كانت فترة 1954 – 1956 فترة التحفظ عند الطائفة اليهودية إذ تجمع المصادر اليهودية على عدم صدور أي تصريح رسمي لليهود يبين موقفهم من الثورة الجزائرية، في نفس المرحلة كان اليهود يعلنون عن تركيبتهم المزدوجة، تنشئة جزائرية وتوجه فرنسي، هذا الحياد لم يرض الاستعمار الفرنسي فعمل على استمالتهم من خلال إصباغ حرب التحرير النزعة الطائفة بين مسلمين من جهة ويهود ومسيحيين من جهة أخرى.
لقد بدأ التوجه العام اليهودي يميل للمشروع الصهيوني الرافض لنشأة دولة مسلمة رافضة لاحتلال الكيان الصهيوني لفلسطين ودعم محور الصراع العربي الذي كانت تقوده مصر – يوم كانت القلوب حية – وهذا ما لاحظته جبهة التحرير الوطني بعد أحداث مجزرة قسنطينة في 12 من مايو 1956م التي كانت أول عملية صهيونية للموساد على أرض الجزائر الطاهرة بهدف دفع الشباب اليهود لتحقيق حلم إسرائيل الكبرى من خلال قتل الجزائريين المدنيين العزل، لم تكن هذه الحادثة بداية النشاط الصهيوني في الجزائر الذي سنخصص له تباعًا مقالاً خاصًا بإذن الله.
بعد مؤتمر الصومام في 20 أغسطس 1956 وبعد الموقف المبهم من طرف الحاخام الأكبر في الجزائر وجهت قيادة الثورة نداءً رسميًا للطائفة اليهودية في غرة أكتوبر 1956م فحواه: “إنّ جبهة التحرير الوطني وهي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الجزائري تعتبر أنّ من واجبها أن تتوجه مباشرة للمجموعة اليهودية لتطلب منها التأكيد بصورة علنية انتماءها إلى الأمة الجزائرية” وهذا حسب رواية محمد لبجاوي في كتابه “حقائق حول الثورة الجزائرية”.
لقد دفعت الحركة الصهيونية بكل قواها في أثناء الثورة الجزائرية بهدف إجهاضها، فأرسلت في بدايات الثورة التحريرية مبعوثَها جاك لازاروس إلى مدينة الجزائر ليؤسِّس اللجنة اليهودية الجزائرية للدراسات الاجتماعية (CJAES) التي كانت سياسيةً جدًّا رغم تظاهرها بالعكس، وتولتْ مهمة الاستيلاء على تمثيل اليهود ومزاحمة النُّخب الدينية والمجالس المِلِّية اليهودية في هذا المجال لتفرض عليها تدريجيًا توجهًا سياسيًا مُتَصَهْيِنًا، لذا، عندما طَلبتْ الثورة من اليهود الالتحاقَ بها لم يعد حينها الحِبْرُ الأعظم المتردِّد المُمَثِّلَ الوحيد ليهود الجزائر كما كان في السابق، بينما بدا موقف جاك لازاروس واضحًا جليًا وهو أن اليهود فرنسيون ولا يمكنهم “خيانة” فرنسا.
قامت المنظمة الإرهابية بعمليات قتلٍ عشوائي من أجل القتل فقط التي أدت إلى إجلائهم من الإقليم في القرن العاشر هجري، الخامس عشر للميلاد، بهدف إفشال اتفاقية وقف إطلاق النار التي مهدت لتحرير واستقلال الجزائر
وفي وقتٍ لاحق أجمعت النُّخب الممثِّلة لهم على الوقوف إلى جانب فرنسا بحجة أنه لا يمكن التخلي عن “أمِّهم” مثلما فعل الأديب ألْبِيرْ كَامُو، بل ذهب بعضُهم، وهم أقلية، إلى الانخراط في الاعتداءات المسلحة الإرهابية إلى جانب المنظمة المسلحة السرية (OAS) وتنفيذ اعتداءات همجية ضد الأهالي المسلمين والفرنسيين الموالين لاستقلال الجزائر، بمن فيهم يهود على غرار الشيوعي ويليام ليفي في باب الوادي في مدينة الجزائر، وضد الراغبين في الرحيل.
وقامت المنظمة الإرهابية بعمليات قتلٍ عشوائي من أجل القتل فقط التي أدت إلى إجلائهم من الإقليم في القرن العاشر هجري، الخامس عشر للميلاد، بهدف إفشال اتفاقية وقف إطلاق النار التي مهدت لتحرير واستقلال الجزائر.
ختامًا نقول أن التاريخ يتكلم فلا يترك مجالاً للحديث من ورائه عن حجم الخيانة الذي خلده اليهود الصهاينة في سجل تاريخ الجزائر التي خرجوا منها دون رجعة لعلمهم بالبذرة الخبيثة التي زرعوها في أرض طيبة طاهرة.
وتجعلنا هذه الأحداث التي اهتممنا ببعضها عن غيرها من المئات من الأحداث لشرح حجم الرفض الذي يكنه الجزائريون لهذا الكيان العدو ليوم القيامة، بهذا نكون قد شرحنا بُعدًا آخر من الإبعاد التي دفعت وتدفع بالجزائر للعمل لتحرير المسجد الأقصى بهدف عودة الإسلام لقيادة العالم قيادة صادقة صحيحة عبر طريق العبودية لله الواحد الأحد.