الخطوات الأولى للمرأة العربية في الحياة السياسية

تكاد تخلو صفحات التاريخ من أسماء النساء السياسيات في العالم العربي، فالمرأة العربية لم يُرحب بها في عالم السياسية بسهولة وكان ينبغي عليها أن تبدأ من الصفر لتحصل على حقوقها في المجال السياسي، فالأفكار الاجتماعية والثقافية المحافظة حصرت مشاركة المرأة في أدوار معينة وضمن إطار محدد لا يمكن تجاوزه.
بعد محاولات مستمرة لعدة عقود استطاعت المرأة أن تكوْن لنفسها قضية تطالب من خلالها بحقها في الوجود في جميع مناحي الحياة السياسية، حتى أدرجت مختلف الدول قوانين تضمن حقوقهن بشكل شرعي وكامل، لكن قلة الأصوات المتحدثة عن المرأة العربية ودورها في هذا المجال جعلت المرأة تبدو في الصفوف الأخيرة إلا أن بعضهن استطعن أن يحققن نجاحات فريدة.
من أبرز النساء العربيات اللواتي استطعن أن يحققن نقلة نوعية في الحياة السياسة:
العراقية “نزيهة الدليمي”
في منتصف الأربعينيات، بدأت نزيهة الدليمي بتحقيق طموحها السياسي، فكانت بداياتها حافلة بالنضال والمناصرة، تقول الدليمي في إحدى المقابلات: “لم أفهم معنى كلمة سياسة حتى عام 1941، عندما حدث انقلاب عسكري في العراق واعتقد حينها الشعب العراقي أن الاستعمار البريطاني سينتهي، فنزلت إلى ساحة المدرسة أهتف علنًا ضد هذا الاستعمار، لتنصحني مديرة المدرسة بأن ابتعد عن السياسة”، وتضيف الدليمي “أعتقد أن هتافي هذا كان أول نشاط سياسي أقوم به”.
تجربة الدليمي السياسية واسعة ومليئة بالانتصارات والتقلبات، أول نشاط سياسي حقيقي للدليمي كان من خلال انضمامها لحزب مكافحة الفاشية والنازية، حتى أصبحت الدليمي عضوًا في الهيئة الإدارية للحزب وهي لا زالت طالبة.
تقول الدليمي: “الجيدين من رفاقي كانوا في السجون والنضال التهم أجمل سنوات عمري”.
بعد أن تم إغلاق هذا الحزب توجهت الدليمي إلى حزب التحرر الوطني، ومن ثم انضمت إلى الحزب الشيوعي، ومن خلال هذا الحزب عرفت الدليمي مبادئ وأفكار الحزب ودافعت عن أهدافه وقضاياه الوطنية.
أسست الدليمي رابطة الدفاع عن حقوق المرأة العراقية والتي كانت أهدافها النضال من أجل التحرر الوطني والسلام العالمي والدفاع عن حقوق المرأة العراقية، في عام 1960 بُدل اسم الرابطة إلى رابطة المرأة العراقية ومع انضمام 42 ألف عضو أصبحت هذه الرابطة هي صوت النساء العراقيات.
عالميًا، شاركت نزيهة الدليمي بمؤتمر نسائي في كوبنهاجن عام 1953 لأول مرة وبعد مشاركتها الفعالة أصبحت عضوًا في الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي، ومن ثم انتخبت نائبته، تقديرًا لمشاركاتها السياسية المتتالية ودورها المهم في الاتحادات النسائية والنشاطات الوطنية المتنوعة وبروز اسمها محليًا وعالميًا، تولت الدليمي منصب أول وزيرة عراقية لتصبح أول امرأة وزيرة في العالم العربي، واصلت الدليمي جهودها حتى عام 2002 لكن المرض كان العاقبة الأخيرة في طريقها السياسي.
تقول الصحفية والكاتبة أنعام كجه خلال مقابلتها للدليمي عن سبب عدم زواجها وتطوعها بشكل كامل للنضال فكانت إجابة الدليمي: “لأن الجيدين من رفاقي كانوا في السجون والنضال التهم أجمل سنوات عمري”.
المصرية “حكمت أبو زيد”
في الثلاثينيات، كانت أول خطوة سياسية لحكمت أبو زيد من خلال ثورة طلابية ضد الإنجليز، الأمر الذي أثار غضب السلطات مما أدى إلى فصلها من مدرستها لتنتقل إلى مدرسة أخرى في مدينة الإسكندرية، انضمت أبو زيد إلى العديد من فرق المقاومة الشعبية وتدربت عسكريًا وشاركت في المعارك العسكرية.
يذكر أن أبو زيد ظلت عشر سنوات خارج مصر وعادت في عهد الرئيس السابق حسني مبارك.
عام 1962 تم انتخابها كعضو في اللجنة التحضيرية للمؤتمر القومي وفي أول الستينيات تم تعيينها وزيرة للشؤون الاجتماعية، لتصبح ثاني سيدة في العالم تتولى منصب وزيرة بعد نزيهة الدليمي، يذكر أن تعيينها تم من قبل الرئيس المصري جمال عبد الناصر، تقول أبو زيد: “عندما أعلنت الوزارة أن هناك امرأة جديدة ستعين في الوزارة لم تحدث فرحة كبيرة في المجتمع، لكن كان هناك دهشة كبيرة من الرجال والنساء”.
ساهمت أبو زيد في وضع قانون 64 الذي نص على تنظيم عمل الجمعيات الأهلية، وعند وقوع هزيمة 1967 كلفها الرئيس عبد الناصر بالرعاية الاجتماعية لأسر الجنود المصريين وأطلق لقب “قلب الثورة الرحيم”.
في عهد الرئيس أنور السادات تم نفي أبو زيد من مصر لتتجه للعيش في ليبيا بسبب الاختلافات المستمرة مع الرئيس واعتراضها على معاهدة السلام مع إسرائيل، قالت أبو زيد في هذا الخصوص: “لم يتم حرماني من الجنسية المصرية، لكنهم لم يعطوني جواز سفري المصري”، يذكر أن أبو زيد ظلت عشر سنوات خارج مصر وعادت في عهد الرئيس السابق حسني مبارك.
الفلسطينية “انتصار الوزير”
أصدر المجلس التشريعي الفلسطيني قرارًا عام 1997 ينص على حق المرأة في التصويت والترشح في فلسطين، في عام 2004 أصدر قرار ينص على أن 20% من مقاعد المجلس للنساء.
دخلت الوزير حركة التحرير الوطني الفلسطيني عام 1956 كأول امرأة فلسطينية ومن ثم تم اختيارها كعضو في اللجنة المركزية، وبعد عام من تصدر قرار حق الانتخاب والترشح، عينت انتصار الوزير أول وزيرة في السلطة الوطنية.
يذكر أنها كانت زوجة الشهيد خليل الوزير أبو جهاد الذي تم اغتياله عام 1988، حاليًا تترأس الوزير الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، وأيضًا سفيرة لدولة فلسطين في ألمانيا.
التونسية “فتحية مزالي”
يذكر التاريخ أن المرأة التونسية من أوائل النساء العربيات اللواتي حصلن على حق الانتخاب والترشح لتسبق بذلك العديد من الدول العربية والغربية، وذلك عام 1956.
حققت فتحية مزالي نجاحات سياسية سباقة، فكانت من أبرز مؤسسات الاتحاد القومي النسائي التونسي، عام 1974 كلفها الرئيس الحبيب بورقيبة بإعادة تنظيم وتشكيل الاتحاد، بين عامي 1957 و1960 عُينت مزالي مستشارة ببلدية العاصمة تونس، ومن ثم دخلت اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي الدستوري، وعينت عضوة في الديوان السياسي وهي أعلى هيئة قيادية في الحزب.
انتخبت مزالي كعضوة في مجلس النواب التونسي وكانت بذلك أول امرأة تدخل البرلمان، عام 1983 تولت مزالي منصب وزارة العائلة وشؤون الأسرة وكانت أول امرأة تدخل الحكومة التونسية.
السورية “نجاح العطار”
سُمح للمرأة السورية بالتصويت عام 1949 لتبدأ مشوارها السياسي ولتحقق مشاركات نوعية في السياسة، ألمع الأسماء السورية اسم نجاح العطار التي حققت نجاحًا في المجال الأدبي والسياسي.
بدأت العطار المشوار الأدبي الطويل ونشاطها في اللجان والملتقيات الثقافية والسياسية في عهد الرئيس حافظ الأسد ليتم تعيينها كوزيرة للثقافة في البلاد عام 1976، خلال شغل العطار لهذا المنصب، أنجزت العديد من الترجمات ونشرت كتابات فكرية وثقافية، وكانت في نفس الوقت عضوًا في المكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب، وعضوًا في المجلي الأعلى لرعاية الفنون والآداب.
إضافة إلى ذلك، قامت العطار بإنشاء مشاريع كبيرة لتأسيس العديد من المكتبات والمسارح الفنية والمعاهد الموسيقية، عام 2006 عين الرئيس بشار الأسد العطار نائبة له لتصبح أول امرأة عربية تتولى هذا المنصب.
الأردنية “أنعام المفتي”
هي أول امرأة يطلق عليها لقب معالي من النساء الأردنيات، نجاحات المفتي متعددة وكان معظمها في صالح الحركة النسائية وتمكين دور المرأة في المجتمع.
أول نشاط للمفتي كان عام 2003 عندما دخلت إلى مجلس الأعيان وضغطت لسن تشريعات جديدة تدمج المرأة الأردنية في مجالات مختلفة، السر خلف هذا الإصرار هو اعتراض بعض أقارب المفتي على إكمال تعليمها، الأمر الذي جعلها تتمرد وتتأثر بقضية حق التعليم للفتيات.
العام التالي كان الأهم، وذلك لأنه تم تعيينها كأول وزيرة أردنية في تاريخ المملكة الأردنية.
بعد عدة أعوام من انتهاء دراستها وزواجها، توجهت المفتي لتعمل في المؤسسات والمعاهد التعليمية، في الستينيات عينت المفتي مديرة لمعهد تدريب المعلمات وكانت أول سيدة أردنية تدير معهدًا.
عام 1977 كان عام التفوق، إذ تم اختيارها كمسؤولة في وزارة العمل ومن ثم عضوًا في المجلس الوطني الاستشاري، لكن العام التالي كان الأهم، وذلك لأنه تم تعيينها كأول وزيرة أردنية في تاريخ المملكة وذلك من قبل رئيس الوزراء السابق الشريف عبد الحميد شرف.
من خلال منصبها كوزيرة استطاعت المفتي أن تسلط الضوء على أهم القضايا الاجتماعية وتدفع المرأة الأردنية والعربية للمشاركة في مجالات مختلفة، وبعد انتهاء فترة عملها في الوزارة عام 1984 عينت المفتي سفيرة لوزارة الخارجية.