ترجمة وتحرير نون بوست
حولت الحروب الأهلية كلا من العراق وليبيا واليمن إلى بقايا دول. فقد أصبحت هذه البلدان الأربعة، التي ترزح تحت وطأة العنف والدمار المستمر، عبارة عن بؤر توتر في حين اكتسحت المجاعة كل أرجائها. ونتيجة لذلك، أصبح وضع المواطنين مأساويا بشكل فاق كل التوقعات.
منذ اندلاعها سنة 2011، أودت الحرب السورية بحياة 340 ألف شخص كما دفعت نصف الشعب السوري إلى فرار خارج البلاد. أما في العراق، فلا يختلف الوضع كثيرا، حيث خلفت الحرب الأهلية الدائرة بين السنة والشيعة بين سنة 2006 و2008 حوالي 180 ألف قتيل. وإثر انسحاب القوات الأمريكية سنة 2011، بلغ عدد الضحايا في الفترة الممتدة بين سنة 2011 وسنة 2016، حوالي 220 ألف شخص.
والجدير بالذكر أن انسحاب القوات الأمريكية من العراق قد ساهم في بروز تنظيم الدولة الذي استغل الصراع القائم بين السنة والشيعة للإعلان عن قيام دولة الخلافة، التي تهدف لمكافحة الأنظمة القومية في الشرق الأوسط وأوروبا.
خلال سنة 2016، كشفت تقرير التنمية الإنسانية العربية عن مدى كارثية الوضع في العالم العربي، حيث أكد أن معظم الحكومات العربية لم تستفد بشكل فعلي من ثورات الربيع العربي، التي أدت إلى سقوط الديكتاتوريات في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن. ففي أعقاب الثورات التي شهدتها بلدانهم، تقاعست الحكومات العربية عن اتخاذ الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية الكفيلة بالقضاء على المشاكل التي كانت السبب وراء انتفاض الشعب العربي في المقام الأول. وتجدر الإشارة إلى أن العالم الغربي قد علق آمالا كبيرة على الربيع العربي.
في الحقيقة، تعتبر الإحصائيات التي قدمها هذا التقرير صادمة، إذ أن خمس دول عربية فقط كانت تشهد اضطرابات شعبية خلال سنة 2002. في المقابل، وفي سنة 2016، ارتفع عدد الدول العربية، التي تعيش حالة من عدم الاستقرار، إلى 11 دولة. ومن المرجح أن يرتفع هذا العدد إلى 22 دولة بحلول سنة 2020، وذلك وفقا للتقرير الصادر عن الأمم المتحدة.
وعلى الرغم من أن الشعب العربي يمثل 5 بالمائة من إجمالي عدد السكان في العالم، إلا أن 45 بالمائة من العمليات الإرهابية قد نفذها أشخاص من أصول عربية. بالإضافة إلى ذلك، توفي 68 بالمائة من الشعب العربي خلال الحروب، في حين فضل 45 بالمائة من السكان العرب اللجوء إلى الهجرة الداخلية، بينما هاجر 58 بالمائة من المواطنين العرب إلى أوروبا. وفي الوقت الراهن، توشك معظم الدول العربية باستثناء دول الخليج على الدخول في حالة انهيار اقتصادي واجتماعي، حيث أن أغلب الدول الواقعة بين المغرب والبحرين تشهد، بدرجات متفاوتة، حالة من التدهور السياسي والاقتصادي.
في واقع الأمر، يكافح المواطن العربي من أجل تجاوز الأزمة الاقتصادية، التي قوضت كل أحلامه في بلوغ مستقبل أفضل. ويعزى السبب وراء ذلك إلى الانفجار الديمغرافي الذي تعاني منه كل المنطقة. ففي الثلاثين سنة الأخيرة، تضاعف عدد السكان في كل من العراق واليمن والأردن، في الوقت الذي أصبحت فيه مواطن الشغل محدودة. وفي ظل هذه الأوضاع المتردية، أصبح الشباب العربي يضمر العداء والكراهية تجاه النخبة الحاكمة، مما أدى إلى حدوث العديد من أعمال العنف في عدة دول عربية.
في الوقت نفسه، تفشت العديد من الظواهر السيئة على غرار الرشوة والفساد في صفوف الطبقة الحاكمة. وفي الأثناء، لم يبادر الحكام العرب باتخاذ أية إصلاحات جدية في سبيل تكريس الديمقراطية في صلب دزلهم، وذلك خوفا من تراجع سلطتهم. فعوضا عن محاولة امتصاص غضب الشعب، جابه الحكام العرب المواطنين بشتى الممارسات القمعية وخاصة المعارضين. أما بالنسبة لتنظيم الدولة، فقد كان أكبر مستفيد من الوضع المتردي في العالم العربي، حيث تمكن من استغلال ثورة الشباب لاستقطاب المزيد من الأنصار.
وفي هذا الإطار، لا بد أن نطرح التساؤل التالي: ما هو موقف الدول الغربية في ظل الانهيار الذي يشهده الشرق الأوسط؟
في الحقيقة، كان موقف الدول الغربية مخيبا للآمال، حيث عكفت النخب السياسية والإعلامية الغربية على التشدق بفكرة نشر الديمقراطية في حين همشت كل الحقائق المرعبة الأخرى. فقد تغاضت هذه النخب عن مدى هشاشة الأنظمة القومية التي خلقتها الدول الاستعمارية في الشرق الأوسط، خاصة وأن الدول العربية مسيرة من قبل مجموعة من الحكام الذين اتسموا بالسطوة والعنف. فضلا عن ذلك، تناست هذه الأطراف أن بعض الدول العربية ترزح تحت وطأة العديد من الصراعات بين المجموعات العرقية المتناحرة.
ومن المثير للاهتمام أن سقوط الأنظمة الحاكمة في كل من العراق وليبيا واليمن قد كشف عن حقيقةمفادها أن كل ديكتاتور يحاول التوفيق بين مجموعات متناحرة بالقوة مصيره الفشل والزوال. علاوة على ذلك، برهن الوضع المتدهور في دول الربيع العربي على مدى سذاجة الدول الغربية التي علقت آمالا واهية على هذه الدول.
عموما، اعتقدت الدول الغربية أن العالم العربي قادر على تكريس النموذج الغربي للديمقراطية، بمجرد تأمين الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي لهذه الدول. خلافا لذلك، فشل التدخل العسكري الغربي في العراق وليبيا في تحقيق أهدافه المرجوة، على الرغم من أنه قد ساهم بشكل واضح في تنحية رؤساء مستبدين. ولكن، بدلا من أن تتحسن الأوضاع في هذه الدول، ازدادت سوءا.
من جهة أخرى، عجزت قوى المجتمع المدني في معظم الدول العربية، باستثناء تونس، عن بلوغ مآربها الرامية لتكريس الانتقال الديمقراطي. في المقابل، تمكن المدونون من جذب انتباه الدول الغربية عندما ثاروا ضد الأنظمة الديكتاتورية، على الرغم من أنهم لم يتمكنوا من تأطير الحركات الاحتجاجية نتيجة غياب الدعم الشعبي.
من ناحية أخرى، لا تزال ملامح السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط غير جلية، على الرغم من مرور ثلاثة أشهر على تنصيب الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بصفة رسمية. وقد ازداد غموض سياسة البيت الأبيض خاصة إثر الغارة الأمريكية التي استهدفت مطار الشعيرات السوري. وفي هذا الصدد، أفاد ترامب أن الضربة كانت بمثابة رد فعل على الهجوم الذي استخدام خلاله غاز السارين الذي استهدف بلدة خان شيخون، مع العلم أن هذا الهجوم قد أدى إلى توتر العلاقات الأمريكية الروسية.
وفي هذا الإطار، لسائل أن يسأل كيف سيكون وضع بعض الدول العربية سنة 2027؟
في الحقيقة، واصلت الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة دونالد ترامب سياسة الانسحاب العسكري والسياسي من الشرق الأوسط التي انتهجها الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما. وبالتالي، أصبح عهد الهيمنة الأمريكية من الماضي. من ناحية أخرى، كرست الولايات المتحدة الأمريكية كل إمكانياتها العسكرية ونفوذها السياسي في سبيل القضاء على تنظيم الدولة وحماية حلفائها على غرار إسرائيل ومصر والأردن دول الخليج.
في ظل توطد العلاقات مع موسكو، توصل ترامب ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، إلى اتفاق بشأن سوريا يقضي ببقاء الأسد في السلطة، وذلك وفقا لمبدأ اختيار “أهون الشرين”. فمن الواضح أن الرئيس الأمريكي يخشى أن يترتب عن سقوط نظام الأسد تعمق الأزمة في بلاد الشام، وبالتالي تنامي نفوذ تنظيم الدولة في كل من دمشق وبيروت وعمان. من جهة أخرى، يندرج هذا الاتفاق الروسي الأمريكي في إطار السياسة الخارجية الواقعية للرئيس الأمريكي تجاه الشرق الأوسط، حيث اقتنع أن سقوط الأسد باستخدام القوة لن يجدي نفعا.
تدفق اللاجئين وتصدير الإرهاب
تنازل ترامب عن كل الصلاحيات التي تحظى بها الولايات المتحدة في سوريا لصالح بوتين. وفي الأثناء، اقتصر النفوذ الأمريكي في سوريا على الجزء الشمالي من البلاد الذي يسيطر عليه الأكراد، الذين يعتبرون في حاجة ماسة للدعم الأمريكي في مواجهة تنظيم الدولة. من جانب آخر، تدعم روسيا وإيران النظام السوري على المستوى العسكري والمالي والسياسي. من الواضح أن النظام السوري قد وضع يده على جميع المدن الكبرى والمناطق الصناعية.
من جانبها، تواصل قوات المعارضة السنية حربها ضد النظام السوري بدعم مالي وعسكري من المملكة العربية السعودية. ومن المتوقع أن تتحول هذه الحرب إلى حرب عصابات في موفى سنة 2027. وقد تخلف هذه العاصفة قرابة 1.3 مليون قتيل، فضلا عن أنها ستؤدي إلى فرار قرابة 14 مليون مواطن سوري إلى الخارج.
وفي شأن ذي صلة، أحيى ترامب الشراكة السياسية والعسكرية مع المملكة العربية السعودية بعد أن علقها سلفه أوباما. في المقابل، ارتفعت حدة التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، حيث فرض ترامب عقوبات اقتصادية ومالية جديدة بتعلة أن طهران تمثل أبرز داعم للإرهاب، علما وأن إيران قد حققت انتعاشا اقتصاديا بعد أن وقعت اتفاقا نوويا مع الدول الغربية. وفي الوقت الراهن،تعيش إيران صراعا على السلطة بين المتشددين والإصلاحيين، الأمر الذي نتج عنه سيطرة التيار المتشدد على المشهد السياسي الإيراني. وتجدر الإشارة إلى أن إيران تعيش مسارا ثوريا على مستوى سياستها الداخلية والخارجية.
في سنة 2022، من المتوقع أن تلغي إيران الاتفاق النووي وأن تستأنف برنامجها النووي، وذلك بعد أن يستنزف ترامب كل قواها. ومن المرجح أن عواقب مثل هذه الخطوات ستكون وخيمة، حيث سينطلق سباق تسلح بين المملكة العربية السعودية وإيران، مما قد يؤدي إلى ارتفاع حدة التوتر بين البلدين الأمر الذي سينتهي بنشوب حرب مفتوحة بين البلدين. ومن هذا المنطلق، يمكن القول أن سياسة الاحتواء التي انتهجها ترامب تجاه إيران فاشلة تماما نظرا لأنها تتعارض مع الهدف الرئيسي الذي قد وضعه آنفا والمتمثل في تدمير تنظيم الدولة.
وفي السياق ذاته، من المؤكد أن التعاون غير الرسمي بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران قصد مكافحة تنظيم الدولة، الذي أعلن عنه أوباما، سيعلق في عهد ترامب. في المقابل، أخذ تنظيم الدولة يلتقط أنفاسه بعد الغارات الجوية المكثفة التي شنتها القوات الأمريكية على معاقله لا سيما وأن واشنطن تحاول تجنب شن غارات برية خلال حربها ضد التنظيم. والجدير بالذكر أن تنظيم الدولة يتقن جيدا الدفاع عن نفسه. فعلى الرغم من أنه قد طرد من الموصل، إلا أنه يتمتع بنفوذ في كل من شمال العراق وشرق سوريا، فضلا عن أن بإمكانه التوسع في ليبيا.
من جهة أخرى، أوشكت الدول العربية الموالية للغرب على غرار الأردن ولبنان على الانهيار نتيجة تنامي العمليات الإرهابية وتدفق موجات كبيرة من اللاجئين. في الوقت نفسه، ساهم موقف ترامب من الاستيطان الإسرائيلي ومن حل الدولتين في ارتفاع حدة الصراع الإسرائيلي والفلسطيني، بالإضافة إلى اختفاء القوى المعتدلة بمنظمة التحرير الفلسطينية من الساحة السياسية.فقد ذهبوا ضحية الشعب الغاضب بأمر من القيادات المتطرفة بحركة حماس وتنظيم الدولة. وعلى ضوء هذه المعطيات، من المتوقع أن تتنامى أعمال العنف في إسرائيل بشكل غير مسبوق.
أما في مصر، فلا يختلف الوضع كثيرا، فمن المتوقع أن يبلغ عدد السكان في مصر قرابة 105 مليون نسمة بحلول سنة 2027. ومما لا يخفى على أحد أن النظام المصري القمعي في عهد السيسي قد قسم الشعب إلى موالين وأعداء. وفي ظل هذه الظروف، استغل تنظيم الدولة حالة الفوضى حتى ينشر عناصره في شمال سيناء ويشكل العديد من الخلايا الإرهابية في كل المدن الكبرى المطلة على وادي النيل.
وفي الأثناء، استغل التنظيم المتطرف اكتظاظ السجون المصرية بأنصار حركة الإخوان المسلمين حتى يوسع من قاعدته الشعبية. من جهة أخرى، أدى تنامي العمليات الإرهابية تجاه مسؤولين رفيعي المستوى إلى اهتزاز ثقة الشعب المصري في مدى قدرة الحكومة على تحقيق الاستقرار.
وفي الإطار ذاته، تسببت العمليات الإرهابية التي استهدفت السياح وقناة السويس، التي تلعب دورا بارزا في التجارة العالمية، في تدمير أهم دعائم الاقتصاد المصري. وبالتالي، ارتفعت نسبة البطالة كما هاجر عدد كبير من المصريين إلى أوروبا. ونتيجة لذلك، تحولت مصر من بلد مستقطب للاجئين إلى مصدر للمهاجرين، حيث عمد الشباب المحبط إلى الانتقال إلى ليبيا ومن ثم الهروب نحو أوروبا عن طريق القوارب.
من المرجح أن جل منطقة الشرق الأوسط ستبقى تحت وطأة الفوضى والإرهاب إلى حدود موفى سنة 2027. وسيترتب عن ذلك انتشار ظاهرة اللجوء، فضلا عن إمكانية تسلل الإرهابيين إلى كل أنحاء المنطقة، الأمر الذي لا يهدد استقرار العالم العربي فحسب، بل أيضا أمن الدول الغربية.
المصدر: تسايت