رغم الإجراءات المتبعة من قبل سلطات دول شمال أفريقيا ودول جنوب الصحراء للحدّ من تهريب البنزين عبر حدودها، ما فتئت هذه التجارة تزدهر أكثر فأكثر، حتى باتت مصدر عيش آلاف الأسر في المناطق الحدودية لهذه الدول لما تدرّه من أرباح طائلة لهم.
تجارة مزدهرة
تمثّل كل من ليبيا والجزائر ونيجيريا، المورد الرئيسي لحركة النفط في منطقة شمال أفريقيا ودول جنوب الصحراء، فيما تعتبر تونس والمغرب والبنين أبرز المستقبلين للنفط المهرّب من هذه الدول الثلاثة. وتكتسي تجارة الوقود المهرب في هذا البلدان غطاءً اجتماعيا حيث توفر هذه التجارة فرص عمل لآلاف العاطلين عن العمل، ما يضع الحكومات بين سندان المطالبين بالتنمية ومطرقة مقاومة التهريب.
تحول تهريب المحروقات عند آلاف المواطنين التونسيين والمغربيين والبنينين خاصة متساكني الحدود إلى مهنة رسمية ومصدر رزق لمن لا دخل له
وتنتعش في هذه الدول تجارة المحروقات المهربة من ليبيا والجزائر ونيجيريا أمام أنظار السلطات الرسمية المتغاضية عن هذه الظاهرة التي وفرت مواطن شغل للعديد من الشباب العاطل عجزت على توفيرها الحكومة، وبقيت بمثابة صمّام أمان للسلم الاجتماعي في هذه البلدان. وتحول تهريب المحروقات عند آلاف المواطنين التونسيين والمغربيين والبنينين خاصة متساكني الحدود إلى مهنة رسمية ومصدر رزق لمن لا دخل له، يكفي أن يكون لديك سيارة رباعية الدفع لتصبح مهربا وناشطا على الحدود حيث توجد شبكات التهريب المتخصصة والمنظمة.
سيارات تهريب البنزين
وتبدأ رحلة المهربين، عادة، كل يوم منذ الساعات الأولى من الصباح حيث يحمل المهرّب في سيارته رباعية الدفع ما بين 200 و240 وعاء بلاستيكي يسع كل واحد منهم 20 لترا، وفي الطريق يلتقي بالعشرات ممن يزاولون نفس المهنة لتكون وجهتهم واحدة الشريط الحدودي حيث يجدون مهربين من الدولة المنتجة ممن يتكفلون بتهريب المحروقات من داخل دولهم بأسعار متدنية عن طريق الأحمرة أو الخيول. ورغم تغاضي السلطات الرسمية في أغلب الأحيان عن تجار التهريب لما توفره لهم من موارد مالية عجزت عن توفيرها لهم، فإنها تعمل في مرات أخرى على التصدّي لهؤلاء المهربين عن طريق الدوريات المفاجئة على الحدود.
تونس: خسائر للدولة وربح للمهربين
تصل المرابيح اليومية لصغار المهربين التونسيين المتأتية من تهريب النفط إلى 150 دينارا تونسيا، أي 80 دولارًا، خلال رحلة تتطلب 5 أو6 ساعات ذهابا وإيابا، يملأ خلالها المهرب أوعيته البلاستيكية بالبنزين ثم يعود أدراجه ليقوم بتوزيعها على التجار بالتفصيل الذين يتعامل معهم والذين يتوزعون في نقاط بيع على جوانب الطرقات العامة وكلما بعدت المسافة عن الحدود كلما ارتفع السعر.
بينما تصل أرباح كبار المهربين، يوميا، إلى 80 ألف دولار يوميا، حيث يعملون على نقل النفط على متن شاحنات كبيرة يقع تهيئتها لنقل 6 أو 10 أوعية بلاستيكية كبيرة سعة الواحد منها إمّا ألف أو ألفي لتر، تقوم برحلة أو اثنتين يوميا. وتعمل في تونس أكثر من 800 محطة بيع لمشتقات الوقود والغاز، وتشغل حوالي 15 ألف عامل بشكل مباشر، و60 ألف شخص (بما فيهم عمال محطات البنزين والموزعون والسائقون). وارتفعت وتيرة عمليات التهريب بين تونس وليبيا بعد الإطاحة بنظامي الحكم في البلدين عام 2011، ومع دخول ليبيا في حالة فوضى أضعفت الدولة.
20 ألف شخص يعملون في شبكات التهريب داخل تونس، و64 % يقبلون على شراء المحروقات المهربة
في مقابل ذلك قدر حمادي الخميري، الكاتب العام للغرفة الوطنية النقابية لشركات توزيع النفط في تونس، في وقت سابق، خسائر بلاده من تهريب المحروقات من ليبيا والجزائر بنحو 217 مليون دولار. وأكّد المسؤول النقابي أن 30% من مبيعات المحروقات في السوق المحلية مصدرها قنوات تهريب”، تتم عبر الحدود مع ليبيا والجزائر.
تأثر محطات البنزين بتجارة التهريب
في سياق ذاته، سبق لحسن الزرقوني رئيس شركة “سيغما كونساي” المختص في إنجاز استطلاعات الرأي، أن أكّد استناد إلى دراسة قام بها المركز، أن “20 ألف شخص يعملون في شبكات التهريب داخل تونس، و64 % يقبلون على شراء المحروقات المهربة، نتيجة أسعاره المنخفضة، في حين أن 34 % من مستهلكيه يوافقون على الظاهرة ويشجعون السوق الموازية، والنسبة المتبقية لا تجد غيره في السوق”.
ويؤكد العديد من الخبراء أن توسع نشاط التهريب في المنطقة الحدودية الجنوبية لتونس حوّل مدينة بن قردان التي يشتغل نحو أربعة آلاف شخص من أبناء المنطقة ممن تتراوح أعمارهم ما بين 20 و35 عاما في السوق السوداء والتهريب، حسب بيانات رسمية نشرها البنك الدولي في تقرير حديث، إلى نقطة ارتكاز مهمة في التجارة الموازية، يتمّ فيها تهريب الوقود عبر شبكات محكمة التنظيم حيث تسيطر كل مجموعة على منفذ وتتواصل مع أجهزة الدولة من أمن وجمارك.
خسائر مشتركة
تتكبّد دول المورد الرئيسي لحركة النفط في هذه المنطقة خسائر كبرى، فقد نقل تقرير صادر عن المجلس الأطلسي، وهو مجموعة تفكير أمريكية، أن ما يقارب 660 ألف سيارة في المغرب وتونس تسير بوقود مهرّب من الجزائر، متحدثا عن أن تهريب الوقود من الجزائر نحو المغرب كبير لدرجة أنه يمكن من تغطية حاجات المغرب من استيراد هذه المادة.
وأشار التقرير الصادر مؤخرا، أنّه في عام 2013، جرى تهريب ما يصل إلى 1.5 مليار لتر من البترول الجزائري، غالبيتها وصلت إلى المغرب، وهو تهريب يأتي خاصة بسبب دعم أسعار النفط في الجزائر.
قدّرت الإدارة المغربية خسائرها بحوالي 25% من مجموع المداخيل بسبب هذا التهريب، في عام 2013
وتنتعش تجارة تهريب النفط في المناطق الحدودية بين المغرب والجزائر، ويتوقع خبراء أن تستمر هذه التجارة من الجزائر إلى المغرب لأجل موازنة حاجيات البلاد إلى هذه المادة، ويأتي الوقود من المحطات الجهوية الجزائرية، خاصة في ولاية تلسمان الجزائرية، ثم يتجه إلى مدن وجدة أنكاد ومدينة بركان في المغرب، قبل أن يتم نقل المحروقات بسرعة إلى المدن المغربية الكبرى، ويتم استخدام عدة وسائل نقل لتهريب الوقود في الحدود، منها الحمير والبغال.
وأبرز التقرير أنه في عام 2013 قدّرت الإدارة المغربية خسائرها بحوالي 25% من مجموع المداخيل بسبب هذا التهريب، ومن ذلك التراجع في قيمة ما تستخلصه من ضرائب على السلع الطاقية، كما عانت الجزائر من نقص في الوقود بسبب النسب الكبيرة المهربة نحو المغرب.
خسائر كبرى تتكبّدها السلطات نتيجة هذه التجارة غير الشرعية
من جهتها، كشفت لجنة أزمة الوقود والغاز الليبية، مؤخرا، عن إحصائيات حول تهريب الوقود في المنطقة الغربية عبر الحدود البرية إلى تونس، وأوضحت اللجنة في تقريرها، أنه تم وقف تهريب ما يقرب من 2.67 مليون لتر وقود يوميًا إلى تونس، موضحة أنه يتم يوميا عبر الحدود الليبية التونسية، وعبر معبر ذهيبة تهريب 69 شاحنة وقود محمله بشحنة 40،000 لتر لكل واحده منها بين وقود ديزل وبنزين بأجمالي 2.670.000 مليون لتر يوميا.
كما كشفت اللجنة عن مؤشرات وصفتها بـ “الخطيرة” لكميات الوقود المسحوبة والمهربة لدولتي تشاد والنيجر عبر حدود الليبية الجنوبية، واتسع نطاق تهريب النفط الذي كان تجارة محدودة تشمل عددا قليلا من السيارات المحملة بالبنزين ليصبح نشاطا تديره “عصابات” تقوم بنقل كميات كبيرة من الوقود في شاحنات صهريجية عبر الحدود. وتشير تقارير أن سعر البترول في ليبيا أقل من سعر المياه المعدنية، إذ لا يتجاوز سعر 20 لتر من الوقود في محطات البنزين 1أورو.
البنين تدرس فرض ضريبة على تهريب البنزين
جنوب الصحراء، توجد نيجيريا التي تعتبر نموذجا للدولة الفاشلة في الاستفادة من الثروة النفطية، حتى أن البنك الدولي يصنفها الآن على أنها واحدة من الدول العشرين، الأكثر فقرا في العالم، على الرغم من أنها تنتج أكثر من مليوني برميل نفط يوميا. وتعتبر دلتا النيجر التي يستخرج منها النفط بنسبة 100%، المنطقة الرئيسية لتهريب الذهب الأسود نحو دولة البنين المجاورة. وتمثّل تجارة البنزين غير الشرعية أكثر من 75٪ من استهلاك البنين. وعلى الرغم من نوعيته الرديئة إلا أنه واسع الانتشار في تلك الفترة بسبب سعرهالذي لا يتعدّى 0.40 يورو للتر الواحد مقابل 0.60 في محطات البنزين.
وتدرس حكومة البنين، فرض ضريبة على تهريب البنزين، نتيجة عدم تمكنها من القضاء على هذا النشاط، وتوفّر هذه التجارة فرصة عمل لألاف من الناس ومصدر رزق الاف الأسر، حسب عديد التقارير.