لا يمكن تخيل المملكة العربية السعودية بلا آبار النفط، ولذلك يعتبر اكتشاف النفط على أرضها من أعظم الاكتشافات في التاريخ التي قلبت العالم أجمع رأسا على عقب. يقول المؤرخون أن الاكتشاف النفطي أكسب السعودية ثقل اقتصادي لا مثيل لأهميته في الساحة الدولية. ذلك لأن في العشرينيات من القرن الماضي، كانت السعودية عبارة عن أراضي صحراوية غير مستغلة والعيش فيها صعب لقسوة طبيعة الحياة في الصحاري وبسبب المناخ الجاف.
كانت رحلات الحج والعمرة هي العصب الاقتصادي الرئيسي للسعودية وبعض أعمال الزراعة وتربية الماشية والأغنام. عثر على النفط في أواخر الثلاثينيات وذلك بعد محاولات فاشلة وعديدة ومن جهات مختلفة آملين في العثور على الذهب الأسود من باطن الأرض ليغير ما على وجهها بالكامل.
المحاولة الأولى “فرانك هولمز”
تقدم الضابط البريطاني النيوزيلاندي هولمز إلى السلطان عبد العزيز آل سعود في طلب الحصول على إذن على التنقيب عن البترول وقد تم الترحيب بهولمز للبحث عن النفط عام 1921.
محاولات فاشلة انتهت بالرحيل الصامت إلى البحرين وتوقيف أي نشاطات حفرية.
لُقب هولمز بـ”أبو النفط” ووصف بأنه قوي اللياقة البدنية وذو شخصية قوية. لم يدرس الجيولوجيا إلا أنه استطاع أن يقنع الحكام العرب بمعرفته وخبرته الواسعة بهذا المجال. تعددت مهامه في البحرين وقطر والكويت.
بعد إبرام عقد بين هولمز والسلطان آل سعود، بدأت مسيرة الضابط البريطاني بالتنقيب لكن هذه الرحلة كانت عبارة عن محاولات فاشلة انتهت بالرحيل الصامت إلى البحرين وتوقيف أي نشاطات حفرية.
المحاولة الثانية “شركة سوكال”
بعد أن كانت التوقعات بوجود آبار نفطية سلبية، أمر الملك عبد العزيز باستكشاف آبار المياه الجوفية الموجودة ولتحقيق هذا الأمر تم التعاقد مع تشارلز كرين، رجل أعمال وصاحب خبرة في الهندسة الزراعية ومجال الري.
اكتشاف بئر الدمام كأول الآبار النفطية في المملكة العربية السعودية.
قام كرين بإرسال فريق من المهندسين لدراسة احتمال إيجاد مياه جوفية في السعودية، لكن التقارير كانت تنفي وجود أي آبار للمياه الجوفية وبالمقابل أشارت على فرص وجود آبار نفطية. بعد هذا التكهن مُنحت شركة سوكال إذن التنقيب عن النفط مقابل 50 ألف جنيه إسترليني ذهبي سنوياً.
عام 1933 أسست سوكال شركة أرامكو التابعة لها كي تدير عمليات التنقيب في السعودية، بعد عامين من البحث المستمر تم اكتشاف بئر الدمام كأول الآبار النفطية في المملكة.
بعد هذا الاكتشاف المثير للكثير من الوعود المستقبلية، تم إيجاد آبار إضافية لكن مع الوقت بدأت هذه النتائج بالتحول إلى خيبات أمل وذلك بسبب أن الماء كان يغلب على تكوين هذه الآبار وأن بعضها قد جف تماماً.
المحاولة الثالثة “ماكس ستاينكي”
بعد الفشل المتكرر لم توقف الشركة جهودها في البحث عن النفظ، وإنما استدعت الشركة الجيولوجي الأمريكي ماكس ستاينكي لتوكيله مهمة الدراسة والبحث عن الكنز المنتظر.
غالباً ما كان يتنقل ستاينكي بين ألاسكا وكولومبيا ونيوزيلاندا، لذلك وجد صعوبة في التأقلم مع السعودية. على الرغم من الصعوبات، كان ستاينكي يجتهد في دراسات طبيعة المواقع المرشحة للحفر وكان يقوم برحلات استكشافية واسعة، كسب من خلالها تجربة وخبرة كبيرة عن الطبيعة الجيولوجية للمملكة. بعد ثلاث سنوات من العمل الجاد والبحث المستمر، نجح ستاينكي في العثور على بئر بترول في باطن أرض الدمام وبعد ثلاثة أيام أكد ستاينكي على حقيقة هذا النجاح ليرتفع عدد البراميل المنتجة إلى 3690، وخلال ثلاثة أسابيع انتج ما يعادل 100 ألف برميل من البترول.
بعد أن استوعبت المملكة ثقل هذه الثروة الطبيعية عملت على إنشاء وزارة للبترول عام 1960.
بعد ارتفاع معدلات الإنتاج وتعميق عمليات الحفر في أراضي الدمام، استمرت اكتشافات ستاينكي عن حقول البترول بشكل موسع محققا إنجازاً تاريخياً غير من الملامح السياسية والاقتصادية للعالم.
لم يكتفي ستاينكي بهذا النجاح، فقام بتطوير تقنية الحفر الهيكلي لرسم خرائط جيولوجية تحت سطح الأرض، التي تم استخدامها بشكل فعال في عمليات الاستكشاف النفطي في المملكة. وبسبب هذه التقنية تم الكشف عن أكبر حقل نفط وهو حقل الغوار.
بسبب مهماته الناجحة في علم الجيولوجيا حصل ستاينكي على جوائز شرفية عديدة تمدح جهوده في إيجاد الكنز المدفون من آلاف السنين، مثل جائزة باورز من الجمعية الأمريكية لجيولوجي النفط. خلال الحرب العالمية الثانية بقي ستاينكي في المملكة لإكمال أعماله الحفرية ولحماية الآبار النفطية وتوفي عام 1952.
حتى نهاية عام 2010، تم اكتشاف أكثر من 91 حقل للبترول وغيرها من حقول الغاز، وقدر الاحتياطي العالمي في المملكة بحوالي 20%. بعد أن استوعبت المملكة ثقل هذه الثروة الطبيعية عملت على إنشاء وزارة للبترول عام 1960، وفي نفس العام من شهر سبتمبر انضمت المملكة لمنظمة الدول المصدرة للبترول أوبك، ومنذ ذلك الحين وهي تعمل على تطوير الصناعات النفطية وزيادة الإيرادات المرجوة من العمليات التجارية بين المنتجين والمستهلكين من دول العالم.