بلغت الأزمة الديبلوماسية بين ألمانيا والكيان الإسرائيلي، هذا الأسبوع، إلى مستويات غير مسبوقة بعد أكثر من نصف قرن من علاقات وثيقة وخاصة بسبب المسؤولية الألمانية عن المحرقة المزعومة.
إلغاء لقاء “نتانياهو” مع “غابريال”، يشعل الأزمة
في مؤشّر على تأزم العلاقات بين الطرفين، قرّر “رئيس الوزراء الإسرائيلي”، بنيامين نتانياهو، الثلاثاء، إلغاء لقاء كان مقررا مع وزير الخارجية الألماني سيغمار غابريال بسبب إصرار الأخير على الاجتماع بممثلي منظمتين حقوقيتين إسرائيليتين تتهمهما حكومة نتانياهو بمعاداة “إسرائيل” والعمل على تشويه صورتها في العالم.
يأتي إلغاء الاجتماع على خلفية لقاء غابرييل مع ممثلي منظمات حقوقية ناقدة للحكومة الإسرائيلية
وأكد بيان صادر عن مكتب نتانياهو الذي يشغل أيضا منصب وزير الخارجية أن ” الدبلوماسيين موضع ترحيب، ويمكنهم الاجتماع بممثلي المجتمع المدني، لكن رئيس الوزراء لا يمكنه لقاء من يمنح شرعية للمنظمات التي تدعو إلى تجريم الجنود الإسرائيليين“. ويأتي إلغاء الاجتماع على خلفية لقاء غابرييل مع ممثلي منظمات حقوقية ناقدة للحكومة الإسرائيلية مثل منظمة “كسر الصمت” التي تنتقد سياسة الاستيطان الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، وكان نتنياهو ألمح خلال الأيام الماضية أنه غير موافق على لقاء غابرييل بهذه المنظمات.
تنديد ألماني
رغم تقليل “الجانب الاسرائيلي” والألماني من خطورة هذا القرار على مستقبل العلاقات بين الطرفين، فقد عبّر المتحدث باسم الحكومة الاتحادية شتيفن زايبرت عن أسف المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من الغاء نتنياهو اجتماعه مع وزير الخارجية الألماني، وقال، الأربعاء، نرى أنه لا بد أن يكون ممكنا الالتقاء بمنظمات غير حكومية ناقدة في دولة ديمقراطية دون أن يكون لذلك مثل هذه العواقب”. وأشار إلى أنه دائما ما يكون هناك لقاءات مع ممثلي المجتمع المدني على برنامج المستشارة الألمانية خلال زياراتها أيضا.
ونددت أحزاب من الائتلاف الألماني الحاكم الذي تقوده المستشارة أنجيلا ميركل، وحزبا الخضر واليسار المعارضان بقرار نتينياهو، ووصف نوربرت روتغن القيادي بالحزب المسيحي الديمقراطي الحاكم ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الألماني رفض نتنياهو استقبال وزير الخارجية الألماني بأنه “خطأ من الجانب الإسرائيلي يثير الأسف الشديد”.من جهته، استنكر وزير التعاون الدولي الألماني غيرد مولر ما أقدم عليه نتنياهو مع غابرييل. وقال مولر-المنتمي للحزب المسيحي الاجتماعي الحاكم بولاية بافاريا الجنوبية- إنه حتى القيادة الصينية تقبلت محادثات مسؤولي الحكومات الأجنبية الزائرين لبلادها مع الناشطين الحقوقيين.
وزير الخارجية الألماني سيغمار غابريال
من جانبها، انتقدت معظم الصحف الألمانية إلغاء بنيامين نتنياهو لقائه مع زيغمار غابرييل، وكتبت مجلة “دير شبيغل” الأربعاء إن “المعاملة الخاصة لإسرائيل لأسباب تاريخية بلغت حدها مع حكومة نتانياهو”. وأضافت أن “خطأنا التاريخي لا يمكنه أن يدفع ألمانيا إلى قبول أن الحكومة الإسرائيلية تبتعد أكثر فأكثر عن القيم التي كانت مشتركة حتى الان“.
أما يومية “فرانكفورتر روندشاو“، فقد كتبت تقول: “لم تصل العلاقات الألمانية-الإسرائيلية الخاصة إلى هذا المستوى المتدني من قبل. أُلغيت مشاورات حكومية قبل فترة قصيرة. والآن جاءت هذه الفضيحة على أرفع المستويات الدبلوماسية (…) كما أنّ غابرييل، من طرفه، حاول كثيراً ألا تصل الأمور مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى ما وصلت إليه. الوقوف إلى جانب إسرائيل لا يجب أن يعني الخضوع لرغبات نتنياهو. لم ينحنِ غابرييل أمام نتنياهو. ويستحق هذا الموقف منه الاحترام“.
الخارجية الألمانية أصدرت بيانا، في أعقاب المصادقة على قانون التسوية، شددت فيه على أن الحكومة الألمانية لا تعتقد أن الحكومة الإسرائيلية ملتزمة بحل الدولتين
وتحت عنوان “نهاية سياسة الصوت الخفيض” كتب مارتن ريه في صحيفة “دير تاغستايتونغ”، أن مسؤولية ألمانيا الخاصة تجاه إسرائيل تتضمن الاعتراف بحقها في الوجود ومساعدتها في الدفاع عن نفسها ضد أي اعتداء خارجي. وشدد الكاتب على أن هذه المسؤولية الخاصة لا تعني خفض الصوت مثلما فعلت برلين لسنوات طويلة مع حكومة نتنياهو، أو بتكرار حكومة ميركل التأكيد على أهمية تحريك مفاوضات السلام رغم معرفتها منذ وقت بعيد بأن هذه المفاوضات قد ماتت.
رئيس “الحكومة الإسرائيلية” بنيامين نتانياهو
وسبق للمستشار الألمانية، أنجيلا ميركل، أن قرّرت إلغاء لقاء القمة المرتقب بين حكومتي ألمانيا وإسرائيل، والذي كان يفترض أن يعقد في العاشر من مايو في القدس، بسبب الانتخابات التي ستجري في ألمانيا في سبتمبر المقبل، حسب ما قدمه مكتب المستشارة الألمانية لمكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية، إلا أن مصادر ألمانية وإسرائيلية أشارت إلى سبب آخر، وهو عدم رضا ميركل من ‘قانون التسوية’، الذي يصادر أراضي فلسطينية خاصة لشرعنة الاستيطان عليها، والذي صادق عليه الكنيست بداية شهر فبراير الماضي.
وخلال اللقاء السنوي، الذي كان يجري مرة في برلين، ومرة في القدس، يتم عقد لقاء بين المستشارة الألمانية وبين رئيس الحكومة الإسرائيلية، إلى جانب لقاءات بين وزراء من الحكومتين، وجلسات حكومة مشتركة، وذلك بهدف التشديد على العلاقات الوثيقة، وكانت الخارجية الألمانية قد أصدرت بيانا، في أعقاب المصادقة على قانون التسوية، شددت فيه على أن الحكومة الألمانية لا تعتقد أن “الحكومة الإسرائيلية” ملتزمة بحل الدولتين.
الكيان الاسرائيلي” يرفض وساطة ألمانيا
كان من المنتظر أن يجاهر وزير الخارجية الألماني أثناء لقائه بنتينياهو بمساعيه للتوسط بين “الجانب الإسرائيلي” والفلسطيني لدعم مسار السلام فيما يخص القضية الفلسطينية، إلاّ أنّ السفير الإسرائيلي في ألمانيا ياكوف هاداس-هاندلسمان أعلن قبيل مغادرة زاغمار غابرييل برلين متوجها إلى الشرق الأوسط رفض وساطته بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
ترفض ألمانيا سياسة الاستيطان الاسرائيلي
وقال هاندلسمان لوكالة الأنباء الألمانية إنه يعارض دور الوساطة الألمانية في النزاع القائم في منطقة الشرق الأوسط بين “إسرائيل” والفلسطينيين. وأضاف “لسنا بحاجة لوسطاء، إننا نعرف بعضنا جيدا”.
وفي مارس 2017، بادر الرئيس الفلسطيني محمود عباس بطلب وساطة ألمانية خلال زيارته إلى العاصمة برلين. رغم أن الولايات المتحدة تترأس، في الوقت الراهن، الجهود التقليدية لإيجاد حل فعلي للصراع في الشرق الأوسط، فضلاً عن الطرفين المعنيين فلسطين و”إسرائيل”.