ترجمة وتحرير: نون بوست
أطفأت “إسرائيل” الأنوار وقطعت خطوط الهاتف والإنترنت عن غزة ليلة الجمعة لتغرق المنطقة في الظلام والعزلة قبل اجتياح بري، وفقط من هم بالداخل يعرفون ما يحدث هناك.
في نهاية الأسبوع الماضي، تواصلت مع أحد مصادري الذي تعاملت معه في تقارير سابقة، علمًا أنه وُلد ونشأ في غزة، وسألته عن كيفية تدبّر أسرته حالها في مواجهة حملة القصف. أخبرني أنه حتى الآن قُتل سبعة من أقارب والده، و30 من أقارب والدته. إنها أرقام ليس لدينا القدرة على فهمها. أخبرته أنه إذا كان قادرًا على ذلك، فنحن نرحّب به للانضمام إلى البودكاست الخاص بنا “ديكنستراكتد” لسرد قصصهم. وبعد التفكير في الأمر لبضعة أيام، قرر فعل ذلك وتحدثنا مساء الخميس، في الليلة التي سبقت فقدانه الاتصال بعائلته.
لقد أجريت مقابلة مع مرام لأول مرة من أجل البحث الذي كنت أقوم به من أجل كتابي الجديد عن “الفرقة” واليسار ومعركتهم المستمرة منذ سنوات مع “إيباك” حول إسرائيل وفلسطين. تحولت تلك التقارير إلى مقال نُشر في خريف سنة 2022 حول الدور المشوّه الذي تلعبه لجنة الشؤون العامة الإسرائيلية (ايباك) ولجنة العمل السياسي العليا ذات الصلة – أغلبية ديمقراطية لإسرائيل – في تشكيل وتقييد حدود الخطاب المسموح به في الانتخابات التمهيدية الديمقراطية.
هذا الأسبوع، تصاعدت تلك المعركة إلى مستويات غير مسبوقة من العداء عندما صوّت تسعة ديمقراطيين ضد قرار أدان حماس ودافع عن رد إسرائيل، لكنه لم يذكر شيئًا عن فقدان أرواح المدنيين الفلسطينيين. ووصفهم النائب الديمقراطي جوش غوتهايمر، الخصم الرئيسي للفرقة في مجلس النواب، بأنهم “حقيرون” ردًا على ذلك. وقد شكك الرئيس جو بايدن بشكل صادم في إحصائيات الضحايا المدنيين التي تنشرها المستشفيات في غزة لأنها تمرّ عبر وزارة الصحة، التي تديرها حماس نفسها. ردًا على ذلك، نشرت حماس قائمةً عامة بأسماء وأعمار وأرقام هويّات 6746 شخصًا قُتلوا خلال حملة القصف من بينهم 2664 طفلاً.
لقد رأيت بعض الأشخاص يشكّكون في مصداقية القائمة، لكن مرام قدم لنا قائمة بأسماء أقاربه الذين قُتلوا تم إعدادها قبل أن تنشر حماس بياناتها الخاصة، وهذه الأسماء كلها تظهر في قائمة وزارة الصحة. (لقد وجدنا اسما واحدا مكررا في القائمة، ولم يكن من أقارب مرام، وهو صبي يبلغ من العمر 14 سنة ظهر اسمه مرتين في القائمة. ولهذا السبب، أقول إنها قائمة تضم 6746 شخصًا وليس العدد الذي رأيته في التقارير العامة وهو 6747). سألت مرام ما الذي فهمه من نفي بايدن لدقة الأرقام، فقال إنه يتفق مع بايدن، لكن في الاتجاه الآخر: من غير الممكن أن تُلم المستشفيات بحجم المذبحة لأن العديد من الأشخاص الذين يعرفهم والذين ماتوا في التفجيرات لم يتمكنوا من الوصول إلى المستشفى أو المشرحة.
إهمال حياة الفلسطينيين عمدًا في قرار الكونغرس أو الإشارة إلى أن الأرقام الواردة من غزة لا يمكن الوثوق بها لأن حماس تدير وزارة الصحة، يعكس عدم إكتراث بهذه الأرقام. في الواقع، من المحتمل أن يجعل ذلك الوضع على الأرض أسوأ بكثير، مما يمنح الجيش الإسرائيلي شعورًا بالإفلات من العقاب الذي يأتي من رفض الوفيات باعتبارها مؤامرة من حماس أو أخبارا كاذبة.
يمكنكم العثور على مقابلتي مع مرام على هذا الرابط أو في أي مكان تستمعون فيه إلى البودكاست – فقط ابحث عن “ديكنستراكتد”. ويرجى المشاركة مع أي شخص تعتقد أنه لم يفهم بعد حجم ما يحدث. فلا يمكن أن تبقى الحقيقة مخفية إلى الأبد. وفيما يلي مقتطف قصير من محادثتنا.
مرام الدادة: العدد الإجمالي 46. بالأمس، عندما راسلتني بخصوص هذه المقابلة، تم قصف منزل عمي. كما تم قصف منزل عمتي ومنزل ابن عمي. أعني، بالأمس، كان وقتًا عصيبًا للغاية. لقد اعتقدنا حقًا أن هذا كل شيء. وسوف تندثر الأسرة بأكملها.
رايان غريم: لقد رأيت أخبارًا عن قصف خان يونس خلال اليومين الماضيين، وكنت أفكر بك وبعائلتك في كل مرة.
مرام الدادة: كنت أتحدث مع عمي في محاولة أن أقنعه بالمشاركة في هذه المقابلة. كان يقول لي: “سنموت في هذه الحرب، كما سنموت جميعًا، لكننا لا نعرف متى”. … سأحكي لك قصة صغيرة. بالأمس، كنت أتصل به، لأتحدث معه. وقال “إن قنبلة سقطت اليوم في شارعنا؛ حيث بُترت ساق أحد الأشخاص أمام الجميع وكنا نحاول مساعدته فقط، في انتظار سيارة الإسعاف التي لم تأت. لا يوجد خدمة طوارئ 911، ولا يوجد سيارة إسعاف. لقد انهار نظام الرعاية الصحية وظل ينزف. ووضعه الناس في النهاية في سيارة واقتادوه بعيدًا محاولين نقله إلى المستشفى”. ولا أعرف ماذا حدث بعد ذلك.
وفي قصة أخرى قال: “ليس هناك طعام”. اتصلت ابنة عمي، واتصلت عمتي بعمي، وذهبت – كان ذلك قبل قصف منزلهم – وقالت: “هل لديك طعام؟ هل لديك أي خبز؟” فقال: “دعوني أحاول أن أرى من عنده خبز. ليس لدينا أي شيء لذلك حاولوا الاتصال ووجدوا أن هناك مخبزًا صغيرًا في مدينتنا لا يزال به خبز، فاتصلوا وقالوا: “هل يمكنك من فضلك الاحتفاظ بكيس خبز لنا؟”.
لذلك اتصل بعمتي وقال: “حسنًا، اطلبي من أحمد، ابن عمي، أن يذهب ويحضره”. وأجاب أحمد عمي، وكنت معه على الهاتف، فقال له: “لا أستطيع أن أذهب، لا أستطيع أن أغادر إلى هناك، بسبب الشارع”. شارعنا المسمى جمال عبد الناصر، يمكنك الذهاب لتفقّده، هذا الشارع مسدود بسبب انهيار المباني. “لا أستطيع العبور إلى الجانب الآخر”. لذلك قلت، حسنًا، إنه مجرد موت بطيء، إننا ننتظر الموت فقط؛ فلا يوجد طعام، ويحصلون الآن على الماء خلال أربع ساعات يوميًا، ولا توجد كهرباء. إنه أمر مرعب. ما يحدث هو حرفيًا موت بطيء.
المصدر: انترسيبت