“لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكًا لا يُظلم عنده أحد، وهي أرض صدق؛ حتى يجعل الله لكم فرجًا مما أنتم فيه “
هذا من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن أهل إفريقيا، وإثيوبيا تحديدًا، وهي أول البيانات التي صرحت في التاريخ عن العلاقة بين العرب وإفريقيا، حيث عرف المسلمون الأوائل الأفارقة قبل حتى انتشار الإسلام في القارة، عن طريق العلاقات الاقتصادية والتجارية، كما كانت هناك علاقات سياسية ودينية بين الجزيرة العربية وشرق إفريقيا، فيما كان يُسمى بـ “ساحل الزنج”.
لم يكن الحضور الأفريقي مقتصرًا على العبيد الذين يجلبون من القارة السوداء، بل كانت للحبشة ارتباطات وثيقة باليمن جنوبي الجزيرة العربية، وكان لزنجبار على الساحل الشرقي من القارة ارتباطات تاريخية بسلطة عُمان قبل انتشار الإسلام في كليهما، لذلك لا يدهشنا اهتمام الإسلام الباكر بأفريقيا باعتباره استمرارًا طبيعيًّا لتلك العلاقات التاريخية وتطورًا حتميًّا لها.
فاتخذ المسلمون طريقان للوصول إلى إفريقيا؛ أولهما مائي: وهو طريق باب المندب المحاذي لساحل شرقي أفريقيا، حين كان المسلمون يعبرون البحر الأحمر للتوجه نحو الصومال والحبشة وزنجبار، وتبعًا لذلك كان شرقي أفريقيا متأثرًا في شؤون دينه بالخليج العربي، ويتجلى ذلك في انتشار المذاهب الفقهية والطرق الصوفية التي كان يتمذهب بها سكان الجزيرة.
لم يكن الحضور الأفريقي مقتصرًا على العبيد الذين يجلبون من القارة السوداء، بل كانت للحبشة ارتباطات وثيقة باليمن جنوبي الجزيرة العربية
أما ثانيهما كان بري؛ اتخذه الإسلام للدخول في شمالي وغربي أفريقيا، وهو معبر سيناء الذي اختاره عمرو بن العاص رضي الله عنه لفتح مصر، ولما استتب الأمر لجيوش الإسلام بأرض الكنانة تطلعت إلى فتح شمالي أفريقيا، حيث اتجهت صوب برقة فتونس فالجزائر ثم المغرب، وبعد أن استتب الأمر للإسلام هناك، بدأت تتبلور الدعوة جنوبي الصحراء الكبرى.
لم يتم اعتناق غالبية الشعوب الأفريقية للإسلام عن طريق حملة عسكرية، بل كان عن طريق التجارة والشيوخ والدعاة الرحالة
لم يتم اعتناق غالبية الشعوب الأفريقية للإسلام عن طريق حملة عسكرية ليؤرخ له بسقوط مملكة ما أو دولة ما، أو هزيمة جيوش معادية للمسلمين في واقعة بعينها ليقوم نظام الإسلام على أنقاضها، إنما انتشرت الديانة الإسلامية في تلك المناطق بفعل احتكاك التجار المسلمين بسكانها، وجهود الشيوخ القادمين من شمالي إفريقيا، كما كان بتأثير أوائل الأفارقة المعتنقين للإسلام على المجتمع المحيط بهم، ليستلموا راية نشر الدين بعد الصحابة رضي الله عنهم.
كثر الحديث عن الإسلام في كثير من البلاد الإفريقية التي تجاور الشمال الإفريقي العربي، والذي كان له حظًا أوفر من الثقافة الإسلامية والعربية، وكان لكل من جوارها جغرافيًا حظًا مماثلًا تقريبًا، من توفير معلمين للغة العربية، وبناء وتشييد مساجد ومدارس دينية.
كما سهّل القرب الجغرافي لدول مثل مالي ونيجيريا وتشاد من الشمال الإفريقي من زيادة رحلات العلم من مواطني تلك الدول إلى أعرق الجامعات في شمال إفريقيا، مثل القرويين و الأزهر، ولكن ماذا عن الجنوب وشرق الجنوب الإفريقي؟
يندر الحديث عن المسلمين الأفارقة في الجنوب الإفريقي، في دول مثل بوتسوانا و موزمبيق وناميبا، على الرغم من ازدياد نسبة المسلمين فيهم خلال العقد الماضي، وتأثير ذلك على الحياة الاجتماعية والاقتصادية في تلك المنطقة من القارة الإفريقية.
بوتسوانا
إنها البلد التي تحتوي عدد من الفيلة أكثر من أي بلد آخر، وبعيدًا عن أنها مصدر مهم للألماس الذي جعلها من أغني بلدان إفريقيا، وعلى الرغم من أنه رئيسها “إيان خاما” مُصنف من أكثر الرؤساء عنصرية في العالم، إلا أن بوتسوانا تشهد تواجدًا للمسلمين بحكم كون الإسلام ثالث أكبر ديانة فيها بعد المسيحية والوثنية.
بوتسوانا بلد يقع جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا الجنوبية، كانت محمية بريطانية سابقة تعرف باسم “بيتشوانا لاند”، ولكنها اعتمدت اسمها الجديد بعد أن تم استقلالها ضمن دول الكومنولث يوم 30 سبتمبر 1966.
جغرافيًا يحدها جنوب إفريقيا إلى الجنوب والجنوب الشرقي، وناميبيا إلى الغرب والشمال، وزيمبابوي إلى الشمال الشرقي، وعلى الرغم من أنه بلد ذو كثافة سكانية صغيرة، تبلغ المليون والنصف تقريبًا، إلا أنها من أعظم قصص التنمية الناجحة في العالم، فبعد استقلالها كانت بوتسوانا واحدة من أسرع معدلات النمو في نصيب الفرد من الدخل في العالم.
حافظت بوتسوانا على سياسة مالية سليمة بسبب توفر الصناعات المعدنية وانتشار مناجم الألماس في البلد، واكتشاف كمية كبيرة من اليورانيوم
بسبب توفر الصناعات المعدنية وانتشار مناجم الألماس في البلد، واكتشاف كمية كبيرة من اليورانيوم في 2010، لتحافظ بوتسوانا على سياسة مالية سليمة ومستوى متدن من الديون الخارجية، كما جعل منها النظام المصرفي أحد أكثر الدول تقدمًا في إفريقيا.
الإسلام في بوتسوانا
كعادة الجنوب وشرق الجنوب الإفريقي، جاء الإسلام عن طريق التجار القادمين من الهند، فكان التاجر يعمل عمل الداعية والشيخ والإمام، فكان المسلمون قلة في بوتسوانا التي يغلب عليها الدين المسيحي، وعلى الرغم من أنهم قلة، إلا أن المسلمين في تزايد مستمر، يظهر هذا من جهودات العمل الإسلامي هناك.
وصف ابن بطوطة في رحلته إلى بر الزنج في القرن الثامن الهجري أحوال المدن الإسلامية في ساحل شرقي أفريقيا وأشاد بازدهارها
خلفيات العمل الإسلامي في بوتسوانا
هناك عدة هيئات إسلامية تعمل على دعم نشر الدين الإسلامي في بتسوانا، منها جمعية بتسوانا الإسلامية، والمجلس الإسلامي في بتسوانا، وحركة الشباب المسلم، والتي طالما تدعو الندوة العالمية للشباب الإسلامي بأن تقوم بتعويض النقص الحاد في عدد الدعاة المسلمين ومعلمي اللغة العربية والنقص في الكتب الإسلامية باللغة الإنجليزية.
عدة هيئات إسلامية تعمل على دعم نشر الدين الإسلامي في بتسوانا، منها جمعية بتسوانا الإسلامية، والمجلس الإسلامي
استجاب لمطالب الجالية المسلمة في بوتسوانا مبدأ المدارس الإسلامية، وهو المبدأ الذي شهدته كثير من الدول العربية أيضًا، وهي المدارس الدينية التي عادة ما تلحق الجامع أو تكون جزءًا مستقلًا من المسجد، ما يزال يحضرها الشباب الإفريقي المسلم حتى يومنا هذا، ويستمد منها تعاليم الدين الإسلامي من فقه وحديث و تعليم للغة العربية أيضًا.
لا توجد هناك إحصائية واضحة ودقيقة لعدد المسلمين في كل من بوتسوانا وموزمبيق، ذلك لإصرار الحكومات على التغطية عن عدد الجاليات المسلمة الحقيقة هناك، فالبنسبة لوبتسوانا تقول بعض الإحصائيات بأن عددهم يتجاوز العشرة آلاف، أما في موزمبيق، فتصر الحكومة على تعدادهم أقلية في البلد بنسبة 30 ٪ من إجمالي عدد السكان، ولكن تشير بعض الإحصائيات الأخرى بأنهم يشكلون أغلبية بنسبة تزيد عن 50٪ من إجمالي السكان.
ولأن التعليم الإسلامي مر بمراحل ضعيفة ومتأخرة التطور كثيرًا في بوتسوانا، كان الحل في السفر إلى الدول المجاورة لتلقي العلم من مدارسها الدينية، فكان الملجأ إلى دولة موزمبيق.
موزمبيق
هي إحدى دول جنوب شرقي أفريقيا، نالت استقلالها في سنة 1975، بعد احتلال برتغالي دام ما يزيد على أربعة قرون ونصف، حيث بدأت سيطرة البرتغال على سواحل موزمبيق في بداية القرن السادس عشر الميلادي، حيث واجه الإسلام طيلة هذا الاحتلال حربًا متعصبة، انطلقت من أوكارها بعد سقوط الأندلس، لتفتح جبهة جديدة في حصار العالم الإسلامي في إفريقيا أيضًا لتمنعه من التمدد والانتشار، وكانت موزمبيق إحدى ميادينها.
نالت موزمبيق استقلالها بعد استعمار برتغالي دام لأكثر من أربعة قرون
حاصر الاستعمار البرتغالي الدعوة الإسلامية بكل ما أوتي من قوة، فأصاب المسلمين هناك جهلًا دينيًا بسبب ضعف انتشار الدعوة، والتحكم في المدارس الدينية والنقص الحاد للكتب والمعلمين، وعلى الرغم من أن المسلمين غالبية هناك، إلا أن الواقع كان رافضًا لهم.
أهملت السلطات الحاكمة في موزمبيق أحوال المسلمين، فالمساجد المنتشرة في القرى والمدن الإسلامية بسيطة و متواضعة، و ألحقت بها مدارس أقل تواضعًا، ويدرس الدين الإسلامي بها معلمون غير مؤهلين لذلك، ويتلقون أجورًا زهيدة لا تذكر.
نجح الاستعمار البرتغالي في تعطيله للمدارس الإسلامية التي حاربها بالقوة العسكرية حين كان حاكمًا
على الرغم من أن الاستعمار ولى منذ زمن في هذا الجانب الإفريقي، إلا أنه نجح في تعطيله للمدارس الإسلامية التي حاربها بالقوة العسكرية حين كان حاكمًا، كما نجح في سياسته التنصيرية كذلك، بعدما أقر بأن التعليم في موزمبيق يكون تحت حكم و سلطة الكنيسة الكاثوليكية.
كان الحل في الدعم الخليجي، حيث تشارك كل من الإمارات والسعودية بمشاريع تعليمية ودينية في إفريقيا
إفريقيا من الصوفية إلى السلفية ثم الوهابية
كان الحل في الدعم الخليجي، حيث تشارك كل من الإمارات والسعودية بمشاريع تعليمية في إفريقية، منها على سبيل المثال مدارس الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم، وهو أحد أهم المشاريع التعليمية في جنوب شرق إفريقيا، نتج عنه بناء 40 مدرسة وعدة جامعات أيضًا، منهم مدرستين في موزمبيق.
ولأن مسلمي تلك المناطق غاضبين على سياسات الاستعمار تجاه معتنقاتهم الدينية، بل وغاضبين على موقف حكوماتهم الخاضع لهم، كان الحل الخليجي لهم بمثابة المنقذ الأخير، حيث كانوا على أتم استعداد بتقبل التعاليم الدينية من تلك المدارس مهما كانت طريقتها، سواء كانت صوفية، وهابية أو سلفية.
اتخذت بعض الحكومات الصوفية حلًا لمحاربة السلفية، واتخذ البعض الآخر السلفية حلًا لمحاربة الوهابية، إلا أن للوهابية الحظ الأوفر من كل ما سبق، فعلى الرغم من تواجد المؤسسات والمعاهد والمدارس الدينية الإماراتية والتركية أحيانًا في دول مختلفة من إفريقيا، إلا أن للسعودية الحظ الأوفر.
اتخذت بعض الحكومات الصوفية حلًا لمحاربة السلفية، واتخذ البعض الآخر السلفية حلًا لمحاربة الوهابية
أجمع مسؤولي المجالس والهيئات والمراكز والمؤسسات الإسلامية في العديد من الدول الإفريقية وأعضاء لجنة الدعوة في إفريقيا على تقديرهم الكبير للدور الذي قامت وتقوم به المملكة العربية السعودية لخدمة الدعوة الإسلامية وتنميته في القارة الإفريقية، وعلى الرغم من أن هذا الدور يتم انتقاده في الصحافة الغربية بأنه يمثل نواة للإرهاب، إلا أن هذا لم يوقف دور السعودية في تقديم المساعدات، ولم يوقف رغبة الأفارقة في تلك الدول من الانضمام.
سواء كان الصوفية أو السلفية أو الوهابية حلًا، لا يمتلك الأفارقة المسلمون هناك حلًا آخر للتعليم، فيبقى الحل أمامهم إما أن ينضموا لتلك المدارس مهما كانت طريقة تناولها للدين، أو خضوعهم للسياسة التنصيرية الاستعمارية التي مازلت تُمارس حتى الآن من قبل حكوماتهم أو من قبل حملات التبشير الأوروبية.