قبل 6 أيام فقط من تصريح الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي رحب فيه بكل أطياف المعارضة في مصر – على هامش مشاركته في المؤتمر الدوري الثالث للشباب بمحافظة الإسماعيلية – ألقت قوات الأمن على الناشط نائل حسن، عضو حزب الدستور، بتهمة الإساءة لرئيس الجمهورية.
تلك المفارقة المضحكة المبكية لم تكن استثناءً، فأرشيف انتقاد سياسات الرئيس مليء بالضحايا الذين دفعوا ثمن آرائهم بطرق مختلفة ابتداءً بالتشويه الإعلامي مرورًا بالعزل من الوظيفة وصولًا إلى الاعتقال والسجن.
أرشيف التنكيل بالمعارضة يفسر السخرية التي استقبل بها عدد من المدونين تصريح الرئيس، لدرجة أن بعضهم لمّحوا إلى أنه إشارة لمزيد من عمليات المداهمة واعتقال المعارضين.
في السطور القادمة نستعرض أبرز الشخصيات التي تعرضت للتنكيل بسبب انتقادها للرئيس في مصر، من الأقدم للأحدث..
الفنان خالد أبو النجا
في 15 نوفمبر 2014، هاجم الفنان المصري خالد أبو النجا السيسي بسبب عدم قدرته على تأمين البلاد من الهجمات الإرهابية، قائلًا: “إن لم تكن قادرًا على الحكم فلابد أن تعطي الفرصة لغيرك.. امشي، ارحل”.. هذا الرأي عبر عنه “أبو النجا” أكثر من مرة في عديد من المناسبات بعد ذلك.
سيل من الهجوم والتشويه تعرض له “أبو النجا” بسبب تعبيره عن رأيه في الرئيس، بل وصل الأمر إلى تقديم المحامي سمير صبري بلاغ ضده بتهمة “الخيانة العظمى”، واصفًا إياه بأنه “قزم سياسي”، مضيفًا: “مصر هي اللي جابت السيسي يا نكرة ووقفت تترجاه عشان يمسك حكم البلاد”.
الهجوم على الممثل المصري لم يكتفِ بتخوينه وسبه، بل خاض عدد من الإعلاميين في شرفه.
المدون عمرو نوهان
في أكتوبر 2015، أصدرت محكمة عسكرية حكمًا على الشاب عمرو نوهان بالحبس لمدة 3 سنوات، بتهمة نشر صورة ساخرة يظهر فيها السيسي بأذني “ميكي ماوس”، عبر حسابه الشخصي في موقع “فيس بوك”.
وانتشرت، آنذاك، تعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي تفيد بأن “نوهان” مجند في الجيش، ولهذا تمت محاكمته أمام محكمة عسكرية.
الإعلامية عزة الحناوي
فقدت عزة الحناوي، مذيعة التليفزيون المصري، وظيفتها بعد انتقادها أداء الرئيس، خلال برنامجها “أخبار القاهرة”، المُذاع على قناة “القاهرة”.
كررت “الحناوي” نقدها للسيسي أكثر من مرة، المرة الأولى كانت في 1 نوفمبر 2015، حينما طالبته بقانون يحاسب المسؤولين قائلة: “فين خطتك؟، فين رؤيتك؟، طول ما مفيش محاسبة هتفضل سيادتك تتكلم وتوعد ومش هنلاقي نتيجة يلمسها الشعب على الأرض، الناس زهقت ومش هتنزل انتخابات تاني”.
بعد الحلقة بأسبوع، تحديدًا في 9 نوفمبر، اتخذ عصام الأمير، رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون، بوقف “الحناوي” عن العمل، بتهمة “الخروج عن الإسكربت”، وكلّف الشئون القانونية بالاتحاد بالتحقيق معها.
وصرحت “الحناوي” حينها بأنه تم منعها من دخول “ماسبيرو” نهائيًا، واحتجت على تحويلها للتحقيق بتهمة “إبداء رأي في برنامج خبري” معتبرة أن عددًا من الإعلاميين المؤيدين للنظام يبدون آراءهم بالساعات على الشاشات دون أن يتعرض لهم أحد، مؤكدة “لن يستقر المجتمع إلا بتقبل الرأي المعارض للسلطة”.
وفي 25 نوفمبر 2015، عادت مذيعة التليفزيون المصري للعمل، لتكرر انتقادها للسيسي مرة أخرى، خلال حلقة 6 مارس 2016، مُوجهة له رسالة قالت فيها: “معظم قيادات الدولة مبيتشغلوش، وسيادتك كمان مبتشتغلش الحقيقة، ومفيش ملف حليته لغاية دلوقتي من يوم ما جيت”.
هذه المرة لم تمر كسابقتها، وقرر عصام الأمير، في 10 مارس، إيقاف المذيعة لحين إجراءات التحقيق معها، وإلى اليوم لم تعد “الحناوي” إلى ماسبيرو.
من جانبه، لم يتوان الإعلام الموالي للنظام عن الهجوم على عزة الحناوي، معتبرين أنها “خلية إخوانية” تستهدف التطاول على الشعب المصري بهجومها على الرئيس.
رسام الكاريكاتير إسلام جاويش
في 31 يناير 2016، ألقت قوات الشرطة القبض على رسام الكاريكاتير الشهير إسلام جاويش، صاحب صفحة “الورقة” من مكتبه، بتهمة “نشر صور مسيئة لرئيس الجمهورية عبر فيس بوك”.
وقتها تداول عدد من النشطاء صورًا كاريكاتيرية، سخر فيها “جاويش” من السيسي، قالوا أنها السبب في القبض عليه، منها:
بعد 24 ساعة فقط، تم الإفراج عن إسلام جاويش، بعد حملة هجوم واسعة على النظام المصري، قادها شخصيات معارضة ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي.
فرقة “أطفال شوارع”
في 9 مايو 2016، ألقت أجهزة الأمن القبض على أعضاء فرقة “أطفال شوارع”، التي عُرفت بتقديم فيديوهات ساخرة بأسلوب بسيط، لها طابع اجتماعي وسياسي، ووجهت نيابة “مصر الجديدة”، آنذاك، عدة تهم للفريق – الذي يضم 6 أشخاص – من بينها “نشر فيديوهات على الإنترنت تتعرض لمؤسسات الدولة وتهين رئيس الجمهورية”.
وفي سبتمبر 2016، تم الإفراج عن أعضاء الفرقة.
الإعلامي عمرو الليثي
حالة “الليثي” خاصة جدًا، يمكن أن نطلق عليها “تنكيل من طرف ثالث”، فالإعلامي الذي لم يوجه نقدًا واحدًا للرئيس السيسي خلال فترة رئاسته، تمت الإطاحة به من فضائية “الحياة”، على خلفية تسجيله الشهير مع مصطفى عبدالعظيم، سائق “التوك توك” – خلال حلقة 13 أكتوبر 2016 من برنامج “واحد من الناس” – الذي ذاع صيته بعد وصلة انتقاد للأوضاع في مصر طالت سياسات وقرارات السيسي، وأصبح حديث الناس في مصر، آنذاك.
توالت البلاغات على “الليثي” وسائق “التوك توك” بتهم التحريض وتكدير السلم العام، ومن وقتها ولم يقدم الإعلامي الشهير أية برامج تليفزيونية.
أدمن “تمت الترجمة”
ألقت قوات الأمن القبض على خالد مختار، الشهير بـ “شيكو”، أدمن “مدير” صفحة “تمت الترجمة” الساخرة على “فيس بوك”، من منزله في 21 أكتوبر 2016.
وعلى الرغم من توجيه مباحث الأمن الوطني تهم “الاشتراك والتحريض على التظاهر، وقطع الطريق العام، والانضمام لجماعة أُسست على خلاف أحكام القانون”، إلا أن نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي أكدوا، حينها، أن السبب الحقيقي للقبض على “شيكو” هو الفيديو الذي بثه بعد تصريح شهير أطلقه الرئيس، في 26 سبتمبر 2016، طالب فيه مسؤولي البنوك المصرية بإيجاد آلية تتيح الاستفادة من “الفكة” لوضعها في مشروعات تخدم مصر.
الفيديو الذي أشار إليه عدد من النشطاء، سخر من طلب الرئيس، وحصد تفاعلًا كبيرًا من جانب رواد مواقع التواصل الاجتماعي.
لم يقض “شيكو” مدة طويلة في الحبس، حيث تم الإفراج عنه بعده 3 أيام من القبض عليه، تحديدًا في 24 أكتوبر 2016، بضمان محل إقامته.
شاعر الغربجية غازي سامي
في 12 مارس الماضي، فاجأ غازي سامي، الشهير بـ “شاعر الغربجية”، متابعيه على “فيس بوك” بتدوينة أعلن فيها ذهابه لتسليم نفسه بأحد أقسام الشرطة، بسبب قصيدة انتقد فيها الرئيس، تبعها مداهمة قوات الأمن لمنزل شقيقته واعتقال شقيقه.
أكثر من 20 ألف شخص تعاطفوا مع تدوينة “سامي” التي قال فيها: “كان نفسي أحضن بنتي اللي لسة ماشفتش شكل الدنيا إيه، كان نفسي أعملها سبوع، كان نفسي أوي. قولوا لأمي ماتخافش وماتبكيش. قولوا لمراتي معلش ماكنتش أقصد أبهدلكم معي”.
https://www.facebook.com/ghazy2044/posts/1205931069504392
أما القصيدة التي فجرت كل ذلك، فهي قصيدة “إلى السيسي مساء الخير”، خاطب شاعر الغربجية، في جزء منها، السيسي قائلًا: “أنا الشعب اللي كان قادر وأنا الشعب اللي ناوي يصير، وأنا الشعب اللي لو حاول حيجبركوا على التغيير، ولو أخرنا أتباعك ما بنملش من التأخير”. وحصدت القصيدة أكثر من 200 ألف مشاهدة.
https://www.facebook.com/ghazy2044/videos/vb.100002625310628/925205080910327/?type=2&theater
الممثل الكوميدي الساخر شادي سرور
في 10 أبريل الماضي، وجه المدون الساخر شادي سرور رسالة للسيسي بعد تفجيري كنيسة مارجرجس بطنطا والكنيسة المرقسية بالإسكندرية، وذلك خلال فيديو قال فيه: “انت اديتنا وعود كتير بأن الأسعار مش هتزيد والدولار مش هيزيد والأمن هيرجع، ووعدتنا بتطوير الصحة والتعليم، لكن في الواقع دا محصلش، مصر في عهدك بقت من دول العالم العاشر”.
بعد دقائق من نشره الفيديو، استقبل “سرور” عددً كبيرًا من التعليقات المُحذرة والمهاجمة له، ليعلن بعدها عن قلقه من أي إجراء رسمي ضده، قائلًا: “أنا كمية الناس اللي كلمتني وخايفين علي أن يحصلي حاجة بعد الفيديو الأخير بجد مريبة، أنا بدأت أخاف، لو حصل لي حاجة افتكروني بالخير”.
صفحة “الجيش المصري الإلكتروني” على فيس بوك، الموالية للنظام، هاجمت شادي بضراوة، ونشرت صورًا له بجوار سيارته، وسألته عن مصدر أمواله، لتنهال التعليقات الغاضبة على الممثل الكوميدي الذي تجرأ على انتقاد الرئيس.
https://www.facebook.com/MEDIASPOX/posts/1867255909967394
بعد يومين من بث الفيديو، خرج شادي سرور ليطمئن جمهوره عليه، قائلًا: “أنا كويس، محصليش أي حاجة، مضربتش بالرصاص، مروحتش السجن”، ورد على سيل الهجوم الذي تعرض له بسبب فيديو نقد الرئيس.
https://www.facebook.com/ShadyySrour/videos/1361724033907518/
المحامي محمد رمضان
في 12 أبريل الماضي، حكمت محكمة جنايات الإسكندرية، غيابيًا، على المحامي والحقوقي محمد رمضان عبد الباسط، بالسجن لمدة 10 سنوات، وإلزامه بالمنزل بمدة 5 سنوات أخرى مع حرمانه من استخدام وسائل الإنترنت، وذلك بعد إدانته بعدة تهم أبرزها “إهانة رئيس الجمهورية ومؤسسات الدولة، وإساءة استخدام وسائل الاتصال”.
وفي تعليقه على هذا الحكم، قال “رمضان” عبر حسابه الشخصي على موقع “فيس بوك”: “لم أكن أسعى أبدًا لإهانة رئيس الجمهورية، بل ناضلت من أجل إسقاط سلطته، وحل حكومته، ومحاسبة كل مجرمي دولته ليتحقق القصاص المباشر بيد الشعب المقهور”.
الناشط نائل حسن
في 21 أبريل الماضي، قررت نيابة أول الرمل بالإسكندرية حبس الناشط نائل حسن، عضو حزب الدستور، 15 يومًا على ذمة التحقيق، في القضية رقم 3020 جنايات، والمتهم فيها بعدة تهم أبرزها “إهانة الرئيس عن طريق الإنترنت”.
دستور يغرد خارج سرب الواقع
أرشيف انتهاكات حقوق المصريين في التعبير بتهمة “إهانة الرئيس” يتناقض كليًا مع الدستور المصري، الذي بلغت نسبة الموافقة عليه 98.1%، حسب بيان اللجنة العليا للانتخابات في 18 يناير 2014.
فالمادة “65”، باب الحقوق والحريات والواجبات العامة في الدستور، تقول: “حرية الفكر والرأي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول أو بالكتابة أو بالتصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر”.
كما تنص المادة 92، من الباب ذاته، على أن “الحقوق والحريات اللصيقة بشخص المواطن لا تقبل تعطيلًا ولا انتقاصًا. ولا يجوز لأي قانون ينظم ممارسة الحقوق والحريات أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها”.
السيسي.. في وادٍ آخر
تصريح السيسي، الأربعاء الماضي، بترحيبه بكل أطياف المعارضة لم يكن الأول، حيث أكد في تصريحات صحفية، على هامش مشاركته في اجتماعات الأمم المتحدة 24 سبتمبر 2014، أنه لا توجد قيود أو حدود لحرية التعبير في مصر، وأن هذا أمر نهائي لا رجعة عنه، وأن الحكومة لم تتدخل لوقف أحد البرامج الساخرة”، في إشارة إلى برنامج “البرنامج” الذي كان يقدمه الإعلامي الساخر باسم يوسف. غير أن ذلك التصريح لم يكن مؤثرًا، فالإعلامي الشهير كان أعلن بالفعل في يونيو 2014 توقف برنامجه بسبب “الخوف على السلامة الشخصية له ولعائلته ولمن حوله”، بحسب قوله.
وخلال كلمة ألقاها أمام “ممثلي المجتمع” في 13 أبريل 2016، أشار السيسي إلى أن حرية التعبير عن الرأي مكفولة، قائلًا: “محدش يقدر يحاسب حد على توجهه أبدًا الصراحة، لأن دي أفكارك، دي حرية حقيقية، إذا كان الاعتقاد في ربنا سبحانه وتعالى ربنا أعطاه لكل للبشر، فأنت ليك حريتك أنك تفكر”.
“شاهد من الدقيقة 1:4:42”..