ثمَّةَ من يسأل أيَّ مصيرٍ مجهول يُجّهز لمحافظة إدلب، بعد الاستهداف الممنهج لـ7 مشافٍ ميدانية وخروجها عن الخدمة، من قبل الطائرات الروسية، في استحضار للذاكرة عما جرى في مدينة حلب أواخر العام المنصرم.
ما حدث من استباحة لحلب بشرعنة دولية، وتواطؤ عالمي وتخاذل عربي، يضعنا اليوم بشكل مباشر أمام مخاوف تكرار نفس المصير، بذات الأيادي الروسية الإيرانية الأسدية، وإلا ما تفسير المعارك البربرية المفتوحة من ثلاثة محاور، في ريفي حماه الشمالي وحلب الغربي وريف جسر الشغور، مع غطاء روسي للمليشيات وقصف مكثف للمناطق السنية بُغية تفريغها من ساكنيها، وعزلها عن نقاط التماس مع مناطق معسكر الاحتلال.
كثيرة كانت التحذيرات التي أطلقها ديمستورا قُبيل تنفيذ واقعة حلب، حتى الروسي هدَّد ونفَّذ بعدما أغرق العالم بأكذوبة الممرات الإنسانية، وحماية المدنيين، والنتيجة كانت تهيئة الظروف الموضوعية للانقضاض على المدينة.
احتدام المشهد العسكري في إدلب جاء عقب مجزرة الكيماوي لخان شيخون في الرابع من نيسان الحالي، في خطوة تشير إلى تحقيق السيطرة على خان شيخون وطمس معالم الجريمة المتورطة بها كل من إيران وروسيا بتنفيذ أسدي.
استمرار الخلاف بين المعسكر الغربي والروسي الإيراني، بشأن تشكيل لجنة تحقيق دولية وإرسالها إلى خان شيخون، يتخلله مناورة روسية أساسها المماطلة واستثمار الوقت لتحقيق مكاسب عسكرية على الأرض
إن استمرار الخلاف بين المعسكر الغربي والروسي الإيراني، بشأن تشكيل لجنة تحقيق دولية وإرسالها إلى خان شيخون، يتخلله مناورة روسية أساسها المماطلة واستثمار الوقت لتحقيق مكاسب عسكرية على الأرض، تتعدى في جوهرها أبعد من موضوع التحقيق في مرتكبي المجزرة.
تشير المعلومات حسب قادة عسكريين أن روسيا تسعى لتأمين العمق الاستراتيجي لها في مثلث معسكر جورين – كنسبا – ربيعة وهو المثلث الأهم لروسيا لعمق مصالحها في الساحل السوري، وما الاستماتة الروسية في كسر خطوط الدفاع بمعارك حماه، طيبة الإمام وكفر زيتا وحلفايا، إلا بداية لتطبيق سياسية فرز المناطق وعزل ريف حماه عن ريف إدلب، تحسبًا لأي تسوية سياسية قادمة، فضمان المصالح بالمنطق الروسي أهم بكثير من أي حديث عن مصير الأسد، الذي بات مصيره تحصيل حاصل، لحظةَ نضوج التفاهمات الدولية المبنية في سوريا على أساس محاصصة مناطق النفوذ.
بالعودة لإدلب المصير المجهول أمام الحشود المكتظة من نتائج التهجير القسري واقتلاع السوريين من الجذور، يتضح أنًّ ما يُبيت للمدينة غير واضح حتى كتابة هذ السطور، فيما الأهالي أنفسهم يتوقعون إبادة جماعية لهم لا قدر الله، وما شعورهم هذا إلا بسبب اعتقادهم أن الفصائل ستبقى عاجزةً عن نبذ الخلافات، والتوحد تحت راية واحدة لمواجهة زحف ميلشيات النظام ويقولون حلب خير مثال.
تفعيل الوعي الجمعي عند كبرى الفصائل والإحساس بمصير الملايين من الناس هو الأولوية التي يجب ألا يتم تجاهلها عند الفصائل الإسلامية
وتُطرح الأسئلة ذاتها على الفصائل عن المصير الغيبي لهم، وما المانع اليوم من الاستفادة من تجربة حلب، حتى لا تُعاد ثانية، أو ليست الحاجة والضرورة تقتضي الكفَّ عن تقاذف الاتهامات وتبادلها بين فصائل إسلامية ومعتدلة، في الوقت الذي بات العالم ينظر إلى إدلب أنها بئر لتجمع الإرهاب.
تفعيل الوعي الجمعي عند كبرى الفصائل والإحساس بمصير الملايين من الناس هو الأولوية التي يجب ألا يتم تجاهلها عند الفصائل الإسلامية، وأخص بالذكر هيئة تحرير الشام، فلا هم قادرون على حماية المدنيين من الطيران، ولا هم فاتحون لمعارك جوهرية تؤلم النظام، ولا هم مقتنعون بدولة مدنية تُلبي مطالب الشعب المتعطش بعد كل ما قدم من تضحيات بتحقيق دولة مدنية متعددة الأعراف في مجتمع يكون شعاره ممارسة الحرية بسلام.
وحتى لا نكون مثالين قد يسأل مطلع، أمام محور الشر هذا المدجج بأكبر ترسانة عسكرية جوية برية في سوريا، وميول كامل المعادلة لصالح النظام بفعل الحلفاء، والتزام معظم الفصائل بأوامر الخارج، كيف يمكن تجنب المحرقة القادمة في إدلب، إذا ما سلمنا بالخيار الروسي الماضي في الحسم العسكري.
ربما يمكن الاستفادة من التجارب التاريخية، فلدينا العديد من التجارب حققت المستحيل بفعل الإرادة والتصميم، لعل أبرزها استراتيجيات الحروب الشعبية في الثورات.
ففي الثورة الفيتنامية في ستينيات القرن الماضي، تمثلت استراتيجية النضال المسلح للثورة الفيتنامية بنموذج قديم جديد حقق نتائج أسهمت في تحقيق حرية الشعب الفيتنامي.
الثورة السورية وعبر سنواتها الماضية أثبتت أنها ليست كمثلها ثورة على مر التاريخ، وهي فعلاً تختلف بطبيعتها عن كل الثورات في التاريخ، حتى أننا لم نشهد تآمرًا عالميًا على هذه الثورة كما نراه اليوم من دول غربية وعربية، تُصفي حساباتها على حساب الدم السوري.
دمرت معظم المدن وهُجر الناس قسرًا، وشُرد ملايين السوريين من نزوح إلى آخر.
ما يحزننا اليوم تلك المآسي التي لا تنتهي لشعب لاقى الويلات ليس فقط من نظام استبد واستحكم بشعبه، بل من بعض الفصائل التي تنفر باقتتال بعضها البعض
أمام مهانة العيش، لم يعد للسوريين ما يخسروه، حتى يلتزموا الصمت على ما يُحاك لمدينة إدلب، وعلى قدر المسؤولة والأمانة يكون العمل عند شرفاء الأمة، ومن ناصرهم، لقلب الطاولة على النظام، لنيل الحرية لأبنائنا، من أجل مستقبل يسوده السلام والأمان.
ما يحزننا اليوم تلك المآسي التي لا تنتهي لشعب لاقى الويلات ليس فقط من نظام استبد واستحكم بشعبه، بل من بعض الفصائل التي تنفر باقتتال بعضها البعض، وتحرف مسار ثورتها من قتال النظام إلى اقتتال داخلي لا يسمن ولا يغني من جوع، حسب أن المدنيين هم يحصدون تلك النتائج.
كل الخوف اليوم من تكرار سيناريو حلب في إدلب والغوطة الشرقية، والأخيرة تشهد اليوم حصارًا مطبقًا على أبنائها، يعيشون بين مطرقة النظام وحلفائه، وسطوة التجار، وفتاوى الشرع من فصائل الإسلامية.
الغوطة وإدلب هما الأقرب اليوم لمصير مشابه لحلب إذا ما استمر الأخوة بتبادل الاتهامات ومخاطبة أنفسهم بلغة السلاح
اقتتال جديد يُعاد إحياؤه في الغوطة بين أخوة السلاح، جيش الإسلام والرحمن وهيئة تحرير الشام، فبعد معارك دامية العام الماضي كلفتهم خسائر فادحة في الأرواح والعتاد كانت كافية لتحرير كامل دمشق، اليوم يتكرر المشهد في الغوطة باقتتال جديد وفتنة جديدة، لا ندري من سيدفع ثمنها ومتى وكيف ستنتهي.
الغوطة وإدلب هما الأقرب اليوم لمصير مشابه لحلب إذا ما استمر الأخوة بتبادل الاتهامات ومخاطبة أنفسهم بلغة السلاح، وحده الشعب من سيخسر وسيكتب التاريخ أننا ما بلغنا من أمرنا رشدا.