تدور أحداث القصة في جزيرة تانا التابعة لجزر فاناتو الواقعة في جنوب المحيط الهادي. يقطن بالجزيرة قبيلتين متناحرتين هما ياكل والإميدين. تدين القبيلتان بالكوستوم وهي ديانة وثنية قديمة ذات أسلوب حياة بدائي. القبيلتان هما آخر من يحمل الكوستوم في وطن يدين غالبية سكانه بالمسيحية. يتكلم السكان لغة النيفال وهي احدى اللغات المحلية فى فاناتو.
ياهول إلاهة القبيلة مجسدة فى البركان الوحيد فى الجزيرة. يذهب الكهنة للبركان من أجل الحصول على الوحي والتعاليم التي تضمن الحفاظ على الكوستوم، ذلك أن الكوستوم كديانة بدائية لا يوجد لها كتاب أو نصوص دينية مكتوبة كالديانات الإبراهيمية و الآسيوية.
المدهش أن سكان تانا بالرغم من كونهم ليسوا بمعزل عن الحضارة الحديثة، إلا أنهم قد فضلوا العيش بهذا الشكل البدائي رغم إغراءات الحداثة، حيث يعيش الناس فى أكواخ من القش، حفاة عراة إلا من قطعة قش تُخفى سوءاتهم، فى غياب تام للكهرباء أو الإنترنت أو شبكة محمول.
الزواج في الكوستوم منظم ومدبر (زواج صالونات)، حيث يقوم كبار القبيلة بتزويج الأبناء والأحفاد بُناءاً على إعتبارات سياسية وقبلية تضمن الحفاظ على الكوستوم وعلى شكل القبيلة.
عندما يتعرض كاهن الياكول للإعتداء من قبل الإميدين و يدخل فى غيبوبة، يأتي لزعيم قبيلة الياكول الوحى من الإلاهة ياهول بعدم الرد على الإعتداء والمبادرة بإنهاء التناحر بين القبيلتين من أجل الكوستوم.
يجتمع زعيما الياكول والإميدين ويقرران زواج أفراد القبيلتين من بعضهم البعض، ويقع الإختيار على “واوا” أجمل نساء الياكول للزواج بإبن زعيم قبيلة الإميدين كونها أتمت مراسم البلوغ.
المشكلة أن “واوا” تحب “دين”، وهو فتى من نفس قبيلتها، لذلك ترفض قرار الزعيمين، وتصر على الإرتباط بحبيبها، مما يضع القبيلتين على حافة حرب دموية جديدة. فهل يضحى الحبيبيان بحبهما لصالح الكوستوم وصالح بقاء المجتمع؟ أم يحاربان من أجل الحب مهما كانت العواقب؟
“إذا اتبعتي قلبك، سينتقم الإميدين منا، وسيحل علينا الخراب.. إذا عصيتي أمرنا، فلن تجدي سوى التعاسة فى حياتك” – الجدة محدثةً واوا
السيناريو:
تُروى القصة من وجهة نظر سيلين أخت واوا، و هى فى العاشرة من عمرها. سيلين أول من إكتشف علاقة أختها بدين، وكانت حاضرة و شاهدة على اعتداء أفراد الإميدين على جدها كاهن القبيلة.
إختيار سيلين كوجهة نظر أساسية لسرد أحداث الفيلم كان متوافقاً مع سؤال الفيلم الرئيسي، وهو هل يحق لقادة المجتمع التضحية بسعادة أفراده الشباب من أجل ضمان بقاء المجتمع وتقاليده؟ وهل هذه التضحية تخدم فعلاً المجتمع على المدى البعيد؟
قصة الحب الممنوع ليست جديدة سواء فى الأدب أو السينما، ففي هذه النوعية من القصص يكون الخطر واقع على طرفى قصة الحب الأساسيين، سواء فى روميو و جولييت، تيتانيك أو جبل بروكباك.
فى فيلم تانا يُحيط الخطر ببطلي قصة الحب وقبيلتهما، مما يجعل الدراما قوية، فدوافع الكل سليمة، سواء من طرف واوا ودين اللذان يناضلان من أجل حماية حبهما، أو كبير القبيلة الذي يجاهد لمنع سفك دماء جديدة وعدم الزج بمجتمعه في أتون حرب تأكل الأخضر واليابس.
النتيجة أن المشاهد يجد نفسه مَعنياً بالقصة وبمصائر أبطالها، وهنا يكمن ذكاء المخرجين مارتين باتلر و بينتلى دين في إختيار “حدوتة” كونية تجعل أي مشاهد أيّاً كانت جنسيته يهتم بقصة تخص قبيلة فى آخر بقاع الأرض.
الإخراج و التصوير:
مارتين باتلر و بينتلى دين فريق إخراج أسترالي تخصص في إخراج الأفلام الوثائقية التي تحكي قصص عن سكان أستراليا الأصليين واللاجئين المقيمين فى أستراليا.
تعرف فريق الإخراج على الجزيرة و سكانها أثناء تصويرهم إحدى الشرائط الوثائقية، ومن هنا بدأ ولعهم بالكوستوم وطريقة عيش القبيلة البدائية.
مكث المخرجان على الجزيرة سبعة أشهر، قاما خلالها بكتابة القصة المستلهمة من أحداث حقيقية وقعت فى الجزيرة عام 1987، واختيار الأدوار من سكان الجزيرة نفسها، واختيار مواقع التصوير.
كتب المخرجان الأدوار على مقاس سكان الجزيرة نفسها، فكاهن الجزيرة هو كاهن في الحقيقة، وكبير القبيلة هو زعيم القبيلة في الحقيقة، والعائلة المكونة منها سيلين وأبيها وأمها هم عائلة حقيقية. هذا القرار الإخراجي كان عنصراً حاسماً في خروج الأداء في الفيلم بشكل طبيعي وبدون أي مبالغة أو افتعال.
لم يكن المخرجان بحاجة للقيام بعمل بروفات بسبب هذا القرار، فلِمَ الحاجة لذلك وكل شخصية تلعب نفسها في الواقع؟
نظراً لإنعدام التمويل لهذه النوعية من الأفلام، وخلو الجزيرة من الكهرباء، اضطر المخرجان لشراء وحدة شحن تعمل بالطاقة الشمسية لنقل مشاهد الفيلم المصورة من الكاميرا للحاسوب، وإشتريا معدات تصوير بسيطة تستخدم في الأفلام الوثائقية واعتمدا في التصوير على الإضاءة الطبيعية.
قام المخرجان بتصوير الفيلم بنفسيهما دون الإعتماد على فريق تصوير، فتولى بينتلى دين مهام التصوير، و مارتين باتلر مهام التسجيل الصوتي، و قامت زوجة دين بالمهام الإنتاجية واللوجيستية.
المحصلة الفنية باهرة، حيث استطاع المخرجان نقل المتفرج لعالم سحري من خلال التصوير وشريط الصوت. الكادر في هذا الفيلم لوحة فنية فى حد ذاتها، خاصةً مشاهد الغابات التى يمتزج فيها اللون الأخضر والأصفر ومشاهد البركان الممزوجة بإحمرار الحمم البركانية، ولون السماء القريب من البنفسجي.
التكوين السينمائي لم يكن ليخرج بتلك الطريقة لولا مكوث المخرجَيّن فى الجزيرة طوال هذه المدة مما جعلهما على دراية تامة بجغرافيا المكان، وبالتالي الوعي بأفضل زوايا تصوير تناسب الفيلم والقصة المصورة.
نجحت المونتيرة تانيا نيمي فى تقديم عالم قبيلة الياكول بشكل موجز ومكثف فى بداية الفيلم بحيث يصبح مألوفاً ومحبباً لدى المتفرج، ونجحت فى تقديم الأزمة بدون إظهار أحد الطرفين مرتدياً عباءة الشر، ونجحت فى تقديم الصراع الداخلي لدى الشخصيات الرئيسية. يظهر هذا فى مشهد نزول الإلهام على زعيم القبيلة ليبادر بمد يد السلام مع الإميدين.
الموسيقي لأنطونى بارتوس الذي عزف موسيقى أفلام مملكة الحيوان و 99 منزل عبّرت عن الحنين الذى يطمح إليه العاشقان، والسلام الذي يطمح اليه زعماء القبائل، والسكينة والإستقرار اللذان يشعر بهما أفراد القبيلة عند الآلهة ياهول في أعلى البركان.
الفيلم يُثبت أن صناعة الفيلم ليست مرتبطة بالمعدات و الإمكانيات بقدر ما هي مرتبطة برؤية صانع الفيلم و موضوعه
حصل الفيلم على دعم مؤسسة الفيلم الأسترالي في مرحلة ما بعد التصوير، وعرض فى مهرجان فينيسيا 2015 في فعالية أسبوع النقاد، وأبهر الجمهور والنقاد على حد سواء ليفوز بجائزة أفضل تصوير وجائزة الجمهور في الفعالية.
تنقَّل الفيلم بعدها من مهرجان تورنتو إلى مهرجان روتردام فى 2016 واختارته أستراليا ليمثلها فى الأوسكار العام الماضي، ليصل الفيلم للتصفيات النهائية للمرة الأولى فى تاريخ أستراليا.
الفيلم يُثبت أن صناعة الفيلم ليست مرتبطة بالمعدات و الإمكانيات بقدر ما هي مرتبطة برؤية صانع الفيلم وموضوعه.
التقييم: ( ) فيلم عبقري (X) جيد جداً ( ) يستحق المشاهدة ( ) ممل ( ) بشع