ترجمة حفصة جودة
اكتسبت الصحف العربية سمعة – تستحقها نوعًا ما – بالتزامها بالخط الرسمي، ففي أي يوم قد تقرأ هذا العنوان على سبيل المثال: “صرح مصدر مقرب من وزارة الخارجية الإيرانية لجريدة الحياة، أن إيران ملتزمة ببنود الاتفاق النووي طالما أن الجانب الآخر ملتزم بالشيء نفسه”، الشيء الاستثنائي في هذه القصة العادية أنه وبفضل جوجل، يستطيع القارئ الأجنبي أن يقرأ الصحف العربية بنفسه بكل سهولة.
في الأشهر القليلة الماضية – وبشكل مفاجيء – حدث تطور كبير في برامج الترجمة المتاحة مجانًا على الإنترنت، كان هذا مفاجئًا لهولاء الذين حاولوا الاستفادة منها في الماضي، لكن في نوفمبر الماضي، كشفت جوجل عن إصدار جديد من الترجمة، كانت النسخة القديمة تُسمى “ترجمة قائمة على العبارة”، وهي تعمل باستخدام قطع الجملة بشكل منفصل، وعادة ما تكون النتيجة متقطعة وغير دقيقة في كثير من الأحيان.
ما زال النظام الجديد يقوم ببعض الأخطاء بالطبع، لكنها نادرة نسبيًا مقارنة بانتشارها في الماضي، يستخدم النظام الجديد شبكة عصبية اصطناعية تربط بين عدة طبقات من الخلايا العصبية الرقمية، تقوم كل طبقة بتسليم مخرجاتها إلى الطبقة التالية في نظام حر يشبه العقل البشري، ومثل النظام السابق “القائم على العبارة”، تم تدريب أنظمة الترجمة العصبية على أحجام هائلة من النصوص التي ترجمها البشر، لكن نسخة “الترجمة العصبية” تأخد كل كلمة وتستخدم السياق المحيط بها لتحويلها إلى نوع من التمثيل الرقمي المجرد، ومن ثم تحاول العثور على أقرب كلمة تمثلها في اللغة المستهدفة، وفقًا لما تعلمته من قبل، وعليه تتعامل الترجمة العصبية مع الجمل الطويلة بشكل أفضل بكثير من الإصدارات السابقة.
بدأت الخدمة الجديدة من جوجل بترجمة 8 لغات من وإلى الإنجليزية معظمها لغات أوروبية، فمن السهل على الآلة (والإنسان أيضًا) الترجمة بين لغات مترابطة، لكن جوجل توسعت في نظامها العصبي لتشمل لغات مثل الصينية، ومؤخرًا العربية والعبرية والروسية والفيتنامية، يعتبر الأمر قفزة صعبة ومثيرة نحو لغات مهمة وصعبة في الوقت نفسه، وفي يوم 25 من أبريل توسعت جوجل في نظامها العصبي لتشمل 9 لغات هندية، تمتلك مايكروسوفت أيضًا نظامًا عصبيًا لعدة لغات صعبة.
لكن مترجم جوجل ما زال يقوم بأخطاء مدمرة، ففي مقدمة نص بصحيفة “هآرتس” باللغة العبرية ترجمته جوجل هكذا: “وفقًا للنتائج الحقيقية للجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، يذهب ماكرون ولوبان إلى الجولة الثانية يوم 7 من مايو، وفي المرتبة الثالثة كان فرنسوا بيون من اليمين وجان لوك من لينشون من أقصى اليسار”، إذا لم تكن تعلم ما هذا فما زال الأمر عديم الجدوى، لكن إذا كنت تعلم أنه يتحدث عن الانتخابات الرئاسية الفرنسية، فسوف تجد أن البرنامج قد ترجم بشكل سيء”عينات من النتائج الرسمية” إلى “النتائج الحقيقية”، كما قدم ترجمة غريبة لفرنسوا فيون (ترجمها إلى بيون) حيث إن الباء والفاء قد يكونا نفس الحرف في اللغة العبرية، كما ترجم لقب جان لوك ميلينشون بشكل مضحك، فأول حرفين في الاسم “Me-” قد يعني في العبرية “مِن”، يبدو أن النظام غبيًا لكي لا يعرف أن السيد ميلينشون سياسي فرنسي، فقد تم تدريبه فقط على العديد من النصوص التي سبق ترجمتها من العبرية إلى الإنجليزية.
هذه الأخطاء الواضحة والمتوقعة يجب الانتباه إليها عندما يطور المبرمجون النظام، لكن هناك بعض الأخطاء الغامضة في النظام العصبي، فعندما كتب المستخدمون أحرف عشوائية في اللغة التايلاندية، كانت نتائج ترجمة جوجل غريبة وسريالية: “هناك ست شرارات في السماء لكل منها فلك خاص، فلك الفلك هو فلك الفلك”.
رغم أن ذلك قد يجعل شعراء ما بعد الحداثة عاطلين عن العمل، فإن نظام الترجمة العصبية ليس مستعدًا بعد ليحل محل الإنسان في وقت قريب، حيث يتطلب الأدب مرونة في مهم نوايا الكاتب وثقافته، وهو ما لا تستطيع الآلة أن تقوم به، أما بالنسبة للأعمال الحساسة مثل التقنية والمالية والقانونية، فإن أقل خطأ بها غير مقبول أبدًا (هذه الأخطاء الصغيرة ما زالت موجودة حتى في أفضل الأنظمة)، لذا ينبغي أن يقوم الإنسان على أقل تقدير بتدقيق وتحرير مخرجات الآلة.
للترجمة عبر الإنترنت فوائد كثيرة مثل إرضاء الفضول العالمي، فالكثير من الناس يرغبون في معرفة ما يدور في الثقافات الأخرى، لكنهم لا يجدون الوقت لتعلم اللغات، ورغم أن الجيل الجديد من برامج الترجمة ليس معتادًا على الأمر ولم يتقنه بعد، إلا أنه يَعِدْ بقدرته على القيام بالأمر كاملاً فيما بعد.
المصدر: إيكونوميست