ترجمة وتحرير نون بوست
كتب ماتياس غيباور – يورغ ديهل
يبدو فرانكو من خلال الصور شخصا عاديا ولا يثير أي ريبة. وفي إحدى الصور يظهر هذا الملازم الأول صاحب الشعر الأسود وهو يرتدي بدلة رمادية اللون، وعلى وجهه ابتسامة خفيفة. وإلى جانبه في الصورة، التي تم التقاطها في مدينة إلكيرش الفرنسية، توجد مجموعة من التلاميذ الصغار. إذ أن هذا الجندي التابع لوزارة الدفاع الألمانية متواجد هناك ضمن فرقة مشتركة من القوات الفرنسية والألمانية.
بالنسبة للمحققين، يمثل هذا الشاب صاحب تسريحة الشعر الكلاسيكية والنظارات الطبية حالة غامضة وشديدة الخطورة. ففي صباح يوم الأربعاء، ألقى مكتب الشرطة الفيدرالية الجنائية الألمانية القبض عليه في مدينة هاملبورغ في مقاطعة بافاريا. وفي نفس الوقت، تم تفتيش القاعدة العسكرية التي كان يتواجد فيها في فرنسا، بالإضافة إلى سيارته والشقة التي يعيش فيها شخص آخر متواطئ معه في مدينة أوفنباخ. وقد وقع أيضا اعتقال ماتياس المشتبه بضلوعه في هذه القضية.
وقد ظل المدعي العام في مدينة فرانكفورت يحقق في قضية فرانكو منذ 17 شباط/ فبراير للاشتباه في تخطيطه للقيام بأعمال عنف. ويُعتقد أن فرانكو، الذي كان يشارك في تدريبات قتالية دون أسلحة، كان يخطط لشن هجوم في ألمانيا.
ووفقا لما توصلت إليه السلطات الألمانية، فإن السيناريو الذي قدمه المحققون حول ما كان يعتزم فعله يعد مثيرا للرعب، إذ أن هذا الرجل على عكس ما يوحي به مظهره العادي، ربما يكون متعصبا لليمين المتطرف، وتملؤه أفكار الكراهية تجاه الأجانب، والاستعداد لممارسة العنف. علاوة على ذلك، حصل فرانكو، في نهاية سنة 2015، على هوية جديدة بشكل سري تفيد بأنه لاجئ سوري. ومن بين الفرضيات التي يبحث فيها المحققون الآن، تتمثل في أن فرانكو كان ينوي توريط اللاجئين في عملية إرهابية كان يخطط لها.
هذه القصة بدأت في شهر كانون الثاني/ يناير الماضي، إذ أن موظفا يقوم بأعمال صيانة في مطار فيينا الدولي عثر على مسدس عيار 7.65 محشو بالذخيرة داخل إحدى قنوات الحمامات وقام بإعلام الشرطة. وبعد فحص السلاح، قرر عناصر الشرطة وضع مجسات كاشفة للحركة في نفس المكان الذي عثر فيه على المسدس، حتى يتم التعرف على الشخص الذي سيعود للبحث عن سلاحه.
حياة مزدوجة وغريبة
حققت هذه الخطة التي وضعت الشرطة أهدافها في 3 شباط/ فبراير، عندما فتح فرانكو قناة الحمام لأخذ مسدسه، فتم القبض عليه ووضعه رهن الإيقاف المؤقت. وقد قال فرانكو حينها للشرطة أنه عثر على قطعة السلاح وسط الأشجار في أحد الأماكن في 20 كانون الثاني/ يناير في نادي الضباط في فيينا. وقال إنه عندما وصل إلى المطار تفطن فجأة إلى أنه ليس بإمكانه حمل المسدس معه في بوابات التفتيش، ولهذا قام بإخفائه في الحمام.
ولكن التحريات التي قامت بها الشرطة فيما بعد، أظهرت الحياة المزدوجة والغريبة التي يعيشها هذا الشرطي، ولكنها سلطت أيضا الضوء على الفوضى التي رافقت تدفق اللاجئين. وقام النمساويون بإرسال بصمات فرانكو إلى الشرطة الفيدرالية الألمانية التي تعرفت عليه مباشرة، ولكن الهوية التي ظهرت لديها كانت تعود لطالب لجوء سوري، وهو ما أثار استغرابا كبيرا.
وفي نهاية سنة 2015، انتحل فرانكو اسم داوود بنيامين، وادعى في مقاطعة بافاريا بأنه لاجئ. ورغم أنه لا يتحدث العربية ويتحدث القليل من الفرنسية، فقد سُجل على أنه الابن المسيحي لتاجر غلال من دمشق، وقال أيضا إنه ولد في سنة 1988. وتكشف ملفات التحقيق بكل وضوح مدى تعقيد الحيلة التي قام بها فرانكو، ونجاحه في تقمص هوية لاجئ سوري. فبعد تسجيله بفترة قصيرة، قام بتقديم طلب لجوء وحصل على منحة شهرية تناهز 400 يورو. كما حصل أيضا على غرفة في أحد الفنادق الرخيصة، وفي نفس الوقت كان يسجل حضوره بانتظام في وظيفته العسكرية، ولم يلاحظ أحد أي أمر يدعو للارتياب.
وفي المقابل، حصلت الشرطة الجنائية الفيدرالية على معلومة أخرى مهمة من فيينا، حيث قال المحققون إن الشرطة النمساوية وجدت ملفات بحوزة فرانكو تشير بكل وضوح إلى ميولاته اليمينية المتطرفة. وهذا التفصيل كان كافيا ليتدخل المدعي العام في فرانكفورت في هذه القضية. وفي 17 شباط/ فبراير، قام الادعاء العام بفتح تقرير رسمي بشبهة التحضير لارتكاب أعمال عنف.
المراقبة المكثفة
لم يصدق أحد القصة التي رواها فرانكو حول عثوره على السلاح بالصدفة، وخلال الأسابيع التالية، وُضع هذا الجندي تحت المراقبة المكثفة. وقد أظهرت عمليات التنصت الهاتفي أن فرانكو كان يضمر عداء شديدا للأجانب، ويؤكد المحققون أنه تبادل رسائل عنصرية وكراهية مع عناصر أخرى من اليمين المتطرف عبر تطبيق الواتس آب، وقاموا بالسخرية من الأجانب.
وبناء عليه، قادت هذه المحادثات المحققين إلى الشريك الرئيسي في هذه القضية، الذي يدعى ماتياس، وهو صديق قديم لفرانكو من مدينة أوفنباخ. وقد كان الاثنان على تواصل مستمر. وتجدر الإشارة إلى أن الجندي الآخر من جيش الاحتياط في فيينا، الذي اعتبره المحققون في البداية شاهدا وطلبوا منه المساعدة في عدة مناسبات، قد تبين لاحقا أنه طرف في تلك المحادثات العنصرية.
ويوم الأربعاء الماضي تم تفتيش منازل عدد من المتورطين في هذه المحادثات، وتوصل المحققون في النهاية إلى أن هؤلاء الشباب كانوا يقومون بأشياء تتجاوز مجرد التعبير عن كرههم للأجانب، حيث أنهم على الأرجح كانوا يخططون لشن هجوم.
ولكن رغم كل هذه الأدلة الخطيرة، أرسلت الشرطة الجنائية الفيدرالية طلبا إلى وزارة الدفاع الألمانية، ليسمح الجيش للجندي فرانكو بمواصلة عمله لتسهيل عملية مراقبته. وعلى خلاف المعتاد، تصرف هذا الجندي بكل حذر هذه المرة، وقد أخبر بعض أصدقائه المتطرفين بأن السلطات قد عثرت على المسدس في فيينا وأن الأمر بات يمثل مشكلة.
وبعد أشهر عادت السلطات للتحقيق مع فرانكو، إذ أنه في 19 نيسان/ أبريل، قام موظفو وكالة الاستخبارات العسكرية الألمانية باستجوابه. وخلال التحقيق، اختار فرانكو أجوبته بعناية، وقد أكد المحققون أنه قد حاول إخفاء آرائه اليمينية المتطرفة وأصر على القصة التي اختلقها بشأن العثور على المسدس بالصدفة.
وبسبب تكتمه عن البوح بالحقيقة، توجب على المحققين معرفة ما كان يخطط له فرانكو. ولكن أثناء تفتيش منزل شريكه ماتياس في أوفنباخ، عثر المحققون على كميات من الذخيرة والقنابل اليدوية ومواد متفجرة. ولا يزال الدور الذي لعبه في هذه المهمة غير واضح، إذ أنه يدعي أن فرانكو قد سلمه هذه الأسلحة وأنه لم يكن على دراية بحقيقة ما يجري.
معطيات محيرة
ظل المدعي العام ملازما للصمت بشأن تفاصيل هذه القضية، وقد أعلنت المتحدثة باسم الإدعاء العام يوم الخميس أن المحققين لم يكشفوا وجود مخططات ملموسة لشن هجوم. علاوة على ذلك، أضافت المتحدة أن القضية تتضمن أيضا عددا من المعطيات المحيرة، إذ أن السلوك المثير للريبة لدى فرانكو غذى الشكوك بشأن إخفائه لمعطيات أخرى.
والجدير بالذكر أنه يجب على السلطات العسكرية الألمانية الآن تقديم تفسير مقنع حول نجاح ملازم أول منتمي لليمين المتطرف في إخفاء هذه الإيديولوجيا طيلة هذا الوقت. ولسائل أن يسأل، كيف تمكن فرانكو من السفر بشكل منتظم إلى مقاطعة بافاريا والحفاظ على هويته المزيفة كلاجئ سوري، دون أن يكتشف الجيش ذلك.
ووفي شأن ذي صلة، يشار إلى أن المخاوف التي تساور الكثيرين حيال ارتكاب جندي من الجيش الألماني لأعمال عنف ليست أمرا جديدا. وعلى غرار المعتاد، طغت في الفترة الأخيرة حالة من الرعب بشأن تمكن أحد المسلمين المتطرفين من التسلل إلى صفوف الجيش واستخدام التدريبات التي يحصل عليها لتنفيذ عمليات إرهابية. وعلى خلفية التجاوزات التي جدت مؤخرا، ستقوم وكالة الاستخبارات العسكرية الألمانية، خلال الصيف المقبل، بفرض إجراءات أمنية جديدة لفحص كل المنتدبين الجدد من أجل سد الثغرات الموجودة.
ولكن هل كانت هذه الإجراءات، حتى لو فُرضت في السابق، لتمنع فرانكو من الدخول إلى الجيش؟
المصدر: دير شبيغل