تشن روسيا والنظام السوري حملة شرسة على ريف حماة الشمالي تعتمد فيها استراتيجية الأرض المحروقة، أدت لإعلان مجلس “محافظة حماة الحرة” مدن وبلدات ريف حماة الشمالي، منطقة منكوبة بالكامل، جراء التصعيد الجوي والبري لقوات النظام السوري وروسيا.
ريف حماة الشمالي منطقة منكوبة
لا تزال قوات الأسد تحاول استعادة السيطرة على المناطق التي سيطرت عليها المعارضة السورية في ريف حماة الشمالي، واستقدم النظام السوري ميليشياته من إيران ولبنان والعراق لشن حملة عسكرية ضخمة منذ بداية الشهر الماضي مدعومة بالدبابات والراجمات، وتحت غطاء جوي من الطيران الروسي وطائرات النظام السوري.
وناشد البيان الصادر عن محافظة حماة الحرة التابع لوزارة الإدارة المحلية في الحكومة المؤقتة، المجتمع الدولي لوضع حد للطيران الحربي والقصف الممنهج، وحماية المرفقات العامة التي تساعد المدني في حياته المعيشية.
الطائرات الروسية والسورية لا تفارق السماء في ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي منذ أكثر من أسبوعين مستخدمة سياسة الأرض المحروقة ضد العسكريين والمدنيين
إلا أن هذه الحملة كانت هي الأشرس على تلك المنطقة إذ تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي وسم “ريف حماة يحترق” للتنبيه عن جرائم الأسد وروسيا التي يرتكبونها في مدن وبلدات ريف حماة الشمالي، وبحسب البيان الصادر عن “محافظة حماة الحرة” فإن الطيران الروسي اعتمد في بداية هجمته على “تدمير المنشآت الحيوية من مشافٍ ومدارس وأفران وملاجئ وحتى دور العبادة ومراكز الدفاع المدني” وتركز القصف على مدن الريف الشمالي، متمثلة بـ “حلفايا، طيبة الإمام، اللطامنة، كفرزيتا، وصوران”، وذكر البيان أن البنية التحتية في هذه المدن تهدمت بنسبة 90%.
الطائرات الروسية والسورية لا تفارق السماء في ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي منذ أكثر من أسبوعين مستخدمة سياسة الأرض المحروقة ضد العسكريين والمدنيين، وتستهدف خطوط الاشتباك بالإضافة إلى المشافي والطرقات ومراكز الدفاع المدني والإسعاف والأفران والمدارس وغيرها من منشآت مدنية، وتستخدم أسلحة محرمة دوليًا من فوسفور وكلور ونابالم وقنابل عنقودية.
قادة في الجيش الحر وصف الحملة الروسية على ريف حماة أشبه بما قامت به روسيا في مدينة غروزني بالشيشان في العام 2000
قادة في الجيش الحر وصفوا الحملة الروسية على ريف حماة أشبه بما قامت به روسيا في مدينة غروزني بالشيشان في العام 2000 فبعد انسحاب القوات الشيشانية من المدينة أصرت الآلة العسكرية الروسية بأمر من بوتين على قصف المدينة بجميع أنواع الأسلحة الفتاكة، فأحرق المدينة وتم قتل أكثر من 35 ألف مدني منهم 5 آلاف طفل، على مرأى من المنظمات الإنسانية والهيئات الحقوقية.
واليوم نفس الجيش ونفس الرئيس ولكن في منطقة مختلفة، تقوم الآلة العسكرية الروسية بالقصف بلا هوادة على ريف حماة الشمالي وإدلب الجنوبي بدون تمييز بين حجر وبشر خارقة كل المواثيق الدولية والإنسانية وعلى مرأى من العالم أجمع الذي لم يتمكن حتى الآن من وضع حد للروس في سوريا، وعلى مرأى البيت الأبيض الذي وضع حدًا للنظام السوري على استخدامه الغازات المحرمة في قصفه بتوجيه ضربة عسكرية على مطار الشعيرات ولكنه ضمنيًا سمح له بمواصلة استخدام أنواع الاسلحة الأخرى.
شهر أبريل/نيسان شهد استهداف 9 مشافي ومراكز ونقاط طبية في ريف إدلب الجنوبي، كما تم تدمير كل المشافي والمراكز والنقاط الطبية في ريف حماة الشمالي
خلال الأسبوع الفائت، تعرضت مدينتي اللطامنة وكفرزيتا الخاضعيتن لسيطرة المعارضة السورية وأكبر معقل للمعارضة بعد استعادة النظام كل من حلفايا وطيبة الإمام، إلى قصف هو الأعنف منذ شهرين خلف دمارًا غير مسبوق، جراء قصف النظام وروسيا بأكثر من عشر غارات بالصواريخ الارتجاجية الفراغية وصواريخ محملة بالفوسفور والكلور السام، أدت إلى إخراج المشفى التخصصي في مدينة كفرزيتا عن العمل بشكل كامل، وتدمير الفرن الوحيد العامل في المدينة، ومركز للدفاع المدني ذو الرقم 1077، قتل جراء استهدافه ثمانية متطوعين.
أحد المشافي المستهدفة في ريف إدلب
وبين ناشطون أن شهر أبريل/نيسان شهد استهداف 9 مشافي ومراكز ونقاط طبية في ريف إدلب الجنوبي، كما تم تدمير كل المشافي والمراكز والنقاط الطبية في ريف حماة الشمالي. يُذكر أنه كان هناك نحو 1200 عائلة في كفرزيتا، و800 عائلة في اللطامنة قبل بدء الحملة العسكرية الراهنة، ولكن جرت عملية نزوح كبيرة على وقع القصف المتواصل بكل أنواع الأسلحة، لم يبق سوى 300 عائلة معدمة لا تستطيع تحمّل تكاليف النزوح نحو الشمال السوري.
لم يبق سوى 300 عائلة في ريف حماة الشمالي لا تستطيع تحمّل تكاليف النزوح نحو الشمال السوري.
كما أكد “الائتلاف السوري”، في بيان له أن “روسيا دمّرت 11 مشفى خلال شهر إبريل/ نيسان الحالي في سورية” وأشار إلى أن المشافي “هدف رئيسي لنظام الأسد والاحتلال الروسي” موضحًا أن شهر نيسان/ابريل “شهد تصاعدًا محمومًا في استهداف المرافق الطبية” وأن استهداف المشافي “يندرج في سياق قصف يستهدف قتل الحياة بالكامل”، مؤكدًا أن العاملين في قطاع الصحة والإسعاف في إدلب وريفها “يواجهون مصاعب رهيبة، مقدمين من خلال سلوكهم وتفانيهم معجزة إنسانية.
هدف الحملة الروسية الشرسة
يرى مراقبون أن هدف روسيا من هذا التصعيد يتجاوز استعادة المناطق التي سيطرت عليها المعارضة في ريف حماة الشمالي بعدما باتت تهدد مطار حماة العسكري، فروسيا تسابق الوقت نحو السيطرة على مدينة خان شيخون في ريف إدلب لطمس معالم المجزرة الكيميائية التي ارتكبها النظام السوري وأودت بحياة ما لا يقل عن 100 شخص من المدنيين، والتي أشعلت لهيب العالم وقرر على إثرها الرئيس الأمريكي ترامب توجيه ضربة عسكرية إلى مطار الشعيرات الذي انطلقت منه الطائرة المحملة بغاز السارين السام والمحرم دوليًا لضرب خان شيخون.
روسيا دمّرت 11 مشفى خلال شهر إبريل/ نيسان الحالي في سورية
كما يهدف القصف الروسي الغير مسبوق لاستكمال تفريغ المنطقة وتهجير أهلها إلى الشمال السوري في إدلب حسب المخطط الذي تسير عليه كل من روسيا والنظام السوري. بالنسبة للمعارضة السورية فلا يمكن الاستهانة بريف حماة الشمالي والتخلي عنه بسهولة فهو خط الدفاع الأول عن محافظة إدلب، التي باتت اليوم المعقل الأبرز للمعارضة السورية والذي عمد النظام السوري وروسيا إلى توجيه المهجرين إليها من مدنيين وعسكريين من مناطق في ريف حمص ودمشق وحلب.
أفشلت المعارضة حتى الآن أغلب عمليات التقدم التي تقوم بها الميليشيات المهاجمة والموالية للنظام السوري، إلا أن هذا الصمود يحتاج إلى دعم دولي ليستمر ويحقق نجاحًا وإلا ستستمر الآلة العسكرية في استراتيجيتها حتى تحقيق ما تصبو إليه، وعلى رأس ذلك الدعم تغيير حقيقي في موقف واشنطن من النظام السوري برمته لا يقتصر فقط على استخدامه الكيماوي، فإذا قتل النظام في خان شيخون 100 شخص فإن البراميل المتفجرة والصواريخ الفراغية الروسية تقتل كل يوم العشرات بدون هوادة.