ترجمة وتحرير: نون بوست
في أعقاب الانقلاب العسكري على حكم الإخوان المسلمين الذي جدّ في مصر سنة 2013، حذّر العديد من الناس من إمكانية تغيير الحركة “لتكتيكاتها” التي من المفترض أن تقوم أساسا على استخدام العنف، بيد أن نسبة ضئيلة من جماعة الإخوان قرروا فعلا حمل السلاح.
في حين يعد البحث في أسباب التطرف محور اهتمام أغلب السياسات، يثير الإخوان المسلمون في مصر سؤالا على نفس القدر من الأهمية؛ لماذا، على الرغم من التدابير التي اعتمدها النظام منذ سنة 2013 ضد جماعة الإخوان المسلمين، لم يلجأ سوى أقلية قليلة منهم إلى استعمال العنف؟ ويتمثل الجواب عن هذا السؤال في موقف القيادة، وإدراكهم لتكاليف استعمال العنف، فضلا عن الفكرة التي يدافع عنها جماعة الإخوان والمتمثلة في أنهم حركة غير عنيفة.
في الواقع، أدت تنحية الرئيس محمد مرسي، أحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، من السلطة في يوليو/تموز سنة 2013، وما أعقبه من قمع من جانب السلطات المصرية، إلى انقسام داخل الجماعة بين القيادة القديمة التي تصر على استعمال طرق سلمية لمقاومة النظام والقيادة الجديدة التي تدافع عن استخدام العنف المحدود، أو ما يسمونه بالنهج “المؤلم غير العنف”.
يتمثل الجواب عن هذا السؤال في موقف القيادة، وإدراكهم لتكاليف استعمال العنف، فضلا عن الفكرة التي يدافع عنها جماعة الإخوان والمتمثلة في أنهم حركة غير عنيفة
ومن هذا المنطلق، استخدمت القيادة القديمة مهاراتها التنظيمية لإيصال أتباعها إلى المناصب العليا من أجل السيطرة على مختلف مكاتب الإدارة في الحركة. فضلا عن ذلك، لعب الجانب المالي أيضا دورا مهما للضغط على الأطراف التي تدعم استراتيجية القيادة الجديدة.
من جانب آخر، تأثر موقف القيادة القديمة بعاملين رئيسيين؛ أولا، الضغط المسلط عليهم من قبل الإخوان المسلمين خارج مصر للتخلي عن استعمال أي نوع من العنف وذلك من أجل حماية صورة الإخوان كحركة غير عنيفة. وثانيا، الرغبة في منع القيادة الجديدة من توسيع سيطرتها على المنظمة.
عموما، لاقت فكرة استخدام “العنف العقلاني” رواجا في صفوف بعض أعضاء الحركة. وعلى الرغم من ذلك، كانوا على دراية كاملة بأن تكلفة استخدام العنف ستكون أكبر بكثير من فوائدها، وهو ما يُفسر سبب حجب القادة القدامى للدعم المالي المخصص لتوريد الأسلحة، ولأسر الأعضاء الذين قُتلوا أو سُجنوا بسبب استخدامهم للعنف.
علاوة على ذلك، دفع العديد من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين ثمن الوقوف في وجه النظام المصري، خاصة بعد ما مرت به الجماعات الإسلامية التي حاولت تحدي سلطة الدولة في الثمانينيات والتسعينيات. كما ساهمت التجارب التي جرت خارج مصر في تشكيل خيارات حركة الإخوان المسلمين، على غرار المواجهة التي دارت بين الإخوان المسلمين والنظام السوري خلال الثمانينات، والتي هزم خلالها النظام السوري بعنف الحركة.
ساهمت التجارب التي جرت خارج مصر في تشكيل خيارات حركة الإخوان المسلمين، على غرار المواجهة التي دارت بين الإخوان المسلمين والنظام السوري خلال الثمانينات، والتي هزم خلالها النظام السوري بعنف الحركة
عموما، كان نبذ العنف جزءا أساسيا من الأفكار التي تأسست عليها الحركة منذ 40 سنة. وفي حين أن هناك نقاش إيديولوجي داخلي حول ما إذا كانت المنظمة تسمح باستخدام العنف أم لا، على مدى العقود الأربعة الماضية، ناهضت جماعة الإخوان استعمال النهج الجهادي الذي يقوم على استخدام العنف السياسي.
من ناحية أخرى، عملت الحركة على غرس هذه الأفكار داخل المؤسسة من خلال اعتمادها على شروط العضوية، إذ يتم البت في قبول الأعضاء أو رفضهم بناءً على مواقفهم من استخدام العنف. كما أن هناك أوامر واضحة بعدم إعطاء العضوية لأي شخص تحوم حوله شكوك تتعلق بآرائه بشأن هذه المسألة.
في الحقيقة، كانت لهذه العوامل تأثير كبير على مواقف أغلب الأعضاء في حركة الإخوان المسلمين، إذ أدت إلى امتناع معظمهم عن استخدام العنف السياسي. ولكن تجدر الإشارة إلى أن هذه العوامل لا يكون لها نفس التأثير على الجماعات المختلفة المرتبطة بالإخوان، وربما لن يكون لها نفس التأثير حتى مع مرور الوقت.
من ناحية أخرى، سيكون لهذه العوامل تأثير أكبر بكثير على فئة الشباب، خاصة أولئك الذين سجنوا بعد سنة 2013. وخير دليل على ذلك، تصريح أحد أعضاء الحركة الذي قضى عامين في السجن، والذي رفض أن يكشف عن هويته، حيث قال: “أظن أنه بعد سنة 2013، أصبح شخص من بين خمسة أشخاص يقبعون داخل السجون أكثر استعدادا لاستخدام العنف السياسي”. وبالتالي، لا تملك القيادة نفس التأثير على الأعضاء الجدد الذين انتسبوا منذ بضع سنوات للحركة والذين لا يكنون نفس الاحترام و”الطاعة” لرؤساء الجماعة.
الجدير بالذكر أنه عندما تقبع هذه الفئة في السجون، فستصبح على تواصل مع الجهاديين الذين تستند أيديولوجيتهم أساسا على استعمال العنف
وبالنسبة لعدد كبير من الأعضاء، الذين انقطعوا عن دراستهم، فإنهم يشاطرون العديد من الشبان المصريين شعورهم بالإحباط تجاه الوضع السائد في البلاد. وبالتالي، ليس هناك ما يخسرونه في حال خيّروا اللجوء لاستعمال العنف. والجدير بالذكر أنه عندما تقبع هذه الفئة في السجون، فستصبح على تواصل مع الجهاديين الذين تستند أيديولوجيتهم أساسا على استعمال العنف.
وبالتالي، بمجرد إطلاق سراحهم، سوف يشكلون تحديا لقادة الإخوان المسلمين فيما يتعلق بإعادة إدماجهم. وحتى الآن، أدت قيادة الحركة، بالإضافة إلى فهمهم لحدود العنف وتاريخ الإخوان إلى الحد من تأثير هذه الأيديولوجية. في ظل خيبة الأمل الكبرى للمنتسبين لجماعة الإخوان إزاء التجاذبات المتعلقة بقيادة المنظمة فضلا عن غياب إستراتيجية متماسكة لمواجهة النظام، تبدو رسالة العنف أكثر “إغراء” وهو ما من شأنه أن يستقطب أكبر عدد من الأعضاء في المستقبل.
المصدر: تشاتام هاوس