يومًا بعد يومٍ، تتفاقم الأوضاع الإنسانية والمعيشية والاقتصادية المتصاعدة في قطاع غزة، بفعل الحصار الإسرائيلي المشدد المفروض للعام الحادي عشر على التوالي، وما أكمل حلقات الحصار الخانقة على الغزيين، الخطوات “الحاسمة” التي نفذها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، مؤخرًا وأصابتهم في مقتل وشلت حياتهم.
الجميع كان يعتقد أن خطوة الرئيس عباس “الانتقامية” ضد قطاع غزة وحركة حماس على وجه الخصوص، ستتوقف عند قرار حكومته بإجراء خصومات تصل من 30-40% على قيمة رواتب 60 ألف موظف تابع للسلطة في غزة، ليضغط على حماس بورقة الاقتصاد القوية، لكن الأمر تعدى ذلك بكثير.
فنفذ خطوات أخرى أشد قسوة، ستجعل القطاع يعاني أكثر ويعيش ما يقارب المليوني فلسطيني في ظلام دامس، حين أبلغت السلطة الفلسطينية أنها ستتوقف عن دفع ثمن إمدادات الكهرباء الإسرائيلية إلى غزة، في ظل الأزمة الشديدة التي يعاني منها القطاع منذ أسبوعين ولا يرى فيها الكهرباء إلا 4 ساعات طول اليوم.
ساعة الانفجار اقتربت
في ظل حصار بري وبحري وجوي مشدّد، سكّان غزة لا يزالون حتى هذه اللحظة يدفعون الثمن نفسيًا وصحيًا واجتماعيًا، كيف لا وقد توحّدت جهود لأول مرة، من السلطة الفلسطينية والدول العربية و”إسرائيل”، ووصلت إلى قاسم مشترك وتنسيق متقن، في خنق القطاع حتى يرفع الراية البيضاء.
وكأن الحصار والخناق والأزمات أصبحوا قدرًا لا مفر منه على الفلسطينيين وخاصة سكان غزة، فما إن يخرجوا من أزمة بشق الأنفس، حتى تواجههم أزمة جديدة أشد من سابقتها تثقل من حياتهم وتقتلها ببطء، الأمر الذي أوصل أهل القطاع وفصائله للتحذير من ساعة الانفجار القادمة في وجه الجميع.
مسؤول كبير في حركة حماس، حذر من انفجار الوضع ليطال جميع المنطقة في حال استمرت الإجراءات “التضييقية” على قطاع غزة، مرجحًا تدخل المجتمع الدولي لمنع تدهور الأمور إلى درجة قد تؤدي إلى انفجار الوضع الذي يعرض مصالح “إسرائيل” للخطر.
وقال القيادي في حماس د. أحمد يوسف: “ما يتم اتخاذه من خطوات من قبل الرئيس والسلطة ليس بسبب تشكيل اللجنة الإدارية بل تعود لمخطط كبير يجري تنفيذه بعد القمة العربية وقدوم الرئيس الأمريكي ترامب يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية”.
حذر البطش القيادي في حركة الجهاد الإسلامي، من الضغوط التي يتعرض لها سكان غزة من قبل السلطة، مؤكدًا أن زيادة الضغط سيولد الانفجار في وجه الاحتلال الإسرائيلي باعتباره المسؤول الأول والأخير عن معاناة غزة
وأوضح القيادي في حركة حماس أن حركته تترقب ما قد يحدث في الفترة القادمة لا سيما وأن القطاع الآن وصل إلى مرحلة قد تؤدي إلى الانفجار في أي لحظة.
كما حذر كذلك خالد البطش القيادي في حركة الجهاد الإسلامي، من الضغوط التي يتعرض لها سكان غزة من قبل السلطة الفلسطينية، مؤكدًا أن زيادة الضغط سيولد الانفجار في وجه الاحتلال الإسرائيلي باعتباره المسؤول الأول والأخير عن معاناة قطاع غزة.
وأوضح البطش أن الخطوات التصعيدية من قبل السلطة تجاه قطاع غزة والتي بدأت بخصم رواتب الموظفين العموميين، وتجديد أزمة الطاقة والوقود، هي خطوات من شأنها زيادة الانقسام والكراهية والشقاق والتباعد الوطني بين أبناء الشعب، مؤكدًا أن من قدم هذه الوصفة للرئيس أبو مازن أو ضغط عليه لينفذها لا يريد الخير للفلسطينيين.
وقال القيادي البطش: “من يريد تحقيق المصالحة عليه أن يساعد الناس ويحل مشاكلهم، أما الضغط فإنه يحمل رسالة للناس مفادها “اذهبوا وانفصلوا”.
عزام الأحمد: حركة حماس أمام خيارين فإما أن تحل اللجنة الإدارية التي شكلتها لإدارة قطاع غزة، وتسلم إدارة القطاع لحكومة الوفاق الوطني ولا ننتظر تشكيل حكومة وحدة وطنية، أو تحمل المسؤولية، وتتحمل مصاريف الحكم كاملة
وأضاف، أنه على مدار الأعوام العشر الماضية كان هناك تحذيرات من انفصال غزة عن المشروع الوطني، والتحذير من محاولات قذف غزة في وجه مصر، وكان البعض يتهم ويحذر من حركة حماس في هذا الشأن، ولكن اليوم هذه الإجراءات العقابية من قبل السلطة الفلسطينية ضد غزة تقول للناس اذهبوا وابحثوا عن بديل آخر.
وكان عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عزام الأحمد قد قال: “حركة حماس أمام خيارين فإما أن تحل اللجنة الإدارية التي شكلتها لإدارة قطاع غزة، وتسلم إدارة القطاع لحكومة الوفاق الوطني ولا ننتظر تشكيل حكومة وحدة وطنية، أو تحمل المسؤولية، وتتحمل مصاريف الحكم كاملة”، لافتًا إلى أن حركته قررت البدء بخطوات دحر الانقسام.
وسبق تصريحات الأحمد، تهديدات مباشرة من قبل قيادات في حركة فتح، ضد قطاع غزة، ولعل أبرزها ما تحدث به حسين الشيخ، حين قال: “لدينا القرار بإنهاء الانقسام وفق الاتفاقيات الموقعة مع حماس، وإلا فلتتحمل حماس مسؤولياتها كقوة منقلبة متمردة على الشرعية الفلسطينية في قطاع غزة”.
وأضاف: “سننهي الانقسام خلال العام الحالي مهما كلف الثمن”، مؤكدًا أن لدى حماس فرصة حقيقية بتقديمها ونتمنى أن تقدم لنا إجابة قبل البدء بالإجراءات الأخرى المتعلقة بمواجهة الانقسام، التي لا تستهدف المواطن الفلسطيني في قطاع غزة، وإنما ستستهدف الانقلاب”، على حد زعمه.
أوضاع معيشية قاسية
وبالعودة إلى الأوضاع القاسية التي يعيشها سكان غزة بفعل الحصار وخطوات الرئيس عباس الأخيرة، فقد أعلن البنك الدولي، أن النقص المستمر في الوقود والبنى التحتية غير الكافية في قطاع غزة، يتسبب في “أزمة إنسانية” للفلسطينيين المقيمين في القطاع الفقير.
وفي تقرير له أكد البنك الدولي أن المساعدات الدولية وحدها لا تستطيع إنقاذ الاقتصاد الفلسطيني الراكد، دون تغييرات عملية وتعاون من “إسرائيل”.
وهنا أطلقت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة نداء استغاثة أخير للعالم، لإنقاذ القطاع قبل حلول الكارثة الكبيرة والخطيرة.
وقال أشرف القدرة، الناطق باسم وزارة الصحة بغزة، إن أزمة الكهرباء الطاحنة التي يعيش فيها سكان غزة وصلت إلى مرحلة خطيرة للغاية، وباتت كل المستشفيات والعيادات الطبية والمرافق التابعة للوزارة مهددة بالتوقف الكامل عن العمل، وعدم استقبال المرضى الجدد أو تقديم الخدمات لمرضاها داخل المستشفيات.
وأضاف: “ساعة الخطر بدأت تدق في مستشفيات غزة، وفي حال عدم توفير الوقود والكهرباء بشكل عاجل لتشغيل المستشفيات وغرف العمليات والتخدير والعناية المشددة، ستكون الكارثة الكبيرة قد حلت على غزة ومرضاها”.
الآثار الكارثية لأزمة الكهرباء لم تتوقف على أكثر القطاعات تضررًا، وهو “الصحة”، بل امتدت لتشمل باقي مناحي الحياة الاقتصادية واليومية لدى المواطنين
وحذر من توقف عمل 40 غرفة عمليات جراحية، و11 غرفة عمليات نساء وولادة تجرى فيها نحو 250 عملية جراحية وولادة قيصرية يوميًا، إضافة إلى توقف 50 مختبرًا طبيًا، و10 بنوك دم، كما حذر من تداعيات الأزمة على الحالة الصحية لنحو 100 مريض في أقسام العناية المشددة، و113 طفلًا من الخدج في حضانات الأطفال، وتوقف خدمات غسيل الكلى التي تشمل 620 مريضًا يرتادون 117 جهاز غسيل كلوي بواقع 3 مرات أسبوعيًا.
الآثار الكارثية لأزمة الكهرباء لم تتوقف على أكثر القطاعات تضررًا، وهو “الصحة”، بل امتدت لتشمل باقي مناحي الحياة الاقتصادية واليومية لدى المواطنين، فعشرات المصانع والمحال التجارية التي تعتمد على الكهرباء بشكل أساسي أغلقت أبوابها وباتت الحياة متوقفة.
اتحاد بلديات قطاع غزة حذر من كارثة بيئية وصحية تطول مرافق حيوية في القطاع من جراء تفاقم أزمة الكهرباء وسط تحذيرات أيضًا من توقف محطات معالجة مياه الصرف الصحي عن العمل، وأزمة في مياه الشرب ستطول جميع مناطق القطاع.
وقال نزار حجازي رئيس بلدية غزة: “قطع التيار الكهربائي ينذر بحدوث أزمة حقيقية، ستؤثر بشكل كبير في جودة الخدمات الأساسية المقدمة للمواطنين”، داعيًا إلى تضافر الجهود كافة لإيجاد حل عاجل ودائم للأزمة.
يواجه القطاع البالغ عدد سكانه نحو مليوني نسمة حصارًا منذ يونيو 2006 إثر خطف جندي إسرائيلي، لكن تم تشديده في يونيو 2007 بعد سيطرة حماس على القطاع
وتتوقف محطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع عن العمل بعد نفاد الوقود لمولداتها، وتقوم بتقنين الكهرباء بأربع ساعات يوميًا، وتضطر حماس لاستيراد الوقود للمولدات من السلطة الفلسطينية، لكنهما على خلاف مستمر بخصوص الدفع، مما يؤدي إلى نقص مستمر في الإمدادات.
ويواجه القطاع البالغ عدد سكانه نحو مليوني نسمة حصارًا منذ يونيو 2006 إثر خطف جندي إسرائيلي، لكن تم تشديده في يونيو 2007 بعد سيطرة حماس على القطاع، ويبقى معبر رفح، المتنفس الوحيد للقطاع الذي يعاني أزمة إنسانية وركودًا اقتصاديًا، مغلقًا غالبية الأيام.
وتبلغ نسبة البطالة في قطاع غزة أكثر من 40%، في حين يعتمد 80% من السكان على المساعدات الإغاثية المقدمة من وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، ومؤسسات محلية ودولية أخرى.