صرح المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين، الأربعاء 26 من أبريل/ نيسان 2017، بأن الرئيس رجب طيب أردوغان سيبدأ خلال أيام جولة رسمية يزور خلالها كلًا من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين والهند.
يحل أردوغان ضيفًا على الولايات المتحدة في 16 من مايو/ أيار، وتأتي الزيارة بناءً على دعوة من ترامب، ويُتوقع أن تتمحور حول سوريا والعراق، وتسليم فتح الله غولن.
وبالتزامن مع الحديث عن لقاءٍ مرتقبٍ مهمٍ بين الطرفين، وصف الرئيس ترامب أحداث 1915 المتعلقة بمقتل عددٍ من مواطني الدولة العثمانية الأرمن “بأسوأ الفظائع”، متجنبًا وصفها بالمجازر كما فعل أوباما سابقًا، أو بالإبادة الجماعية كما ترغب الأطراف ذات العلاقات السيئة مع تركيا.
ورغم تنسيق تركيا ضرباتها العسكرية التي استهدفت مواقع لأحزاب كردية تصنفها على أنها إرهابية، مع الولايات المتحدة، فسر بعض المتابعين تصريحات ترامب عن أحداث 1915 بإحدى الشواهد المؤكدة لاستمرار فتور العلاقات التركية الأمريكية كما كانت في عهد أوباما، فما صحة تلك التحليلات؟
هيمنت عدة محطات اختلاف بين الولايات المتحدة وتركيا إبان إدارة أوباما، ولكن مع ولوج ترامب لمقاليد الحكم رأت تركيا فيه الرجل المخلِص لها من الأزمات العالقة في المنطقة، وبالأخص الأزمة السورية
في الحقيقة، هيمنت عدة محطات اختلاف بين الولايات المتحدة وتركيا إبان إدارة أوباما، ولكن مع ولوج ترامب لمقاليد الحكم رأت تركيا فيه الرجل المخلِص لها من الأزمات العالقة في المنطقة، وبالأخص الأزمة السورية، وذلك استنادًا للملامح الأولية التي طرأت على مواقف شخصيات إدارة ترامب التي وُصفت بالواقعية والعقلانية الراغبة في الحفاظ على حلفائها التقلديين.
عند التعريج على الأسباب التي تدفع بتركيا للظهور وكأنها مصرةٌ على التقارب من الولايات المتحدة، ومخاطبةٌ ودها لإحراز تحرك مشترك في سوريا، نجد أن هذه الأسباب متنوعة، لكن يبدو أن إيقان تركيا بأن مصلحتها وأمنها القوميين مصونان، ولو بشكل نسبي، في إطار وجودها داخل القطب الغربي أكثر من وجودها في القطب الروسي، هو الفارق الأساسي في الإبقاء على سعيها الحثيث لتحقيق تعاون مشترك مع الولايات المتحدة رأس القطب الغربي.
وفي سياق ذلك، تُدرك تركيا، على الأرجح، أن تحالفها الذي أقامته مع روسيا لفترة وجيزة، من أجل كسب موقفها الداعم لتحركها في محيط جرابلس والباب عبر معركةٍ عسكرية، وبالتالي تجنب الصدام معها ومع النظام السوري كون ذلك المحيط يقع في إطار نطاقهما الجوي لا نطاق الولايات المتحدة، عاد عليها بالكثير من الخسائر.
خسائرٌ تجلت في ضعف المعارضة السورية المدعومة من طرفها، بينما ازدادت شوكة وحدات الحماية الكردية المدعومة جزئيًا من قبل روسيا التي تتخذها وتدًا للضغط على تركيا، أي استمرار روسيا في امتلاك أداة ضغط فاعلة على تركيا التي فقدت أداتها بفعل التحالف السياسي والميداني، بالإضافة إلى أن مياهها الإقليمية وحدودها القومية ومصالحها الجيو ـ استراتيجية في سوريا باتت واقعة تحت وطأة تهديد التمدد الروسي الإيراني المتنامي بعد بزوغ أنباء عن توقيع اتفاقيات اقتصادية واسعة بينهما والنظام السوري، تحصلان بموجبها على بناء مواني بحرية في مدينة طرطوس، وتستحوذا على مقدرات سوريا لسنوات مديدة، فضلًا عن الصاعقة التي أصابتها بعد تمركز قوات روسية في محيط عفرين التي لا تبعد عن حدودها سوى 5 كيلومترات.
ناهيك عن احتدام العلاقات بينها وبين إيران التي اتجهت نحو توسيع نطاق نفوذها في العراق نكايةً بتركيا التي لم تخرج بهذا التحالف سوى بعودة السياح الروس إليها، وتوقيع خط “السيل التركي” الذي يصب في صالح الاقتصادي الروسي أكثر من اقتصادها.
دراية تركيا بوجود منافسة سياسية وميدانية شديدة بين روسيا وبريطانيا هي الدافع الثالث وراء إبقائها على الأمل للتعاون مع الولايات المتحدة، فتعي تركيا أن بريطانيا تلمس الرجوع إلى الساحة الدولية بثقلها الدبلوماسي المستقل عن الاتحاد الأوروبي
وربما دراية تركيا بوجود منافسة سياسية وميدانية شديدة بين روسيا وبريطانيا هي الدافع الثالث وراء إبقائها على الأمل للتعاون مع الولايات المتحدة، فتعي تركيا أن بريطانيا تلمس الرجوع إلى الساحة الدولية بثقلها الدبلوماسي المستقل عن الاتحاد الأوروبي عبر إبراز نفوذها في المسألة السورية التي باتت تُظل بظلالها على المحافل الدولية كافة، وعبر خدمة مصالح دول الخليج في سوريا القائمة على قضم جذور إيران وروسيا في المنطقة.
لذا ترغب في الاستفادة من الدور البريطاني المتنامي في المنطقة في خدمة مصالحها المتقاطعة مع مصالح دول الخليج، والاعتماد على بريطانيا كأداة ضغط ليس على الولايات المتحدة وحسب بل على التحالف الدولي ككل لرعاية المصالح التركية، ولكسب الموقف البريطاني، لا شك أن تركيا بحاجة للظهور على أنها مائلة للتعاون مع الولايات المتحدة والقطب الغربي.
بعد ظهور شواهد التحامل الشخصي للشخصيات الفاعلة في إدارة ترامب تُجاه سياسة أوباما السابقة، والتي، أي الشخصيات، خدم معظمها في منطقة الشرق الأوسط، واضطر بعضها لتقديم استقالته احتجاجًا على آلية الانسحاب من العراق، بذريعة تسليمه لإيران تسليم اليد، مع التحامل الحزبي، ممثلًا بالحزب الجمهوري الذي يرى أن الحزب الديمقراطي أضر “بالهيبة الدبلوماسية” للولايات المتحدة، نتيجة تطبيقه سياسة “حسن الجوار” بشكلٍ خاطئ.
دُفعت القيادة التركية نحو الاعتقاد بأن إدارة ترامب ستسلط تركيزها الأكبر على منطقة الشرق الأوسط، لاسترجاعها من الهيمنة الروسية والإيرانية، عبر تطبيق سياسة “العصا الغليظة” أو “التطويق” ضد روسيا وإيران، لا سيما بعد تصريح الولايات المتحدة باحتمال كبير لوجود دعم روسي “للإرهابيين” في أفغانستان، وظهور بوادر احتدام بين الطرفين بعد استهداف النظام السوري لخان شيخون، وتفعيل التحالفات الإقليمية مع الدول الحليفة في المنطقة، وهذا ما دفعها لتعليق آمال كبيرة على الإدارة الأمريكية الجديدة.
تُفسر زيارات المسؤولين الأمريكيين رفيعي المستوى إلى تركيا، كوزير الدفاع ونائب الرئيس، على أنها محاولات أمريكية لاسترضاء تركيا، وعدم خساراتها بشكل كامل عبر محاولة التوصل إلى حل وسط بين التحالف معها والتحالف مع قوات الحماية الكردية
أيضًا، قد تُفسر زيارات المسؤولين الأمريكيين رفيعي المستوى إلى تركيا، كوزير الدفاع ونائب الرئيس، على أنها محاولات أمريكية لاسترضاء تركيا، وعدم خساراتها بشكل كامل عبر محاولة التوصل إلى حل وسط بين التحالف معها والتحالف مع قوات الحماية الكردية، ولعل استمرار حالة وجود أمل في إشراك الولايات المتحدة لقوات المعارضة السورية الحليفة لتركيا في عملية تحرير الرقة ومن ثم دير الزور، لتشكيل عنصر موازن لقوات الحماية الكردية التي قد تتجه للتعاون مع روسيا وإيران في أي وقت، واحتواء أي تصعيد قد يظهر للسطح في الرقة ودير الزور العربيتين في حال سيطر عليهما “الأكراد”، أحد دوافع تركيا للمشاركة في عمليات تقودها الولايات المتحدة في سوريا.
إذًا، عوامل عدة تقف وراء إبقاء تركيا على آمالها للتحالف مع الولايات المتحدة، لكن عوامل عدة أيضًا قد تعيق إحراز تركيا ما ترنو إليه من تحالفٍ مطلق، ربما أبرزها:
ـ فعالية القوات الكردية التي تشكل عنصر إقناع مؤثر للولايات المتحدة للاستمرار في تحالفها معها، وتمثل لها وتدًا لتوسيع نفوذها في سوريا.
ـ افتقار البيت الأبيض لخطة استراتيجية شاملة حيال منطقة الشرق الأوسط عامةً، والملف السوري خاصةً، الأمر الذي يخيف القيادة الأمريكية من التحرك التحالفي الكامل مع تركيا، لكيلا تحصل على فرصة ضرب وحدات الحماية الكردية من أسفل الجدران، أي بشكلٍ غير مباشر يتم عبر قوات المعارضة المحالفة لها.
ـ الولايات المتحدة الأمريكية عبارة عن قوة عظمي، ولكن ذلك لا يعني أنها قد لا تفقد السيطرة في منطقةٍ ما، فبريطانيا التي تعتبر قوة عظمى، وإن لم تكن بقدر الولايات المتحدة، شرعت في إبراز وجودها في شرقي سوريا علانيةً، تعبيرًا عن نيتها في تنفيذ عملية عسكرية، ويبدو أن ذلك جعلها تخشى من منح تركيا فرصة كاملة، حتى لا ترجح كفة الميزان لصالح تركيا وبريطانيا في شرقي سوريا على حساب مصالحها هناك.
في الختام، قد يكون هناك دعمًا أمريكيًا لتركيا، حتى لا تتم خسارتها بالكامل، لكن عند وضع المحددات المذكورة أعلاه يتضح أن هذا الدعم الأمريكي قد يبقى في إطارٍ محدود، ويؤكد أن العملية العسكرية التركية في سوريا ستضطر للانتظار حتى تتضح ملامح الاستراتيجية الأمريكية حيال الملف، تلك الاستراتيجية التي سترسم حدود التحرك التركي.