يتواصل لليوم الـ26 على التوالي القصف الإسرائيلي على مناطق عدة بقطاع غزة مخلفًا المزيد من الشهداء، وذلك بعد المجزرة المروعة في جباليا أمس الثلاثاء التي أسفرت عن سقوط 400 بين شهيد وجريح، وحتى أمس، بلغ العدد الإجمالي للشهداء 8525، بينهم 3542 طفلًا و2187 امرأة، بالإضافة إلى 22 ألف مصاب.
تتواصل الجرائم الإسرائيلية في حق المدنيين العزّل بغزة والضفة الغربية وكامل فلسطين المحتلة، ويتواصل معها الصمت العربي والغربي المخزي، ما يمنح الاحتلال الإسرائيلي الضوء الأخضر للمزيد من الجرائم الشنيعة.
في الأثناء، تبرز بعض المواقف الدولية المتقدمة، خاصة من بعض دول أمريكا اللاتينية التي أقدمت على خطوات جريئة تنديدًا بالجرائم الإسرائيلية وتضامنًا مع الشعب الفلسطيني الذي يطمح في العيش بسلامة بعيدًا عن الهمجية الصهيونية.
خطوات لاتينية جريئة
في خطوة متقدمة وجريئة، أعلنت كل من تشيلي وكولومبيا مساء أمس الثلاثاء سحب سفيريهما من الكيان الإسرائيلي احتجاجًا على عدوانه المتواصل على قطاع غزة، وقال الرئيس التشيلي غابرييل بوريك في هذا الشأن “لا يهم مقدار ما تملكه الدولة من قوة، نحن بحاجة لأن تقف سياستنا الخارجية مع حقوق الإنسان وأن تدافع عنها بكل ما أوتيت من قوة”.
وينتمي الرئيس التشيلي بوريك البالغ من العمر 36 سنة لليسار التقدمي، ومعروف بأنه من منتقدي الكيان الإسرائيلي، وحينما كان نائبًا في البرلمان أيد مشروع قانون يقترح مقاطعة البضائع الإسرائيلية من المستوطنات في الضفة الغربية والقدس ومرتفعات الجولان المحتلة، ويذكر أنه يوجد في تشيلي نحو 400 ألف مواطن من أصل فلسطيني، مقابل جالية يهودية صغيرة نسبيًا تقدر بنحو 18 ألف شخص.
ومن جانبه، أعلن رئيس كولومبيا غوستافو بيترو استدعاء سفير بلاده لدى “إسرائيل” للتشاور، احتجاجًا على الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، وقال بيترو “إذا لم توقف إسرائيل المذبحة بحق الشعب الفلسطيني، فلن نتمكن من البقاء هناك”.
دعا المرشد الإيراني الدول الإسلامية إلى وقف تصدير النفط والغذاء إلى الكيان الإسرائيلي
ومنتصف الشهر الماضي، طلب وزير الخارجية الكولومبي ألفارو ليفا من السفير الإسرائيلي في بوغوتا “الاعتذار والمغادرة”، بعد رد الدبلوماسية الإسرائيلية على تصريحات للرئيس بيترو تناول فيها الحرب بين “إسرائيل” وحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، ووصف ليفا على حسابه على منصة “إكس” تصريحات السفير غالي داغان ردًا على بيترو بأنها “وقاحة مجنونة”، رغم أن “إسرائيل” تعد من أكبر مزودي الجيش الكولومبي بالأسلحة.
وكان الرئيس الكولومبي شبّه الهجمات الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة باضطهاد النازيين لليهود خلال الحرب العالمية الثانية، كما قررت بلاده إرسال مساعدات إنسانية إلى سكان قطاع غزة الذين يعانون جراء تواصل الهجمات الإسرائيلية ضدهم.
كنت سفيرا في ٤ دول في امريكا اللاتينية
وزرت معظم دول امريكا اللاتينية
أحبها ولي فيها أوثق العلاقات
سعدت بأن كولومبيا وتشيلي وبوليفيا قطعت علاقاتها مع اسرائيل
احتجاجا على ممارساتها اللا إنسانية
أشعر كعربي بأنها أحرجتني لأن (عربا) لم يفعلوا ذلك#فلسطين #بوليفيا #تشيلي #كولومبيا
— Hamad Al-Kawari (@alkawari4unesco) November 1, 2023
في سياق متصل، أعلنت حكومة بوليفيا – الثلاثاء – قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الكيان الإسرائيلي، نظرًا لارتكابه جرائم ضد الإنسانية في هجماته على قطاع غزة، وفق ما جاء في مؤتمر صحفي مشترك للمتحدثة باسم الرئاسة البوليفية ماريا نيلا برادا وفريدي ماماني نائب وزير الخارجية.
وأوضح ماماني أن حكومة بلاده قررت قطع العلاقات الدبلوماسية مع “إسرائيل”، رفضًا وإدانة للهجوم العدواني وغير المتكافئ الذي يُشن في قطاع غزة، وقال: “بوليفيا ترفض جميع أشكال المعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”.
وشدد المسؤول البوليفي على ضرورة وقف إطلاق النار على الفور، مضيفًا أن “الهجوم العسكري وغير المتناسب الذي تشنه إسرائيل في قطاع غزة يهدد السلام الدولي، وتجب إدانته بالطريقة نفسها، وينبغي عدم منع دخول الأغذية والأدوية والإمدادات الإنسانية إلى غزة”.
مواقف دولية متقدمة
بدورها، تجاوزت جنوب إفريقيا الدعوة إلى وقف إطلاق النار، أو فتح ممر إنساني للسماح بدخول المساعدات إلى غزة، إلى دعوة الأمم المتحدة لتشكيل قوة سريعة لحماية المدنيين في القطاع، وقالت وزارة الخارجية في جنوب إفريقيا في بيان “قُضي على أجيال كاملة من العائلات في غزة خلال الأسابيع الثلاثة الماضية”.
ودعت جنوب إفريقيا المجتمع الدولي إلى التحقيق بانتهاكات “إسرائيل” للقانون الدولي وقتل الأطفال الفلسطينيين، ومحاسبتها وفق ذلك، وأكمل البيان أنه “في الوضع الحاليّ يجب التحقيق مع من يشجعون ويدعمون ماليًا استخدام “إسرائيل” غير القانوني للقوة بتهمة المساعدة والتحريض على انتهاكات القانون الدولي”.
وتشبّه جنوب إفريقيا محنة الفلسطينيين بما شهدته تحت نظام الفصل العنصري الذي انتهى في 1994، وسبق أن أعرب رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا، عن تضامنه مع الشعب الفلسطيني، وظهر رامافوزا وهو يرتدي الكوفية الفلسطينية في مقطع مصور نشره عبر حسابه الرسمي على منصة “إكس”.
رفض العدوان الإسرائيلي على غزة جاء من طرف الروس أيضًا، حيث أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رفض بلاده قتل الأطفال والنساء والمسنين وترك مئات الآلاف من الناس بلا مأوى وغذاء وماء ورعاية طبية في كارثة إنسانية حقيقية.
استقال احتجاجًا على موقف المجتمع الدولي تجاه الإبادة الجماعية في غزة.. مدير مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان بنيويورك، يقول: “هيئات رئيسية بالأمم المتحدة استسلمت للولايات المتحدة واللوبي الإسرائيلي”، يضيف: “هذه حالة إبادة جماعية نموذجية، لقد دخل المشروع الاستعماري الاستيطاني… pic.twitter.com/pCtbCvhdEu
— نون بوست (@NoonPost) October 31, 2023
أما الرئيس الصيني شي جين بينغ، فقد أعرب عن رغبة بكين في وقف الحرب بين الكيان الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية في أسرع وقت ممكن، مضيفًا أن بلاده مستعدة للعمل مع الحكومات العربية من أجل التوصل إلى حل دائم للصراع، فيما حذر مبعوث الصين الخاص إلى الشرق، تشاي جون، من خطورة الوضع في قطاع غزة.
من جهتها، اتهمت كوريا الشمالية الولايات المتحدة بالوقوف وراء الحرب الحاليّة بين الكيان الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية، وحمّلتها المسؤولية الكاملة عن الحرب التي وصفتها بالمأساة، وقالت وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية الرسمية إن أمريكا هي التي تقود الوضع في الشرق الأوسط، وعمليات القتل الكثيرة في الشرق الأوسط تزداد حدة بسبب التحريض المتحيز والمتعمد من الولايات المتحدة.
وفي إسبانيا، أدانت وزيرة الحقوق الاجتماعية الإسبانية إيوني بيلارا ما تقوم به “إسرائيل” في قطاع غزة من أفعال قالت إنه يمكن اعتبارها “جريمة حرب وإبادة جماعية مبرمجة”، وأكدت بيلارا أن “إسرائيل” تركت مئات الآلاف من الأشخاص دون كهرباء ولا طعام ولا ماء، وتقوم بعمليات قصف للمدنيين، مما يعد عقابًا جماعيًا ينتهك بشكل خطير القانون الدولي الإنساني ويمكن اعتباره جريمة حرب.
قيد نظام الرئيس عبد المجيد تبون المظاهرات المنددة بالجرائم الإسرائيلية والداعمة للفلسطينيين
بدورها، حافظت تركيا على دعمها المعتاد للفلسطينيين، إذ أكد الرئيس رجب طيب أردوغان في أكثر من مناسبة أن بلاده لا يسعها الصمت إزاء ما يحصل، وأنها ستفعل كل ما بوسعها سياسيًا وإنسانيًا وعسكريًا إن اقتضى الأمر، ووصف أردوغان “إسرائيل” بأنها “دولة إرهاب” وهدد بإعلانها “مجرمة حرب أمام العالم”، فيما أكد أن حماس ليست منظمة إرهابية، بل حركة مقاومة مشروعة.
وأعلن الرئيس التركي إلغاء زيارة مفترضة لـ”إسرائيل”، كما قالت وسائل إعلام تركية إن أنقرة أوقفت محادثات التعاون مع الكيان الإسرائيلي بشأن ملف الغاز، وشارك هو وأعضاء حكومته في مسيرة حاشدة منددة بالعدوان الإسرائيلي على غزة.
وبخصوص إيران، فقد جددت دعمها اللامشروط للمقاومة الفلسطينية، ودعا المرشد الإيراني الدول الإسلامية إلى وقف تصدير النفط والغذاء إلى الكيان الإسرائيلي، وقبل ذلك حذر الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي من أن “جرائم النظام الصهيوني تجاوزت الخطوط الحمراء، الأمر الذي قد يدفع الجميع إلى التحرك”، مضيفًا، في تغريدة بمنصة “إكس”، أن الولايات المتحدة وجهت رسائل إلى محور المقاومة، لكنها واجهت ردًا عمليًا وعلنيًا على الأرض.
مواقف عربية مخزية
أمام هذه المواقف المتقدمة من بعض الدول، تبرز مواقف عربية مخزية، إذ اكتفت السعودية مثلًا بالدعوة لعقد دورة غير عادية لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة برئاسة المملكة العربية السعودية، في العاصمة الرياض يوم 11 نوفمبر/تشرين الثاني الحاليّ، أي أن الوضع الآن لا يتطلب قمة.
رأت السعودية أن أفضل وقت للقمة الطارئة يكون بعد أكثر من شهر على بدء العدوان الإسرائيلي ضد غزة، لكنها في الوقت نفسه فتحت أبوابها أمام الفنانين والمغنيين لإقامة فعاليات موسم الرياض في موسمه الرابع.
انطلق موسم الرياض على وقع حمام الدم في غزة وعلى وقع الجرائم الإسرائيلية المتواصلة في حق الفلسطينيين، ولم تولِ السعودية أي اهتمام للدعوات المتكررة لتأجيل انطلاق فعالية هذا المهرجان.
أما في مصر، فقد كانت الخيبة أكبر، فالقاهرة لم تتحرك لفتح معبر رفح وهي المسؤولة عنه، ولم تسمح للمساعدات الإنسانية المتراكمة عند المعبر من الوصول إلى غزة لمعاضدة جهود الفلسطينيين في التصدي للعدوان الإسرائيلي المتواصل ضدهم.
أرغم حظر النفط العربي على الغرب في سبعينيات القرن الماضي كلًا من بريطانيا وفرنسا على اتخاذ موقف الحياد من دعم “إسرائيل” وكبّد الأسواق الغربية خسائر فادحة.. لماذا لا تتخذ الدول العربية قرارًا مشابهًا في العدوان الإسرائيلي الحالي على غزة؟ pic.twitter.com/h49xybwNVe
— نون بوست (@NoonPost) October 31, 2023
في الجزائر، قيّد نظام الرئيس عبد المجيد تبون المظاهرات المنددة بالجرائم الإسرائيلية والداعمة للفلسطينيين، واكتفى مسؤولو النظام كعادتهم بالتهديد والاستنكار رغم أن بيدهم الكثير من أوراق الضغط التي يمكن تفعيلها.
لكن يبقى موقف الإمارات مما يجري في غزة الأكثر خزيًا، إذ قالت وزارة الخارجية الإماراتية إن الهجمات التي تشنها حركة المقاومة الإسلامية “حماس” ضد المدن والقرى الإسرائيلية القريبة من قطاع غزة، تشكل تصعيدًا خطيرًا وجسيمًا، وفق نص البيان، وأعربت دولة الإمارات العربية المتحدة عن تعازيها لأسر الضحايا.
لم يطلب أحد من القادة العرب إرسال جيوشهم لتحارب في قطاع غزة، بل المطلوب منهم فقط اتخاذ موقف عربي موحد لإنقاذ سكان القطاع من هول الجرائم الإسرائيلية وإيصال المساعدات الإنسانية الرابضة على مشارف معبر رفح.