قرر رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد، مساء أمس الأحد، إعفاء كل من وزيرة المالية لمياء الزريبي ووزير التربية ناجي جلول من مهامهما، وتكليف كل من وزير التعاون الدولي والاستثمار فاضل عبد الكافي ووزير التعليم العالي سليم خلبوس بالإشراف على الوزارتين بالنيابة.
وزير المالية ضحية تصريحاتها المثيرة
بعد أيام قليلة من تصريحاتها المثيرة للجدل، قرّر رئيس الحكومة التونسية، إعفاء وزيرة المالية لمياء الزريبي من منصبها، وكانت تصريحات الزريبي، حسب عديد من الخبراء، سببًا في انهيار قيمة الدينار التونسي أمام العملات الأجنبية بعدما أعلنت أن الحكومة تنوي تحرير الدينار خلافًا لتوجه الحكومة الرسمي.
حذرت الزريبي من أن الانزلاق الكبير والمفاجئ للدينار ستكون له تداعيات أبرزها التضخم مثلما حدث في مصر
وقالت الزريبي في الـ19 من أبريل الماضي في تصريح لإذاعة محلية خاصة، إن البنك المركزي التونسي سيقلص تدخلاته في ضخ العملة الأجنبية بالسوق وسيخفض قيمة الدينار تدريجيًا، لكنه لن يسمح بانزلاق كبير للعملة المحلية مثلما حدث في مصر عندما جرى تعويم الجنيه.
وأضافت الزريبي خلال مقابلة مع إذاعة إكسبريس إف إم المحلية، عقب توصل حكومة بلادها إلى اتفاق مبدئي مع بعثة صندوق النقد الدولي لصرف دفعة ثانية بقيمة 320 مليون دولار مؤجلة من قرض إجمالي بقيمة 2.8 مليار دولار، أن خفض الدينار سيكون تدريجيًا، مشيرة إلى أن الخطوة تأتي ضمن نقاشات جرت مع صندوق النقد الدولي.
وزيرة المالية المقالة لمياء الزريبي
وحذرت الزريبي من أن الانزلاق الكبير والمفاجئ للدينار ستكون له تداعيات أبرزها التضخم مثلما حدث في مصر، وتجاوز معدل التضخم السنوي في مصر مؤخرًا 32% بعدما حررت الحكومة سعر الصرف في نوفمبر 2016، وذكرت الوزيرة أن الخبراء يرون أن القيمة الحقيقية للعملة التونسية مقارنة باليورو هي ثلاثة دنانير، ويبلغ سعر اليورو حاليًا 2.55 دينار تونسي، ويعتقد خبراء أن ترك الدينار حرًا سيجعله تحت رحمة واقع التوازنات الاقتصادية الحالية إلى أن يصل إلى نقطة التوازن في السعر الحقيقي.
تصريحات أعقبها جدل كبير
أثارت هذه التصريحات جدلاً وانتقادات واسعة في تونس، حيث أكّد عديد من الخبراء في المجال المالي أن الوزيرة تدخّلت في صلاحيات البنك المركزي، محدثة هلعًا كبيرًا في سوق الصرف بتصريحاتها، باعتبار أن تدهور العملة المحلية ستكون له تداعيات سلبية للغاية على الاستثمارات وعلى تنافسية الشركات والتضخم وعجز الميزان التجاري وارتفاع نسبة الدين والفوائد المنجرّة عن ذلك إلى جانب التوازنات المالية للبلاد.
الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية)، اعتبر التصريحات “غير مسؤولة” ومربكة للاقتصاد والمؤسسات
من جانبه، انتقد الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة تصريحات وزيرة المالية واعتبرها “سلبية” على المؤسسة والاقتصاد، وطالبت منظمة الأعراف الحكومة بتوضيح الأسباب التي حكمت على الدينار التونسي بالتراجع إلى هذا الحدّ المخيف، معتبرة في بيان أن ذلك يمثل خطرًا حقيقيًا على الاقتصاد التونسي والمؤسسة الاقتصادية.
وهو الموقف ذاته الذي عبر عنه الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية)، حيث اعتبرها تصريحات “غير مسؤولة” و”مربكة” للاقتصاد والمؤسسات، من شأن انهيار العملة أن يؤثّر سلبًا على تكلفة إرجاع الديون وحجم المديونية وعلى ارتفاع التضخم الذي سيزيد بشكل كبير بسبب غلاء قيمة الواردات، وبالتالي ستكون تأثيراته سلبية على المؤسسات وعلى القوة الشرائية للمواطن، حسب عديد من الخبراء.
تراجع العملة التونسية أمام العملات الأجنبية بعد تصريحات الوزيرة المقالة
وعقب هذه التصريحات قفز سعر اليورو إلى 2.7 دينار قبل أن يتراجع قليلاً إلى 2.6 دينار، وبعدما كان سعر اليورو يساوي قبل أسبوع نحو 2.55 دينار، بينما قفز سعر الدولار إلى 2.55 دينار قبل أن يشهد بدوره تراجعًا طفيفًا ليصل إلى 2.4 دينار، بعد أن كان سعر الدولار يساوي نحو 2.26 دينار ومع ذلك يتوقع الخبراء أن ينخفض الدينار أكثر.
ويتّهم تونسيون صندوق النقد الدولي بفرض إملاءات على تونس من بينها تخفيض قيمة العملة المحلية “الدينار”، وهو ما ينفيه الصندوق، حيث أكّد مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الصندوق جهاد أزعور، أن “الصندوق لم يوص بالتخفيض في سعر صرف الدينار وإنما أوصى بإدارة العملة بطريقة مرنة تسمح بمعالجة عجز الميزان التجاري”، وأضاف في تصريحات لوكالة الأنباء التونسية الرسمية أنه ليس هناك حاجة، اليوم، إلى تعديل مفاجئ لقيمة الدينار ذلك أنّ قيمته الحالية لا تتجاوز قيمته الحقيقية إلا بنسبة 10% وهي نسبة ضعيفة وفق نماذج سعر الصرف القياسية.”
البنك المركزي ينفي نيته تعويم العملة
بدوره، نفى البنك المركزي التونسي وجود خطط لتحرير سعر الدينار أمام العملات الرئيسية في الوقت الراهن، وقال الشاذلي العياري، محافظ البنك المركزي، في تصريح للتليفزيون الرسمي: “مجلس إدارة البنك اجتمع الثلاثاء واتخذ حزمة من القرارات الرامية إلى دعم الدينار الذي يشهد هبوطًا حادًا منذ أسبوع”.
ذكر المركزي التونسي أن السياسة النقدية وسياسة سعر الصرف المعتمدة لا تستهدفان تخفيضًا في قيمة العملة أو سعر صرف
وتدخل البنك المركزي وضخ مئة مليون دولار و50 مليون يورو لمواجهة هذا الهبوط الحاد للدينار، ورفع أيضًا نسبة الفائدة الرئيسية من 4.25% إلى 4.75% هذا الأسبوع، كما رفع نسبة الفائدة على المدخرات لتصل إلى 4%، هي المرة الأولى التي ترفع فيها تونس سعر الفائدة منذ 3 سنوات، واعتبر العياري أن رفع نسبة الفائدة من شأنه أن يقوي الدينار ويحسن نسبة الصرف مقابل العملات الأجنبية ويجعل العملة الوطنية أكثر جاذبية على مستوى الاستثمار والادخار”.
وذكر المركزي التونسي أن السياسة النقدية وسياسة سعر الصرف المعتمدة لا تستهدفان تخفيضًا في قيمة العملة أو سعر صرف محددًا أو تعويمًا للعملة الوطنية، بل تعتمد تدخلات مدروسة ومنسقة للحد من التغيرات الحادة في أسعار الصرف.
الشاهد يغازل النقابات ويقيل وزير التربية
إقالة وزيرة المالية، رافقته إقالة وزير التربية ناجي جلول من منصبه، بعد أشهر عديدة من الشدّ والجذب بين رئيس الوزراء التونسي والنقابات التعليمية في البلاد، وسبق أن طالبت نقابات مدرسي التعليم الثانوي والأساسي بإقالة الوزير، ونظمت عدة إضرابات وهددت بمقاطعة الامتحانات الوطنية في حال عدم الاستجابة لمطالبها، إلا أن رئاسة الحكومة أكّدت عدم نيتها إقالة ناجي جلول مشيرة إلى أن الدعوات بإقالته لا يمكن أن تكون مطالب نقابية.
وزير التربية المقال ناجي جلول
وبعد أشهر قليلة من اعتلائه منصب وزير التربية بعد انتخابات 2014، سادت علاقة تشوبها الخصومة بين ناجي جلول العضو بحزب حركة نداء تونس، الذي يقود الائتلاف الحكومي، ونقابة التعليم واتحاد الشغل بشكل عام، بسبب تعطل المفاوضات بين الطرفين بشأن عدد من الملفات، من بينها ملف الإصلاح التربوي وديوان الخدمات المدرسية واتفاقات لم يتم تفعيلها، من بينها صرف المنح الجامعية لأبناء المدرسين والاستحقاقات المالية الناتجة عن الساعات الإضافية والترقيات.
وتزامنت إقالة ناجي جلول، مع احتفال عمال تونس بالعيد العالمي للعمال الموافق للفاتح من مايو، ويؤكّد مراقبون، أن قرار الإقالة مثل هدية لاتحاد الشغل من رئيس الوزراء لكسب ود وتأييد المركزية النقابية في البلاد بعد أن فشل في كسب تأييد سياسي لحكومته، في ظل الانقسام الذي يشهده حزب نداء تونس الذي ينتمي إليه جلول وتراجع دعم حركة النهضة للحكومة بسبب فشلها في تحقيق الاصلاحات المرجوة منها.
عبر النقابيون خلال احتجاجاتهم عن رفضهم لديوان الخدمات المدرسية وللنقل غير القانوني التي قام بها وزير التربية خلال العطلة المدرسية الأخيرة
وترجع نقابات التعليم مطالبتها بإقالة الوزير لعدة أسباب، أبرزها تعطل إمكانية الحوار مع وزير التربية وإهانته لكرامة المدرسين في أكثر من مناسبة، معتبرين أن تصرف الوزارة في عملية الإصلاح بشكل أحادي وارتجالي هو تهديد لحقوق التلاميذ على غرار قرار تركيز ديوان الخدمات المدرسية، وعبر النقابيون خلال احتجاجاتهم عن رفضهم لديوان الخدمات المدرسية وللنقل غير القانوني الذي قام بها وزير التربية خلال العطلة المدرسية الأخيرة.
إضراب معلمين في تونس
وشرعت وزارة التربية منذ أبريل 2015، في وضع استراتيجية شاملة للإصلاح التربوي، عقدت بشأنها استشارات وطنية وحوار وطني مع الضالعين في العملية التربوية من مربيين وأولياء ومنظمات مجتمع مدني، وأنشأت لجنة مشتركة بين وزارة التربية والاتحاد العام التونسي للشغل والمعهد العربي لحقوق الإنسان (منظمة غير حكومية مقرها تونس) للتباحث بشأن إجراءات وآليات تنفيذ البرامج.
في غضون ذلك، يتواصل اعتصام آلاف التونسيين في منطقة الكامور من محافظة تطاوين جنوب شرق للأسبوع السادس على التوالي لمطالبة الحكومة بالتنمية ومطالبة المؤسسات البترولية بتخصيص جزء من أرباحها لفائدة التنمية في هذه المناطق، فضلاً عن إعطاء أبناء الجهة الأولوية في التوظيف.