ترجمة حفصة جودة
كان عبد السلام – مدرس لغة عربية في منتصف العمر – يعيش بقرية المنصوري القبلية النائية في محافظة البيضاء، عندما تعرض للمعاناة من الإسهال الشديد والقيء في أواخر العام الماضي، أعتقد أقرباؤه أنه سقط ضحية الكوليرا والتي قتلت 4 قرويين قبل عدة أيام، لكن لم يكن هناك أي مرافق للرعاية الصحية أو أطباء في المنطقة لعلاج هذه الأعراض، تواجه البلاد التي مزقتها الحرب تفشي مرض الكوليرا منذ منتصف أكتوبر 2016، وصل عدد وفيات المرض إلى 11 من بين 180 حالة مؤكدة، بينما وصل عدد الحالات المشتبه بها في 11 من يناير إلى 15.658 حالة، وفق تقرير مشترك أعدته وزراة الصحة وعدة هيئات من الأمم المتحدة.
يسيطر المتمردون الشيعة (الحوثيون وحلفاؤهم) على محافظة البيضاء بشكل كبير، عندما قاتلوا ضد حكومة عبد ربه منصور هادي المعترف بها دوليًا، والمدعومة من التحالف الذي تقوده السعودية، للوصول إلى أقرب عيادة صحية في بلدة مكيراس، اضطرت عائلة عبد السلام إلى عبور المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون ويمنعون التجوال ليلاً للحد من هجمات القاعدة، كانت البلدة تقع تحت سيطرة القاعدة في السابق لكنها تسيطر الآن على المناطق النائية والمحيطة بالبلدة.
طفل يمني يتلقى العلاج بمستشفى في العاصمة صنعاء
بعد أن اضطر عبد السلام إلى الانتظار فترة طويلة، لجأ أقاربه إلى إعداد علاج تقليدي من الزبادي والأعشاب، لكن العلاج لم ينجح، وكان عبد السلام على مقربة من الموت في الصباح التالي، يقول عبد السلام: “عندما وصلنا إلى المستشفى أخيرًا كنت عاجزًا تمامًا، كان جسدي قد أصيب بالجفاف كاملاً نتيجة نوبات القيء والإسهال”، اضطر أقاربه إلى القيادة لمدة ساعة في طريق وعر وخطير للوصول إلى منشأة الرعاية الصحية الوحيدة في مكيراس.
قلة الموارد
يقول عبد السلام: “عندما وصلت إلى العيادة لم يكن هناك أي أطباء في الخدمة، أعطتني الممرضات بعض الحقن لكنها لم تنجح”، ذكرت وكالة الصحة التابعة للأمم المتحدة أن نحو 14 مليون شخص في اليمن لا يستطيعون الحصول على خدمات الرعاية الصحية، وحذرت من انتقال الأطباء وأن علاج المصابين أصبح صعبًا بشكل كبير، لقد أصبح من النادر وجود أطباء في المناطق الريفية، ومنذ بدء الحرب، ترك الكثير من الأطباء وظائفهم لعدم الحصول على رواتب لعدة أشهر.
مقاتلون حوثيون يركبون سيارة عسكرية في صنعاء
بعد عدة أيام ومع تدهور صحته، نُقل عبد السلام إلى مستشفى خاص وأكثر تقدمًا في مدينة البيضاء، وهناك أدخلوه وحدة العناية المركزة وقال الأطباء لأخيه إنه أصيب بفشل كلوي حاد نتيجة المرض وأصبح يعتمد بشكل دائم على آلة غسيل الكلى، رغم ذلك ارتاحت عائلته لأنهم تمكنوا من علاجه أخيرًا، لكنهم لن يستطيعوا تحمل تكلفة بقائه في المستشفى إلا لعدة أيام قليلة، يقول عبد السلام: “لقد مكثت في المستشفى عدة أيام بعدها قررت العودة إلى المنزل”.
لقد كانت فاتورة المستشفى باهظة جدًا، فقد كلف الأمر أسرته 110 دولار يوميا لإبقائه في المستشفى، بعد أن غادر المستشفى انتقل عبد السلام إلى عدن ليكون قريبًا من مركز غسيل الكلى، حيث إنه غير موجودة في قريته، يرغب عبد السلام الآن في أمرين فقط: أن تنتهي الحرب، وأن يعود للتدريس هنا في عدن بجوار مركز غسيل الكلى.
“لا يمكنك أن تطلب من الناس بناء مراحيض بينما لا يملكون المال لإطعام أطفالهم” – الدكتور جلال سناح
رد الحكومة
بعد الإبلاغ عند عدة وفيات نتيجة تفشي الكوليرا بين القرويين في محافظة البيضاء العام الماضي، أرسل المكتب التابع لوزارة الصحة في محافظة البيضاء فريقًا طبيًا لتقييم الوضع في المنطقة، يشمل الفريق أطباء وممرضين وفنيين طبيين، يقول مدير الفريق الدكتور جلال سناح إنهم أصيبوا بالفزع من الأوضاع الصحية الصعبة في قرية المنصوري والقرى المجاورة لها.
يقول الدكتور سناح: “عندما وصلنا كانت الكوليرا قد قتلت العديد من الأشخاص بالفعل، بينما يعاني العشرات من القيء والإسهال الشديد، أكثر من خُمس سكان مكيراس البالغ عددهم 5000 شخص يعانون من أعراض مرتبطة بالمرض، ففي بداية العام كان نحو 1145 شخصًا من المنطقة يعانون من الإسهال المائي الحاد (أحد أعراض الكوليرا)”.
لعدة أسابيع كان الفريق يتنقل بين القرى لعلاج الحالات المشتبه في إصابتها بالكوليرا وإرسال الحالات الحرجة إلى مراكز صحية أفضل في مدينة البيضاء، وفي الوقت نفسه عمل الفريق على زيادة الوعي الصحي والنظافة بين القرويين للحد من انتشار المرض، أسفرت خطة العلاج وأنشطة التوعية عن تحسينات ملموسة، وبحسب أقوال الدكتور سناح انخفض عدد الحالات المشتبه في إصابتها من 56 حالة يوميًا إلى 18 حالة، بينما انخفض عدد الوفيات إلى الصفر عندما غادر الفريق القرية.
تحديات أكبر
رغم وصول الفريق لعشرات الأشخاص، يقول سناح إنهم لم يخدشوا سوى سطح المشكلة، فلا بد من بذل المزيد من الجهود لإزالة أسباب انتشار المرض، يقول سناح: “أسباب تفشي المرض الرئيسية ما زالت موجودة، فلا يوجد نظام صرف صحي أو مياه شرب نظيفة والخزانات تُترك دون حماية، لا يوجد مراحيض أيضًا ويقضي الناس حاجتهم في العراء، لا يمكن أن نطلب من الناس بناء المراحيض بينما لا يتمكنون من شراء الطعام لأطفالهم، دون معالجة تلك القضايا الهيكلية سيستمر انتشار المرض في جميع أنحاء البلاد”.
يتعرض الأطباء للإيقاف والتفتيش عند انتقالهم بين المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين من جهة والقاعدة من جهة أخرى، مما يجعل مهمة علاج المرضى أصعب بكثير
عانى آلاف اليمنيين من الكوليرا مطلع هذا العام بسبب تدهور الرعاية الصحية نتيجة الحرب، فوفقًا لمنظمة لصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، نحو 45% فقط من المرافق الصحية للبلاد تعمل بكامل طاقمها، بينما أصُيب ما يقارب 274 مرفقًا بالضرر أو تدمر بالكامل نتيجة الحرب، يقول الدكتور فؤاد إدريس مدير مكتب الصحة في محافظة البيضاء إنه سجل نحو 20 حالة وفاة و2300 حالة مشتبه في إصابتها منذ نهاية العام الماضي، معظم الحالات في منطقتي المكيراس والشورجة، ويضيف إدريس أنهم واقعون تحت الحصار بسبب الحرب، فالأدوية المهمة لا تصل في موعدها، وعينات الدم تأخذ وقتًا طويلاً لتصل إلى صنعاء، وأوضح أن العاصمة صنعاء الواقعة تحت سيطرة الحوثيين هي المكان الوحيد الذي يحتوي على مختبرات متخصصة.
مقاتل يمني بالقرب من تعز
بالنسبة لسناح وفريقه المكون من 9 أطباء، فالحرب تفرض عليهم تحديات أكثر صرامة عندما يحاولون مواصلة العلاج في المنطقة، فالانتقال بين المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين والمناطق الواقعة تحت سيطرة القاعدة لفحص المرضى وتطبيق خطة العلاج، يعني التوقيف والتفتيش والاستجواب من قبل المسلحين من كلا الجانبين، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فالنقص الحاد في الأدوية ونقص الوقود اللازم لتشغيل الكهرباء وقلة عدد الأطباء المتخصصين مثل أطباء العناية المركزة والممرضين أدى إلى تفاقم الوضع الصحي في اليمن.
خطوات بطيئة
رغم التحديات العديدة، تمكنت جهود الهيئات الحكومية والمنظمات الدولية غير الحكومية من الحد من انتشار المرض، وعلى الرغم من عدم توافر إحصاءات حالية عن عدد المرضى، تشير تقارير متفرقة من مكاتب الصحة في المناطق المختلفة إلى انخفاض كبير في عدد الوفيات والمرضى، يقول عبد الناصر الوالي مدير مكتب وزراة الصحة في عدن إن المرافق الصحية في المدينة لم تسجل أي حالات جديدة منذ شهر فبراير، ويصيف الوالي: “في الأيام الأولى من انتشار الكوليرا لم نكن مستعدين لها فقد خرجنا للتو من الحرب، لكن حملات الوقاية والتوعية قد بدأت مؤخرًا لمعالجة الأمر، ونقوم الآن بتعزيز شراكات مع منظمات محلية ودولية لمكافحة انتشار المرض”.
المصدر: ميدل إيست آي