ترجمة وتحرير نون بوست
ليس لدي أي مقابلة، لذلك سوف أتناول فطور الصباح باسترخاء. في الحقيقة، أظنه الوقت المناسب للحديث عن تجربة صغيرة. في واقع الأمر، قضيت أنا ورفيقتي مدة يومين في الصين دون لمس أي ورقة نقدية، حتى أننا لم نضطر لاستخدام البطاقات المصرفية. لقد قمنا بدفع جميع المصاريف رحلتنا عن طريق الهاتف الجوال، وذلك بفضل خدمة “علي باي” “Alipay“، التي تندرج ضمن خدمات الشركة الصينية العملاقة للتجارة الإلكترونية “علي بابا” والتي تخضع لإدارة شركة “آنت” “Ant” للخدمات المالية، فضلا عن خدمة “وي تشات باي” التابع للشركة الصينية “تينسنت”.
في حقيقة الأمر، لاقت عملية تسديد المصاريف الشخصية والفواتير عن طريق الأجهزة المحمولة رواجا وتطورا كبيرا في الصين، بشكل غير مسبوق وفاق كل التوقعات. وفي هذا الصدد، أقبل الشباب الصيني على اعتماد النقود الإلكترونية، في الوقت الذي تغاضى فيه عن استعمال النقود المعدنية. والجدير بالذكر أنه، وفي السنة الماضية، لجأ حوالي 469 مليون مواطن صيني لاستخدام هذه الطريقة لتسديد فواتيره ومصاريفه الشخصية. وفي الأثناء، تم تحويل حوالي 7.7 بليون يورو من خلال هذه الخدمة، لتتجاوز بذلك عمليات الدفع عبر الهواتف المحمولة في الولايات المتحدة الأمريكية.
سبب نجاح هذه العملية واضح للغاية
في الواقع، هناك عدد قليل من المحلات التجارية والمؤسسات في مجال الخدمات التي قاومت اعتماد هذا النظام ضمن إستراتجية تسديد فواتيرهم، خاصة في المدن الكبرى. وفي هذا السياق، تبنت المحلات التجارية والأكشاك الصغيرة في الأسواق المفتوحة هذه الخدمة ضمن نظام سداد المدفوعات. من جهة أخرى، بلغت هذه “الثورة” المناطق الأقل نموا في البلاد، في وقت متأخر نوعا ما، ولكن، مما لا شك فيه أن هذه التجربة سوف تنجح حتما.
هذا النظام بسيط للغاية
ترتبط جل حساباتنا ضمن خدمة “علي باي” أو “وي تشات باي” بحساباتنا البنكية، ويتم سحب المال لدفع تكاليف المعاملات عن طريق الحساب البنكي، في حال لم يكن بحوزتنا مال كاف في أكياس النقود الخاصة بهذه التطبيقات. وعلى الرغم من أن عملية التسجيل في هذه الخدمة تتطلب اسم صاحب الحساب البنكي الحقيقي ووثيقة هويته، فليس من الضروري أن تكون هذه الخدمة مرتبطة دائما بالحساب الجاري. في الواقع، ومن منطلق تجربتي الشخصية تعمل خدمة “وي تشات باي”، وهي خدمة دفع تشتغل وفقا لتطبيق رسائل الهاتف المحمول، حصريا بالمال الذي يوجد في حقيبتي المالية.
بائع الفواكه أيضا يعتمد طريقة البيع عبر الإنترنت
وبعد أن قضيت الصباح في كتابة تقرير مهم، خرجت رفقة صديقتي لتناول طعام الغداء. وعندما مررت بجانب محل “تشاينا موبايل” تذكرت أنه ينبغي أن أشحن رصيدي، وقررت إضافة مائة يوان صيني، أي ما يقارب 13.5 يورو. وقد كانت العملية بسيطة جدا، فضمن هذا “التطبيق الخارق” “علي باي” “Alipay” تتداخل العديد من الشركات المختلفة الأخرى، مع العلم أن شركة تشاينا موبايل هي واحدة منهم. وبالتالي، يكفي أن تدخل رقم الهاتف، وتحديد المبلغ المراد شحنه واستخدم بصمة الإصبع أو كلمة المرور الخاصة لتأكيد العملية.
إثر ذلك، قررنا أن يكون الغداء في أحد المطاعم في منطقة شينجيانغ الواقعة شمال غرب الصين، مع العلم أنه كان بإمكاننا اختيار أي مطعم آخر، نظرا لأن جميعها تقبل الدفع عن طريق الهاتف المحمول. وبعد أن تناولنا طعامنا، طلبنا الحساب. وقد كان رمز الاستجابة السريعة ملصق في ركن من أركان الطاولة، لذلك، عمدت إلى تمرير الرمز عن طريق الماسح الضوئي لخدمة علي باي، ومن ثم تحديد المبلغ المراد تسديده لتقوم بذلك النادلة بتأكيد عملية الدفع.
وقبل مغادرة المطعم، ذكرتني رفيقتي بأنه علينا أيضا دفع فاتورة الهاتف، لصالح شركة إتصالات تشاينا. وبالتالي، علينا الولوج ثانية لتطبيق “علي باي” الذي يحتوي على قسم خاص بدفوعات الفواتير. فضلا عن ذلك، لا تسمح لنا خدمة علي باي فقط بدفع فواتير الهاتف، بل أيضا تسديد دفعات فواتير الضوء والماء والغاز. علاوة على ذلك، تزودنا خدمة “علي باي” بالمبلغ المالي الذي سوف يتم دفعه والذي ينبغي علينا الموافقة عليه بالإضافة إلى أنها تشترط تمرير كلمة العبور قبل كل عملية دفع.
وبعد الانتهاء من ذلك، كان من المفترض أن نذهب إلى مكتب كاتب العدل لإحضار وثيقة ما. ولكن، قررنا، أولا، شرب فنجان من القهوة في واحدة من المقاهي التي تقدم هذه المشروبات الساخنة على غرار “ستاربكس”. وكالعادة، يتوجب علينا أن دفع مقابل ذلك عن طريق الهاتف الذكي. وقد اعتمدنا، هذه المرة، على تطبيق “وي تشات باي” لدفع الفاتورة المطلوب، نظرا لأن سلسلة مقاهي ستاربكس لم تتبنى بعد خدمة “علي باي”. وفي هذه الحالة، قام العامل بنفسه باستخدام الماسح الضوئي لقراءة الرمز الشريطي الذي أظهره التطبيق على الشاشة، خلال دقيقة واحدة. وعلى ضوء هذه المعطيات يمكن القول أن هذا النظام يعد الأكثر انتشارا بين الشركات الكبيرة.
ركوب الدراجة والتجول عن طريق خدمة “موبيك” “Mobike “
في أعقاب ذلك، اتجهنا نحو المترو، حيث توجب علي شراء تذكرة عن طريق هاتفي، وقد تطلب مني الأمر بعض الوقت حتى تمكن الجهاز من مسح الرمز الشريطي الذي ظهر على شاشة خدمة “علي باي”. في المقابل، لجأت رفيقتي لطريقة أسرع بكثير، حيث استخدمت تقنية “إن أف سي” التي تتيح تبادل المعلومات بين الهاتف الجوال وجهاز تلقي أخر، وهو ما جعل استخدام هذه التقنية في المعاملات المالية فعالا للغاية. فيكفي أن تقوم بوضع الجهة الخلفية لتذكرة السفر على شاشة الهاتف إثر فتح خدمة “علي باي”، ثم تقرر المبلغ الذي تريد تحميله.
وفي الأثناء، قمنا باقتناء عصير من البرتقال الطازج من إحدى آلات “فينجوو” “Vingoo“. وفي هذه الحالة، يعتبر الدفع عن طريق خدمة علي باي عمليا للغاية، فضلا عن أن هذه الخدمة تمنحك فرصة الحصول على خصم يصل إلى ثلاثة يوان صيني، أي ما يعادل 40 سنتا.
أخر تحديث لخدمة علي باي يسمح لك بدفع الضرائب عن طريق الهاتف
لسوء الحظ أن كل شيء قد تغير في الصين إلا البيروقراطية. عموما، كان علينا الانتظار لحوالي ساعة كاملة في مركز التصديق على الوثائق قبل أن نتمكن من استلام ملفاتنا التي تم ختمها من قبل السلطات الصينية والقنصلية الإسبانية. من جانب آخر، واجهتنا مشكلة تتمثل في أن الدفع مقابل هذه الخدمة لا يمكن تسديده مسبقا، وإنما نقدا أو عن طريق بطاقة الائتمان. ولكن أعتقد أن هذه المشكلة مؤقتة، فمن المؤكد أن خدمة الدفع الإلكتروني ستلقى ترحيبا من قبل هذه الإدارة في المستقبل.
وبعد إتمام جل أعمالنا، عدنا إلى المترو، ولكن قبل ذلك، اضطررنا للذهاب إلى إحدى المحلات التجارية “كارفور” للتسوق وشراء بعض المقتنيات الضرورية. ومما لا شك فيه أن هذه السلسلة الفرنسية تقبل جميع تطبيقات الدفع عن طريق الهاتف. وفي هذا الإطار، تتوفر على ذمة الحرفاء قائمة من التطبيقات التي تسهل عملية الدفع، على غرار خدمة “علي باي”، فضلا عن “وي تشات باي، “وأبل باي”، ” وسامسونج باي”.
وفور انتهائنا من قضاء حاجاتنا، اتجهنا نحو أحد المطاعم لتناول وجبة “اليوتياو” “youtiao” الخفيفة، حيث يمكننا الدفع كذلك عن طريق خدمة “علي باي”. وقبل وصولنا إلى هناك، قمنا بشراء بعض الفواكه من أحد المحلات المعروفة التي تقبل جميع أنواع الخدمات المالية الإلكترونية، بما في ذلك بعض التطبيقات التي كنا لا نعلم بوجودها، على غرار “كي كي باي” “QQ PAY“، “وبيدو باي” “وجي دي باي” “JD PAY“. ويعد ذلك خير دليل على تشبع سوق التطبيقات بالخدمات النوعية في هذا المجال.
رمز الاستجابة السريعة في أحد المطاعم
لم تتوقف جولتنا عند ذلك الحد، فقد توجهنا إلى منزل أحد الأصدقاء لتناول العشاء، لذلك قمنا بطلب سيارة أجرة بإستخدام خدمة “ديدي”، التي تمكنك من حجز سيارة أجرة عبر الإنترنت. شيئا فشيئا، تم دمج هذه الخدمة ضمن تطبيق “علي باي”، لذلك لا حاجة لتحميل خدمة “ديدي” على حدة. ومن هذا المنطلق، كان بإمكاننا الدفع لسائق الأجرة عن طريق خدمة علي باي، فمن خلال مجرد تنبيه بسيط على الهاتف الجوال الخاص بالسائق، الذي عادة ما يكون مثبتا على لوحة القيادة، يتم تأكيد عملية تحويل الأموال إلى حسابه.
من جهة أخرى، تذكرت أنني مدين بمبلغ من المال لأحد أصدقائي الذي اضطر لدفع ثمن وجبة الإفطار لكلينا منذ بعض الوقت، لذلك، قمت بتحويل المبلغ على الفور عن طريق خدمة “وي تشات باي” للدفع الإلكتروني. والجدير بالذكر أن هذه الخدمة مجانية وفورية، وما إن يتم تأكيد استلام المبلغ، يمكن للطرف الآخر التصرف فيه على الفور.
في الحقيقة، اغتنمنا يوم السبت للتسوق عبر الإنترنت من خلال موقع “تاوباو”، أكبر متجر على الإنترنت في الصين، وهو أيضا فرع من شركة “علي بابا”. وبفضل هذه الخدمة، يمكننا اقتناء جميع ما نرغب في أن نشتريه دون الحاجة إلى التنقل ومغادرة المنزل. حقا، كم هو عظيم هذا الاختراع. وكالعادة، دفعنا الفاتورة عن طريق “علي باي”.
عموما، لم نضطر إلى إنفاق الكثير من المال عند التنقل لتناول بعض المشروبات مع الأصدقاء، إذ بإمكاننا اقتناء دراجة من خلال خدمة “موبايك” “Mobike” للخروج في نزهة، وللقيام ببعض التمارين الرياضية في الوقت ذاته. وبالطبع، يكون الدفع دائما عن طريق “علي باي”.
وعلى ضوء تجربتي القصيرة، تأكدت أن العيش في الصين دون الحاجة إلى اعتماد القطع والأوراق النقدية تعتبر مسألة بسيطة كما توقعت تماما. حقيقة، نستطيع أن نلبي كل حاجياتنا دون أن نضطر إلى حمل مبلغ من المال نقدا. أعتقد أن هناك بعض الأمور التي لا نزال غير قادرين على القيام بها عن طريق الهاتف الجوال، على غرار دفع الضرائب، الأمر الذي يعتبر، في الواقع، مهمة شهرية شاقة. ومن المتوقع أننا سنتمكن من القيام بذلك في المستقبل القريب.
في المقابل، لا يمكن إنكار حقيقة أن لهذه الآلية جانب مظلم نوعا ما، وذلك نظرا لأن الشركات الصينية ملزمة بأن تشارك الحكومة جميع البيانات الشخصية لمستخدمي هذه التطبيقات. ومن المرجح أن ذلك سوف يثير العديد من تساؤلات حول تمتع الأفراد بالخصوصية ومسألة مراقبة المواطنين خاصة في بلد استبدادي مثل الصين. والجدير بالذكر أن هذه التطبيقات قادرة على تسجيل بيانات ولوجك اليومي لها والوقت الفعلي الذي تم فيه ذلك، ناهيك عن احتمال وقوع عملية اختراق. لذلك أعتقد أنه من المستحسن القيام بدفع المستحقات الإدارية نقدا، في ظل توفر المال للقيام بذلك.
المصدر: الكونفيدنسيال