صُنف الهجوم الكيميائي في خان شيخون بأنه الهجوم الثاني الأكثر دموية الذي قتل على إثره نحو 92 شخصًا بينهم 30 طفلاً، في حين أن الهجوم الأول كان على الغوطة الشرقية في أغسطس/ آب 2013 والذي أسفر عن مقتل المئات، وبين هذا وذاك نفذ النظام السوري العديد من الهجمات الكيميائية على مناطق عديدة في سوريا.
استخدام الأسلحة الكيماوية بشكل ممنهج
بدّل الهجوم على خان شيخون الموازين الدولية حيال سوريا، إذ أثار غضبًا دوليًا ترجمته أمريكا بضربة عسكرية على مطار الشعيرات العسكري، إلا أن هذا الهجوم لم يكن الوحيد، إذ تظهر التطورات أن النظام السوري بات يستخدم الأسلحة الكيميائية بشكل واسع ومنهجي في الفترة الأخيرة، وحسب تقرير صدر اليوم لهيومن رايتس ووتش بيّن أن استخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية أصبح واسعًا ومنهجيًا.
واستدل التقرير على 3 تطورات بهذا الخصوص وهي أن الطائرات الحربية الحكومية أسقطت قنابل فيها مواد تؤثر في الأعصاب في 4 مناسبات على الأقل منذ 12 من ديسمبر/ كانون الأول الماضي بما في ذلك خان شيخون، وأصبح استخدام الحكومة للذخائر المليئة بالكلور الملقاة من المروحيات أكثر انتظامًا، وثالث تطور رصدته المنظمة هو أن القوات البرية الحكومية أو الموالية للنظام السوري، بدأت تستخدم الذخائر المرتجلة التي تطلق من الأرض وتحتوي على الكلور.
وأشار التقرير أن بعض الهجمات على الأقل القصد منها إلحاق معاناة شديدة بالسكان المدنيين وهو ما يشكل جرائم ضد الإنسانية بحسب التقرير.
الطائرات الحربية السورية أسقطت قنابل فيها مواد تؤثر في الأعصاب في 4 مناسبات على الأقل منذ 12 من ديسمبر/ كانون الأول الماضي بما في ذلك خان شيخون
هذه الهجمات تمت رغم أن سوريا انضمت إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية في سبتمبر/ أيلول 2013 بعد مطالبات من مجلس الأمن الدولي للنظام السوري بتدمير محزونه وأسلحته الكيميائية وقدرتها على إنتاج هذه الأسلحة، وفي يونيو/ حزيران 2014 تم شحن الأسلحة الكيميائية المصرح عنها في سوريا إلى خارج البلاد لتدميرها.
يُذكر أن اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، دخلت حيز النفاذ عام 1997، وشملت تطوير الأسلحة الكيميائية وإنتاجها وتخزينها واستخدامها، وتفرض تدميرها، ينطبق الحظر أيضًا على المواد الكيميائية السامة ذات الاستخدامات المدنية، مثل الكلور، عندما تستخدم كأسلحة.
مشاهدات هيومن رايتس ووتش عن دلائل استخدام النظام لأسلحة كيميائية في سوريا
ومع تسليم النظام السوري لأسلحته الكيميائية إلا أنه أبقى على مادة الكلور ذات الاستخدمات المدنية والمحظور استخدامه كسلاح، وبين أبريل/ نيسان 2014 وأواخر 2016 وثقت هيومن رايتس ووتش 16 هجومًا نفذته الحكومة السورية باستخدام ذخائر بدائية الصنع مملوءة بالكلور ويلقيها من الجو، كما أن عدد الهجمات المبلّغ عنها في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي أعلى بكثير.
ووجدت آلية التحقيق المشتركة بين الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية في 3 هجمات بالكلور عامي 2014 و2015 أدلة كافية تشير إلى أن النظام السوري هو المسؤول.
على الرغم من تسليم النظام السوري لأسلحته الكيميائية فإه أبقى على مادة الكلور ذات الاستخدمات المدنية والمحظور استخدامه كسلاح
وأشارت المنظمة في تقريرها أنها قابلت 60 شخصًا لديهم معرفة مباشرة بالهجمات الكيميائية وآثارها المباشرة، واستعرضت عشرات الصور ومقاطع الفيديو لمواقع الارتطام والضحايا التي نشرت على الإنترنت وقدمها السكان المحليون مباشرة، وذكرت أنها لم تتمكن من إجراء تحقيقات ميدانية في مواقع الهجوم.
جواب النظام السوري عن كل الاتهامات الموجهة له كان مماثلاً، وهو النفي المطلق، والتذرع بحجج واهية تنفي عنه التهمة بما في ذلك في خان شيخون في 4 من أبريل/ نيسان وقالت إنها استهدفت مستودعًا للدهان تستخدمه فصائل المعارضة، ويدعم النظام في نفيه حلفاؤه إيران، وروسيا في مجلس الأمن برفع الفيتو على أي مشروع قانون يدين هجمات النظام السوري الكيميائية.
جدول يبين هجمات النظام الكيميائية بالمكان والتاريخ وعدد الضحايا
كما تعمل روسيا من جهة أخرى على شن هجمات جوية في المناطق التي وقعت فيها هجمات كيميائية، كما يحصل مؤخرًا في خان شيخون، إذ تستهدف القوات الروسية والسورية المدينة لطمس هوية الهجوم الكيميائي، ويذكر تقرير المنظمة أنه لا توجد لديها أي معلومات تشير إلى أن السلطات الروسية استخدمت أسلحة كيميائية، ومع ذلك، تواصل القوات الروسية تقديم الدعم العسكري النشط للقوات السورية على الرغم من الأدلة الكثيرة على أنها تستخدم الأسلحة الكيميائية وتستهدف المدنيين.
توصيات هيومن رايتس ووتش
أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقريرها مجموعة من التوصيات لكل من مجلس الأمن والنظام السوري وروسيا وإيران والدول الأعضاء في مجلس الأمن، إذ صبت توصياتها لجهة النظام السوري بأنه أفلت حتى الآن من المساءلة ولم يتعاون بشكل كامل مع تحقيقات الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية ولم يقدم كل المعلومات المطلوبة إلى بعثات التحقيق، لذا فعليه الكف عن استخدام الأسلحة الكيميائية والتعاون بشكل كامل مع مفتشي منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.
لا توجد لدى هيومن رايتس ووتش أي معلومات تشير إلى أن السلطات الروسية استخدمت أسلحة كيميائية
كما أصدرت المنظمة توصيات لروسيا حليفة النظام السوري الكف عن استخدام حق النقض لمنع إحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية وفرض عقوبات فردية ضد كبار المسؤولين الحكوميين والعسكريين الذين يعتقد بشكل مقنع أنهم ضالعون في الهجمات الكيميائية التي أكدت وقوعها الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية.
وبصفة كل من روسيا وإيران حليفتين عسكريتين للنظام السوري، قالت المنظمة فعليهما الضغط على دمشق لوقف استخدام الأسلحة الكيميائية، وضمان وقف تعاون القوات الإيرانية مع جميع الأفراد والوحدات العسكرية السورية التي يشتبه في ضلوعها في هجمات كيميائية.
المندوب الروسي في مجلس الأمن
وبما يخص مجلس الأمن رأت المنظمة أن عليه التأكيد فورًا على طلبه بالتعاون النظام السوري وأطراف النزاع الأخرى بشكل كامل مع مفتشي الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، بما في ذلك توفير المعلومات المطلوبة، كما جاء في قراري مجلس الأمن رقم 2118 و2235.
وكذلك منع سفر وتجميد ممتلكات أعضاء الحكومة والقيادة العسكرية المسؤولين عن الهجمات الكيميائية التي أكدت وقوعها تحقيقاتُ الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وفرض حظر على بيع الأسلحة للحكومة السورية وإحالة ملف الوضع في البلاد أمام المحكمة الجنائية الدولية.
وفي النهاية فإن الدلائل التي أدلت بها منظمة هيونت رايتس ووتش حيال استخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية إلى جانب تقارير المنظمات المحلية السورية والأجنبية والإئتلاف السوري المعارض يقطع الشك باليقين بمسؤولية النظام الكاملة على جرائم النظام الممنهجة والمدبرة ضد المدنيين في سوريا طوال السنوات الماضية.