ما تفتأ الاحتجاجات في الريف المغربي (شمال) التي انطلقت إثر حادثة الوفاة المأسوية لبائع السمك محسن فكري قبل ستة أشهر في الحسيمة تخفت قليلاً، حتى تعود للاشتعال مجددًا.
رغم المجهود الذي تبذله المملكة المغربية منذ انطلاق الاحتجاجات في شهر أكتوبر الماضي، لإيقاف احتجاجات سكّان الحسيمة، فإن هذه الاحتجاجات استمرت بشكل أكثر حدة، وبزخم أكبر في الزمان والمكان.
تواصل الاحتجاجات في الحسيمة
بدأت الاحتجاجات بعد أن صادرت السلطات المحلية كميات كبيرة من السمك الذي اشتراه الشاب محسن فكري، وألقت بها في شاحنة لجمع القمامة، غير أن الشاب قفز إلى داخل الشاحنة لمحاولة جمع السمك المصادر، إلّا أن أحدهم شغل محرك الشاحنة، فاشتغلت آلة الشفط التي ابتلعت الشاب وسحقت عظامه حتى الموت.
توالت احتجاجات ساكنة الحسيمة بشكل عفوي منذ وفاة بائع السمك محسن فكري، واتسعت رقعتها لتستقطب فئات جديدة باستمرار
وأدى مقتل فكري إلى أحد أكبر الاحتجاجات على مستوى البلاد منذ عام 2011 عندما نظمت حركة 20 فبراير مظاهرات تطالب بالإصلاح الديمقراطي مستلهمة انتفاضات الربيع العربي التي اندلعت في مختلف أرجاء المنطقة، وأصدرت الغرفة الجنائية بمحكمة الاستئناف بالحسيمة، نهاية الشهر، أحكامًا وزعت بين البراءة والسجن النافذ في حق 11 متابعًا في ملف ما عرف بـ”بائع السمك”.
تواصل الاحتجاجات
وقد توالت احتجاجات ساكنة الحسيمة بشكل عفوي منذ وفاة بائع السمك محسن فكري، واتسعت رقعتها لتستقطب فئات جديدة باستمرار بالنظر إلى طابعها السلمي والاحتقان الاجتماعي بالمنطقة، ومؤخرًا دعت اللجنة الوطنية لدعم حراك الريف، التي تأسست حديثًا، إلى يوم تضامني وطني مع الحراك الاحتجاجي بمنطقة الريف، وذلك عبر تنظيم وقفات احتجاجية داعمة بجميع المدن المغربية يوم 9 من مايو الحالي، وتنظيم وقفة احتجاجية مركزية أمام البرلمان بالرباط في نفس اليوم، وتنظيم ندوة صحافية في اليوم الموالي.
مطالب المحتجين في الحسيمة والمدن المجاورة ذات طبيعة اجتماعية واقتصادية لا تختلف عن باقي مطالب الشعب المغربي المرتبطة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
ومن أبرز المطالب الملحة للجهة، الإسراع بالكشف عن مآل التحقيق في ملف وفاة محسن فكري والإفراج عن المعتقلين على خلفية الأحداث الأليمة التي أعقبت احتجاجات “إمزورن” و”بني بوعياش” وإعطاء الأولوية للمطالب ذات الطبيعة الاجتماعية المتعلقة بالصحة والتعليم والتشغيل عبر خلق مؤسسة جامعية ومستشفى للسرطان، وخلق فرص للشغل عبر تقديم تحفيزات وامتيازات ضريبية للمستثمرين، حسب المحتجين.
التهميش منذ القدم
تعتبر حادثة مقتل بائع السمك محسن فكري النقطة التي أفاضت الكأس، فسكان ريف المغرب يعتبرون أنفسهم من أكثر المنبوذين بين المغاربة، حيث بيّنت صحيفة لافانغوارديا الإسبانية أن الاحتقار الذي يعاني منه هؤلاء يعود إلى عهد الحسن الثاني ليتواصل اليوم مع الملك محمد السادس الذي كانت محاولته في تحسين وضعية سكان المنطقة والوعود بالاستثمار مجرد حديث لا أكثر، وأضافت الصحيفة أن وفاة الشاب فكري سحقًا بشاحنة القمامة أشعلت فتيل التوترات أمام الحكم الذي صدر بحق المتورطين في القضية.
كل القطاعات الاقتصادية بالإقليم مفلسة بالكامل أو على حافة الإفلاس
وتعيش منطقة الريف أزمة كبيرة مسّت الجانب الاقتصادي والاجتماعي، فكل القطاعات الاقتصادية بالإقليم مفلسة بالكامل أو على حافة الافلاس بدءًا بقطاع الصيد البحري (الشريان الحيوي الذي يغذي سكان الجهة) والذي انهار بشكل شبه كلي خاصة بعد هجرة البحارة ومراكبهم إلى المواني الأخرى، وكذلك قطاع التجارة الذي يشهد ركودًا إلى جانب القطاع السياحي الذي لم يتحسن بعد.
ويقول مراقبون إن الحراك الشعبي في الريف الذي انطلق غداة مقتل بائع السمك، مثّل نموذجًا مختلفًا لظاهرة الاحتجاجات الاجتماعية المألوفة في النسق الاجتماعي والسياسي المغربي.