ترجمة حفصة جودة
في يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول، عند مواجهته بتزايد أعداد القتلى الفلسطينيين وسؤاله إذا ما كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد تجاهل طلبه بالحد من الخسائر بين المدنيين، انتهز الرئيس الأمريكي جو بايدن الفرصة للتشكيك في الإحصاءات الفلسطينية لأعداد الضحايا وقال: “أنا متأكد من أن بعض الأبرياء قُتلوا، لكنه ثمن شن الحرب”.
يبدو من تعليق بايدن أنه غير مهتم تمامًا بحجم الخسائر بين المدنيين نتيجة الهجمات الإسرائيلية على غزة، وفي الحقيقة فيومًا بعد يوم يتضح أنه متواطئ بشكل فعال في حملة الجيش الإسرائيلي، حيث تقتل القوات الإسرائيلية الأطفال الفلسطينيين دون عقاب بما يشكل جريمة إبادة جماعية.
خلال 24 يومًا من العداون، قتلت القوات الإسرائيلية على الأقل 3542 طفلًا فلسطينيًا في غزة وفقًا لأرقام وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، مع الإبلاغ عن أكثر من 1050 طفلًا مفقودًا من المفترض أنهم عالقون تحت الأنقاض أو ماتوا بالفعل وبانتظار إنقاذهم أو استعادة جثثهم، في الوقت نفسه، قتلت القوات الإسرائيلية 36 طفلًا فلسطينيًا في الضفة الغربية المحتلة.
لوضع هذا القصف الحاليّ في سياقه، فقد قتلت “إسرائيل” خلال الـ24 يومًا الماضيين أكثر من ضعف عدد الأطفال الفلسطينيين الذين قُتلوا في غزة خلال كل الاعتداءات الإسرائيلية السابقة مجتمعة من يناير/كانون الثاني 2006 وحتى 6 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وثقت مع زملائي في منظمة “Defense for Children International – Palestine” (DCIP ) وتحققنا من مقتل 1171 طفلًا في غزة.
انتهاكات ضخمة بحق الأطفال
عملت لأول مرة مع منظمة “DCIP” في صيف 2009 بعد العدوان الإسرائيلي على غزة مباشرة ما بين ديسمبر/كانون الأول 2008 ويناير/كانون الثاني 2009، في حرب عُرفت باسم “الرصاص المصبوب” (أو معركة الفرقان كما تسميها المقاومة الفلسطينية)، في تلك الحرب وثقت المنظمة مقتل 353 طفلًا فلسطينيًا بسبب الهجمات الإسرائيلية.
قتلت القوات الإسرائيلية عددًا من الأطفال في الـ22 يومًا الماضية يتجاوز إجمالي عدد الأطفال الذين قُتلوا في الصراعات المسلحة عالميًا على مدار عام كامل
درست تلك الوثائق التي جمعها الباحثون الميدانيون في غزة، لإعداد تقارير مبنية على أدلة بشأن الهجمات الإسرائيلية على المدارس والمستشفيات ومنازل المدنيين، واستهداف المدنيين بشكل مباشر.
وصل الحد الأقصى لجرائم الحرب الإسرائيلية ضد الأطفال الفلسطينيين في غزة خلال عملية “الجرف الصامد” (أو العصف المأكول كما تسميها المقاومة الفلسطينية) التي استمرت 50 يومًا في يوليو/تموز وأغسطس/آب 2014.
وجدت تحقيقاتنا عن الضحايا من الأطفال الفلسطينيين أدلة كثيرة ومتكررة على ارتكاب القوات الإسرائيلية انتهاكات جسيمة ضد الأطفال ترقى إلى جرائم حرب.
تحققت منظمة “DCIP” بشكل مستقل من مقتل 547 طفلًا فلسطينيًا في غزة، 535 منهم نتيجة الهجمات الإسرائيلية المباشرة، وقد شكل عدد الأطفال الذين يبلغ عمرهم 12 عامًا أو أقل نسبة 68% من إجمالي عدد الأطفال الذين قتلتهم القوات الإسرائيلية.
لتوضيح عدد القتلى من الأطفال الفلسطينيين في سياق أوسع، فقد قتلت القوات الإسرائيلية عددًا من الأطفال في الـ22 يومًا الماضية يتجاوز إجمالي عدد الأطفال الذين قُتلوا في الصراعات المسلحة عالميًا على مدار عام كامل، خلال الـ3 أعوام الماضية.
يحظر القانون الإنساني الدولي الهجمات العشوائية غير المتكافئة ويطالب جميع أطراف الصراع المسلح بالتمييز بين الأهداف العسكرية والمدنيين والأهداف المدنية.
وهكذا فإلقاء أسلحة متفجرة على منطقة ذات كثافة سكانية مدنية عالية يعد هجومًا عشوائيًا ويشكل هجومًا مباشرًا على المدنيين والأهداف المدنية، بما يرقى إلى جرائم حرب.
ومع ذلك، فهذا الإفلات شبه الكامل من العقاب الذي توفره الولايات المتحدة وتستمتع به القوات الإسرائيلية والمسؤوليين الإسرائيليين، يعني بشكل أساسي أنه لا حدود لهم.
فكل عدوان إسرائيلي بداية من عملية الرصاص المصبوب لم يقابله أي ضغط دولي لمحاسبة المسؤولين، بما يمثل ببساطة قاعدة منهجية دائمة للإفلات من العقاب.
يبدو أن القيادة الإسرائيلية تعتمد أكثر من ذي قبل على سياسات الفصل العنصري والقوة المميتة المتعمدة لإدارة احتلالها العسكري القمعي الظالم
إن فشل المجتمع الدولي سابقًا في محاسبة المسؤوليين الإسرائيليين على جرائم الحرب والأهم من ذلك، عدم تحدي دعم الولايات المتحدة غير المشروط لـ”إسرائيل” ومنعه، أوصلنا إلى ما نحن فيه الآن.
سياسات الفصل العنصري
يمثل عدد الأطفال في قطاع غزة نحو 50% من عدد السكان البالغ عددهم 2.3 مليون فلسطيني، نشأوا جميعًا تحت 16 عامًا من الحصار الإسرائيلي والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة التي شكلت وضعًا إنسانيًا لا يُحتمل قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول.
في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، يواجه الأطفال الفلسطينيون قمعًا وعنفًا متزايدًا من قوات الاحتلال الإسرائيلي، حيث يبدو أن القيادة الإسرائيلية تعتمد أكثر من ذي قبل على سياسات الفصل العنصري والقوة المميتة المتعمدة لإدارة احتلالها العسكري القمعي الظالم.
إضافة إلى التهديد الحاليّ الذي يشكله القصف الإسرائيلي العشوائي على المباني المدنية والبنية التحتية المدنية، فإن الأطفال الفلسطينيين يواجهون تهديدًا وشيكًا نتيجة النزوح الداخلي وقيود الحكومة الإسرائيلية على دخول الطعام والمياه والوقود وغيرهم من المساعدات الإنسانية إلى الاطفال وعائلاتهم.
كما أن النظام الطبي ينهار في غزة الآن مع مواصلة القوات الإسرائيلية تصعيد قصفها على غزة بحرًا وبرًا وجوًا.
وفقًا للقانون الدولي، فالإبادة الجماعية هي قتل متعمد لعدد كبير من الناس من شعب معين أو مجموعة عرقية معينة بهدف تدمير هذا الشعب أو هذه المجموعة كليًا أو جزئيًا، وقد تقع الإبادة الجماعية نتيجة القتل أو خلق ظروف حياتية لا تُحتمل تسبب إبادة هذه المجموعة.
ما نشهده الآن ووفقًا للحالات التي وثقتها منظمة “DCIP” في الوقت الحاليّ، هو ارتكاب القوات الإسرائيلية جرائم إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة، حيث تشن هجمات محظورة في تجاهل تام للقانون الدولي في محاولة لإخلاء غزة من سكانها، يحدث ذلك بدعم تام غير مشروط من حكومة الولايات المتحدة.
إن الولايات المتحدة لا تقف فقط متفرجة وتفشل في منع أو المعاقبة على جريمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينين، بل إنها تدعم بشكل فعال أبشع جريمة وفقًا للقانون الدولي
من واجب الولايات المتحدة كدولة موقعة على اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها عام 1948، أن تمنع تلك الجريمة وتعاقب عليها، يجب أن يعلم بايدن أيضًا ومسؤولو الحكومة الأمريكية أن الاتفاقية لا تجرم فقط ارتكاب إبادة جماعية بل محاولة ارتكابها والأهم من ذلك التواطؤ معها.
الحاجة إلى قيادة أمريكية جريئة
إن الولايات المتحدة لا تقف فقط متفرجة وتفشل في منع أو المعاقبة على جريمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينين، بل إنها تدعم بشكل فعال أبشع جريمة وفقًا للقانون الدولي، ما يجعلها متواطئة في هذا الجرم.
فطائرات الحرب الإسرائيلية أمريكية الصنع، والذخائر التي تقتل الفلسطينيين في قطاع غزة لأسلحة أمريكية الصنع أيضًا.
عند مواجهة الإدارة الأمريكية بالهجمات الإسرائيلية الممنهجة واسعة النطاق ضد الشباب المدني الفلسطيني في غزة والقتل الروتيني خارج القانون لأطفال الضفة الغربية المحتلة، كان ردها الدعم غير المشروط لـ”إسرائيل”.
كما استخدمت دعهما الدبلوماسي لتعجيز مجلس الأمن في الأمم المتحدة لضمان مواصلة القوات الإسرائيلية مذابحها، وتعهدت بدفع 10.6 مليار دولار أمريكي كمساعدات عسكرية من أموال دافعي الضرائب وتقديم أسلحة أمريكية الصنع، كل ذلك الدعم يزيد على الـ3.8 مليار دولار التي تقدمهم أمريكا سنويًا كمساعدات عسكرية.
إن لم يهتم بايدن بمعدل الوفيات الفلسطينية الحاليّة، فلن أوهم نفسي بأن اتفاقية الإبادة الجماعية ستغير من سياساته، ولأنه لا نهاية تلوح في الأفق، فهناك حاجة ماسة إلى قيادة أمريكية جريئة تتخذ موقفًا فوريًا وتعطي الأولوية للحفاظ على أرواح البشر، مع تزايد الاعتداءات والكارثة الإنسانية في غزة.
ما العدد الكافي من قتلى الأطفال الفلسطينيين على يد القوات الإسرائيلية قبل أن يتقدم أحدهم ويتولى زمام القيادة في تلك اللحظة السياسية والإنسانية الفارقة؟
المصدر: ميدل إيست آي