ينطلق مؤتمر أستانة السوري اجتماعاته ابتداءً من الغد الأربعاء ويستمر يومين، حسبما أعلنت وزارة الخارجية الكازاخستانية، التي ذكرت أن جميع الأطراف السورية ستشارك في نسخته الرابعة، وبمشاركة كل من قطر والسعودية والأردن بالإضافة إلى الرعاة روسيا وإيران وتركيا.
ليونة روسية
يظهر الطرف الروسي مرونة في التعاطي مع الملف السوري مع شركائه أكثر مما سبق، ففي زيارة لوزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إلى روسيا أبدى وزير الخارجية الروسي لافروف استعداد روسيا للتعاون التام مع واشنطن بشأن سوريا، وذكر الوزير أنه يتوقع موقفًا مماثلاً من واشنطن.
يأتي هذا التصريح بعد رسالة أمريكية تطالب بضرورة تخلي بشار الأسد عن السلطة طوعًا وإلا سيواجه خيارات أخرى أسوأها أن يكون مصيره القتل على يد شعبه كما حصل مع القذافي في ليبيا.
يُخشى من اقتراح المناطق الآمنة الروسية أن تصبح يومًا ما عنوانًا لتقسيم فعلي أو ضمني أو رسمي في سوريا، بحجة الحفاظ على الأمر الواقع
مراقبون يرون أن هناك تغير في الموقف الروسي بدأ يطفو على السطح وأن هناك نقاش جدي بات مطروحًا بشأن مصير الأسد ومن سيخلفه، بين روسيا والأطراف المختلفة، وذكرت موسكو للأطراف الأخرى لاقتراح أسماء بديلة للأسد، كما عرض وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلروسون خلال زيارته إلى موسكو استعداد الغرب للتعاون مع أي شخص تختاره موسكو بديلاً عن الأسد، مما يمهد الطريق أمام لائحة مرشحين بين الدول المعنية بالملف السوري مع قناعتها أن هذا الطريق يجب أن يمر عبر جنيف وأستانة.
إلى ذلك من المنتظر أن يجري الرئيس الأمريكي ترامب اتصالًا هاتفيًا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اليوم الثلاثاء حسبما أعلن البيت الأبيض، للتحدث فيما يبدو عن الملف السوري وهو اتصال يسبق انطلاق أستانة لذا يشوبه أهمية كبيرة.
هناك تغير في الموقف الروسي بدأ يطفو على السطح وهناك نقاش جدي بات مطروحًا بشأن مصير الأسد ومن سيخلفه
أما على مستوى وزارء الخارجية، فقالت وزارة الخارجية الروسية أمس الإثنين، إن وزير الخارجية الروسي لافروف تبادل وجهات النظر مع نظيره الأمريكي ريكس تيلرسون بشأن المحادثات الخاصة بأزمة سوريا، وأشارت الخارجية الروسية في بيان رسمي إلى أن لافروف وتيلرسون اتفقا على الخطوط العريضة للمباحثات المقبلة.
لذا يبدو أن اجتماع أستانة هذه المرة سيكون مختلفًا عمّا سبقه، فبينما ذهبت موسكو إلى الاجتماع الماضي وبيدها مسودة الدستور السوري والذي لاقى اعتراضات واسعة من قبل المعارضة السورية ورفضت تسلمه والتعليق عليه، تأتي موسكو هذه المرة إلى أستانة وبيدها خطة أكثر تفصيلاً وعمقًا.
يزور الرئيس التركي أردغان روسيا للقاء بوتين والتحدث عن عدد من القضايا أبرزها سوريا
يُذكر أنه في اجتماع أستانة الثاني، في فبراير/ شباط الماضي، جرى الاتفاق بين روسيا وإيران وتركيا على إنشاء آلية محددة لمراقبة وقف إطلاق النار، لكن المحادثات انتهت حينها دون صدور بيان ختامي.
بعدها انعقدت الجولة الثالثة من محادثات أستانة، واختتمت في منتصف مارس/ آذار الماضي، بالاتفاق على تشكيل لجنة ثلاثية تضم كلاً من روسيا وتركيا وإيران لمراقبة وقف إطلاق النار، علمًا أن المعارضة السورية قاطعت الجولة الثالثة من أستانة احتجاجًا على عدم احترام وقف إطلاق النار واستمرار سياسة التهجير المتعمد للسوريين.
إلا أن الاتفاق فشل في ظل استمرار قصف النظام السوري ودعمه من قبل روسيا وإيران، فضلاً عن استمرار التهجير وتغيير معالم المدن وتركيبتها السكانية.
روسيا تبدي استعدادها الكامل للتعاون التام مع واشنطن بخصوص سوريا
تأتي المرونة الروسية في موقفها من الأسد بالتزامن مع زيارة للرئيس التركي إلى روسيا، حيث سيعقد قمة مع نظيره بوتين غدًا الأربعاء، وسيكون الملف السوري على رأس قائمة الملفات التي سيتم التباحث بها، في ظل ثبات تركي على موقفها من الأزمة السورية، والرافض لوجود بشار الأسد وإصرار تركي للقضاء على التنظيمات الكردية في سوريا التي تصنفها على أنها إرهابية.
مقترح روسي لإنشاء مناطق آمنة
قدمت موسكو مقترحًا شفهيًا لإنشاء 4 مناطق آمنة في نقاط التماس بين الفصائل المعارضة والنظام السوري، للتخفيف من التصعيد في محافظة إدلب وشمال حمص والغوطة الشرقية وجنوب سوريا، على أن يتم إدخال قوات محايدة من دولٍ يقبلها الطرفان، لتتولى هذه المهمة كقوات فصل، ويتوقع أن يتم طرح نسخة مكتوبة خلال الاجتماعات، وأفادت مصادر إعلامية أن تركيا طلبت إضافة منطقة خامسة للمقترح الروسي، في حين يرى مراقبون أن هذه المناطق يخشى منها أن تصبح يومًا ما عنوانًا لتقسيم فعلي أو ضمني أو رسمي في سوريا، بحجة الحفاظ على الأمر الواقع.
يُذكر أن أسماء الدول التي ستتولى مهمة الفصل لا تزال مجهولة وغير محددة حتى اللحظة، كما أكد عضو وفد الهيئة العليا السورية للتفاوض، فاتح حسون، أنه لم يكن هناك أي طرح لأسماء دول، وفي حال تمت الموافقة من قبل الأطراف على اقتراح موسكو، فسيتم إنشاء مجموعة عمل، وهي التي ستختار بدورها الدول التي ستشارك في تشكيل تلك القوات، بحسب وكالة نوفوستي الروسية.
قدمت موسكو مقترحًا لإنشاء 4 مناطق آمنة في نقاط التماس بين الفصائل المعارضة والنظام السوري، للتخفيف من التصعيد في محافظة إدلب وشمال حمص والغوطة الشرقية وجنوب سوريا
وذكر يحيى العريضي وهو مستشار بالهيئة العليا للتفاوض أن هذا الاقتراح تم طرحه شفهيًا خلال اجتماعات الفصائل العسكرية في أنقرة الأسبوع الماضي، وأشار أن المقترح لم يُتبع بتفاصيل تنفيذية، لذلك، فإن موقف الوفد العسكري هو التعاطي بحذر مع مقترحات كهذه، حتى تتم الإجابة على تساؤلات كثيرة، مؤكدًا في الوقت نفسه أن الاقتراح يشمل إقامة أربع مناطق آمنة أو عازلة بين الفصائل وقوات النظام، في شمال سوريا وجنوبها.
وزيرا الخارجية الأمريكي والروسي
الواقع أن روسيا قدمت منذ تدخلها في سوريا عام 2015 الكثير من الوعود بشكل سري أو علني سواء كان سياسيًا يتعلق بالفترة الانتقالية ومصير الأسد أو عسكريًا بخصوص إيقاف القصف وإدخال المساعدات الإنسانية إلى مناطق المعارضة.
الوعود الروسية بخصوص إقامة مناطق فصل في أماكن الاشتباك أشبه بالوعود السابقة، ولا تخرج عن كونها تكتيكات تفاوضية لتهدئة الاحتجاجات الدولية وتمييع المطالب
وأولى تلك الوعود كان في تشرين الأول/ أكتوبر مبادرة طرحتها روسيا على أمريكا لوقف جميع المعارك على الخطوط الأمامية بين فصائل المعارضة وقوات الأسد وإصدار عفو عام على كل أفراد المعارضة، أما بالنسبة لأستانة وجولاتها الثلاثة الماضية، فكل جولة كانت تشهد وعودًا روسية للمعارضة السورية إلا أنها بقيت كسابقاتها “حبر على ورق”.
لذا فإن الوعود الروسية الأخيرة بخصوص إقامة مناطق فصل في أماكن الاشتباك هي أشبه بالوعود السابقة، وهي لا تخرج عن كونها تكتيكات تفاوضية لتهدئة الاحتجاجات الدولية وتمييع المطالب، وقد تكون أكبر كذبة روسية حتى الآن هي كذبة التخلي عن الأسد.