كنت أوثر الصمت لأشهر على استمرار المعارك الجانبية ومنها إعلان خاص انتشر عن مشروع للإنفاق على المعوزين والطلاب، ثم جمع أسماء العشرات من المضارين والصمت التام لمدة أكثر من سنة وعند وفاة أحد المصريين وعدم قدرة أبنائه على توفير المال للعودة إلى مصر تم جمع المال من أجله بصورة خيرية، فلا المشروع الخاص كان حقيقيًا، ولا مشروع عام يحترم وفاة مناهضين للانقلاب!
يتعذر الصمت لما يدرك الكاتب المدافع عن قضايا أمته أن مموليّ الرابطة التركية أدركوا الحقيقة، وأن مسؤولي الأخيرة إنما يبعثرون الصف كله من أجل البقاء في صدارة المشهد الذين فشلوا في إدارته في مصر، فمنع الممولون المال عنهم، وبالتالي بدأت قناة أخذتها الرابطة عنوة من المكتب الجديد في التراجع مجددًا بعد نسختها الماضية، فصار الفشل الإخواني يتجدد سياسيًا وإعلاميًا بالإضافة إلى اجتماعي وحقوقي فضلًا عن خلقي، اللهم إلا مَنْ رحم ربي!
كانت كل هذه المواقف في حيز من الخلاف المتردي إلى حد ما لا يمكن تخيله، أما الجديد أن المجموعة القديمة في صورة قياداتها التي تصف نفسها بالتاريخية قررت الاعتراف بـ(إسرائيل)، وبأن الجماعة إصلاحية، مما بيناه في المقال الأول، فلم يعد هناك مجال لتخيل وجود أزمة عابرة ولا خرق ولا راقع كما كان المتصور، بل صار المشهد عبثيًا بامتياز، ومن تمام عبثيته تم تفعيل دور واحد من ثلاثة تم اختيارهم كمتحدثين رسميين باسم حزب “الحرية والعدالة” بعد تجميد الأخير!
والمهندس الذي تم تفعيله قال عنه الأمين العام لجبهة علماء السنة عند عقد مؤتمرها الوحيد في إسطنبول في أغسطس/ أب 2015م: “ابعدوا الميكروفون عنه، فقد أخذ على نظام منصة رابعة من كلام كثير بلا فائدة”! وبعد ساعات اختلف أحد الحضور من أصحاب الرأي والإبداع مع أحد علماء الإخوان المشهور بمواقفه التكفيرية عن كون الدكتور مرسي رئيسًا إسلاميًا لدولة إسلامية، فلما ذكره الصديق بأن هناك أقباط وضعوا أصواتهم بالصناديق وفقًا لنهج ديمقراطي لا إسلامي، قال الداعية إن الديمقراطية كفر، فعقب الصديق: لكنها جاءت بالدكتور مرسي!
هنا ثار المتحدث الرسمي، لا الإعلامي فحسب باسم الحزب، وهجم على الصديق صاحب الرأي محاولًا أخذ الميكروفون بالقوة، عوضًا عن منعه من الدخول في اليوم التالي، رغم تدخل الشيخ الموريتاني “الحسن ولد دودو” منهيًا سوء الفهم من جانب الداعية الذي اعتذر وقبّل رأس صاحب الرأي.
وكانت آخر الأثافي التي دقت آخر مسمار في نعش الصمت حديث المتحدث الرسمي الأول إلى القناة المشهورة، ومع مذيع في مقتبل العمر محاولًا تفنيد سياسة ترامب واستدعائه السيسي، وراح المهندس، في غير سياق، يسهب في أفضال الجماعة على الصغار من الشباب في السودان وتركيا، وخيانة بعضهم للأمانة بالإعداد لقنبلة في السودان، بما فيهم عضو في مجلس الشعب سابقًا من الإخوان لكنه “غير منضبط”.
هكذا وكأن الرجل يملك جهازًا مثل جهاز ضبط الهواء في إطارات السيارات يمكنه من ضبط نسبة الانضباط في أذهان وتصرفات أناس فاقوه عمرًا وأتوا إلى البرلمان عبر انتخابات لا “مجاملات”، ثم لمز المهندس الذي صار متحدثًا رسميًا كاتبًا آخر في تركيا بأنه على اتصال بتنظيم القاعدة، وكل هذا لمجرد خلاف في الرأي بين الجانب الذي يدافع عنه والجانب الآخر، ولم ينس الأخير أن يتحدث في ثقة العالِم بكل شيء المبشر بعودة الشرعية وفك أسر المأسورين، بلا عمل من جانبه في المقابل، وقبل أن يختم قال إنه ترك للزملاء في الإعداد رقم هاتف مسؤول الإخوان في السودان فهو أدرى بحال شبابها، وليت شعري لماذا تحدث إذًا وأبلغ على الهواء عن الشباب الذي تم طرده من مسكنه من جانب جبهته؟!
كان الحديث في مقتبل الأسبوع المنتهي في يوم الجمعة 8 من أبريل/ نيسان، ولم يرد أحد من القيادات التي عينت المهندس متحدثًا رسميًا، ولا أدري هل يجوز العكس أيضًا، تعيين إعلامي في وظيفة مدير مشروعات الإخوان مثلًا؟ وبقي الأمر كأن لم يكن، اللهم إلا من تعليقات الشباب من الجانبين على الدرجة التي وصلت الأمور إليها في الجماعة، وعلى صفحة المتحدث باسم الحزب على الفيسبوك، وهو الذي لم يكن يقصر في الرد فكان يرد الصاع بمثله على مهاجميه، حتى إن شابًا قال له سوف أحاجك عند الله بما قلتَ، فكان رد المتحدث السابق عن الحزب: وأنا أيضًا سأحاجك بسوء تأويلك لكلماتي!
وسرًا حاول الرجل مهادنة الداعية صاحب الفتاوى التليفزيونية الذي اتهمه بالتواصل مع تنظيم القاعدة، والرجل بالمناسبة مدير مكتب سابق للداعية المعروف الذي نصح الجبهتين في حكمه الذي أصدره في 26 من يناير/ كانون الثاني 2016م بالاعتزال وترك الأمر إلى الله ثم الشباب، وهو الحكم الذي رضيتْ به الجبهة الجديدة، ولفظته المسماة بالتاريخية قائلة إن الشيخ لم يعد يمثلنا!
وفي اتهام السيد المتحدث السابق باسم الحزب بالتواصل مع “القاعدة” اتهام للشيخ بالأمر ذاته.
الجمعة 8 من أبريل/ نيسان وجدتها السلطات السودانية فرصة لمسايرة “نظام السيسي” وإقصاء الإخوان، الذين اعترف أحد قيادتهم المفترضين بتصنيع القنابل على أرض بلدهم، ومن هنا فرضتْ رسومًا وتأشيرة على الداخلين إلى بلادهم!
هنا فقط استشعرت قيادات الجماعة التاريخية الحرج، وعلى طريقة نظام حسني مبارك، الذي أراد الأخيرون الحكم والبناء عليه في مصر، أوعزوا إلى المتحدث باسم حزبها المجمد أن يقيل نفسه، فكان العذر الذي أعلنه أقبح من ذنب، فهو لم يكن يعرف أنه سيتحدث في هذا الأمر، رغم إقراره بأنه أعطى رقم هاتف مسؤول السودان للإعداد الذي رفض طلبه بطلب مسؤول السودان على الهواء، وأقال المهندس الداعية “نفسه” على حسابه على الفيسبوك، بعدما جلب المزيد من الأزمات للشرفاء الذي يواجهون مزيدًا من المعاناة لأولئك الشباب الذين دفعهم الإخوان إلى التظاهر في الشوارع بعد الانقلاب بلا هدف أو رؤية أو حتى تصور لغد.
يبقى أن هذه الكلمات ليست لأحد سوى لوجه الحق الذي أحببناه ونذرنا له أعمارنا وجهدنا، فإن كان الانقلاب غير معول عليه، ولا منتظر منه قبولًا للنصح فإن الإخوان أولى بذلك.
واجب الساعة تنقية الصفوف واتقاء الله في خلقه وفي واقع الشرفاء والمسلمين في مصر والعالم، والمسؤولية الملقاة على الجماعة!
وحتى ذلك الحين فإن صاحب هذه الكلمات يبرأ إلى الله من خيانة أولئك الذين انقلبوا على الديمقراطية في مصر على ظهر الدبابة وبقوة الرصاص، ومن تقصير أولئك الذين تعجلوا دس أنفسهم فيما لا قبّل لهم به ولا يستطيعونه فظلموا الأمة وأنفسهم ولا يزالون!