يمثل نادي موناكو حالة فريدةً في كرة القدم الأوروبية، فرغم انتمائه إلى إمارةٍ صغيرةٍ لا تكاد تظهر على الخارطة، إلا أنه حقق إنجازاتٍ مهمةٍ على الصعيدين المحلي والأوروبي، آخرها اقترابه بشدةٍ من التتويج بلقب الدوري الفرنسي لهذا الموسم، فضلًا عن بلوغه نصف نهائي دوري أبطال أوروبا، حيث سيواجه نادي يوفنتوس الإيطالي اليوم.
جمال الطبيعة في موناكو
وبدايةً، دعونا نتعرف بإيجازٍ على إمارة موناكو، وهي دولةٌ تحظى بالسيادة والعضوية الكاملة في الأمم المتحدة منذ عام 1993، تقع جنوب غرب القارة الأوروبية على ساحل البحر المتوسط، وتحدها فرنسا من جميع الاتجاهات، ونظام الحكم فيها ملكي منذ تأسيسها، حيث تحكمها أسرة غريمالدي ومنهم أميرها الحالي ألبير الثاني، وتبلغ مساحة موناكو 2.05 كم2، وعدد سكانها المقيمين 36 ألف نسمة، مما يجعلها ذات الكثافة السكانية الأعلى في العالم، ولكنها بالمقابل تحظى بأدنى معدل بطالةٍ في العالم، كما يحظى سكانها بأعلى معدل للدخل الفردي.
تحظى إمارة موناكو بالسيادة والعضوية الكاملة في الأمم المتحدة منذ عام 1993
وتتميز موناكو بطبيعتها الخلابة فضلًا عن عراقتها وأناقتها، مما يجعلها إحدى أهم قبلات السائحين حول العالم، إضافةً إلى كونها إحدى الوجهات المفضلة للمشاهير من أجل الإقامة والسكن، وذلك بسبب نظامها الضريبي الأكثر تساهلًا في أوروبا، فضلًا عن مؤشر الرفاهية المرتفع فيها، والذي جعل معدل الأعمار الافتراضية فيها يصل إلى 90 عامًا، وهو الأعلى من نوعه في العالم.
ملعب لويس الثاني في إمارة موناكو
وفي تلك الإمارة الجميلة والعريقة، تأسس نادي موناكو لكرة القدم عام 1924، على يد أعضاء جمعية موناكو للألعاب الرياضية، التي تأسست بدورها عام 1919، وقد اتخذ النادي الوليد من تاج الإمارة الملكي شعارًا له، ومن ألوان علمها الحمراء والبيضاء لباسًا رسميًا له.
تأسس نادي موناكو عام 1924 على يد أعضاء جمعية موناكو للألعاب الرياضية
وباعتباره النادي الوحيد في الإمارة، سُمح للنادي بالمشاركة ضمن بعض بطولات الجارة فرنسا، فشارك في عدة بطولاتٍ محليةٍ بشكلٍ متفرقٍ حتى عام 1936، الذي شهد افتتاح ملعب لويس الثاني في مدينة موناكو، وهو المكان الذي يحتضن جميع مباريات النادي منذ ذلك الوقت وحتى الآن، علمًا بأن سعته لا تتجاوز 18500 متفرج.
موناكو أحرز أول ألقابه في الدوري الفرنسي عام 1961
ومنذ افتتاح ملعبه دأب نادي الإمارة، على المشاركة في بطولات الدوري الفرنسي، ولكن صعوده إلى الدرجة الأولى تأخر حتى عام 1953، وبعدها بسنواتٍ قليلةٍ تحول نادي الإمارة إلى أحد أقوى أندية فرنسا، بعد أن تولى تدريبه المدرب لوسيان ليدوك، وقاده لتحقيق لقب كأس فرنسا عام 1960، قبل أن يتوج بأول ألقابه في الدوري الفرنسي عام 1961.
يمتلك نادي موناكو في رصيده 7 ألقابٍ في بطولة الدوري الفرنسي
وعمومًا يمتلك نادي موناكو في رصيده على المستوى المحلي، 7 ألقابٍ في الدوري أحرزها أعوام: 1961، 1963، 1978، 1982، 1988، 1997، و2000، و5 ألقابٍ في الكأس أحرزها أعوام: 1960، 1963، 1980، 1985، و1991، و4 ألقابٍ في كأس السوبر أحرزها أعوام: 1961، 1985، 1997، و2000، إضافةً إلى لقبٍ وحيدٍ في كأس الرابطة الفرنسية أحرزه عام 2003، وهو يعد آخر ألقاب النادي على الإطلاق.
الفرنسي آرسين فينغر أحد أشهر من درب نادي موناكو عبر تاريخه
أما على مستوى البطولات الأوروبية، التي شارك فيها باعتباره نادٍ فرنسي، فقد حقق نادي الإمارة أفضل إنجازاته عام 2004، حين نجحت كتيبة المدرب ديديه ديشان، بالتأهل إلى المباراة النهائية لمسابقة دوري أبطال أوروبا، بعد إقصائها أنديةً عريقةً من طريقها كريال مدريد وتشيلسي، ولكنها سقطت بثلاثيةٍ بيضاء في نهائي ملعب غلسنكيرشن، أمام بورتو البرتغالي الذي كان يقوده المدرب جوزيه مورينو.
حقق نادي موناكو أفضل إنجازاته الأوروبية عام 2004 ببلوغه نهائي الشامبيونز ليغ
وقبل ذلك الإنجاز، نجح موناكو تحت قيادة المدرب الشهير أرسين فينغر، في بلوغ نهائي مسابقة كأس أبطال الكؤوس الأوروبية لعام 1992، ولكنه سقط أيضًا أمام فيردر بريمن الألماني بنتيجة 0-2.
تشكيلة أفضل اللاعبين الذين مثلوا نادي موناكو عبر تاريخه
وباستعراض أسماء أبرز النجوم الذين مروا على تاريخ موناكو، نجد في مقدمتها نجم السبعينيات الأرجنتيني ديليو أونيس، وهو متصدر هدافي النادي تاريخيًا برصيد 223 هدفًا، كما أنه أفضل هدافٍ في تاريخ الدوري الفرنسي عمومًا، وزميله الحارس الفرنسي جين لوك إيتوري، صاحب الرقم القياسي في عدد المباريات مع النادي برصيد 755 مباراة، إضافةً إلى الليبيري جورج وياه، الإنجليزي غلين هودل، الألماني يورغن كلينسمان، الفرنسيين تيري هنري وإيمانويل بوتي وليليان تورام ودافيد تريزيغيه وفابيان بارتيز ويوري دجوركاييف، وجميعهم من النجوم الذين مثلوا نادي موناكو خلال القرن الماضي.
تشكيلة موناكو في نهائي الشامبيونز ليغ 2004
أما مشاهير الألفية الجديدة في نادي الإمارة، فتتقدمهم أسماء نهائي الشامبيونز ليغ لعام 2004، كالإسباني فيرناندو مورينتس، الفرنسيين لودفيك جولي وباتريس إيفرا وجيروم روثن وغايل جيفيه، الكونغولي شعباني نوندا، التوغولي إيمانويل أديبايور، وغيرهم.
يعتبر النجم الليبيري جورج وياه أشهر من لعب لنادي موناكو عبر تاريخه
كما مر على تاريخ النادي منذ ذلك الوقت وحتى الآن، العديد من الأسماء العالمية كيحيى توريه وإريك أبيدال ورافائيل ماركيز وأيمن عبد النور وجيريمي مينيز، وصولًا إلى بيير أوباميانغ وخاميس رودريغيز ويانيك كاراسكو وليفن كورزاوا وأنتوني مارسيال، وجميعهم مثلوا نادي موناكو خلال فتراتٍ من مشوارهم الكروي الذي ما زال مستمرًا.
أبرز لاعبي موناكو الحاليين
وبالنظر إلى أبطال الفريق الحاليين، الذين باتوا على أعتاب التتويج بلقب الدوري الفرنسي للمرة الأولى منذ 17 عامًا، نجد أن معظمهم من النجوم الواعدة التي يُنتظر تألقها بشدةٍ في سماء الكرة العالمية في أقرب الآجال، كالفتى الفرنسي المذهل كيليان مبابي ذي الـ18 عامًا، وزملائه البرتغالي برناردو سيلفا، البرازيلي فابينيو، الفرنسيين غابريل سديبي وبنيامين ميندي وتيمو باكايوكو وتوماس ليمار، وجميعهم لم يتجاوزوا الـ23 عامًا.
تضم تشكيلة موناكو الحالية مزيجًا من لاعبي الشباب والخبرة
وبالمقابل تضم تشكيلة الفريق الحالية بعض لاعبي الخبرة كالنمر الكولومبي العائد راداميل فالكاو، البرتغالي جواو موتينيو، الجناح المغربي نبيل ضرار، المهاجم الفرنسي فاليري جيرمان، الحارس الكرواتي دانييل سوبازيتش، إضافةً إلى قلبي الدفاع كامل جليك وجيمرسون.
البرتغالي ليوناردو جارديم مدرب موناكو منذ عام 2014
ويقود الفريق مدربٌ برتغاليٌ شابٌ يبلغ من العمر 42 عامًا، اسمه ليوناردو جارديم، سبق أن درب عدة أنديةٍ كأولمبياكوس اليوناني وسبورتنغ لشبونة البرتغالي، قبل أن يخلف الإيطالي كلاوديو رانييري في تدريب نادي الإمارة اعتبارًا من يوليو 2014.
وقد أنهى جارديم الموسمين الماضيين مع موناكو في الترتيب الثالث، فيما يتصدر ترتيب الموسم الحالي من الدوري الفرنسي برصيد 83 نقطة، حققها من 26 فوزًا و5 تعادلاتٍ مقابل 3 هزائم، وضعته على بعد 3 نقاط عن مطارده باريس سان جيرمان بطل المواسم الـ4 الماضية، وذلك قبل 4 جولاتٍ من نهاية مشوار الدوري.
فرحة لاعبي موناكو ببلوغهم نصف نهائي الشامبيونز ليغ
أما في دوري أبطال أوروبا، فقد حقق أبناء جارديم نتائج ممتازةً هذا الموسم، وضعتهم في نصف نهائي المسابقة الأوروبية الكبرى، بعد أن تصدروا مجموعتهم على حساب باير ليفركوزن وتوتنهام وسيسكا موسكو، ثم تجاوزوا مانشستر سيتي الإنجليزي وبروشيا دورتموند الألماني في طريقهم نحو الدور نصف النهائي، حيث سيواجهون نادي يوفنتوس الإيطالي ذهابًا في موناكو وإيابًا في تورينو، اليوم وفي الـ9 من الشهر الحالي.
تمثل القوة الهجومية الضاربة إحدى أهم أسلحة مدرب موناكو ليوناردو جارديم
وتمثل القوة الهجومية الضاربة إحدى أهم أسلحة جارديم التي يتفوق فيها على معظم أندية فرنسا وأوروبا، حيث سجل الفريق 95 هدفًا في الدوري و21 هدفًا في الشامبيونز ليغ، كما يتميز الفريق بارتفاع اللياقة البدنية، نتيجة صغر معدل أعمار لاعبيه الذي لا يتجاوز الـ25 عامًا.
الروسي ديمتري ريبولوفليف رئيس نادي موناكو
وأخيرًا، لا بد أن نشير إلى عاملٍ قد لا يبدو جليًا للعيان، رغم تأثيره الكبير في النجاحات الحالية التي يعيشها نادي الإمارة، وهو العامل الاقتصادي المالي، حيث يرأس النادي حاليًا الملياردير الروسي ديمتري ريبولوفليف، الذي اشترى نسبة 66.67% من أسهم النادي الناشط في دوري الدرجة الثانية عام 2011، حيث صعد به إلى الدرجة الأولى صيف عام 2013، وأعاده تدريجيًا إلى مصاف كبار المتنافسين، عبر إنفاقه ملايين الدولارات في سبيل دعمه بأفضل الصفقات الممكنة.
يتمتع لاعبو نادي موناكو بالإعفاء الكامل من الضرائب على دخولهم.
ومن ناحيةٍ أخرى، بقيت ملكية الـ33.33% المتبقية من أسهم النادي، في حوزة عائلة غريمالدي التي تحكم الإمارة، والتي منحت النادي الكثير من الميزات الاقتصادية غير الموجودة في بقية أندية أوروبا، كالإعفاء الكامل من الضرائب على دخول لاعبي الفريق، مما شجع العديد من النجوم العالميين على التوقيع لنادي الإمارة، طمعًا في المكاسب المالية الصافية من جهة، ورغبةً في أن يصبحوا جزءًا من مشروع النادي الواعد من جهةٍ أخرى.