مع تصاعد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، يتزايد الحديث عن ضرورة التحرك العاجل للعودة إلى التهدئة وإيقاف نزيف الدم بحقّ السكان المدنيين.
وكشفت مصادر مطّلعة الأسبوع الماضي، أنه يجري حاليًّا وضع اللمسات النهائية على صفقة إطلاق سراح عدد من الأسرى مزدوجي الجنسية، حيث تلعب الوساطة القطرية دورًا حاسمًا في ذلك.
ويطرح النجاح الذي حققته قطر في إطلاق سراح عدد من الأسرى “المدنيين” لأسباب إنسانية، التساؤلات حول إمكانية أن يكون ذلك مقدمة لتحقيق تهدئة دائمة في المنطقة.
وتحتجز فصائل المقاومة الفلسطينية أكثر من 235 إسرائيليًا وأجنبيًّا بينهم عدد من مزدوجي الجنسية.
مبادرات إطلاق المحتجزين
يؤكد الخبراء على أهمية مبادرة إطلاق المحتجزين، باعتبارها خطوة إيجابية تعزز الآمال في تحسين الأوضاع وتخفيف التوترات وإنهاء التصعيد الإسرائيلي، ويشير المحلل الاستراتيجي والخبير في الشؤون الإقليمية والدولية محمد عيد الشتلي، إلى أن المبادرات التي تقودها قطر بطلب من الولايات المتحدة لإجراء مفاوضات مع الفصائل المقاومة لإطلاق المحتجزين، تسير بنجاح رغم الأوضاع الحالية المتفجرة.
ويضيف الشتلي في حديثه لـ”نون بوست”، أنّ قطر نجحت كلاعب دولي فاعل ووسيط موثوق من جميع الأطراف المتصارعة في عملية إطلاق عدد من المحتجزين، والدلالة على ذلك هو تفاعل الفصائل المقاومة مع الطلب القطري وتجاوبها معه، رغم التعنُّت الذي يمارسه الكيان الصهيوني ومحاولاته اليائسة لإفشال المبادرة القطرية.
وحول طبيعة اختيار المحتجزين المفرج عنهم، يبيّن الشتلي أن ذلك يتمّ بناءً على عامل السن ومدنية الشخص، إذ يتم التأكد أن الشخصية المحتجزة لدى الفصائل هي شخصية مدنية وغير منخرطة في المؤسسات الأمنية والعسكرية للكيان الصهيوني.
ويوضّح المحلل الاستراتيجي أن عملية إطلاق عدد من المحتجزين لدى فصائل المقاومة هي بادرة حسن نية، ورسالة إلى المجتمع الدولي بأن هدف المقاومة إنهاء انتهاكات الكيان الصهيوني وممارساته، منوهًا إلى أن الجانب الاسرائيلي ما زال يتعنّت ويكابر ويسعى لعملية اجتياح بري، قد تؤدي به والمنطقة إلى حرب إقليمية قد يتسع نطاقها.
وفي وقت سابق، كشف رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، عن حصول “بعض التقدم” في مفاوضات المختطفين، مؤكدًا على ضرورة إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة للتوصل إلى حل سلمي في غزة.
أهمية الوساطة القطرية في غزة
تحظى الوساطة القطرية باهتمام إقليمي ودولي واسع، لأهميتها في تهيئة الأجواء نحو اتفاق تهدئة يمنع انزلاق المنطقة إلى أتون الحرب الشاملة، ويلفت الشتلي إلى أن الدوحة تضطلع بدور بارز في إنجاح المبادرة، إذ ساهمت في إطلاق عدد من المحتجزين رغم العدوان الذي يمارسه الكيان الصهيوني ضد قطاع غزة، وتكمن أهمية الدور القطري في تجاوب جميع الأطراف.
وعن الجهات التي تدير ملف التفاوض، يشير الشتلي إلى أن وزارة الخارجية القطرية هي من تمسك هذا الملف، وتتم هذه المفاوضات في الدوحة عن طريق إجراء الاتصالات مع ممثلين عن فصائل المقاومة ودولة محورية في الشرق الأوسط.
ويرجّح المحلل الاستراتيجي ألّا يتوقف الدور القطري عند مسألة إطلاق المحتجزين فقط، بل سيتسع هذا الدور ليشمل المساعدات الإنسانية لسكان القطاع وعملية إنهاء الأزمة الحالية، لمنع اتساعها إلى اجتياح بري قد يؤدي إلى حرب إقليمية واسعة النطاق.
وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، قد أعربا عن شكرهما لدولة قطر وحاكمها الأمير تميم بن حمد، لدورهما في تأمين إطلاق سراح المحتجزين.
مستقبل الصراع الدائر
يأمل المراقبون في أن تسهم المبادرة القطرية بتعزيز فرص تحقيق تسوية دائمة داخل الأراضي الفلسطينية، ووضع حدّ للتصعيد والصراع الدائر منذ أسابيع.
من جانبه، يشدد المحلل والأكاديمي الفلسطيني الدكتور إبراهيم المدهون، على أهمية الدور الذي تلعبه قطر في الوساطة بين حركة حماس من جهة، والولايات المتحدة و”إسرائيل” من جهة أخرى.
ويبيّن المدهون في حديثه لـ”نون بوست” أن الدوحة تتمتع بعلاقتها المميزة مع حركة حماس، حيث إن هناك مكاتب للحركة وقياداتها في قطر، وهناك علاقة مباشرة ودور هامّ قبل معركة “طوفان الأقصى” للسفير القطري في غزة.أصبحت قطر من كلمات السر في أي تهدئة قادمة
ويعرب المدهون عن اعتقاده بأنّ قطر لديها معرفة متراكمة وعلاقات تسمح لها بلعب دور في هذا الملف، بالإضافة إلى أن قطر قادرة على ابتكار حلول وآليات من أجل الوصول إلى نقطة التقاء يمكن البناء عليها.
ويرى المدهون أن نجاح قطر في إطلاق أربعة من المحتجزين الإسرائيليين في غزة، عزز الثقة فيها واستدعى شكرها من قبل الولايات المتحدة، كما أن دورها مثمّن جدًّا من قبل فصائل المقاومة وهناك حاجة له دائمًا، وأصبحت قطر من كلمات السر في أي تهدئة قادمة.
ويؤكد المدهون على أن الباب مفتوح أمام قطر من أجل لعب دور أكبر بكثير في المرحلة القادمة، وربما ما يجري اليوم هو بداية لتسوية مبدئية بهدف إيقاف الحرب لمدة من 5 أيام إلى أسبوع، ومن خلالها تدخل المواد التموينية والأساسية والوقود خصوصًا إلى المستشفيات.
بالمحصلة، فإنّ الكلمة الفصل هي للميدان، خاصة مع استمرار العدوان وصعوبة الأوضاع في غزة، بحسب الأكاديمي الفلسطيني، وفي حال فشلت الحملة العدوانية العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة، فسترضخ “إسرائيل” لمطالب المقاومة وسيكون لقطر الدور المحوري في تلك المرحلة.