ترجمة حفصة جودة
في الأسابيع الأخيرة، وقف العديد من قادة الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وأمريكا كتفًا بكتف مع بنيامين نتنياهو، وأعربوا عن دعمهم لحقّ “إسرائيل” في الدفاع عن نفسها، ذلك الشعار الذي نشر الدمار في غزة بعد هجوم حماس على قوات الأمن الإسرائيلية وعدد من المدنيين.
شذت أيرلندا عن هذا الموقف، فبينما قال رئيس وزرائها، ليو فارادكار، إن لـ”إسرائيل” الحق في الدفاع عن نفسها، فقد أضاف شرطًا آخر حيث قال: “لكنها لا تملك الحق في ارتكاب الأخطاء، فقصفها لغزة بالنسبة إليّ يرقى إلى عقاب جمعي”.
على مستوى الاتحاد الأوروبي، ضغطت البلاد -إضافةً إلى أسبانيا- تجاه وقف إطلاق نار إنساني وإنهاء العنف، بدلًا من خيار التوقف المؤقت.
وبينما لم أسمع بأي شخص يبرر هجوم حماس يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول، إلا أن أيرلندا لها تاريخ طويل في دعم قضية حرية الفلسطينيين والسلام في المنطقة، وبينما انتشرت مقاطع فيديو كثيرة لسياسيين أيرلنديين يناصرون فيها الفلسطينيين وينتقدون الحكومة الإسرائيلية على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن السؤال الذي يطرحه حديثو العهد بالموقف الأيرلندي هو “لماذا؟”.
الإجابة المختصرة هي تجربة أيرلندا للاستعمار والعنف الطائفي والسلام، ومع ذلك تلك الإجابة القصير تخفي وراءها الكثير من التعقيدات، فتضامن أيرلندا مع الشعب الفلسطيني ليس مجرد تطبيق “للمثل بالمثل” (رغم أنها في بعض الأحيان يعبَّر عن ذلك ببساطة في شمال أيرلندا).
كما أنه ليس مجرد نوع من التعاطف السياسي، بل إنه يظهر بوضوح في سياسات الحكومة والاحتجاج والنشاط السياسي، وتعاطف تاريخي مع هؤلاء الذين دُمّرت حياتهم بسبب العنف والاحتلال.
إن دعم الحكومات الأيرلندية المتعاقبة لعملية السلام يعكس أيضًا فهمها لإمكانية تحقيق السلام، حتى في أسوأ سياقات العنف الطائفي.
في عام 2017، رُفع علم فلسطين على مبنى بلدية دبلن إشارة إلى مرور 50 عامًا على الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية.
في عام 1980، كانت أيرلندا أول دولة في الاتحاد الأوروبي تعترف بإقامة دولة فلسطين، وقد التقى سياسيون أيرلنديون بياسر عرفات في اجتماعات بارزة عامَي 1999 و2003، وفي عام 2010 طردت أيرلندا دبلوماسيًّا إسرائيليًّا من دبلن، بعد الكشف عن جوازات سفر أيرلندية مزوّرة استخدمها مشبوهون لاغتيال مسؤول حماس محمود المبحوح.
في هذا العام نفسه، حاولت سفينة أيرلندية نقل مساعدات إنسانية لغزة أثناء الحصار، لكن قوات الأمن الإسرائيلية أوقفتها، وفي عام 2017 رُفع علم فلسطين على مبنى بلدية دبلن إشارًة إلى مرور 50 عامًا على الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية.
في السنوات الأخيرة، مرّر البرلمانيون التشريعيون في أيرلندا اقتراحًا يطالب بالاعتراف بدولة فلسطين، ورغم أنه كان في طيّ النسيان، إلا أنه أُثير مرة أخرى على يد وزير الشؤون الخارجية مايكل مارتين أثناء جلسة الأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول، حيث أشار إلى أن الحكومة الأيرلندية تستعد لتمرير القانون.
سيمنع قانون الأراضي المحتلة لعام 2018 -والذي ما زال في مراحله الأخيرة بالبرلمان- الدعم الاقتصادي والتجارة مع المستوطنات غير الشرعية في الأراضي المحتلة، هناك بالطبع بعض المشاعر الموالية لـ”إسرائيل” في اليمين السياسي، مثل لوسيندا كريتون الوزيرة السابقة عن حزب فاين جايل، والتي انضمت إلى إحدى جماعات الضغط، لكن على نطاق واسع هناك إجماع على القانون.
بسبب تاريخ أيرلندا، قرر الكثيرون دعم هؤلاء الواقعين تحت الاحتلال ذوي الهويات الوطنية المهمّشة، خاصة في إطار الإمبريالية والاستعمار، وهذا الشعور بالتقارب يظهر في الحياة اليومية الثقافية.
مثال على ذلك زيّ الاحتياط عام 2023 لنادي كرة قدم أيرلندي شهير، والذي كان شراكة مع منظمة رياضية فلسطينية غير ربحية، كما خرجت العديد من الاحتجاجات في كل أنحاء أيرلندا تطالب بوقف إطلاق النار.
كان رئيس أيرلندا مايكل دي هيغنز -الذي يثير الدهشة أحيانًا بحديثه العلني رغم دوره المستقل- صارمًا في ردّه على أفعال “إسرائيل”، فقد قال للمراسلين أثناء زيارته لروما مع تصاعد القصف على غزة: “إن الإعلان مقدمًا عن خرق القانون الدولي والقيام بذلك تجاه شعب بريء، يقوض كل القوانين الموجودة منذ الحرب العالمية الثانية لحماية المدنيين ويحولها إلى أسمال بالية”.
يتمتع الرئيس الأيرلندي بدعم شعبي واسع، وهو يعكس وجهة نظر الشعب بعيدًا عن الأحزاب، فعندما أثار ذلك التصريح غضب السفير الإسرائيلي في أيرلندا، انطلقت دعوات شعبية لطرد السفير.
كشفت الأحداث الأخيرة عن توترات بين أيرلندا والاتحاد الأوروبي، فإعلان رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، عن دعمها علانية لـ”إسرائيل”، أثار حنق أيرلندا التي ما زالت دولة محايدة عسكريًّا.
قال فارادكار إن الكثير من تعليقاتها تفتقر إلى التوازن، وأنه أخبرها بذلك بالفعل، عندما طالب الاتحاد الأوروبي أخيرًا بهدنة مؤقتة للصراع، قال إنه راضٍ عن ذلك، فمن الصعب دائمًا التوصل إلى حل وسط توقّع عليه 27 دولة ذات وجهات نظر مختلفة.
وأخيرًا، السؤال المطروح كيف سيصبح الوضع مع حزب شين فين المناصر لفلسطين، والذي من المتوقع أن يصبح أكبر حزب في الحكومة بعد الانتخابات العامة القادمة؟ فقد أعلن الحزب سابقًا عن دعمه لحركة المقاطعة وسحب الاستثمار وفرض العقوبات (BDS).
ومع كل الحديث عن الجمهورية والقومية والوحدة الأيرلندية داخل الحزب، إلا أن حساب زعيمة الحزب، ماري لو ماكدونالد، على منصة إكس الآن لا يحمل علم أيرلندا، بل يحمل علم فلسطين.
يرى الدبلوماسيون الإسرائيليون دائمًا أن أيرلندا أقل دولة أوروبية تعاطفًا معهم، وهذه الأسابيع الأخيرة تؤكد أن هذه السمعة لن تتغير قريبًا، لكن ذلك الأمر لا يثير اهتمام غالبية الشعب الأيرلندي، ما يهتمون به حقًّا توقف القصف على غزة.
المصدر: الغارديان