بالكاد نسمع عن نساء عسكريات أو مجندات، وفي حال أن سمعنا عنهن يثير الأمر الغرابة في عقولنا لتكثر الأسئلة عن بداياتهن وتجربتهن في حمل الأسلحة والقتال على أرض المعركة وعن دوافعهن في المشاركة في هذا الأمر المقتصر على الرجال عموماً.
قديماً لم يكن يسمح بتاتاً للنساء في المشاركة في الأمور السياسية أو العسكرية، لكن رغماً عن القوانين الدستورية والعرف الاجتماعي التحقت المرأة بالجيش، يذكر المؤرخون أنه أثناء الحرب الأهلية في الولايات المتحدة الأمريكية (1861-1865) شاركت النساء بالمعركة وكان عددهن ما بين 400 و750 امرأة تخفين على هيئة رجل حتى يتسنى لهم القتال، لكن تم الكشف عن بعضهن وتم سجنهم أو تحويلهم إلى مراكز تأهيلية.
مؤخراً يبدو الأمر اعتيادياً لدى دول العالم الغربية والأوروبية التي يكون التجنيد فيها إلزامياً على النساء والرجال على حد سواء، حيث تخضع فيه النساء لتدريبات كاملة وشاملة تضمن كفاءتهن واحترافيهن في القتال.
لكن الأمر مختلف لدي العالم العربي الذي يحافظ على الصورة التقليدية للمرأة، ومع ذلك سمحت بعض من الدول العربية للنساء بالمشاركة العسكرية وبأداء واجبهن تجاه الوطن.
كانت أهداف النساء من المشاركة في الحروب الدامية هو حب الوطن والإيمان بقضيته، وبعضهن حتى يبقوا بجانب رفقائهن أو أزواجهن، والبعض الأخر من أجل الأجر المادي الذي يتلقاه الجندي العسكري
الولايات المتحدة الأمريكية
العضو الأنثى الوحيدة في منظمة المحاربين القدامى
سارة إدموندز سيلي هربت من كندا إلى الولايات المتحدة رفضًا للزواج بسن الخامسة عشر، قررت سيلي أن تتنكر على هيئة رجل حتى تتمكن من السفر ومن ثم العمل ببيع الأناجيل للناس وحتى الالتحاق بالجيش.
“أحمد الله أنه كان بإمكاني فعل ذلك، بدلًا من الجلوس في المنزل والنحيب فقط على هذا الوضع”.
بعد مشاركة سيلي في العديد من المعارك بشجاعة سواء بالقتال أو بعمليات التجسس على العدو أو بنقل الجرحى، هربت سيلي من الجيش بعد إصابتها بمرض الملاريا وذلك حتى لا يتم تشخيصها والكشف عنها، اعتبرها الجيش هاربة من الجندية وتم طلبها للعدالة، لكنها تخلت عن مظهرها التنكري ولم يستطع أحد التعرف عليها،في هذه الأثناء، كتبت الجندية الهاربة مذاكرات باسم “ممرضة وجاسوس في جيش الاتحاد”.
تقول جندية المشاة، سيلي التي تنكرت كرجل باسم فرانكلين فلينت تومسون: “أحمد الله أنه كان بإمكاني فعل ذلك، بدلًا من الجلوس في المنزل والنحيب فقط على هذا الوضع”.
بعد نهاية الحرب وقبل موت سيلي بسنة واحدة تم محو تهمة فرارها من الجيش، كما تم الاعتراف بها كأول أنثى عضو ضمن منظمة المحاربين القدامى التي لم تضم سوى الرجال.
لوريتا فالزكيز تنكرت على هيئة رجل من أجل رفيقها
حصلت على رتبة ملازم في الجيش بعد أن اتخذت قرار التنكر للبقاء مع صديقها ضابط الجيش الأمريكي، بعد أن وضعت شاربًا ولحية مستعارين لقبت نفسها باسم “هاري بافورد” وأصبحت ضابط للجيش وجاسوسة على العدو، وخلال استجوابها في أحد التحقيقات تم افتضاح أمرها وتسريحها من الجيش عقابًا لها.
في إحدى الولايات الأمريكية الأخرى نجحت فالزكيز مجددًا بالتنكر والالتحاق بالجيش، لكن بعد إصابتها في الحرب، كشف طبيب الفرقة أمرها وهكذا انتهت رحلتها مع الجيش.
العالم العربي
في الجزء الشرقي المحافظ من العالم، لطالما قُصرت مهمات المرأة في المجال العسكري على التمريض والأعمال المكتبية الإدارية والمراسلات، لكن مؤخرًا سمحت بعض الدول العربية للمرأة بخوض التدريبات العسكرية والالتحاق بالجيش والقتال على ساحة المعركة محاربة أعداء الوطن كأقرانها الرجال.
الأردن
عام 1962 بعد أن تم تأسيس كلية الأميرة منى للتمريض وتخريج أول فوج لمرشحات الخدمة في مديرية الخدمات الطبية الملكية، اجتازت ثماني مجندات التدريب اللازم وتم منحهن رتبة ملازم ثانٍ في المديرية، ومنذ ذلك الحين تقدمت العديد من النساء بطلبات الالتحاق بالخدمة العسكرية كضابطات صف أول في الشرطة العسكرية وضمن المخابرات والحراسة الملكية.
حرصًا على دور المرأة الأردنية في الحياة العسكرية، تم إنشاء مديرية شؤون المرأة العسكرية، وذلك لتمكين دور المرأة في القوات العسكرية والتأكيد على المساواة بينها وبين الرجال وقيامها بالحقوق والواجبات والمسؤوليات بشكل تام دون تفاوت أو تهاون وذلك لخلق كفاءات عسكرية وقتالية محترفة في خدمة الوطن.
يذكر أن الشرطة النسائية تمثل 7% من جهاز الأمن العام في الأردن، وبلغ عدد مشاركة المرأة في قوات حفظ السلام 64 مشاركة.
المثير للاهتمام، أن المجندات الأردنيات حاربن طالبان في أفغانستان عام 2005 وكانت هذه أول مهمة خارجية لهن، قال العقيد عارف الزين الأردني: “إننا نحاول أن نشرح لهم عن الإسلام المعتدل لإبعادهم عن التطرف والأفكار المتطرفة، وبما أن بعض النساء الأفغانيات لا يتحدثن مع الجنود، فإننا اخترنا وحدة نسائية للتواصل معهن وذلك أول تكليف للنساء الأردنيات خارج المملكة”.
تونس
“ليس لدينا ميزة عن الآخرين، كلنا نعمل في القوات العسكرية لخدمة وطن واحد”
أعلن وزير الدفاع التونسي فرحات الحرشاني في تصريح له أنه حان الأوان من أجل إدماج النساء التونسيات في العمل العسكري، خاصةً في الوقت الحالي الذي تمر به تونس بأوقات عصيبة وتحديات في مواجهة الاعتداءات الإرهابية، إذ إن الدستور التونسي يقول إن الخدمة الوطنية واجب على كل مواطن وهذا النظام يطبق على الكل سواء ذكر أم أنثى.
من أبرز التونسيات العسكريات الدرة وألفة، كلتاهما طيارين عسكريين وهن جزء من أربعين امرأة في القوات الجوية التونسية.
الملازم ألفة، طيار نقل داخل الجيش التونسي، من مهماتها أن توفر الدعم الجوي اللوجستي وأن تكون في حالة تأهب دائم للإقلاع في أي وقت وبناء على أوامر مركز القيادة، تحمل ألفة على طائرتها العسكرية أسلحة وذخيرة ومعدات واحتياجات طارئة وغيرها من مواد الإغاثة لمساعدة الجرحى في أي أوقات كارثية.
الدرة وألفة تقولان: “ليس لدينا ميزة عن الآخرين، كلنا نعمل في القوات العسكرية لخدمة وطن واحد”.
الكويت
قد سمح للمرأة الكويتية العمل في جهاز الشرطة وكان منهن ضابطات صف أول على الرغم من اختلاف وجهات النظر المجتمعية لهذا النوع من المهن للمرأة.
المرأة الكويتية لا تختلف عن أي امرأة أخرى في العالم، لكن التقاليد والبيئة المتشددة هي التي تحدد سلوكها وتفكيرها وأسلوبها في الحياة.
في شهر مارس الماضي، أعلنت دولة الكويت التجنيد على جميع مواطنيها ذكورًا ونساء إجبارًا وذلك بعد تعليق قانون التجنيد لمدة 16 عامًا، إلا أن هذا القرار أثار جدل في الكويت المعروف بعاداتها وتقاليدها المحافظة، لكن النساء الكويتيات كانت ردة فعلهن مشجعة ومؤيدة لهذا القرار الذي ينظر لهن على أنهن مواطنات لديهن التزامات ومسؤوليات تجاه وطن.
تقول نورية الخرافي، أستاذة علم النفس التربوي بجامعة الكويت، إن المرأة الكويتية لا تختلف عن أي امرأة أخرى في العالم، لكن التقاليد والبيئة المتشددة هي التي تحدد سلوكها وتفكيرها وأسلوبها في الحياة.
يذكر أن الكويت بدأت تستشعر بالخطر بما أن العالم أجمع في مواجهة تامة لضربات الإرهاب العشوائية والمستمرة، لذلك كان على دولة الكويت أن تتأهب لصد أي مخاطر تهدد أمنها وأمن مواطنيها.
قالت ندى العجمي، عاملة في سلك الشرطة الكويتية، إن دخول المرأة الكويتية للسلك العسكري خطوة الألف الميل وتوضح التقدم في الذهنية الكويتية المجتمعية ودور المرأة يكمن في تحقيق ذاتها وإثبات وجودها في هذا المجال.
الإمارات العربية المتحدة
بعد أن تم إنشاء مدرسة خولة بنت الأزور العسكرية في الإمارات، فُتح المجال للفتيات اللواتي يرغبن في الانضمام إلى القوات المسلحة الإماراتية، اغتنمت مريم المنصوري هذه الفرصة لتشارك في معارك عاصفة الحزم في اليمن وذلك بقصف واستهداف مواقع تنظيم داعش لتصبح المنصوري أول امرأة عربية تحمل رتبة رائد طيار في سلاح الطيران الإماراتي.
الفروقات تختفي عند بدء العمل وليس هناك استثناءات او إقصاءً من أي مهمات.
ذلك بعد أن أصدر الشيخ زايد آل نهيان قانون إماراتي يسمح للفتيات من سن 18 إلى 30 سنة بالتجنيد لمدة تسعة أشهر، بشرط موافقة ولي الأمر.
بعد أن انتهت المنصوري من دراستها الثانوية، قررت الالتحاق بالقوات المسلحة لرغبتها في أن تكون طيارًا مقاتلًا، على الرغم من دعم عائلتها لها، فإن المنصوري واجهت صعوبات وتحديات لكنها لم تترك مجالًا للشك بقدرتها على المنافسة في هذا المجال واحترافه نظريًا وعلميًا لتقود بعد ذلك طائرة إف 16 بلوك 60.
أشارت المنصوري أن التدريبات الذي تخضع لها لا فرق بينها وبين أقرانها الرجال، فالجميع يخضع لتمرينات على مستوى عالٍ من الاحترافية والكفاءة والفروقات تختفي عند بدء العمل وليس هناك استثناءات او إقصاءً من أي مهمات.
تضيف المنصوري “أشعر بالفخر والمسؤولية الكبيرة لعملي في هذا المجال، خاصة أن اختياري لهذا العمل نابع من شغفي الشديد بالطيران المقاتل”.
حصلت المنصوري على جائزة من الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي، وذلك تكريمًا لتميزها ولأنها رمزًا لفخر الإمارات.
بعد أن اثبتت المرأة نفسها في هذا المجال الذي احتكره الرجال لهم لعقود طويلة، أصبح من المتوقع أن تزيد نسبة النساء العسكريات ليس فقط بسبب النجاح الذي حققهن وإنما بسبب الأوضاع السياسية المقلقة التي يعيشها العالم، مما يجعله في حاجة أكبر لأيدي مدافعة عنه.