بدأ الجزائريون صباح اليوم الخميس بالتصويت في أول انتخابات تشريعية في ظل الدستور الجديد الذي جرى تعديله في فبراير 2016، والذي ينص على تشكيل الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات بالجزائر التي يرأسها عبد الوهاب دربال، حيث تشرف على ضمان نزاهة العملية الانتخابية من بدايتها إلى نهايتها، رغم تشكيك المعارضة فيها.
23 مليونًا و251 ألفًا و503 ناخبا
يختار 23 مليونًا و251 ألفًا و503 ناخبًا جزائريًا مسجلاً في القوائم الانتخابية من بينهم نحو مليون في الخارج، 462 نائبًا في المجلس الشعبي الوطني “مجلس النواب” (الغرفة الأولى للبرلمان)، موزعة بين 48 محافظة (كل محافظة تمثل دائرة انتخابية)، كما خصصت 8 مقاعد (من 462 مقعدًا) للجالية في الخارج حيث توجد 4 دوائر انتخابية وهي فرنسا بدائرتين ودائرة تخص المشرق العربي ودائرة تضم باقي أوروبا وأمريكا، ويتنافس 27 مترشحًا على كل مقعد.
وتتواصل العملية الانتخابية إلى الساعة السابعة من مساء اليوم مع إمكانية تمديد فترة التصويت بطلب من المحافظين، “عند الاقتضاء وبترخيص من الوزير المكلف بالداخلية قصد تسهيل ممارسة الناخبين لحقهم في التصويت”، حسب ما ينص عليه القانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات المصادق عليه في أغسطس 2016.
الجالية ممثلة بـ8 نواب على مستوى الغرفة السفلى للبرلمان، يمثلون 4 مناطق جغرافية بمعدل نائبين لكل منطقة
مع العلم أن العملية الانتخابية انطلقت منذ خمسة أيام بالنسبة للجزائريين المقيمين بالخارج، حيث توجه نحو 955 ألف ناخب من الجالية الجزائرية المقيمة بالخارج إلى صناديق الاقتراع، لاختيار ممثليهم في المجلس الشعبي الوطني، علمًا أن الجالية ممثلة بـ8 نواب على مستوى الغرفة السفلى للبرلمان، يمثلون 4 مناطق جغرافية بمعدل نائبين لكل منطقة.
ومن ضمن المناطق الجغرافية الأربعة توجد اثنتان في فرنسا، الأولى في باريس والثانية في مارسيليا، بالإضافة إلى المنطقة الثالثة التي تشمل الدول العربية وإفريقيا ومنطقة “آسيا – أوقيانوسيا”، أما المنطقة الأخيرة فتشمل الولايات المتحدة وباقي أوروبا (عدا فرنسا)، ويوجد 61 مركز اقتراع و390 مكتب تصويت تحت تصرف أفراد الجالية المقيمة بالخارج، حسب وزارة الداخلية الجزائرية.
تتواصل عملية الانتخابات إلى مساء اليوم
فيما انطلقت عملية التصويت، الإثنين، بالنسبة للبدو الرحل في المناطق النائية بولايات تمنراست وتندوف وبشار الحدودية إلى جانب ولاية النعامة على أن تنتهي اليوم، وسيدلي الناخبون بأصواتهم في 12176 مركزًا للتصويت و53124 مكتبًا للاقتراع، وينتظر أن تظهر نسبة المشاركة مساء اليوم، وخلاله سيعلن التليفزيون نسبًا جزئية في الولايات، وسيعلن وزير الداخلية النتائج النهائية الجمعة في مؤتمر صحفي.
الانتخابات السادسة من نوعها التي تنظمها البلاد في عهد التعددية السياسية
تعد الانتخابات اليوم، السادسة من نوعها التي تنظمها البلاد في عهد التعددية السياسية، وشهدت الجزائر تنظيم خمسة انتخابات برلمانية تعددية تنافست فيها أحزاب مختلفة منذ إقرار دستور الانفتاح السياسي في فبراير 1989، الذي أنهى قرابة ثلاثة عقود من حكم الحزب الواحد (حزب جبهة التحرير الوطني)، وباستثناء الانتخابات الأولى التي نظمت أواخر العام 1911 ولم تستكمل جولتها الثانية وانتهت بإلغاء المسار الانتخابي، فإن كل المواعيد الانتخابية الأخرى فازت فيها أحزاب الموالاة التي حصلت على أكثر من 74% من المقاعد في انتخابات 1997، و63% في 2002، وأكثر من 50% في انتخابات 2007، و61% في انتخابات 2012.
مشاركة 57 حزبًا
أعلنت وزارة الداخلية الجزائرية مشاركة 57 حزبًا سياسيًا في الانتخابات و12591 مرشحًا في 940 قائمة انتخابية حزبية و1125 مرشحًا في 98 قائمة مستقلة، ويضمن حزبا جبهة التحرير الوطني وحزب التجمع الوطني الديمقراطي أكبر عدد من المرشحين، إذ بلغ مرشحو كل حزب 614 مرشحًا ضمن 52 قائمة، فيما يشارك تحالف “حركة مجتمع السلم” (تحالف أحزاب إسلامية) بـ610 مرشحين ضمن 51 قائمة، وتحالف النهضة والعدالة والبناء (تحالف أحزاب اسلامية) بـ570 مرشحًا ضمن 48 قائمة، فيما يشارك 24 حزبًا بأقل من عشر القوائم الانتخابية وأربعة أحزاب تشارك بقائمة واحدة.
لم تتمكن سوى خمسة أحزاب من تغطية قوائمها في كل محافظات البلاد الـ48، فيما لم يتمكن إلا حزبين فقط من الترشح في كل الدوائر داخل البلاد وخارجها
ويشارك حزب “تجمع أمل الجزائر”، لرئيسه الوزير الإسلامي السابق عمار غول، أحد أشد المدافعين عن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لأول مرة في هذه الانتخابات، ويأمل الحزب أن يحقق عددًا معتبرًا من المقاعد بما أنه من الأحزاب الخمس التي قدمت قوائم في كل الدوائر الانتخابية الـ48 في الجزائر، في حين توجد أربع دوائر بالخارج.
ولم تتمكن سوى خمسة أحزاب من تغطية قوائمها في كل محافظات البلاد الـ48، فيما لم يتمكن إلا حزبين فقط من الترشح في كل الدوائر داخل البلاد وخارجها، ويقاطع هذه الانتخابات حزبين وهما حزب طلائع الحريات (وسط) الذي يقوده علي بن فليس رئيس الحكومة الأسبق (2000-2003)، وحزب جيل جديد (علماني) وهو حزب أسسه عام 2012 جيلالي سفيان القيادي المنشق عن حزب التجديد الجزائري، وكلاهما يعتبر أن هذه “الانتخابات التشريعية لن تحمل أي تغيير.”
هيئة عليا للإشراف على الانتخابات على رأسها معارض إسلامي
لأول مرة تقام الانتخابات التشريعية الجزائرية، تحت إشراف هيئة عليا مستقلة لمراقبة الانتخابات، يرأسها المعارض الإسلامي عبد الوهاب دربال، استحدثت بموجب المادة 194 من الدستور المعدل في 7 من فبراير 2016، لتنظيم العملية الانتخابية، وتحل الهيئة محل اللجنة الوطنية القضائية للإشراف على الانتخابات واللجنة الوطنية السياسية لمراقبة الانتخابات، واللتين كانتا الجهازين المتابعين للعملية الانتخابية.
رئيس هيئة الانتخابات عبد الوهاب دربال
ونص التعديل الدستوري على تشكيل هيئة عليا مستقلة لمراقبة الانتخابات، ترأسها شخصية وطنية يعينها رئيس البلاد بعد استشارة الأحزاب السياسية، وتضم 410 أعضاء، نصفهم قضاة، يقترحهم المجلس الأعلى للقضاء، وحددت مهام الهيئة في “السهر على شفافية ومصداقية الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية والاستفتاء، بدءًا باستدعاء الهيئة الناخبة إلى غاية الإعلان عن النتائج المؤقتة للاقتراع.”
مخاوف من العزوف والمقاطعة
يبقى التحدي الأكبر بالنسبة للسلطة وحتى الأحزاب تعبئة الناخبين للإدلاء بأصواتهم، بالنظر إلى العزوف القياسي الذي شهدته آخر انتخابات تشريعية سنة 2012 بنسبة امتناع عن التصويت بلغت 57%، حيث لم تتجاوز نسبة المشاركة 43%، لذلك تحدي الإقبال على التصويت قائمًا في هذه الانتخابات، خاصة مع ظهور دعوات مقاطعة في الأيام الأخيرة، سرعان ما انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي وتفاعل معها العديد من الجزائريين الذين يرى البعض منهم أن البرلمان لن يمتلك السلطة ووجوده شكلي.
طلبت السلطات الجزائرية من الأئمة في المساجد حثَّ المصلين على المشاركة في الانتخابات
من جهتها، قامت الحكومة بحملة واسعة عبر وسائل الإعلام وفي المساحات الإعلانية للدعوة إلى التصويت تحت شعار “سمّع صوتك” من أجل “الحفاظ على أمن واستقرار البلاد”، حسب قولها، كما طلبت من الأئمة في المساجد حثَّ المصلين على المشاركة في الانتخابات، ودعا الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، في رسالة تُليت باسمه، الجزائريين للمشاركة في الانتخابات، لأنها تسهم في استقرار البلاد وطمأنهم إلى أن المسؤولين والأعوان العموميين المكلفين تنظيم الانتخابات، سيتحلّون بـ”الحياد التام”.
الأحزاب الحاكمة تسعى لحصد أكبر عدد من المقاعد
كما جرت العادة في الانتخابات السابقة، يتوقع خبراء ألا تغير هذه الانتخابات الخارطة السياسية في البلاد حيث من المنتظر أن تحصد الأحزاب الحاكمة وهما جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي أغلبية مقاعد المجلس الشعبي الوطني، ويتدافع الحزبان من أجل افتكاك أكبر حصة من المقاعد، ولكنهما في النهاية يتحالفان لتشكيل الأغلبية البرلمانية التي لم تستطع المعارضة حتى الآن تفكيكها.
100 ألف شرطي ودركي لتأمين الانتخابات
نشرت الحكومة الجزائرية 70 ألف شرطي، و30 ألف دركي، لضمان تأمين الانتخابات البرلمانية، فيما أعلن الجيش الجزائري الانتهاء من استعدادات تأمين الانتخابات، خاصة في المناطق الريفية، ولوحظ انتشار أمني مكثف وسط العاصمة، وفي المحاور الكبرى، وقرب المنشآت الحيوية، ويتولى الجيش تغطية المناطق الريفية والحدودية، فيما تتولى الشرطة والدرك تأمين المناطق الحضرية، خلال هذه الانتخابات.
سعي لتأمين الانتخابات
وقال نائب وزير الدفاع الوطني ورئيس أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح: “الجيش اتخذ كل الإجراءات الأمنية الكفيلة بتأمين الانتخابات البرلمانية، وضمان السير الحسن لهذا الاستحقاق“، وأكد قايد صالح، في اجتماع مع قيادات عسكرية، أن “الجيش انتهى من إعداد خطة ميدانية ذات أبعاد احترازية واستباقية، تضمن الأمن والاستقرار عبر أرجاء ترابنا الوطني، وعلى طول حدوده كافة خلال فترة الانتخابات“.