ترجمة حفصة جودة
يتذكر سكان جبل البابا من كبار السن مشهد التلال المتموجة والأشجار الخضراء جيدًا على طول الجبال المجاورة، قبل أن يتم بناء مستوطنة معاليه أدوميم غير القانونية، يقول سليمان قايد جهالين وهو ينظر إلى المستوطنة الحضرية الممتدة أمامه والتي يعيش فيها ما يقرب من 40 ألف مستوطن: “عندما كنت صغيرًا، لم يكن هناك سوى الجبل والأشجار فقط، كانت مثل الغابة”، يعيش سليمان في المنطقة منذ السبعينيات وهو أحد أفراد قبيلة الجهالين – واحدة من أكبر المجتمعات البدوية في الضفة الغربية المحتلة -.
بُنيت معاليه أودميم على التخوم الشرقية للقدس الشرقية المحتلة عام 1975، كان عمر سليمان في هذا الوقت 5 سنوات، لكن المستوطنة لم تنته بين عشية وضحاها، لذا يمتلك سليمان ذكريات واضحة للأرض قبل انتشار المستوطنة في الأفق، جاءت العائلات الفلسطينية إلى جبل البابا في أوائل الخمسينيات بعد طرد الفلسطينيين عام 1948 مما يُسمى الآن “الكيان الإسرائيلي المحتل”.
“يستيقظ الأطفال مذعورين وخائفين جدًا من صوت الجنود وهو يضايقوننا ويهدمون منازلنا” – سليمان قايد
يقول سليمان – المصاب بالعمى جزئيًا نتيجة حالة طبية خطيرة -: “نحن نعيش هنا منذ أكثر من 50 عامًا، نعتمد فقط على أنفسنا ومواردنا الخاصة، لكنهم الآن يمكلون هذه المستطونة الكبيرة ويرغبون في مزيد من التوسع، إنهم يرغبون في رحيلنا ليأخذوا الجزء الصغير المتبقي لنا”.
يقع جبل البابا في ممر “E1” وهو جزء داخل الضفة الغربية المحتلة يفصل معاليه أودميم عن باقي القدس، في عام 1999 أصبح أكثر من 3000 فدان في الممر أراضٍ تابعة للدولة، في إجراءات مشكوك في صحتها قانونيًا حسبما ورد في تقرير منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية “B’Tselem”، وإذا تم ضمها بالكامل فسوف يربط الممر بين مستوطة معاليه أدوميم غير القانونية والقدس الشرقية المحتلة، يعيش ما لا يقل عن 18 مجتمعًا بدويًا في الممر، وفي جبل البابا وحده هناك ما لا يقل عن 300 شخص، ولأنه مجتمع غير معترف به، فهم يعيشون بلا كهرباء ويحصلون على المياه من خزانات الشاحنات فقط.
بدأ بناء مستوطنة معاليه أدوميم عام 1975
يقول سليمان: “نحن من البدو، ومن عاداتنا الانتقال من مكان لآخر، لم نطلب أي شيء من أحد ونعتمد على مواشينا والأرض، لكن الاحتلال طردنا من النقب عام 1948، لم نكن نسبب الإزعاج لأي أحد وكنا نعيش حياة هادئة، كل هذا لم يكن كافيًا لهم والآن يرغبون في الاستيلاء على هذه الأرض أيضًا”.
ومثل التجمعات البدوية الأخرى، غالبًا ما تأتي قوات الاحتلال الإسرائيلي لإصدار أوامر بالهدم أو تنفيذ عمليات هدم، يضيف سليمان: “لا يمكننا التوسع، لا يمكننا إصلاح أي شيء أو بناء بيوت جديدة لأطفالنا عندما يكبرون في السن، نخاف من القيام بأي حركة جديدة لأنهم يأتون لتهديدنا ويهدمون جميع ما بنيناه، تضطر القبيلة للتعامل مع المضايقات الكثيرة والخوف فضلاً عن هدم المنازل”.
“دائمًا ما يأتون في الثالثة أو الرابعة صباحًا عن قصد، عندما يكون الجميع نائمين، حيث يأتون مع الشاحنات والسيارات الجيب والدبابات فيسببون خوفًا شديدًا لأطفالنا، يستيقظ الأطفال مذعورين وخائفين جدًا من صوت الجنود وهو يضايقوننا ويهدمون منازلنا”، وبحسب تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، يهدم الاحتلال الإسرائيلي هذا العام نحو 26 منزلاً يملكه الفلسطينيون كل أسبوعين، في عام 2016 هدمت قوات الاحتلال ما يقرب من 1093 منزلاً مملوكًا للفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلة، معظم عمليات الهدم تحدث في المجتمعات البدوية.
سوف نبقى هنا
في الأسبوع الماضي تجمع الشباب والناشطون في المنطقة ووضعوا مجموعة من الصخور ملونة بالأبيض على جانب الجبل المواجه لمعاليه أودميم مكتوب عليها بخط عربي واضح: “سوف نبقى هنا”، خلال ساعات قليلة جاءت قوات الاحتلال ودمرت الصخور، يرى يوسف سلمان جهالين – 42 عامًا وأحد قادة بدو جبل البابا – أن هذه الحركة التي قام بها الشباب لم تكن مناسبة فهي تجذب اهتمامًا غير مرغوب فيه لمجتمعهم، يقول يوسف: “للأسف نحن بحاجة لأن نعيش هنا بكل هدوء، لا نرغب في أن يزعجنا أحد، والقيام بمثل هذه التصرفات يثير قوات الاحتلال، فهم ينتظرون أقل شيء للقدوم هنا والتسبب في الكثير من المشاكل”.
يوسف سلمان جهالين، أحد قادة البدو في جبل البابا
يمتلك يوسف العديد من الحكايا عن الأوقات التي هدموا فيها منزله، ويقول إن لكل فصل من فصول السنة معاناته الخاصة، ففي صقيع الشتاء يصبح من المستحيل البقاء على قيد الحياة، وفي الصيف تجعل حرارة الشمس الحارقة الحياة دون مأوى أمرًا لا يطاق، يقول يوسف: “بعد عمليات الهدم، تجلب لنا الحكومة الفلسطينية أو المنظمات الأخرى الخيام في بعض الأحيان، وعندها يعود جنود الاحتلال للاستيلاء على الخيام أيضًا، الحياة هنا بالغة الصعوبة”.
يواصل يوسف حديثه قائلاً إن معظم البيوت في جبل البابا مصنوعة من المعدن المموج بالإضافة إلى بعض البيوت المتنقلة التي تبرع بها الاتحاد الأوروبي، وحتى هذه البيوت تتعرض للهدم والمصادرة حسب مزاج قوات الاحتلال الإسرائيلي، ورغم أن يوسف يعلم أن فترة معيشة قبيلته في جبل البابا أصبحت محدودة، لديه بعض الإيمان بالمحاكم الإسرائيلية، حيث تأمل القبيلة أن تفوز بحق البقاء في الجبل.
“لقد أخبرونا بشكل رسمي أننا ممنوعون من بناء أي شيء جديد، لكن لم يصلنا تاريخًا محددًا بالوقت الذي يرغبون في خروجنا من المنطقة تمامًا، ما زلنا ننتظر قرار المحكمة والجنود يأتون في كل وقت يهددون بهدم جميع منازلنا وطردنا، لكننا لم نستلم أي أوراق رسمية بذلك، ما زلنا نقاتل من أجل البقاء”، في عام 2014 قدم سكان جبل البابا طعنًا ضد أوامر الهدم والتي من شأنها أن تؤثر على مئات المنازل البدوية ومن ضمنها منازل لقبيلة الجهالين.
“لقد شاهدت هذه المستوطنة وهي تنمو مثل السرطان وتستولي على أراضينا” – يوسف سلمان
يقول شلومو ليكر محامي البدو إن القضية ما زالت مستمرة ومن غير المتوقع أن تحدث أي تطورات في المستقبل القريب، هناك نحو 46 تجمعًا سكانيًا من ضمنهم من يعيشون في المنطقة “E1” ويشكلون ما يقارب 7000 شخص في وسط الضفة الغربية المحتلة، هؤلاء الأشخاص عرضة للتهجير القسري بواسطة الاحتلال الإسرائيلي، و70% منهم مسجلون كلاجئين حسبما قالت رابطة وكالات التنمية الدولية (AIDA).
الأمر خطير بالنسبة لمستقبل الاحتلال الإسرائيلي
في افتتاحية جريدة “Jerusalem Post” الشهر الماضي، قال ديفيد فاينبرغ مدير الشؤون العامة بمركز بيجين سادات للدراسات الاستراتيجية بجامعة بار إيلان وكبير مستشاري “Tikvah Fund” في دولة الاحتلال: “ضم منطقة “E1″ أمر ضروري جدًا لمستقبل إسرائيل في القدس، فضلاً عن أمنها على المدى الطويل”.
وأوضح فاينبرغ أن جماعات الضغط البيئية الإسرائيلية نجحت في ردع التوسعات في القدس ناحية الغرب، ومع وجود مدن بيت لحم الفلسطينية في الجنوب ورام الله في شمال القدس، لم يعد أمام الاحتلال الإسرائيلي سوى التوسع شرق القدس، يقول فاينبرغ: “هذه هي آخر قطعة كبيرة من الأراضي غير المستقرة حول القدس، وهي المكان الوحيد المتاح لبناء عشرات آلاف المنازل للتغلب على مشكلة نقص المساكن في القدس”.
تعتبر القدس الشرقية جزءًا من الضفة الغربية رغم أنها تقع في الجانب الغربي من الجدار العازل الإسرائيلي فإنها تمثل مركزًا حضريًا لسكان الضفة الغربية، ومع ذلك، فبعد بناء الجدار تم منع سكان الضفة الغربية من دخول المدينة دون امتلاكهم لتصاريح من الصعب الحصول عليها، وقالت منظمة “B’Tselem” إن القدس الشرقية كانت مفصولة عمدًا عن بقية الضفة الغربية، هذا الانفصال ستزداد حدته عند تنفيذ خطة “E1”.
نحن نرفض الاستسلام
عندما سألناه إذا كان سيترك المكان طواعية إذا منحوهم تعويضًا لإعادة توطينهم، أجاب يوسف بالرفض القاطع، يقول: “بالطبع لا، لن نرحل من هنا، لقد كنا هنا قبل معاليه أودميم بسبع أو ثماني سنوات، الأمر مؤلم فقد شاهدت هذه المستوطنة وهي تنمو مثل السرطان لتستولي على أراضينا جميعًا، نحن نرفض الاستسلام، تخيل أن هذا بيتك وجاء أحدهم يطلب منك أن تتركه وترحل، كيف ستشعر حيال ذلك؟ إنه أمر مهين”.
المصدر: ميدل إيست آي