“مقتل ثمانية عناصر من تنظيم ولاية سيناء التابع لـ “داعش” وإلقاء القبض على ثلاثة آخرين من بينهم قيادي كبير، وإصابة ثلاث سيارات دفع رباعي”، تلك التصريحات ليست للمتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة المصرية، كما يتبادر للذهن من الوهلة الأولى، لكنها هذه المرة صادرة عن المتحدث باسم قبيلة “الترابين” السيناوية في بيان رسمي له منذ يومين.
القبيلة في بيانها – الذي يعد سابقة من نوعه – أشارت إلى أن المواجهات مع “داعش” في سيناء مستمرة ومتواصلة إلى أن يتم تطهير المنطقة من عناصر التنظيم كافة، وهو ما يعد نقلة نوعية في المشهدين السياسي والأمني، خاصة بعد التصعيد المتبادل بين الجانبين، فلم تعتد مصر أن تتولى قبائل أو جماعات مسؤولية مواجهة التنظيمات المسلحة أو الإرهابية وأن تكون المواجهات بهذه الصورة، بيانات رسمية وقتل وأسر وتهديد.
المواجهات بين القبائل السيناوية و”داعش” وإن امتدت طيلة السنوات الماضية إلا أن التصعيد في شكله الحالي بين “الترابين” وعناصر التنظيم سابقة لم تشهدها سيناء من قبل، مما يدفع للتساؤل عن دلالات هذا التصعيد السياسية والأمنية فضلاً عن تأثيره على خارطة الصراع والمواجهات في سيناء.
بداية الصراع
البداية تعود إلى يوم الـ17 من أبريل الماضي، حين هاجمت بعض عناصر تنظيم ولاية سيناء التابع لـ “داعش” حافلتين محملتين بالسجائر تابعتين لقبيلة الترابين، أسفر الهجوم عن حرق الحافلتين بالكامل، وإصابة أحد السائقين، إضافة إلى استهداف مقر تابع للقبيلة بقذائف “آر بي جي” واختطاف اثنين من أفرادها وجلدهما، وهو ما اعتبرته القبيلة خرقًا للاتفاق الضمني بينهما بتمرير البضائع المهربة.
رسالة “داعش” إلى قبيلة “الترابين”: “إن الحرب لم تبدأ بعد ولسترون أكثر من ذلك والباقي أدهى وأمر”
وفي اليوم التالي مباشرة استقل أفراد القبيلة ما يقرب من 12 سيارة دفع رباعي، وحاصروا سوق البرث بمنطقة رفح، وهو السوق المعتاد لعناصر “داعش” التسوق من خلاله، وألقوا القبض على اثنين من التنظيم، وبحوزتهما جهازين اتصال، قبل اقتيادهما إلى وسط سيناء.
وفي الخامس والعشرين من نفس الشهر هاجم عناصر التنظيم تجمعًا لشباب قبيلة الترابين حيث وقعت اشتباكات عنيفة بين الطرفين أسفرت عن مقتل 4 أفراد من القبيلة وإصابة 6، وهو ما دفع القبيلة إلى الانتقام بإشعال النيران في جسد أحد عنصري التنظيم ممن ألقت القبيلة القبض عليهما خلال محاصرتها لسوق البرث، وبث مقطع الفيديو الذي يحتوي على العملية عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
أثار مقطع الفيديو حفيظة التنظيم، وهو ما دفعهم لنشر رسالة تهديد لأهالي “الترابين” عبر بعض اللجان الإلكترونية التابعة له على مواقع التواصل الاجتماعي جاء فيها: “إلى قبيلة الترابين، إن الحرب لم تبدأ بعد ولسترون أكثر من ذلك والباقي أدهى وأمر، لقد فتحتم على أنفسكم بابًا لن تستطيعوا أن تغلقوه إن ما ترونه الآن ليس إلا البداية”، كما هددها بملاحقة أفراد عائلاتهم واستهدافهم تحت زعم تهريبهم محرمات إلى داخل المدينة في إشارة منه لتهريب شحنات السجائر.
التنظيم في بيانه خير أفراد وعائلات قبيلة “الترابين” بين أمرين، الأول تحمل عواقب تأييد ودعم ما تقوم به القبيلة ضد التنظيم، فحسابكم حسابهم وعقابكم عقابهم، الثاني: رفض ما تقوم به بعض القبيلة وهنا يتوجب إعلان ذلك رسميًا من الأفراد والعائلات التي تتبرأ من هذه الأعمال.
وعقب هذا البيان دعت قبيلة “الترابين” القبائل الأخرى إلى الانضمام إليهم من أجل مواجهة داعش وتوحيد الصفوف بهدف تشكيل كيان موحد قادر على التصدي لهجمات عناصر التنظيم وملاحقته في مختلف مناطق سيناء بهدف تطهير المدينة منه، وبالفعل استجابت العديد من القبائل لهذا النداء أبرزها السواركة والرميلات والتياها، حيث تم الاتفاق على تشكيل تحالف قبلي برئاسة الشيخ عبد المجيد المنيعي لملاحقة تلك التنظيمات.
وفي تمام الساعة الخامسة والنصف من صباح الثلاثاء الثاني من مايو تصدت عناصر القبائل السيناوية لمجموعة من مسلحي التنظيم ممن كانوا يستقلون 4 سيارات، منها 3 دفع رباعي، في منطقة العجراء جنوب مدينة رفح، وأسفرت الاشتباكات عن مقتل 8 منهم والقبض على 3 بينهم قيادي كبير، وهو مسؤول الحسبة في تنظيم “ولاية سيناء” عن منطقة جنوب رفح و الشيخ زويد.
عناصر داعش التي تقول قبيلة “الترابين” إنها اعتقلتهم أول أمس
تطور نوعي
تصاعد وتيرة الأحداث والمواجهات بين القبائل السيناوية والجماعات المسلحة يمثل نقلة نوعية وتطورًا غير مسبوق لا شك أنه سيلقي بظلاله على المشهد السيناوي بصورة كبيرة، فضلاً عن دوره في إعادة رسم خارطة المواجهات المستقبلية والوضع الأمني في سيناء.
علي الرجال، الباحث في علم الاجتماع السياسي، في حديثه لـ”نون بوست” أشار إلى أن ما يحدث في سيناء حاليًا يمكن قراءته من عدة زوايا، أولها أن الصدام بين قبائل سيناء والتنظيمات المسلحة أصبح صدامًا مباشرًا على عكس ما كان في السابق، مشيرًا إلى أنه يعكس حالة النزاع على السيادة وفرض أسلوب حياة داخل المنطقة، وهو ما يعني احتمالية انخراط أهالي سيناء وقبائلها في الصراع والمواجهة مع تلك التنظيمات خاصة بعد طول فترة الحرب التي أعلنتها الدولة ممثلة في قواتها المسلحة والتي تجاوزت السنوات الثلاثة دون تحقيق نتائج ترضي أهالي سيناء، مما قد يفقدهم الصبر ويجرهم لأن يدافعوا عن مدينتهم بأنفسهم.
ثانيًا: التطور الملحوظ في الخطاب الإعلامي بين القبائل والجماعات المسلحة، حيث تحول إلى ما يشبه الحرب المتبادلة بين الطرفين، بيان هنا وبيان هناك، وهو ما يثير القلق والريبة.
علي الرجال: ما يحدث في سيناء حاليًا يعكس حالة النزاع على السيادة وفرض أسلوب حياة داخل المنطقة بين القبائل والتنظيمات المسلحة
أما الزاوية الثالثة – حسبما أشار الرجال- تتعلق بتحول انخراط قبائل سيناء في المواجهات مع التنظيمات المسلحة من السر إلى العلن، حيث كان في السابق من الممكن أن تستعين الدولة ببعض الروابط والكيانات للتصدي لبعض الجماعات الإرهابية وغيرها كما هو الحال في الصعيد في فترات سابقة، أما الآن فقد تحول الأمر إلى العلن، وباتت المواجهات مباشرة ووفق بيانات وتهديدات مسبقة، وهو ما يثير التساؤل عن متى وكيف تقرر القبائل الانخراط في المواجهات.
ومن زاوية أخرى فإن التحرش العسكري والأمني ببعض قبائل سيناء وتضييق الخناق عليهم فيما يتعلق بمواردهم الاقتصادية هناك دفعهم لأن يكونوا جزءًا من الصراع بدلاً من أن يكتفوا بدور المتفرج من بعيد كما كان في السنوات السابقة، حيث يواجه السيناويون مخاطر التهجير والنزوح طيلة الفترات الماضية، فضلاً عن توتر العلاقات بين القبائل وقوات الأمن لا سيما الداخلية بسبب طريقة إدارة الأخيرة لملف التعامل مع سيناء وأهلها منذ عقود طويلة.
وأختتم الباحث في علم الاجتماع السياسي قراءته لتطورات المشهد السيناوي بأن هناك احتمالية لإعادة رسم خارطة الصراع في سيناء، حيث من المرجح تضاؤل فرص داعش في المنطقة حال انخراط القبائل في المواجهات بشكل قوي، وهو ما يتضح بصورة كبيرة في تصريحات الشيخ إبراهيم العرجاني أحد كبار شيوخ قبيلة “الترابين” الذي أشار إلى أن عناصر داعش لن يكون لها وجود داخل سيناء خلال فترة تتراوح ما بين 15 يومًا إلى شهر.
تحول انخراط قبائل سيناء في المواجهات مع التنظيمات المسلحة من السر إلى العلن
فوضى أمنية
في تقرير سابق نشره “نون بوست” عن الوضع الأمني في سيناء، كشف عن وقوع ما يقرب من 1071 عملية إرهابية خلال السنوات الثلاثة الماضية (2014-2015-2016) ما يقرب من 89% منها نفذته تنظيم ولاية سيناء التابع لـ “داعش”، وذلك بحسب دراسة لمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.
التقرير تطرق أيضًا أن السياق الزمني والسياسي لوقوع هذه العمليات الإرهابية، والتي حدثت جميعها في الفترة التي اتخذت فيها قوات الأمن المصرية حزمة من الإجراءات القاسية ضد أهالي سيناء، كالتهجير وهدم المنازل وتضييق الخناق في التنقل والحركة من خلال فرض حالة الطوارئ والممتدة قرابة السنوات الثلاثة حتى الآن، إضافة إلى ممارسة عناصر التنظيمات المسلحة لكل ما يحلو لها داخل سيناء، حيث قامت بإجبار نحو 140 عائلة قبطية على النزوح خارج سيناء بعد مقتل 8 منهم وتهديد الآخرين بنفس المصير حال بقائهم في المدينة.
كذلك التحول النوعي في عمليات التنظيمات المسلحة سواء المتعلقة بالتحول الجغرافي في العمليات والتي انتقلت من شمال سيناء إلى جنوبها كما هو الحال في استهداف كمين سانت كاترين في الـ18 من أبريل الماضي، أو الانتقال من سيناء إلى العاصمة وأجوارها، حيث استهداف كنيسة البطرسية بوسط القاهرة ديسمبر الماضي وكنيستي طنطا (غرب القاهرة) والإسكندرية الشهر الماضي، فضلاً عن استهداف كمين بمنطقة مدينة نصر بالقاهرة أول أمس أسفر عن مقتل ضابطين وأمين شرطة.
وفي ظل هذه العمليات الإرهابية المتكررة سواء داخل سيناء أو خارجها تخرج بيانات الداخلية والجيش المصري بأن كل شيء تحت السيطرة، وأن الوضع في سيناء مستقر تمامًا، وهو ما جاء على لسان وزير الداخلية اللواء مجدي عبد الغفار أكثر من مرة، كذلك البيانات الصادرة عن المتحدث باسم القوات المسلحة.
وقوع 1071 عملية إرهابية في سيناء خلال السنوات الثلاثة الماضية، 89% منها نفذته جماعة أنصار بيت المقدس
تفجير كنيسة مارجرجس في محافظة الغربية الشهر الماضي
شبح الحرب القبلية يخيم
حالة من التباين الواضح تفرض نفسها على الأجواء السيناوية، ما بين مزاعم سيطرة قوات الأمن على الوضع في سيناء، وما تعانيه المنطقة من فوضى شبه كاملة، أمنيًا وسياسيًا، فضلاً عن تضييق الخناق على السيناويين في الحركة والتنقل، وما تبعها من تدهور للوضع الاقتصادي إما لأسباب تتعلق بالتحرش الأمني والعسكري بالقبائل أو غلق كل نوافذ الحياة الاقتصادية لديهم، فضلاً عن المناخ العام الذي يخيم عليه الجمود والشلل الحياتي.
هذا التباين الذي يجسد حالة الفوضى ربما يدفع أهالي سيناء – كما أوردنا سابقًا – إلى مغادرة مقاعد المتفرجين والنزول إلى مضمار المعركة، حيث المواجهة المباشرة دفاعًا عن أنفسهم وحياتهم، وهو ما أثار تخوفات البعض من نشوب حرب أهلية بين قبائل سيناء.
وعلى الرغم من تأكيد شيوخ بعض القبائل بشأن وجود تنسيق بينهم وبين الجيش المصري فيما يتعلق بتلك المواجهات، فإن سير الأحداث وتصاعد وتيرة الصدام إلى حد البيانات المتبادلة واقتناص الأسرى من قبل الجانبين، والتفنن في الانتقام ما بين الحرق وقطع الرؤوس، فضلاً عن دعوات توحيد القبائل وتسليحها من أجل التصدي لعناصر تلك التنظيمات، وتحول الوضع في سيناء إلى ما يشبه الفوضى، في غياب أي رد فعل رسمي من قبل السلطات المصرية عن هذه التطورات، أثار قلق البعض وحفيظة آخرين عما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع في سيناء مستقبلاً.